ناشطة سياسية تدعو لتشكيل "لوبي نسائي" للدفاع عن النساء وحقوقهن

دعت الناشطة السياسية حياة بوفراشن إلى تشكيل "لوبي نسائي" من أجل الدفاع عن حقوق النساء والحد من كافة أشكال العنف والتمييز الذي يطالهن خاصةً في مناطق الحرب والصراع.

حنان حارت

المغرب ـ أكدت الناشطة السياسية حياة بوفراشن، على أن تمثيلية النساء في الانتخابات لا تزال تعتمد بشكل كبير على نظام اللائحة، وأن العملية الانتخابية تعد تمريناً حياً لتحكم الرجال في وصول النساء إلى المجالس المنتخبة، وانتزاع مناصب القرار منهن.

أوضحت الناشطة السياسية والباحثة السوسيولوجية حياة بوفراشين وهي رئيسة المنظمة المغربية لإنصاف الأسرة، في حوارٍ مع وكالتنا، أن حوالي 5 نساء فقط تمكن من الفوز بالمقاعد كوكيلات للوائح التشريعية، في حين استفادت 90 امرأة من المقاعد المخصصة وجوبا للنساء في الدوائر التشريعية الجهوية.

 

انطلاقاً من نظرتك كباحثة في السيولوجيا وناشطة سياسية ومدنية، كيف ترين وضع النساء المغربيات في المرحلة الراهنة؟

لا يسعني إلا أن أجيب، بأنها بخير وفي تقدم متواتر رغم الصعوبات المعيشية اليومية التي تعاني منها النساء بدون مؤهل أكاديمي أو تقني أو حرفي. ففي كل المجالات نلاحظ أنه هناك زحف ملحوظ للعنصر النسوي نحو اكتساح المكان كماً وكيفاً، حيث أضحت تشكل منافساً شرساً.

وطبعاً هذا أمر لم تخلقه الصدفة، ولكن يعود إلى عدة عوامل على رأسها الإرادة السياسية، فمن خلال مبادرات شخصية يخول فيها للمرأة البلوغ إلى مناصب حساسة في هرم الدولة كتعيين رئيسة للمجلس الأعلى للحسابات و6 وزيرات في الحكومة الحالية تتحملن مسؤولية حقائب استراتيجية بما فيهم المالية والانتقال الطاقي، الأمر الذي دفع بالمسؤولين إلى سن قوانين تساعد على تأنيث المناصب العليا حيث ارتفعت من نسبة 16% عام 2018 إلى 19% عام 2022، ليبلغ بذلك عدد النساء في المناصب العليا 619 امرأة عام 2023.

وعلى المستوى المقاولاتي وإدارة الأعمال فإن إحدى الدراسات أشارت إلى أن عدد النساء أعضاء مجالس الإدارة يبلغ حالياً 176 امرأة في الشركات المصنفة ضمن مؤشر "MASI20 20" لأكثر الشركات سيولة في البورصة.

وبحسب المعطيات ذاتها فإن 7 مجالس إدارة ترأسها نساء، ما يمثل 8% من مجموعة الشركات ضمن هذا المؤشر، وإن كان الرقم بعيداً عما يفرضه القانون وهي نسبة 30% كما هو الأمر بالنسبة للهياكل داخل الأحزاب السياسية والبرلمان بغرفتيه، ناهيك عن انتخاب ثلاث نساء لإدارة بلديات ثلاث مدن مغربية كبيرة بعد انتخابات 8 أيلول عام 2021، وهو أمر يعد غير مسبوق في المملكة، وفي الـ 31 من تموز 2021، أقر البرلمان المغربي تعديلاً وصفه البنك الدولي بأنه خطوة كبيرة إلى الأمام لسد الفجوة بين الجنسين في البلاد.

ومما لا شك فيه أن الآلية الجديدة أعطت دفعة مهمة للنساء من خلال الرفع من عدد المقاعد المخصصة لهن، وكذلك من خلال إعطاء الفرصة لكل النساء في جهات المغرب، سواء في مناطق حضرية أو قروية، قريبة أو بعيدة من المركز، للاستفادة من المشاركة في الحياة السياسية وتدبير الشأن المحلي.

هذا وانتقل عدد النساء في مجلس النواب من 81 امرأة في مجلس النواب السابق إلى 95 في الاقتراع، منهن نساء فزن في دوائر محلية من أصل 395 مجموع أعضاء المجلس، كما شهدت تمثيلية النساء في انتخابات الجماعات المحلية (البلديات) تطوراً وارتفاعاً في النسبة من 21.18% في انتخابات 2015 إلى 26.64% في اقتراع 8 أيلول 2021.

ومع ذلك يجمع الملاحظون على أن تمثيلية النساء في المغرب لا تزال تعتمد بشكل كبير على نظام اللائحة بحيث أن حوالي 5 نساء فقط تمكن من الفوز بالمقاعد كوكيلات للوائح التشريعية، في حين استفادت 90 امرأة من المقاعد المخصصة وجوباً للنساء في الدوائر التشريعية الجهوية.

 

رغم ما حققته المرأة المغربية من مكتسبات إلا أنها لا تزال تعاني من الإقصاء والتهميش في العمل السياسي والتمثيلية السياسية، فما هي الأسباب الكامنة وراء ذلك؟

طبعاً كما سبق وقلت بأن المرأة أصبحت تضايق الرجل بتفوقها وجرأتها واجتهادها في شتى المجالات، ولكن للحقل السياسي شروطه ورهاناته على اعتبار أن الفعل السياسي هو بوابة المشاركة في تدبير الشأن العام والولوج إلى السلطات التنفيذية والتشريعية، وهو مجال ظل إلى عهد قريب حكراً على الرجال مما يتح له بلوغ مناصب القرار والسلطة ويحقق الرفاه السوسيو اقتصادي ووجاهة اجتماعية.

وعليه فإن المنتميين إلى الأحزاب خاصةً الرجال يعتبرون أن الحقل والممارسة السياسية، قلعة محصنة يمتلكون مفاتيحها وأسرارها "وهي حقيقة ميدانية" ولا تدخله إلا متى أذنوا لها بذلك. ولعل العملية الانتخابية يعد تمرين حي لتحكم الرجال في وصول النساء إلى المجالس المنتخبة، وانتزاع مناصب القرار رغم وجود نصوص قانونية صريحة بتخصيص نسبة لهن من مناصب القرار داخل المجالس.

 

المغرب ليس بمنأى عن الأزمات التي تحدث في العالم، وهي أشد وطأة على النساء منها على الرجال، برأيك لماذا تعد النساء من بين الفئات الأكثر تضرراً من الأزمات؟

كما هو معلوم ومتفق عليه عالمياً أن الفقر والهشاشة السوسيو اقتصادية هي مؤنثة، فكل أزمة سواء كانت اقتصادية، صحية أو بيئية، فأولى ضحاياها تكون النساء، لأنهن غير محصنات بالمناعة المالية والعلمية أو المهنية والتقنية والصحية، هذا ناهيك على تحملها في غالب الأحيان لمسؤولية الأبناء والآباء لوحدها "مرغمة" بسبب انسحاب أو تملص المحيط المباشر من المسؤولية، الأمر الذي يثقل كاهلها ويجعلها معرضة لكل الصدمات.

فمثلاً على مستوى الوضع الاقتصادي للنساء واستقلاليتهن المادية والحق في الحماية الاجتماعية، تجدر الإشارة إلى الأرقام الهزيلة التي تؤكد على تراجع وركود النشاط لدى المرأة، إذ تشير آخر الاحصاءات الرسمية المغربية إلى أن معدل نشاط النساء عرف تراجع بعد فترة كورونا، حيث أن 19% من النساء فقط استطعن الاحتفاظ بعملهن في حين أن 21% منهن معيلات لأسرهن و8.2% تعانين الهشاشة، كما تظل فئات كبيرة من العاملات في القطاع الخاص غير المهيكل والقطاعات الاقتصادية غير المنظمة والعاملات الزراعيات والعمالة المنزلية والحرفيات، مجردات من الحق في الحماية الاجتماعية، أضف إلى ذلك تواجد النساء في الوظائف الأقل أماناً وبأجر زهيد، وأحيانا القيام بأعمال غير مدفوعة الأجر.

هذا علاوة على استمرار انتهاك الحرمة الجسدية والنفسية للمرأة عبر العنف الجسدي والسيكولوجي، على الرغم من صدور القانون 13-103 المتعلق بمحاربة العنف الذي لم يسجل أدنى فرق أو أن يظهر مؤشرات إيجابية تفصل بين ما قبل صدور القانون وما بعده.

 

ما المطلوب القيام به حتى لا تذهب حقوق النساء ثمنا للأزمات؟

هناك إجراءات عملية براكماتية، هي فقط كفيلة بتفعيل الدولة الاجتماعية وكل المشاريع والمخططات الاستراتيجية المقدمة من قبل العديد من القطاعات والمؤسسات ذات الصلة. ونذكر على سبيل المثال لا الحصر مواكبة إصلاح مدونة الأسرة وفق رؤية تستحضر قيمة المناصفة والمساواة المنصوص عليهما في الدستور والاتفاقيات الدولية مع القطع مع كل المقاربات التي تفصل بين الواقع المعيشي للنساء، بالإضافة إلى المرافعة لفائدة إصلاح القوانين التمييزية، خاصة القانون الجنائي والمسطرة الجنائية؛ ومراجعة القانون 13-103 ووضع مجموعة خدمات فعالة ودائمة للحماية والتكفل بالنساء ضحايا العنف ولأبنائهن.

ومراقبة خطوات تفعيل قانون الحماية الاجتماعية من أجل ضمان حق النساء كمواطنات، والإصرار على دمج ثقافة المساواة في المنظومة التربوية من أجل محاربة الصور النمطية للأدوار المجتمعية والأسرية للجنسين.

 

ختاماً كيف تقيمين وضع النساء في مناطق الحرب على غرار سوريا والعراق واليمن، وكيف يمكن أن يكون هناك تنسيق بين النسويات في هذه المناطق وبين الحركات النسوية في شمال أفريقيا؟

النزاعات والحروب والكوارث الطبيعية تجعل من الإنسان بصفة عامة يفقد السكن والدخل المادي والاستقرار، وهكذا تكثر النساء الأرامل والنساء بدون معيل والأطفال اليتامى وهو ما يجعل وضع المرأة هشاً في مثل هذه الظروف.

وتفيد التقارير بأن جميع أنواع العنف الجنسي والعنف بكل أشكاله، تزداد أثناء النزاعات المسلحة في جميع أنحاء العالم بما فيها بعض الدول في الشرق الأوسط، وتقدر الأمم المتحدة في تقاريرها أنه فقط في عام 2023 تعرضت حوالي 7.3% من النساء في سوريا للاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي، وأن الغالبية العظمى من النساء والفتيات بحاجة إلى خدمات متعلقة بالعنف الجنساني.

وقد حذرت الأمم المتحدة من أن زيادة التشرد والنزوح في أعقاب الأزمات الطبيعية كالزلازل التي وقعت في شباط الماضي، قد أدت إلى مخاطر مبنية على الجنسانية، وتركز نفس التقارير على العواقب السلبية المباشرة للنزاعات داخل سوريا والعراق واليمن والتي امتدت طويلاً، وخاصةً ما نشأ منها نتيجة عمليات النزوح الجماعي الكبيرة، مما أدى إلى استفحال أنماط التمييز، كما أن العنف ضد النساء والفتيات قد أصبح أكثر تغلغلاً في الفضائين الخاص والعام معاً.

وقد أثر النزاع على قدرة النساء والفتيات على التمتع بحقوقهن الأساسية، وقد أعلنت أغلب النساء ربات الأسر عن عجزهن التام عن تلبية الاحتياجات المعيشية الأساسية، كما أنهن تجدن صعوبة في الحصول على الرعاية الصحية، بما في ذلك خدمات الرعاية الصحية الإنجابية وتوفير الغداء والسكن بسب الابتزاز والاعتداء الجنسي مقابل الحصول على تلك الخدمات.

وتفيد التقارير كذلك بأن حالات الزواج المبكر والقسري قد تزداد في حالات النزاع والحروب نتيجة المعيشة المكتظة الناجمة عن تدمير المنازل والنزوح الجماعي، لتبقى ربات الأُسر المعيلات وغيرهن من النساء والفتيات اللواتي تعشن في المخيمات في ظل النزوح المطول بسبب النزاع، غير قادرات على تسوية جوانب قانونية رئيسية في حياتهن.

كما لا يفوتني كذلك تسليط الضوء على مظاهر المعاناة المريرة التي تتكبدها المرأة الصحراوية المغربية المحتجزة في مخيمات تندوف، فهي تتعرض لانتهاكات تمس كرامتها وحقوقها الأساسية، والأكثر من ذلك أن هناك طفلات وفتيات محتجزات محرومات من الدراسة وليس لديهن أي مؤهل أو تكوين تقني، كما وأنهن معرضات للزواج وهن قاصرات؛ كل هذه الظروف تجعل من هذه الفتيات مشروع نساء ستعانين الهشاشة وستعشن على هامش المجتمع.

وللنهوض بوضعية هذه الفئة من النساء على الحكومات أن تقوم بدورها، وفي حالة محدوديتها، يبقى الحل في اجتماع الحركات النسائية المدنية والسياسية والحقوقية، من أجل تشكيل مجموعات ضغط "لوبي نسائي" بهدف المساواة والدفاع عن حقوق النساء ورفع كافة أشكال الحيف والظلم والتمييز الذي تتعرضن له، فهو كفيل بحلحلة الأوضاع وإحراج الحكومات أمام المجتمع الدولي.