لأكثر من 60 عاماً... فريدة جرمان تكرس حياتها للنضال

تعرضت الناشطة السياسية فريدة جرمان للتمييز والتعذيب أثناء اعتقالها، وناضلت لأكثر من 60 عاماً داخل إيران وخارجه، ولا تزال مستمرة في النضال.

شهلا محمدي

مركز الأخبار ـ فريدة جرمان إحدى المناضلات والناشطات السياسيات اللواتي بدأن نشاطهن السياسي منذ الطفولة، نشأت في أسرة متشددة ولهذا السبب انضمت إلى خط نضالات النساء خاصةً التي بدأت في العهد البهلوي.

قضت فريدة جرمان طفولتها مع العائلات التي كانت تتجمع باستمرار أمام السجون، وأجبرها التمييز على بدء نضالها كفتاة، ولكن بعد الثورة التي أطاحت بحكومة البهلوي في عام 1979، واستبدلته بالجمهورية الإسلامية، دخلت فريدة جرمان السجن وعانت من كافة أشكال التعذيب.

وأوضحت الناشطة السياسية فريدة جرمان من خلال حوار مع وكالتنا، أنها كرست حياتها للنضال والثورة، وشاركتنا تجربتها في النضال خلال أكثر من 60 عاماً.

 

ما هو دافعكِ للمشاركة في الحملات السياسية؟

كان يدفعني أمرين للمشاركة بالحملات السياسية، أحدهما أنني نشأت في أسرة سياسية، و​​واجهت مشاكل عدة منذ الطفولة كالتمييز والاعتقال والتعذيب خلال عهد البهلوي فقط لمطالبتنا بالعدالة والحرية، وكذلك القضايا التي رأيتها في الأسرة والمجتمع، مثل الفقر وبؤس الناس، وانعدام حرية التعبير، وكوني ولدت إبان الحرب العالمية، كل ذلك كان له تأثير على قضيتي ومشاركتي السياسية.

لم يكن عمري يؤهلني بما يكفي لأكون عضو في بعض المنظمات، وفي عام 1961 درست الهندسة المعمارية ومن ثم ذهبت إلى إيطاليا لإكمال تعليمي، فتعرفت على منظمة طلابية كانت عضو في الاتحاد الدولي للطلاب الإيرانيين، كنت سعيدة جداً لأنني تمكنت من النضال في بيئة حرة والتعبير عن رأيي. في ذلك الوقت دخلت الاتحاد الدولي، وفي نفس العام التقيت بزوجي، وبعد ذلك تزوجنا، وواصلت نضالي معه، ولم يكن نضالنا حرب عصابات، بل كان للتوعية.

ناضل زوجي سراً في إيران لمدة عامين، ومن ثم تم التعرف عليه واعتقاله، وتوفي تحت التعذيب في سجن سافاك مع أحد أصدقائه. في ذلك الوقت كتبت وسائل الإعلام التابعة للحكومة الإيرانية أنه "تم قتل إرهابيان خلال اشتباك في الشارع"، بينما حصلت على صورة زوجي بعد وفاته، ولم تكن هناك آثار رصاص أو دماء على جسده، وكان من الواضح أنه مات تحت التعذيب، وكل من يحارب الحكومة الإيرانية فسيتم اعتباره إرهابياً.

بعد وفاة زوجي، أصبحت أكثر إصراراً على مواصلة نضالي وزيادة وتيرته. كانت الدورة التدريبية في المنظمة على وشك الانتهاء وبدأت نشاطي كمناضلة أكثر جدية ونشاط من ذي قبل.

 

 في هذه الحقبة كيف كان دور المرأة في النضال ولا سيما على المستوى القيادي للأحزاب؟

في المنظمة الطلابية، كان لدينا قياديتين وهما الدكتورة معصومة (شكوة) طوافجیان، ووفاء (مهوش) جاسمي التي كانت تنظم الأنشطة الداخلية بمساعدة آخرين. عندما كنا خارج إيران، أنشأ الاتحاد الدولي القسم النسائي، وكانت الدكتورة شكوة طوافجيان نشطة للغاية في المنظمة عندما كانت طالبة في إيطاليا وأنشأت المنظمة النسائية. لكن أنشطة النساء في الخارج لم تستطع أن تستمر لفترة طويلة والسبب هو أنه في ذلك الوقت لم يكن هناك الكثير من النساء الإيرانيات في الخارج، لذا لم تكن الحركة ناجحة للغاية؛ لكن عندما عدنا إلى إيران عام 1978، كانت أنشطتنا في هذا المجال أكثر وأفضل.

تم القبض على شكوة طوافجيان ومهوش جاسمي داخل إيران وتوفيتا في السجن، ولم نعثر على مكان دفنهما، قيل إنهما ألقيتا في بحيرة قم المالحة، لكن ليس هناك دليل. وليس من الصواب أن أتحدث بثقة عن أمور ليس لدي دليل عنها، ولكن لماذا لم نتمكن من العثور على مكان دفن هاتين الرفيقتين؟.

 

كيف كانت عودتكِ إلى إيران ما بعد الثورة؟

بعد ثورة 1979، عندما عادت المنظمات السياسية إلى إيران، حلت الجمهورية الإسلامية جهاز المخابرات "السافاك"، وبلغت نضالات الأهالي ذروتها وكنا نأمل أن يتمكن الجميع من النضال بحرية في البلاد.

في ذلك الوقت، كان النضال الأول الذي حدث هو من قبل امرأة، لأن القضية الأولى التي أثارها الخميني كانت قضية الحجاب الإجباري، وإلى حدٍ ما نجحت النساء في التخفيف من هذه المشكلة، لكن بعد فترة تجاهلن الحجاب وفضلن حرية التعبير عليه.

أنشأنا أول منظمة نسوية ديمقراطية، ولم تطرح فيها نقاشات أيديولوجية ولم نتطرق إلا إلى قضايا المرأة فقط، وكانت النساء من جميع المعتقدات حاضرات فيها. كانت لدينا مجلة تسمى "17 شهريور" نسبةً لحركة "17 شهريور" التي راحت ضحيتها العديد من النساء. كان لدينا هيئة تحريرية وننشر محتوى مفيد كل شهر.

ونظمنا مجموعات بين الأحياء، وإحدى العضوات أنشأت عيادة في أحد الأحياء بمساعدة الأهالي، وحصلت على جميع معداتها من وزارة الصحة، وربما هذه العيادة لا تزال قائمة. كما كنا نشطين أيضاً في القسم القانوني، وقدمنا المشورة القانونية للنساء اللواتي تعرضن للعنف الأسري.

كانت العضوات تقدمن مساعدتهن في المستشفيات لفترة طويلة خاصة في القرى، وكان معنا طبيب. أخذنا الكثير من الملابس والأدوية، لكن الحرس الثوري الإيراني منعنا من المساعدة وأعادنا إلى طهران. كانت إحدى ذكرياتي أثناء الحرب ولادة امرأة تحت أنقاض الحرب، وبإصرار من جدة الطفلة، قمت بتسميتها تخليداً لذكرى صديقتي الدكتورة شكوى طوافجيان التي قُتلت في السجن.

 

أخبرينا عن اعتقالك وتجاربك في السجن؟

عندما أصبح الوضع صعب، واجهت النساء تهديدات وأغلقت المجلة ولجنة المرأة. كما توليت واجبات أخرى وكنت حاضرة سراً في تلك الظروف الصعبة لمدة عامين ونصف. بعد وفاة زوجي تزوجت من أحد أعضاء الحزب يدعى محسن رضواني، بحثت عنه الحكومة لمدة 16 عاماً، لذلك اضطر للذهاب إلى إقليم كردستان.

تم اعتقالي بالرغم من أنه كان لدي شهادة ميلاد مزورة. في اليوم التالي لاعتقالي، تم استجوابي من قبل الحرس الثوري الإيراني الذي لم أكن أعرفه، وأثناء الاستجواب ملأت ورقة الاعتراف بناءً على معلومات شهادة الميلاد المزورة.

تم نشر كتابي الأول الذي يحمل عنوان "في ضوء الحب تذوب معاناة الحياة"، وأتمنى أن أنشر كتابي الثاني وهو "مذكرات السجن".

كانت تجربة السجن مهمة جداً بالنسبة لي بسبب اكتساب الخبرة. تم إعدام العديد من أصدقائي، وتعرضنا للتعذيب. مُنعت من مغادرة البلاد لمدة أربع سنوات. كان من بين أصدقائي في السجن زوجان تم القبض عليهما مع طفلهما تدعى أحدهما ستارة والتي أصيبت بمرض في القلب في إحدى الليالي وتم نقلها إلى المستشفى، لكنهم لم يسمحوا لوالدتها برؤيتها إلا مرة واحدة فقط، وبعد فترة قصيرة تلقت والدتها خبر وفاتها.

مررنا بأكثر من مائة عام من النضال والسجن والقتل والتعذيب في إيران، وشهدنا خلال عام 2022 الانتفاضة التي تقودها النساء في البلاد ونضالهن ضد الحكومة بأيدي فارغة. نحن مقبلون على مرحلة مهمة يجب فهمها بعمق، لأن شعبنا يحتاج إلى الازدهار في حياته اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.

يجب أن يوضع شعار Jin jiyan azadî على علم إيران كرمز للحركة النسوية، وتحل محل أعلام الجمهورية الإسلامية.

 

بصفتكِ ناضلت ضد نظامين دكتاتوريين، ما هي رسالتكِ للمحتجين/ات المتواجدين في الشوارع خلال هذه الأيام؟

رسالتي للحركة خارج إيران أن يأخذوا شعاراتهم من الحركة داخل البلاد، وإذا هدأت الحركة الداخلية، والتي لا تزال مستمرة، فإن الحركات الأخرى مثل أنشطة المعلمين والعمال ستستمر.

نحن نحارب المجتمع الرأسمالي والإمبريالية في الداخل وآمل أن نصل لحكم بعيد عن الدكتاتورية. الكثيرون من أبناء شعبنا يتعرضون للقمع، لمشاركتهم بالاحتجاجات. آمل أن يتخلص شعبنا من هذه الحكومة الوحشية والقمعية في أسرع وقت ممكن.