منيرة بلغوثي: الحركة النسوية التونسية ستواصل نضالها حتى تحقيق المساواة التامة

تتخوف النسويات من غدٍ غامض خاصةً في ظل القوانين والتشريعات التي ظلت حبراً على ورق.

زهور المشرقي

تونس ـ حذرت الناشطة النسوية منيرة بلغوثي من استمرار تهميش النساء من العملية السياسية لاعتبار أن البناء والإصلاح مسار يجب أن تتشارك فيه كل الأطراف بغض النظر عن الاختلافات.

ترى الناشطة النسوية والدكتورة في الفلسفة النسوية منيرة بلغوثي، في حوار مع وكالتنا، أن المخاوف من ضياع المكتسبات النسوية موجودة في ظل ما أسمته بالانفراد بالسلطة، مشددةً على أن النساء اللواتي أوقدن نار الثورة والحرية لن تخيفهن أي حملات ترهيب.

 

بالتزامن مع اقتراب اليوم العالمي للمرأة، هل باتت مكاسب النساء مهددة وما دور النسويات في ظل هذا المشهد المتحول؟

وضع الحركة النسوية في تونس ليس بمعزل عن الحركات النسوية في العالم التي تأسست على مناهضة كل أشكال التمييز ضد النساء وتناضل من أجل حقوقهن في الأنظمة البطريركية، فما بالك في تونس إذا تحدثنا اليوم عن تقاطع العقلية الذكورية مع العقلية الانفرادية بالسلطة، فإذا أردنا الحديث عن الحركة النسوية في بلادنا سنجد أنها وجدت نفسها في مواجهة محاولة نسف لكل حقوق النساء ومكتسباتهن التشريعية التي ناضلت من أجلها الحركة النسوية، فالأخيرة التي كانت فاعلاً أساسياً في تشكيل القانون عدد 58 الصادر لمجابهة العنف ضد المرأة والتي كانت قوة ضغط على السلطة حينها ونتيجة للمبادرات التشريعية من أجل تغيير مجلة الأحوال الشخصية كان الفضل للحركة النسوية في سن ذلك القانون الذي استبشرنا به وبمختلف القوانين التي تمخضت عن الثورة والحركات الاحتجاجية.

إلا أن ترسانة من التشريعات تشهد اليوم تراجعاً كبيراً وهوة عميقة بين الجانب التشريعي وواقع حقوق النساء وظلت حبراً على ورق، ونجد أن وضعهن قد تأزم أكثر في ظل واقع المشهد السياسي المتسم بالغموض، فالمنظومة الجديدة ما بعد 25 تموز تشكل تهديداً حقيقياً لحقوق النساء خاصة مع سلطة لا تعترف بهن فضلاً عن غياب شروط الحكم الديمقراطي الذي يجب أن تتداخل فيه الإرادة العامة، فإذا انتفى هذا الصوت الذي يمثل وسيطاً بين المواطنين والحكومة فإن هذا يشكل نسفاً لحرية الرأي والتعبير ولأحد أهم أعمدة الدولة الديمقراطية، وهناك نية للحكومة في نسف حرية الإعلام والتعبير وإسكات الصحفي فهو إسكات معلن للمواطنات والمواطنين للتعبير عن الآراء.

هذا هو المشهد اليوم لذلك نخشى من ضياع المزيد من مكتسبات النساء ونخشى من استمرار إسكات المعارضة والمجتمع المدني وهو تهديد حقيقي لنا.

 

هل هناك فجوة بين القوانين والتشريعات والواقع، وكيف يمكن تجاوزها؟

هناك هوة عميقة بين القوانين والواقع والتشريعات التي اعتبرت أنها مكاسب بعد الثورة خاصة القانون عدد 58 لمناهضة العنف ضد النساء، والواقع أن ما نلاحظه كمراكز استماع وتوجيه للنساء ضحايا العنف من خلال الملفات التي نعالجها فإن مسار التعهد بضحايا العنف وحمايتهن من كافة أشكال العنف المسلط ضدهن فيه تراخي كبير مع غياب الإرادة الحقيقية لمعالجة العنف ومحاولة ملائمة القوانين مع واقع النساء خاصةً وأننا نلاحظ في مسار التعهد بالنساء غياب لمراكز الإيواء وأيضاً النقص في مجال تدريب المتدخلين المختصين ضمن المراكز التي تستقبل المعنفات وهو ما يفسر غياب إرادة الحكومة من أجل جعل هذا القانون ملائماً لحقوق النساء.

ولكن فعلياً لا توجد إرادة ملموسة ليكون هناك تجسيداً لهذا القانون وهو ما ترجمته نسب العنف التي تضاعفت فضلاً عن مأزق الإفلات من العقاب والمحاسبة في علاقة المتورطين في جرائم تعنيف النساء علماً أن الدولة كانت ملزمة وفق القانون على تخصيص ميزانية تراعي النوع الاجتماعي ولكن هذا لم نلمسه بشكل فعلي، وما ضاعف الهوة التي تحدثنا عنها بين الواقع والتطبيق الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتأزم والذي كانت النساء الأكثر تضرراً منه، حيث أن واقع الهشاشة الاقتصادية يقع بكل حمولته على العاملات في وضعيات هشة والنساء في القطاعات الهشة والعاملات في قطاع الفلاحة حيث نسمع يومياً عن حوادث ضحيتها الفلاحات، لكن متى ستنتبه السلطة؟ فقط حين تسمع بحادث خطير تقتل فيه عشرات النساء.

 

برأيكِ هل ترتبط النسب المرتفعة للعنف ضد النساء بضعف آليات تنفيذ القانون؟

تزايد وتيرة العنف المسلط ضد النساء كان نتيجة اضطراب الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي حيث انعكس الوضع على واقع العنف بصفة عامة والعنف المسلط على المرأة، فالقانون منذ إصداره لم تكن الحكومة ملتزمة بتنفيذه وتفعيله بالشكل الذي جاء به، حيث ظل حبراً على ورق خاصة مع غياب الإرادة السياسية وقلة الميزانية المرصودة أو تكوين المختصين.

لكن حين نجد الحكومة تتحدث عن العدل بدل المساواة ودور النساء في السلطة شكلي في ظل غياب مواقف رئيسة الحكومة التي لم تدلي بآرائها ونجدها دائماً في صورة غير مستحبة وهي جالسة أمام رئيس الدولة وتسمعه فقط دون التجاوب والتحاور، ما يعكس مشاركة المرأة في الحياة السياسية وهو مشهد مخجل في التعبير عن ريادة التونسيات.

فنحن ندرك أن سبب العنف المستشري هو إرادة الحكومة في مكافحة العنف وأن تكون في مستوى التشريعات والقوانين التي أفرزتها الثورة وكانت الحركات النسوية السبب فيها بنضالاتها.

اليوم يمكن الجزم بأن الحقوق تفتك ولا تهدى، فإذا غابت الأصوات الحرة وغاب الضغط المجتمعي والميداني للنهوض بواقع النساء وتفعيل هذه القوانين فإنه من الطبيعي أن نشهد تراجعات مخيفة في مكتسباتنا، ونخشى من أن تكون الحكومة قد وجهت بوصلتها لاستهداف العمل النقابي وهو ما لاحظناه في معركة الحكومة مع الاتحاد العام التونسي للعمل حيث تسعى إلى إسكات كل صوت مخالف وتتبع الخصوم السياسيين وهنا لا يمكن الحديث عن دولة ديمقراطية اذ كانت حقوق النساء تعتبر مطلباً يجب أن تتوفر له الأرضية المناسبة السياسية والمدنية والاجتماعية، وإن كان هناك انفراد بالسلطة فلا نأمل خيراً من غد يصفى فيه المعارضين والمجتمع المدني خاصة ضمن عقلية تصفية الحسابات المهددة للعمل المدني والنسوي ضمن محاولات مصادرة حرية التعبير وضرب حرية الإعلام حينها سنفقد من يوصل أصوات المضطهدات، كحركات نسوية نعبر اليوم عن تخوفاتنا من هذا الوضع السياسي الذي بلغناه.

 

تناول الدستور الجديد حقوق النساء في العدل بدل المساواة، ماذا يعني ذلك؟

عبر الرئيس قيس سعيد عن موقفه من مسألة المساواة في الميراث منذ حملته الانتخابية عام 2019، وهو موقف أكده من خلال دستوره الجديد الذي تم الاستفتاء عليه عام2020 فحين نتمعن في ممارساته وقراراته برغم تمثيل المرأة في الحكومة التي تعتبر شكلية لا تعدو أن تكون تمثيلية صورية وهو ما يعكس موقفه من حقوق النساء لاعتباره حين تحدث عن العدل بديلاً عن المساواة فإنه كان فعلاً يعبر عن المنظومة الإيديولوجية التي يتبناها في محاولة لإرضاء التفكير الظلامي الذي يلتقي معه وفي محاولة لمغازلة خصومه السياسيين كحركة النهضة التي نعرف جيداً موقفها من المساواة في الإرث برغم عدم نجاحها في ذلك بعد سقوط المنظومة وإحباط مسارها، فالرئيس نجح في أن يكون وفياً لهذه الخلفية الإيديولوجية وهو يمثل نسفاً لما ناضلت من أجله الحركة النسوية التي قدمت في عهد الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي تلك المبادرة الثورية وقدمها حينها الرئيس إلى البرلمان لكن كتل برلمانية عارضتها، أما الحركة النسوية فتواصل اليوم المقاومة من أجل رفع تمثيلية النساء الفعلية وتحقيق المساواة التامة وتمرير مشروع قانون المساواة في الميراث برغم كل العوائق.

 

ماهي كلمتك الأخيرة للنساء المكافحات من أجل غدٍ أفضل؟

التونسيات كن ولا زلنا رائدات في الدفاع عن حقوقهن رغم الفترات والحقبات التاريخية الصعبة في تاريخ الحكومة التونسية المدنية ورغم الحكومات المتعاقبة غير المؤمنة بحقوقهن، لكنهن نجحن في افتكاك بعض التشريعات ولازال طريق النضال أمامهن طويلاً، والتونسيات لم يسكتن أمام حقوقهن ولا يخشين من أي عائق، فنحن كن شريكات في الثورة احتلينا ساحات النضال وسنواصل النضال من أجلنا ومن أجل الأجيال القادمة.

حضور الحركة النسوية في الميدان لازال قوياً وهو دليل على مواصلتها العمل والمقاومة دون خوف رغم التهديدات المستمرة ورغم محاولات نسف الحقوق إلا أننا سنستمر في نضالاتنا.