"مريم أبو دقة" تروي تفاصيل النضال مشددة على دور المرأة الفلسطينية

كرمت دولة الجزائر قبل عدة أيام الدكتورة مريم أبو دقة عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية, "كأفضل شخصية نسوية لعام 2020"؛ لدورها النضالي في مقاومة "الاحتلال الإسرائيلي" والدفاع عن القضية الفلسطينية والنسوية

رفيف اسليم
غزة ـ .
تلقت التكريم خلال ندوة إلكترونية عن طريق برنامج الزوم بشكل مفاجئ وبتنظيم إحدى زميلاتها التي شاركتها العمل النضالي والنسوي.
تحدثت مريم أبو دقة خلال لقاء خاص معها لوكالتنا وكالة أنباء المرأة (NUJINHA) عن حياتها ومسيرتها النضالية ودور المرأة الفلسطينية في النضال.
 
المولد والنشأة
ولدت مريم أبو دقة في قرية عبسان الكبيرة بمحافظة خان يونس في قطاع غزة عام 1952, وقد ساهم تنوع الحس الوطني لعائلتها, والحديث عن النضال لـ مريم منذ نشأتها، ببدء مسيرتها النضالية وهي في سن الـ 12عام، عندما كان يحدثها والدها عن الأراضي الفلسطينية وكيف سلبت منهم من قبل الإسرائيليين, فانضمت لفرقة الكشافة المدرسية التي تتولى تدريب الطلائع, وبدأت بتنظيم العديد من القصائد الشعرية التي كانت أحدهم بعنوان "لن أعيش مشردة".
وتروي مريم أبو دقة بأن حصار "الاحتلال الإسرائيلي" لمدرستها الإعدادية خلال حرب النكسة عام 1967، والتي نزل كالصاعقة على الفلسطينيين آثر في تحول نشاطها الوطني خاصة عندما رأت الجنود المدججين بالسلاح وجهاً لوجه, وأجبرت هي والبقية من زميلاتها بالاحتماء بشجرة اللوز كي لا يقتلوا من قبل الجنود الإسرائيليين، إلى أن وجدهم شخص ما منزله قريب من المدرسة واستضافهم لمدة أسبوعين تقريباً حتى هدأت الحرب وعادوا إلى أسرهم.
 
مراسلة الزعماء العرب
تضيف مريم أبو دقة بعد عودتها لأسرتها الذين تفاجئوا بها ظناً منهم أنها ماتت خلال الحرب, ومنذ تلك اللحظة وهي ترسل العديد من الرسائل المكتوبة لـ مؤسس منظمة التحرير الفلسطينية أحمد الشقيري لتحتج على عدم تجنيد الفتيات في تلك المرحلة, مشيرةً أنها تلقت الرد خلال فترة قصيرة من الشقيري ووعدها بدمج الفتيات في جيش منظمة التحرير في أقرب وقت، مما زاد من فخرها وشجعها على الاستمرار بالمطالبة في ممارسة دورها النضالي كالرجل.
وتكمل مريم أبو دقة أن استجابة الشقيري دفعتها لمراسلة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وقد كانت بالفعل تتلقى رد على رسائلها مما منحها الحس القيادي منذ صغرها, مشيرةً أن طفولتها انقضت ما بين التعليم وكتابة المقالات التي تناهض "المحتل الإسرائيلي" وقيادة المظاهرات المنددة بسياسته وجرائمه التي ترتكب المجازر بحق المواطنين الفلسطينيين من نساء وأطفال وشيوخ إلى أن وقعت بالأسر.
 
ما بين الأسر والإبعاد
من الذكريات التي نقشت في ذهن مريم أبو دقة حتى اليوم جملة والدتها وهي تودعها تمهيداً لتسليمها للضابط الإسرائيلي للتحقيق معها "إن سلمتي حد من زمايلك لا انتي بنتي ولا بعرفك", تلك الجملة بعثت في نفسها الشجاعة طوال مدة التحقيق، لأن كلمة "خائن" أبشع ما قد ينعت به المرء ولم تكن مستعدة لأن تلقب بذلك حتى لو فقدت روحها, ملفتةً أنها اعتقلت في سن الـ 15عام وأبعدت عن الوطن في سن الـ 17عام ولم ترى أمها سوى وهي في سن الـ 25عام.
وتشير أبو دقة أن "الاحتلال الإسرائيلي" دوماً كان يعتقل النساء؛ لأنه كان يعرف جيداً مكانتهم الاجتماعية والحالة النفسية والفكرية للمرأة في المجتمع الفلسطيني فهي بمثابة شيء مقدس في ذلك الوقت لا يجوز الاقتراب منه أو مسه, مبينةً أنه كان يعتمد على اعتقال النساء كأقوى وسائل الضغط على الفلسطينيين خلال التحقيق, فيما كانت النسوة الفلسطينية تعتبر الأسر مكان تعليمي لتنمية الثقافة وتوسيع آفاق الفكر كي لا ينقطعن عن العالم الخارجي ومجرياته.
 
بداية المسيرة النضالية خارج البلاد
توضح مريم أبو دقة أن بعد خروجها من الأسر اتجهت إلى لبنان وتقلدت عدة مناصب فمن قائد, إلى مسؤول عسكري ثم سياسي ونقابي, لتنتقل بعد ذلك للعيش في الأردن والجزائر ودول أخرى, مضيفةً أنها خلال تلك السنوات عملت مع مختلف القوى السياسية, وقد حاولت التواصل مع عائلتها بعد أن هدم "الاحتلال الإسرائيلي" منزلهم واعتقل بعض أفراد العائلة, متحملة صعوبة وسوء وسائل الاتصال في ذلك الوقت وقلقها على عائلاتها وهي في الغربة.
وتضيف مريم أبو دقة أنها ساهمت في تأسيس الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، وجعلت أطروحة الماجستير التي حصلت عليها من بلغاريا تتمحور حول تطور الوعي السياسي للمرأة الفلسطينية منذ عام (1970-1990), كما حصلت على الدكتوراه من ذات الجامعة كمنحة بسبب تميز رسالة الماجستير، التي كانت حول تحرر المرأة والعادات والتقاليد في الثقافة العربية، ولاحقاً حصلت على عضوية شرف من الاتحاد النسائي البلغاري تكريماً للدور الذي تقوم به.
خلال فترة نضالها حصدت مريم أبو دقة العديد من الألقاب والمسميات منها أمين سر الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية بغزة, عضو هيئة إدارية في الاتحاد العام للمرأة في سوريا, وعضو هيئة إدارية في الاتحاد العام للمرأة في ليبيا, وغيرها من المسميات, ملفتةً أن عودتها لأرض الوطن كانت بمثابة انتصار لها بعد غياب قسري استمر ثلاثين عاماً وذلك حين حصلت على تصريح زيارة لأن اسمها كان محظوراً في الدفعات الرسمية وحين وصلت غزة رفضت مغادرتها بعد انتهاء الزيارة وهي الآن تسكن عبسان قريتها الأم.
 
تمكين المرأة الفلسطينية سياسياً
وتؤكد مريم أبو دقة أن المرأة الفلسطينية لم تأخذ دورها الحقيقي خلال تشكيل الأحزاب السياسية الفلسطينية, وذلك لعدة أسباب على رأسها "الاحتلال الإسرائيلي" الذي عمل على إثارة النعرات الطائفية والمذهبية بين أبناء الشعب الفلسطيني مما أفرز حالة انقسام والتي نراها واضحة اليوم، والتي لم تترك أي فرصة لتمكين التعليم والاقتصاد, ويجعل من المرأة هي المشكلة في وقت الهبوط والترهل السياسي الذي يعاني منه المجتمع الفلسطيني اليوم.
أما عن الدور النضالي ترى مريم أبو دقة أن المرأة الفلسطينية لم تغيب يوماً عن المشهد النضالي بالرغم من وضعها الصعب قديماً مع ظهور حركة القوميين العرب ورفضهم لانضمام النساء معهن, فشاركت بالعديد من الثورات وراح ضحيتها الكثير منهن أمثال دلال المغربي وتغريد البطة, مضيفةً أنها مازالت تذكر رفض والدها القاطع لانضمامها لحركات المقاومة، لكن بعد عام 1976 تغيرت النظرة شيئاً فشيء وانطلقت العديد من النساء المحبات للوطن وانضممن للثورة.
وتكمل مريم أبو دقة أنه حتى اليوم  ما زالت المرأة شريكة في النضال وذلك لالتزامها تجاه وطنها وواجباتها, لأن جميع ما يحدث ينعكس عليها ففي حال استشهد زوجها أو وقع بالأسر تضطر لأن تعمل وتتحمل مسؤولية الأسرة وتنشئة أطفالها بطريقة سوية, وأيضاً في حالة الفقر الشديد تنزل المرأة الفلسطينية للعمل وتساعد عائلتها, حتى في حالات البطالة الشديدة استطاعت أن تجد مشاريع بديلة وتضع بصمتها الخاصة لتعيل عائلتها إلى جانب الرجل.
وتشير مريم أبو دقة أنها حزينة على أطفال قطاع غزة اليوم لأنهم لم يشعروا بنعيم فلسطين ولم يرتبطوا بالأرض كما كانوا هم قديماً, فتذكر أن يوم حصاد الزيتون كانت تتجمع العائلات مع أطفالها ويخصصون يوم لحصاد محصول كل عائلة في القرية على حدة فيتعزز لدى الطفل حب المشاركة, مضيفةً أنه حتى على صعيد المناهج لم تدعم جيداً بأسماء المدن الفلسطينية فالعديد من الأطفال قد لا يعرفون أسماء مدنهم، فيما تذكر أنها وزملائها حفظوهم منذ المرحلة الابتدائية.