ناشطات تونسيات: البرلمان القادم شبه خال من النساء

أكد ضعف عدد المترشحات للانتخابات التشريعية القادمة تخوفات المجتمع المدني وخاصة الديناميكية النسوية من تراجع عدد النساء بالبرلمان القادم بسبب نظام الاقتراع على الأفراد.

نزيهة بوسعيدي

تونس ـ اعتماد نظام الاقتراع على الأفراد دون اعتماد مبدأ التناصف في الترشح للانتخابات وإقرار الضمانات اللازمة لتحقيق المساواة ونفاذ النساء إلى مواقع القرار، أدى إلى إقصاء المرأة من الترشح للانتخابات التشريعية القادمة وسيؤدي إلى تراجع حظوظهن في جميع المجالس المنتخبة.

تراجع تواجد المرأة في البرلمان القادم والانعكاس سلباً على حظوظها في التواجد بمواقع صنع القرار وكمشاركة فاعلة في المشهد السياسي، تقول آسيا الهرابي عن تجربتها كناشطة سياسية ترشحت للانتخابات القادمة وواجهت العديد من الصعوبات التي تتعلق في المرتبة الأولى بنظام الاقتراع على الأفراد وبأنها امرأة ثانياً، "تجربتي في الانتخابات والعمل السياسي ليست حديثة وإنما شاركت في الانتخابات البلدية عام 2009 والانتخابات التشريعية في 2014 وانتخابات 2018 والتي على إثرها أصبحت مستشارة بلدية تونس حالياً".

وأوضحت أنه لديها رغبة كبيرة في الترشح للمجلس البرلماني القادم "كونه لدي ماض سياسي عقدت العزم وكنت من بين الأوائل الذين قدموا ملفاتهم للترشح. عندما كنت اطرق على الأبواب لجمع التزكيات من الجيران فوجئت بتساؤل البعض ماذا ستعطينني؟ بمعنى ماذا ستقدمين لي إذا ذهبت معك إلى البلدية وأمضيت على منحك صوتي، وكانوا يطرحون هذا السؤال رغم أني أقدم لهم مشروعي الانتخابي والسياسي".

وأكدت على أن ترشحها كان شكلاً من أشكال النضال لدعم تواجدها بمواقع صنع القرار، مشيرةً إلى أن العديد من النساء لا تنتخبن المرشحات، لأن المرشحين السابقين لم يوفوا بوعودهم التي قطعوها لمنتخبيهم في ظل الأزمات التي تعيشها البلاد "البعض ينظر إلينا بوجه عبوس والبعض الآخر يتساءل لماذا ازكّيها للترشح؟ ولماذا أضيع وقتي وعملي لأجل شيء غير نافع؟".

ولفتت إلى أن "نظام الاقتراع على الأفراد يدفعك إلى أن تكون بمفردك والمواطن له الحق في أن يتساءل حول من سيحاسب فيما بعد؟ وهل سيتجه إلى منزلي كمترشحة؟ على الأقل في السابق كان بإمكانه محاسبة الحزب".

وحول رفض بعض المواطنين التزكية لأنها امرأة تقول آسيا الهرابي "قليل من المواطنين لا يقدمون على انتخاب النساء ونسبتهم لا تتجاوز الـ 30%، بينما الغالبية تعود إلى النظام الانتخابي والعزوف عن الانتخابات لأن البرلمان السابق ترك انطباعاً سيئاً جداً لدى عامة الناس"، مشيرةً إلى أن "بعض الملمين بالقوانين قالوا لي لن ننتخب شخصاً يكون وجوده صورياً في البرلمان القادم، أي ليس لديه أي رأي مهمته فقط الإمضاء على القوانين عندما يطلبون منه ذلك".

واعتبرت آسيا الهرابي أن البرلمان القادم سيكون ضعيفاً ومؤثراً بشكل سلبي على مستوى القوانين والتشريعات والتنقيحات المتعلقة بحقوق النساء، لافتةً إلى أن "عدد المترشحات بلغ حتى الآن 121 امرأة، وكرابطة الموظفات في الاتحاد الوطني للمرأة التونسية سنساندهن في رحلتهن الانتخابية".

ولم تخفِ تخوفها حول مستقبل الحقوق في تونس بعد إن كان يحتذى بهن "نعتبر مثالاً في الشرق الأوسط وشمال افريقيا ككل في الحقوق التي حصلنا عليها والمناصب التي توليناها ومن المفروض أن نتقدم أكثر لا أن نتراجع".

وأضافت "في الحقيقة شعرنا بذلك في البداية ولكن لم نقرأ القانون الانتخابي بالصورة المطلوبة، كما لم نكن موحدات في التعبير عن رأينا على أن القانون لن يخدم المرأة، ولم نتوقع أن يكون بهذه الخطورة على أرض الواقع".

وترى أنه من الضروري مراجعة القانون وتكثيف اللقاءات وإشراك النساء في سن القوانين والمقترحات، مشيرةً إلى أن المرأة التونسية كانت تعبر في الماضي عن آرائها في إعداد القوانين، مثلاً قانون عدد 58 لمناهضة العنف ضد المرأة تم العمل عليه كثيراً قبل أن يتم اعتماده.

وأكدت على أنه لابد من استعادة مكانة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية "بعد الثورة ما تعرض له الاتحاد أفقده العديد من الامتيازات"، وحول مكانة الموظفة في الإدارة التونسية وبلوغها مواقع صنع القرار تقول "تضررت العاملات التونسيات كثيراً، فهن لا تحصلن على ترقياتهن إلا في حال رضي صاحب العمل عنها، ومن الممكن أن تتعرضن لكافة أشكال التحرش والعرقلة متخذين أعذاراً واهية".

وشددت على أن العشرية الأخيرة كانت بمثابة "غسيل كلي للأدمغة"، معتبرةً أن ربط المرأة بالولادة هي صورة مهينة لها، فهي أساس المجتمع.

 

 

"المجتمع المدني سيكون سداً منيعاً أمام تراجع حقوق المرأة"

من جانبها تقول محللة السياسات العامة بجمعية أصوات نساء سارة المديني أن "المرسوم عدد 55 جاء لتنقيح نظام الاقتراع السابق الذي كان يتضمن التناصف العمودي بين الجنسين، وفيما بعد في الانتخابات البلدية تم إدراج التناصف الأفقي إلى جانب التناصف العمودي وهو ما أثر إيجاباً على النتائج وعلى وجود النساء في المجالس البلدية وكنا بلغنا أعلى نسبة في الدول العربية وحتى مجالس بلدية غربية وكذلك في الانتخابات التشريعية، وعندما تم إدراج التناصف العمودي في القوائم كانت النسبة بعيدة عن المساواة ولكنها محترمة وخاصة قياساً بالمجلس الذي سوف يتكون بعد 17 كانون الأول المقبل".

وأوضحت أنه في ظل نظام الاقتراع على الأفراد من الصعب جداً أن يتم إدراج مبدأ التناصف بين الجنسين وكان بالإمكان القيام بخطوة تصحيحية، لافتةً إلى أن "الكثير من الشخصيات تقدمت باقتراح ألا وهو الترشح المزدوج، أي ترشح امرأة ورجل في نفس الوقت لكن رئاسة الجمهورية رفضت المقترح وبقي التنصيص على التناصف في التزكيات وهي مسألة ليس لديها أي أهمية أو معنى في التأثير على وجود النساء من عدمه في المجلس".

وأشارت إلى أن "المخاوف النسوية أكدتها اليوم الأرقام التي تصدرها الهيئة المستقلة للانتخابات حتى 7 كانون الأول/أكتوبر، حيث بلغ عدد المترشحين 1400 ملف، منها 200 ملف للنساء، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن نظام الاقتراع على الأفراد سوف يفرز مجلساً شبه خال من النساء والشباب، وأنه سيكون ذكوري رجالي شيخوخي إن صح التعبير ونوابه من ذوي الوجاهة والنفوذ المالي أو القبلي".

وذكرت أن الديناميكية النسوية منذ صدور المرسوم عدد 55 تحركت بسرعة وقامت بإصدار بيانات وتنظيم ندوات صحفية ووقفات احتجاجية وتم تقديم دراسات، "كانت السلطة صماء أمام مقترحاتنا ونقدنا وصوتنا، ولم يتم أخذ ذلك بعين الاعتبار والدليل أنه لم يحدث أي تغيير والأمور تسوء أكثر وهذا لا يهم موضوع الانتخابات فقط، فبعد 25 تموز قنوات التواصل مع السلطة أصبحت شبه منعدمة".  

وفيما يتعلق بضعف تواجد النساء في البرلمان القادم وتأثيره على الحقوق والحريات تقول "ضعف تواجد النساء سيؤثر بشكل كبير، ولكن ليس بالضرورة وجود النساء في البرلمان يساهم في منح النساء حقوقهن، فعندما تم تعيين رئيسة الحكومة الحالية نجلاء بودن اعتبر الجميع أنها مسالة تاريخية لكن من الأشياء التي قامت بها أنها ألغت منشوراً قديماً يراعي التناصف في تعيين المديرين العامين بالإدارات فكانت نكسة بالنسبة للنساء رغم أن دعم التناصف هو واجب دستوري، لكن تواجد النساء والشباب يضفي وعياً أكبر بالحقوق والحريات خاصة في ظل التطور التكنولوجي".

وأشارت إلى أن جمعية أصوات نساء تواصل مساندة القضايا النسوية، والعمل على المناصرة وتنقيح المرسوم عدد 55، مؤكدةً أنه "سنعمل على استرجاع التناصف وإيجاد صيغ وحل يضمن تواجد النساء في الساحة السياسية".