مجلس المرأة السّوريّة يسعى للوصول لامرأة حرة ومتمكنة سياسياً
لخلق مجتمع ديمقراطي إيكولوجي يتقبل حقيقة المرأة وينمي قدراتها ويمنحها حقوقها، يوسع مجلس المرأة السّورية في شمال وشرق سوريا علاقاته الدَّاخليّة والخارجية مع النّساء لكي يُفيد ويستفيد
رهف يوسف
قامشلو ـ .
ليس حزباً سياسياً، بل انطلق لتمكين المرأة في السَّياسة، هو مجلس المرأة السوريَّة الذي نشُط عمله بشمال وشرق سوريا، ومؤخراً بدأ يمتد نحو الشّرق الأوسط، منطلقاً من مفهوم أنَّ قضية المرأة عالميَّة وليست محليَّة.
"لا يجب أن تكون مشاركة المرأة شكلية أو صورية في مواقع صنع القرار"
المُنسقة العامة لمجلس المرأة السَّوريَّة لينا بركات، بينت أنَّ من يُراقب عن كثب تطور الأحداث في سوريا، منذ الأزمة التي عصفت بالبلاد في 2011، يُلاحظ أنَّ التَّأثير الأكبر كان على النَّساء، ومن هذا المُنطلق وُجدت الحاجة للتفكير بواقع السَّوريات، والسَّؤال الذي طرح نفسه هو كيف يمكن حمايتهنّ من أتون الحرب والعمل للحفاظ على وجودهنَّ وتفعيل مشاركتهنَّ في حل الأزمة؟
وقالت أنَّ مشكلة المرأة السّوريَّة لم تبدأ مع الأزمة، وإنما كانت متجذرة في عمق مجتمعنا، فهناك عادات وتقاليد تمنعها من التَّقدم، إضافة للمعوقات القانونيّة والدَّستوريَّة والاقتصاديَّة، "من هنا سنحت الفرصة لنا كسوريات أن نحمل عبء هذا الوطن، ونسعى لتحقيق السَّلم والخير فيه، لنجتمع تحت مظلة واحدة كناشطات ومهتمات بقضية المرأة وعضوات في المُنظمات المدنية والأحزاب، ونوحد طاقاتنا من أي بقعة جغرافية داخل وخارج سوريا، لذا عُقد المؤتمر التَّأسيسي للمجلس في 8 أيلول/سبتمبر 2017".
وحضر المؤتمر 124 ممثلة من كافة أنحاء سوريا من السّاحل، ودمشق، وحمص والسَّويداء والرقة ودير الزور والشَّهباء وغيرها، وتبنى المجلس مجموعة من الأهداف "سعينا لتفعيل مشاركة المرأة السَّياسية، لأنها حتى الآن ما تزال بعيدة عن مراكز صنع القرار، وتُشارك بشكل جزئي في حل جميع المُشكلات".
ولفتت لينا بركات إلى أنَّ للمرأة الدّور الأكبر في محاربة داعش، ولكن يجب أن يكون هناك دور موازي لهذا وهما الدّورين السَّياسي والاجتماعي "الجانب العسكري لا يكفي، لكنه يدعم الجوانب الأخرى، ومجلسنا يحاول تغطية كافة الجوانب".
وفي البداية اقتصر عمل المجلس فقط على المركز الموجود في مدينة قامشلو، وبعد ذلك انتقل إلى الرَّقة، وتتابع افتتاح المراكز في مناطق شمال وشرق سوريا، وفي المدن السَّورية الأخرى توجد عضوات هيئة تنفيذية يقمن بالنَّشاطات، كما قالت.
وأشارت لينا بركات إلى أن المجلس يستمد قوته من كونه متواجد على الأراضي السَّورية، "سمعنا بالعديد من التَّنظيمات النَّسويّة، إلا أنها تعمل جميعها في الخارج، ولكن عملنا يتميز بالميدانية، لتغطية قضايا المرأة وجميع نشاطاتها".
وأكدت على أنَّ الهدف الأساسي لديهم هو خلق مجتمع إيكولوجي ديمقراطي "وجود المرأة في مفاصل المجتمع والإدارات وجميع مناحي الحياة، يعطي شكلاً حضارياً للديمقراطيَّة، كذلك مشاركتها في وضع دستور جديد للبلاد يضمن عدم هضم حقوقها، فهناك قوانين جائرة بحقها في قانون الأحوال الشَّخصية والاقتصادية والاستثماريّة وغيرها، إضافة لنبذ كل أشكال العنف والتَّطرف والعنصرية".
وعقد مجلس المرأة السّورية في 15 آذار/مارس الماضي ورشة عمل بعنوان (الدّساتير المُتعاقبة في سوريا) وذلك بمدينة الطّبقة، وفي 4 شباط/فبراير الماضي جلسة حوارية بعنوان (اتفاقيّة سيداو) في الرَّقة، وفي الأول من شباط/فبراير من العام الجاري عقد ورشة (المرأة السورية ما بين الدَّساتير والقوانين السَّورية)، وبمبنج في الخامس من كانون الثّاني/ يناير 2020 أعطى محاضرة عن الدّساتير وأنواعها وأشكالها في البلديات.
وتعتبر لينا بركات أن ما نجحوا به وعجزت عنه التّنظيمات الأخرى هو ضم جميع مكونات الشَّعب السَّوري، "تجمعنا قضية المرأة، انطلاقاً من إيماننا الراسخ بأن حرية المجتمع عامة ترتبط بتحررها، وحل القضية السّورية يبدأ من حل أزمة المرأة".
ولا يجب أن تكون مشاركة المرأة شكلية أو صورية يتم فيها استغلالها من قبل الأنظمة، والحديث للينا بركات "على سبيل المثال هناك نساء يتواجدن في اللجنة الدَّستوريّة، بنسبة 26%، ولكنهنَّ لم يقدمنَّ شيئاً فيها، لذا يجب أنَّ يكون هناك كوادر نسوية مؤهلة لقيادة المرحلة، وتحصل على حق النساء".
"الجرأة في طرح المواضيع"
تُشبه لينا بركات مجلس المرأة السَّوريّة بـ (خلية النّحل)، لأنه لم يتوقف عند توجه واحد فقط "قمنا بتحضير عدة ملتقيات أبرزها المُلتقى الحقوقي الأول للناشطات السَّوريات الذي عُقد في كوباني، ونتج عنه مطالب دستورية".
وبناء على ملاحظات المجلس لانتشار الفكر المُتطرف واستغلاله للمرأة سواء جسدياً وبالعنف الجَّنسي أو بالتَّطرف "عقدنا ملتقى عن المرأة والدَّين جدلية التَّسلط والتَّحرش، لنكسر بعض المواضيع المحرم على النّساء النَّقاش حولها أو إبداء آرائهنَّ فيها، ونريد بذلك تجاوز التّابوهات لنعرض ما يهم المرأة".
وأعطى المجلس بمدينة قامشلو في الثاني من شباط/ فبراير 2020 تدريب عن (المرأة في الدّين وتأثير التّطرف)، وفي 17 كانون الثّاني/يناير 2021 ورشة عمل تحت عنوان (المواطنة)، وغيرها العديد من الفعاليات التي تحمل مواضيع مُتنوعة.
وعقد المجلس العديد من ورشات العمل وجلسات التَّوعية بالتَّنسيق مع منظمات أخرى أو بشكل منفرد، وشارك في العديد من المؤتمرات التي عقدت خارج سوريا، "نتواصل مع مُنظمات وجهات دولية كـ (الأمم المُتحدة وهيئة المرأة فيها)، ونحن جزء من مشروع أجندة مُستقبل سوريا الذي أطلقته الإسكوا التَّابعة لمنظمة الأمم المتحدة ونشارك في الاجتماعات لطرح رؤانا وأفكارنا".
وأضافت "شاركنا في ملتقى الحوار السَّوري ـ السّوري، الذي عقد برعاية مجلس سوريا الدَّيمقراطيّة، والعديد من الملتقيات والمنتديات من أجل حل الأزمة السَّوريَّة في مناطق عدة، آخرها في دمشق بعنوان (الحوار الوطني السّوري) الذي أطلقته الأحزاب السّياسية، فالنشاطات التي قام بها المجلس عرفت عنه".
ويُحضر المجلس بالتنسيق مع هيئة الأعيان في شمال وشرق سوريا لملتقى حول (جرائم الشَّرف) لمناقشة هذا الموضوع من المنظور العشائري "نريد أن نغوص في عمق القضية، ووضع يدنا على الجرح لإيجاد الحلول، ونرى ازدياد حالات الانتحار، العنف والقتل، وهذه قضايا تستلزم البحث، منطلقين من مبدأ عدم تقييد نصف المجتمع، لكيلا نعيش في وطن متخلف لآلاف السّنين".
(الجرأة في طرح القضايا) جملة يتبناها مجلس المرأة السّوريَّة، على اعتبار أن المرأة تتعرض للانتهاكات بشكل يومي "لا يجب أن نتردد أو نخاف، بل علينا طرح قضايانا بطريقة قوية وسليمة، بالإضافة للوعي الذّاتي والتّمكين، والقدرة على تحليل الواقع واستنباط الحلول، وبهذا نحقق نتائج كبيرة في فترة قصيرة".
وتابعت "نعقد ملتقى شهري نتحدث فيه عن المكونات، والأديان، والطّوائف الموجودة في سوريا، فمن حقنا أنّ نتعرف على بعضنا كوننا نعيش في هذه المنطقة لنعزز التّماسك الاجتماعي والسّلم الأهلي، ونغير ذهنية المجتمع اتجاه المرأة، وهكذا نتخطى الحواجز بكل سهولة".
وتتفرع العضوات في مجلس المرأة بين مُنتسبات من الأحزاب والمُنظمات، ومتفرغات للعمل فيه "يضم مجلسنا خمس لجان وهي (التًّنظيمية، والعلاقات، والاعلام، والقانونية واللجنة المالية الاقتصاديّة)، ويضم المجلس مع العضوات في المكاتب حوالي 20 منظمة، و20 حزب سياسي، إضافة للحقوقيات والنّاشطات".
"نعيش في مجتمع يستعبد الرّجال والنّساء على حد سواء"
وتبين لينا بركات أن مسألة المرأة حساسة، وعند الاقتراب منها تظهر عُقد المجتمع "نعاني من النّظرة الثانوية لقضية المرأة، وهنا نتساءل كيف سأحرر وطن إن لم أحرر انسان في هذا الوطن؟".
وترى أن نظامنا الاجتماعي يستعبد النّساء والرجال على حد سواء، "المرأة هنا هي عبدة العبد، فإن لم تكن حرة فالرجل ليس كذلك، ولكنها تفوقت عليه بثورتها على واقعها وإدراكها له، ونحن هنا لا نريد الحرية فقط لها، فلا يستطيع الإنسان أن يسير بقدم واحدة وكذلك المجتمع، ولذا يجب أن يعي الرَّجل بأن المرأة لا تناضل لحريتها فقط بل لنيل حريته أيضاً، فالعقل الذي ينتج الأزمة لا يمكن له حلها".
وتشير لينا بركات إلى أن هناك دراسات تقدم سنوياً إلى الأمم المُتحدة، تثبت أن السّلام الذي تشارك في صنعه نسبة كبيرة من النَّساء يكون مُستداماً.
وكان للمجلس إنجازات هامة في مجال شؤون اللاجئين "نازحو رأس العين/سري كانيه يختلف وضعهم عن الدّاعشيات في الهول، ففي الأول بدأنا في 2020 عبر تقديم الدعم النفسي والفكري وتوعية للمرأة فنحن نتهمها دائماً بالضّعف دون أن نحلل أسباب ذلك كأن (تُخرج من المدرسة لتتزوج، لا تحصل على عمل يناسب شهادتها ورغبتها، وتعمل في الأرض ولا تنال حقوقها، النّظرة الدّونيّة لها)، لذا نريد أن ننتشلها من هذا الضعف عبر التّدريبات المهنية وورشات لتمكينها في كافة النّواحي".
أما في مخيم الهول بدأ العمل في عام 2019 بعد تحرير الباغوز "النّساء يملكنّ فكر مُتطرف ولا يتقبلنّ العمل النّسوي بسهولة، لأنهنّ ضحايا التّنظيمات الرّاديكالية، لذا أسلوب التّعامل يكون مختلفاً ونتعاون مع بعض المراكز المختصة بأبحاث ودراسات التّطرف، والدّخول لعمق التّفكير لديهنَّ".
وفي 19 شباط/فبراير 2020 ألقى المجلس محاضرة في مخيم الهول عن دور المرأة في المجتمع، وفي 20 كانون الأول/ديسمبر من ذات العام عقد جلسة حوارية لمجموعة من نساء مخيم المحمودلي في مدينة الطبقة.
وعن أبرز الخطط المستقبلية قالت "سنوسع نشاطنا، وشاركنا في اللجنة التّحضيريَّة لمؤتمر النساء في الشّرق الأوسط لنفيد ونستفيد منهنّ، إضافة للتواصل مع وكالات إعلاميّة عالمية، ونشارك في مبادرة (مناهضة الاحتلال والإبادة في الشّرق الأوسط)، فقضية المرأة عالميّة".
وفي الختام دعت المُنسقة العامة لمجلس المرأة السَّوريَّة لينا بركات إلى البحث في عمق شخصية المرأة لتخليصها من الرّضوخ والعبودية الطّوعيّة، فالمرأة حتى الآن لم تعي ذاتها "الحق يؤخذ ولا يعطى، لذا يجب أن نعمل على تطوير قدراتنا وتمكيننا، لنستطيع القول إننا نسير على طريق الحرية الصّحيح".