عمليات التجميل… محاولة لإبعاد المرأة عن ثورتها

ظاهرة التجميل هي سياسة الدول الرأسمالية لإبعاد المرأة عن حقيقتها وإشغالها بالأمور السطحية في الوقت الذي يشهد فيه العالم ثورة نسوية تحت شعار "Jin Jiyan Azadî".

سيبيلييا الإبراهيم

الرقة ـ أكدت زليخة عبدي على أهمية وضرورة تسلح المرأة فكرياً لتكون طرفاً في وضع حد للحروب والسياسة التي تمارس بحقها لإبعادها عن حقيقة جوهرها وجعلها سلعة وأداة، في الوقت الذي تحدث به ثورة نسوية ضد الأنظمة الاستبدادية.

ازدادت في الآونة الأخيرة ظاهرة التجميل وانتشار مراكزها حول العالم في الوقت الذي تحدث فيه ثورة نسوية حول العالم تحت شعار "Jin Jiyan Azadî" مستنداً إلى فكر وفلسفة القائد عبد الله أوجلان، لتأتي عمليات التجميل كسياسة تهدف لإبعاد المرأة عن ثورتها وحقيقة جوهرها وتحقيق أرباح مادية من خلال التجميل الذي لم يعد يقتصر على إجراء عمليات ترميمية ضرورية فقط، بل امتدت لتشمل التحسين والتجميل ومحاولات دائمة لإشباع الرغبة النفسية، فبات الأمر الذي يشغل أذهان النساء حول العالم، ولمجابهة هذه السياسة لا بد من عودة المرأة لحقيقة جوهرها والاقتداء بالنساء المناضلات والعمل على توعية وتطوير ذاتها فكرياً بدل من التوجه إلى التغيير من ملامح شكلها الخارجي. 

لماذا ازدادت ظاهرة التجميل؟ وهل هي نابعة من المجتمع الذكوري والرأسمالية التي تروج وتعطي الأهمية لعمليات التجميل ومراكزها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي لتشتيت فكر المرأة في الوقت الذي تقام به ثورة نسوية لتوجيه طاقتها لمسارات أخرى؟ للإجابة على كل هذه التساؤلات كان لنا لقاء مع الرئاسة المشتركة لهيئة التربية والتعليم في مقاطعة الرقة زليخة عبدي.

 

سياسة الرأسمالية لجعل المرأة سلعة

عن ازدياد ظاهرة التجميل تقول زليخة عبدي "نجد عدد كبير من النساء تتوجهن لمراكز التجميل والتي تتضمن تغيير المرأة لشكلها سواء على مستوى الجسد أو الوجه، إنها سياسة الرأسمالية لتوجيه المرأة لتجميل نفسها للجنس الآخر واستخدامها كسلعة، فنرى اليوم الإعلانات تكون باستخدام المرأة لبيع أي سلعة، ولذلك دائماً نجد أن البرامج والمسرحيات والمسلسلات تعتمد على شكل المرأة بالدرجة الأولى، مما يدفعها لقصد هذه المراكز والقيام بتغيير شيء من جسدها أو أي منطقة من وجهها لتستمر بالعمل الذي تقوم به إلى جانب نظرة الرجل الدونية لها والتي تدفعها إلى التغيير في شكلها".

 

نظرة المجتمع الدونية وقلة الوعي تدفع النساء للتجميل

ولفتت زليخة عبدي إلى أن "النساء تتجهن لهذه المراكز لعدم وجود وعي كافي حول الجوهر الحقيقي لها مما يدفعها لتكون أداة بيد هذه المراكز، فالمرأة بدورها تبحث عن الجمال دائماً في ظهورها، إلى جانب وضع مقياس للزواج فتجبر على تغيير شكلها الخارجي على مستوى جسدها، أما أولئك اللواتي تعانين من زيادة في الوزن تندفعن لعمليات شفط الدهون أو الريجيم القاسي لتنال قبولاً من الجنس الآخر، هذه الأمور تخلق دائماً التناقض في شخصيتها".

وأضافت "نظرة الرجل الشرق الأوسطي تجاه المرأة وظاهرة تعدد الزوجات تحت حجة أن زوجته ليست كما يودها من الناحية الشكلية، تدفع بالمرأة لقصد هذه المراكز لتقوم بتجميل نفسها اعتقاداً منها أن ذلك سيحافظ على حياتها الزوجية ولكيلا يلجأ زوجها للزواج مرة أخرى، إلى جانب الأسباب النفسية فالعديد من الفتيات العازبات بسبب ابتعادهن عن القراءة وحث الذات وإيجاد الجوهر يتلجأن إلى تلك المراكز دون النظر للجوهر الحقيقي ظناً منهن أن المرأة خلقت من أجل أن تكون المخلوق الجميل الذي ينظر له الرجل".

 

الأنظمة الاستبدادية جعلت من المرأة سلعة للبيع

عن أسباب قصد النساء مراكز التجميل بدلاً من التوجه لمراكز التوعية الفكرية نوهت زليخة عبدي أن "نشأت  المرأة على مفهوم أنها خلقت من أجل إرضاء رغبات المجتمع الذي لا يرغب بأن تصبح مثقفة ومطلعة على التاريخ والجغرافيا والثقافة والفلسفة لتبقى بعيدة كلياً عن الساحة الثقافية، ولتكون دائماً جاهزة للرجل الذي يستمتع بجسدها فقط لا غير، مما يجعلنا نرى أن المرأة من خلال التربية منذ انكسارها في المجتمع الطبيعي وإلى الآن ترى أنها فقط جاهزة للزواج وتكون أماً ويبقى تفكيرها محدود، ولا تسعى لتكون شخصية سياسية أو إدارية ذات شأن في مجتمعها في ظل الأنظمة الرأسمالية التي جعلت منها مادة وسلعة تباع وتشترى، لذلك أصبحت مسلوبة الإرادة ووجدت ذاتها غير قادرة للذهاب إلى مراكز التدريب والتأهيل والتثقيف".

وأضافت "تزداد أعداد مراكز التجميل كلما ابتعدت المرأة عن جوهرها الحقيقي وثقافتها في الدول التي تتبع النظام الدولتي المبني على إبعاد المرأة عن مراكز التدريب والتأهيل والتثقيف، لأن هذه الأنظمة تخشى من دورها الحقيقي أو أن تتعرف على حقيقتها وجوهرها وتاريخها، فمن هذا المنطلق نرى أن هذه الدول تستمر في زيادة مراكز التجميل لجعل المرأة تنشغل دائماً بمدى جمال جسدها ووجهها، ففي تركيا وعدد من الدول الأوروبية والعربية تتبع الأنظمة التي تعتمد على توجيه النساء إلى مراكز التجميل بدل الذهاب إلى مراكز التثقيف".

وأكدت أن "هذه محاولات من الدولة الرأسمالية كي تكون المرأة بخانة العبدة التي يكون همها الأول والأخير المحافظة على وجودها كجسد دون الجوهر، فمعظم هذه الدول حتى الأحزاب السياسية تعمل على جعل وجود المرأة كأي مزهرية داخل قاعة الاجتماعات فنجد المرأة دون الجوهر المطلوب، لذلك يمكننا القول إن هذه السياسة نابعة من النظام الذكوري المتحكم بحياة المرأة منذ الأزل، واستمرت مع تطور النظام الرأسمالي الذي اعتمد على استمرارية فقدان المرأة لذاتها، ويأتي أيضاً في إطار عدم ثقة المرأة بوجودها كشخص ضمن المجتمع".

 

مواقع التواصل الاجتماع وسيلة الرأسمالية للترويج

كما تطرقت زليخة عبدي إلى أنه "من خلال وسائل التواصل الاجتماعي نجد أن أغلبية البرامج تحث المرأة للتوجه إلى هذه المراكز سواء من خلال الشركات أو المعامل الخاصة، فكل هذه الوسائل أهدافها محددة وموحدة وهي خدمة النظام الرأسمالي الذي يحاول دائماً إبعادها عن الدور الحقيقي لذاتها".

وأضافت "نرى أن النساء في إقليم شمال وشرق سوريا يتم محاربتهن لأنهن استطعن أن تثبتن وجودهن من خلال نظام الرئاسة المشتركة ضمن كافة المؤسسات والمجالات والأحزاب السياسية والحركات النسوية، لذا نرى أن مواقع التواصل الاجتماعي تلعب دورها في حث المرأة التي تحاول إثبات كيانها دون الترويج لهذه المغريات، ولكن هذه المواقع لن تجد لها دوراً أو منفذاً أمام النساء المتسلحات بالوعي وتدركن الفرق ما بين الجوهر الحقيقي وكوجود شكلي فقط لإشباع رغبات الجنس الآخر".

 

حروب وسياسة خاصة بهدف إخماد الثورة النسوية

وأضافت "بهدف إخماد هذه الثورة لجأت الأنظمة الاستبدادية والقمعية والرأسمالية إلى بناء مراكز التجميل والترويج لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي لإبعاد المرأة عن الجوهر الحقيقي لها وعن ثورة "Jin Jiyan Azadî" المستوحاة من الفكر الذي طرحه القائد عبد الله أوجلان، فهذه الأنظمة دائماً تحاول من خلال توجيه النساء إلى هذه المراكز لكي تفقدن الهدف الذي خرجن من أجله وهو إعلان ثورتهن على مستوى العالم والتوجه إلى جمال الشكل وحده".

كما نوهت إلى أن "المرأة بطبيعتها تحب الجمال وحتى الفلاسفة تحدثوا كثيراً عن الجمال، ولكن يجب أن نميز أن الجمال ليس فقط جمال الشكل بل جمال الروح، فعندما تعي المرأة هذه الحقيقية ستضع النقاط على الحروف لدحض هذه الذهنيات التي تحاول إبعادها عن كينونتها وحقيقتها، فإذا فقدت جمال العقل فماذا نستفيد من جمال الشكل، لذلك الجمال جمال الروح والحكمة"، مضيفةً "من خلال ما نشاهده الآن عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعبر متابعتنا لبعض النساء حول العالم نجد أن هناك حرب خاصة ممنهجة ضد ثورة المرأة وضد المبادئ والقيم التي أرادت المرأة أن تخرج من أجلها، ففي هذا الإطار نستطيع أن نقول أن هناك حرب تجاه علم المرأة الذي أطلقه القائد أوجلان لأنه يشرح كيفية الوصول لحقيقة المرأة وعلى هذا الأساس الحروب الخاصة تزداد تجاه ثورة المرأة بهدف إخمادها".

وأكدت على أن "المرأة تستطع مواجهة هذه الحروب من خلال التدريب والمطالعة وأن تبقى في ساحة النضال وتتمسك بمبادئها ووجودها وألا تتخلى عن دورها الحقيقي كالآلهة عشتار، يجب عليها أن تثبت كيف بدأت الحياة البشرية من الآلهة الأم وتستمر على هذا الأساس، ونستطيع القول إن القرن الواحد والعشرون سيكون قرن حرية المرأة، فعندها سترى أنها هي الذات الحقيقية لتطوير المجتمعات والطليعة والقدوة لتغيير هذا المجتمع وتصحيح المسار، فما فقدته البشرية الآن في الطبيعة والحروب التي نشهدها يعود سببها لإبعاد المرأة عن دورها الحقيقي في المجتمع الذي بات مشلول لأن النصف الأساسي فيه لا يأخذ دوره وهو المرأة، فعندما الجسد نصفه يكون سليماً ونصفه الأخر مشلولاً بالتأكيد سيقبى ناقصاً وهذا الشيء ينطبق على مجتمعاتنا".

ووجهت زليخة عبدي رسالة في ختام حديثها إلى جميع نساء العالم "عليكن أن تعين بأن هذه الحروب تسعى للنيل من إرادتكن وقراراتكن لكيلا تصبحن صانعات للقرار والسلام في العالم الذي ينتظر بأن تقمن بعملية السلام وأن تنهين الحروب الدائرة في العالم من خلالكن، فهم يريدوننا أن ننشغل بتلك الأمور البسيطة وهي التجميل لننسى دورنا الحقيقي لاستدامة الأمن والسلام والاستقرار".