مذابح الأرمن ... أولى جرائم الإبادة الجماعية في التاريخ الحديث

تعرضت النساء الأرمنيات لانتهاكات جسيمة في نهاية الحرب العالمية الأولى عندما عملت الدولة العثمانية على الانتقام من الأرمن إثر هزيمتها

مركز الأخبارـ .   
ارتكبت الدولة العثمانية مجازر متفرقة بحق المكون الأرمني منذ منتصف عام 1914 وحتى عام 1915. وتعتبر هذه المجزرة الأفظع في القرن العشرين وعرفت باسم المحرقة الأرمنية أو الجريمة الكبرى.   
وأباد العثمانيون مليون ونصف أرمني في واحدة من أكبر جرائم الإبادة الجماعية في التاريخ الحديث بعد المحرقة النازية التي ارتكبها هتلر بحق اليهود "الهولوكست" في الحرب العالمية الثانية.
علاقة الأرمن والعثمانيين
لمن تكن علاقة الأرمن بالعثمانيين على خير ما يرام رغم أن بلادهم كانت جزءاً من الإمبراطورية العثمانية وذلك نتيجة للممارسات الدولة العثمانية الفاشية.
وفي أواخر ثمانينات القرن التاسع عشر شكل الأرمن منظمات سياسية بهدف إنشاء حكم ذاتي، مما أثار شكوك الدولة العثمانية حول مدى ولاء الطائفة الأرمنية داخل حدودها، وكان المسيحيون الأرمن إحدى الجماعات العرقية في الإمبراطورية العثمانية.
وبشكل عنيف ردت السلطات العثمانية على الثوار الأرمن الذين استولوا في 17تشرين الأول/أكتوبر 1895، على البنك الوطني في القسطنطينية، وهددوا بتفجيره إذا لم تمنحهم السلطات حكماً ذاتياً إقليمياً.   
وارتكب العثماني سلسلة من المجازر، ففي عام 1894 و1896 قتل أكثر من 80 ألف أرمني واحرق نحو 2500 امرأة في كاتدرائية أورفا، وعرفت في ذلك الوقت باسم "المجازر الحميدية"، وتعد من أبشع المجازر التي ارتكبت آنذاك.  
وفي عام 1908 استولى فصيل أطلق عليه اسم "الأتراك الشباب" على السلطة في القسطنطينية "العاصمة العثمانية"، وأنشأوا جمعية سرية عرفت باسم "جمعية الاتحاد والترقي" وتحولت فيما بعد إلى حركة سياسية، بحجة أنشاء نظام دستوري ليبرالي علماني يضع جميع الأفراد على قدر المساواة.
لكن قادة جمعية الاتحاد والترقي حولوا نشاط جمعيتهم بين عامي 1909 و1913 إلى أنشاء دولة عثمانية غير متعددة الأعراق، واختزال جميع الثقافات في ثقافة تركيا، لكن المناطق الكثيفة بسكان الأرمن في الاناضول كانت عائق أمام طموحاتهم.   
وخلال مظاهرات نظمها الأرمن للمطالبة بمنحهم حكم ذاتي في عام 1909 قتل العثمانيين نحو20 ألف أرمني منهم في مدينة اضنة. 
الحرب العالمية الأولى وعملية الإبادة الجماعية  
في عام 1914 شاركت الإمبراطورية العثمانية في الحرب إلى جانب دول المحور "ألمانيا والنمسا والمجر" ضد الحلفاء "بريطانيا وفرنسا وروسيا وصربيا".  
وارتبطت مذابح الأرمن مع حقبة الحرب العالمية الأولى (1914ـ 1918) في الشرق الأدنى والقوقاز الروسي.
ولم تكن الدولة العثمانية تثق بالأرمن بسبب نشاطهم السابق ضدها وتواصلهم مع الروس، فما كان منها إلا أن هجرتهم خارج مناطقهم في 24نيسان/أبريل عام 1915.
لكنها توسعت في عمليات الترحيل والتهجير القسري في بداية أيار/مايو 1915، حاول بعض الأرمن الزحف للتخييم في المناطق الصحراوية في الجنوب، وأنشأوا قوافل في عدة أقاليم أرمنية في شرق الأناضول، طرابزون، وبتليس، وفان، وديار بكر، ومعمورة العزيز، ومنطقة ماراس، وجميع نواحي الإمبراطورية.
لكن الحكومة المركزية في القسطنطينية أطلقت أوامر بتنفيذ عمليات واسعة بإطلاق النار وترحيل المدنيين، وقتل وقتها غالبية رجال الأرمن والعديد من النساء والأطفال، ثم تم سوق هؤلاء إلى الإعدام ورميهم في حفر كبيرة. 
وتعرض الأرمن المهجرين الذين كان أغلبهم من النساء والأطفال وكبار السن إلى هجمات وحشية من قبل ضباط الإقليم والعصابات، وفي طريقهم تعرضت النساء للاغتصاب والقتل الجماعي ولقي الآلاف منهم حتفهم قبل وصولهم إلى المخيمات.
يوم وطني لإحياء ذكرى إبادة الأرمن
يستذكر الأرمن في جميع انحاء العالم المجزرة في يوم 24نيسان/أبريل، التي راح ضحيتها الآلاف من الأشخاص.
ورغم أن الإبادة استمرت لأشهر إلا أن الأرمن اختاروا هذا التاريخ ففيه اعتقلت السلطات العثمانية ما يقارب 600 شخص من مثقفي وقادة وكتاب ورجال الدين وأعيان المجتمع الأرمني في العاصمة العثمانية القسطنطينية "اسطنبول"، وعملت على ترحيلهم وإعدام 250 أرمني.   
ضحايا المجزرة
أصدر الأرمن احصائيات حول اعداد ضحايا هذه المجزرة وصلت إلى ما يقارب 1,5 مليون أرميني قتلوا جراء السياسية القمعية المنظمة قبل سقوط الدولة العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى. لكن وبحسب الموسوعة البريطانية "بريتانيكا" فأن عدد الأرمنيين الذين ماتوا وذبحوا أثناء الترحيل يزيد عن 600,000 أرمني.
وهجرت الدولة العثمانية بين عامي (1915 ـ 1917) أكثر من مليون أرميني في ظل ظروف قاسية أدت إلى وفاة عشرات الآلاف من النساء والأطفال والشيوخ.   
من يعترف بالإبادة؟
اعترفت بوقوع الإبادة الجماعية كحدث تاريخي 20 دولة و42 ولاية أميركية وعدد من الأقاليم مثل إقليمي الباسك وكتالونيا في إسبانيا، وإقليم القرم المنضم حديثاً إلى روسيا، وإقليم نيو ساوث ويلز وجنوب أستراليا، وكيبيك في كندا.
واعترفت بعض المنظمات الدولية مثل البرلمان الأوروبي ومجلس أوروبا ومجلس الكنائس العالمي ومنظمة حقوق الإنسان.
كما صنفتها الأمم المتحدة كجريمة دولية في اتفاقية عام 1948، ونفذت في عام 1951.
واعتمدت العديد من البرلمانات قوانين وقرارات تعترف بـ "الإبادة الجماعية"، فاعترف 26 برلماناً بهذه الإبادة وهي الأرجنتين، النمسا، بلجيكا، بوليفيا، البرازيل، بلغاريا، كندا، تشيلي، قبرص، فرنسا، اليونان، إيطاليا، لبنان، ليتوانيا، لوكسمبورغ، هولندا، باراغواي، بولندا، روسيا، سلوفاكيا، السويد، سويسرا، الولايات المتحدة، أوروغواي، الفاتيكان، فنزويلا. 
ومثل إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الخامس من شباط/فبراير 2019، تخصيص يوم 24نيسان/إبريل يوم وطني لإحياء ذكرى الإبادة الأرمينية وفاءً لوعده الانتخابي ضربة لتركيا ونظامها الرافض لأي محاولة تجريم لمجازره. 
تركيا ترفض الاعتراف بالإبادة الأرمينية
ترفض تركيا وصف ما حدث للأرمن بـ "الإبادة" وتؤكد بأن هؤلاء القتلى سقطوا خلال حرب أهلية تزامنت مع ظروف الحرب والتهجير والمجاعة التي أدت إلى قتل ما بين 300 و500 ألف شخص فضلاً عن عدد مماثل من الأتراك حين كانت القوات العثمانية وروسيا تتنازعان السيطرة على الأناضول.
ويذكر أنه يوجد أكثر من 135 نصباً تذكارياً موزع على 25 بلداً تخليداً لذكرى الإبادة الجماعية للأرمن.