مشاركة ضعيفة للنساء التونسيات في الاستفتاء... ما دوافعها؟
عبرت جمعيات نسوية عديدة في تونس عن مقاطعتها الاستفتاء الذي جرى في الـ 25تموز/يوليو الماضي، معتبرين أنه "دستور يؤسس لمسارات تضر النساء".
زهور المشرقي
تونس- عبرت جمعيات نسوية في تونس عن رفضها للدستور الجديد الذي استفتى عليه التونسيون واعتبرته يمس بالحقوق التي اكتسبتها النساء منذ زمن، ونددت بمواصلة سياسة الاقصاء والتهميش التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة وكذلك رئاسة الجمهورية ما خلق هوة بين الجنسين في مجتمع لا يزال في غالبيته غير مقدر للنضالات النسوية.
اعتبرت النسويات أن غياب المداولة والحوار العام معهن جعل الدستور الجديد مشوباً بعدة إخلالات مست مسار النساء أولاً وغيبتهن وجعلتهن أداة.
وفيما يتعلق بنسبة مشاركة النساء في الاستفتاء التي لم تتجاوز وفق الهيئة العليا للانتخابات الـ 5% من بين 50.47% من مجموع المسجلات، انقسمت الجمعيات بين مهلل لاعتبار النتائج بمثابة القبول بمشروع ينهي مع "عشرية سوداء"، وبين رافض له.
وترى الناشطة السياسية بدرة قعلول أن عزوف النساء عن المشاركة في الاستفتاء الذي عاشته تونس أمر طبيعي لا سيما أن التونسيين عموماً لم يفقهوا بعد ثقافة الاستفتاء وغير مطلعين عليها، مشيرةً إلى "عزوف النساء برغم أن كل الانتخابات السابقة، منذ 2014 كانت مشاركتهن ضعف مشاركة الرجال، ويعود السبب هذه المرة إلى أن الاستفتاء الشعبي يجرى لأول مرة مع ضعف حملات التوعية بأهمية هذا الموعد الذي من شأنه أن يقطع مع حقبة زمنية سوداء كان تأنيث تفقير النساء أساسها، وجميعنا يعلم أن السنوات العشر الأخيرة كانت أكثر قسوة على النساء".
ولفتت إلى أن "أكثر من 180 ألف امرأة من حاملات الشهادات العليا تعانين البطالة جراء نقص فرص العمل وتبجيل الرجال عليهن، ضمن استراتيجية تأنيث الفقر، وحتى القانون عدد ثمانية وثلاثين الذي كان أملهن في العمل جوبه باللامبالاة التامة، ومن هنا كان في النهوض بواقع النساء من خلال المشاركة بقوة في أي استحقاق سياسي لإسماع أصواتنا من أجل تغيير حقيقي".
وأوضحت أن المقاطعة النسوية لن تخدم قضاياهن بتاتاً، معتبرةً أن الاستفتاء كان فرصتهن الحقيقية للتغيير، واصفةً إياه بالتجربة الناجحة والاستثنائية.
من جانبها علّقت الصحفية سوسن الزغواني على المشاركة الضعيفة للنساء، واصفةً الأمر بالخطير، معتبرةً أن النساء تتميزن بوعيهن وهن الأكثر قراءة بموضوعية للأوضاع التي تعيشها تونس وتعلمن جيداً الواقع التعيس الذي عانت منه النساء بصفة خاصة من تفقير وبطالة وإقصاء.
وأشارت إلى أن الحذف التام لمدنية الدولة من الفصلين 2 و49 من دستور 2014 يعتبر مساساً مباشراً بمكتسبات النساء التي لن تتحقق إلا ضمن دولة مدنية مؤمنة بحقوق النساء وحريتهن.
وأضافت "أعتبر أن حذف توصيف الضرورة في الفصل 55 التي تجيز تقييد الحقوق والحريات كما كان مثبتاً في الفصل 49 والمرتبط بمقتضيات الدولة المدنية والديمقراطية يجيز سلطة واسعة للمشرّع استناداً إلى تقديرات غير معلومة يمكن أن تمس من الحرية ومن الحقوق، إلى جانب العديد من الفصول التي تنتهك حقوق النساء".
وشددت على أن الدستور يتضمن تهديداً للمكاسب النسوية التي ناضلت من أجلها الجمعيات والمجتمع منذ عقود، حيث غاب في الدستور تنصيص على مبدأ المساواة وحقوق النساء أمام القانون، فضلاً عن غياب دسترة المساواة في الأجر وفي الميراث والاقتصار على تعايش القطاعين العام والخاص دون التنصيص على قطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني ما يفسر رفض النساء التصويت عليه.
وتحدثت عن عدم التطرق إلى مقاربة حقوق الإنسان في الدستور الجديد والاقتصار على البعد الإنساني للدين الإسلامي ما قد يشكل مصدراً للتضييق على الحريات والحقوق النسائية كالحق في الإجهاض، مشيرةً إلى أن النساء لا تقبلن بذلك وقد تعمّدن المقاطعة.
والجدير بالذكر أن جمعيات نسوية على غرار "النساء الديمقراطيات" انطلاقاً من أيديولوجيتها اليسارية المعروفة دعت إلى عدم التصويت على الاستفتاء على الدستور، معتبرةً إياه "إقصائياً" يهدد حقوق النساء ومكتسباتهن.