كنداكات السودان... مشاركة فاعلة في الاحتجاجات واستحقاقات قليلة في الحكومة الجديدة

سجلت السودانيات في المظاهرات التي اسقطت نظام عمر حسن البشير حضوراً مهماً في تاريخ المرأة والبلاد

مركز الأخبار ـ ، ونقطة تحول نحو المشاركة النسوية الفعّالة في الشأن العام، لكن نصيبها من الحكومة الجديدة بقي دون المأمول وأقل بكثير مما تستحق.
تميزت المرأة السودانية في كافة المجالات وعلى المستويين العربي والإقليمي، ودورها الأخير في الثورة والتغيير ليس بالأمر الجديد، فقد شهدت الفترة بين عامي 1821 و1885 مشاركة نسائية فاعلة إبان ثورة المهدي ضد الحكم المصري ـ التركي، وكان لهن حضور قوي منذ أيام الممالك النوبية.
ويعود نضال المرأة في السودان في سبيل الحقوق السياسية إلى ستينيات القرن العشرين، عندما دخلت أول امرأة البرلمان السوداني في عام 1965عقب حصولها على حقها في الترشح بعد ثورة تشرين الأول/أكتوبر 1964، إلا أنه ومع تسلم الجبهة الوطنية الإسلامية مقاليد الحكم عبر انقلاب عسكري بقيادة عمر حسن البشير عام 1989 الذي اعتمد سياسة قمعية تجاه النساء، تغير وضع المرأة في البلاد ولكن موجة الاحتجاجات الأخيرة قلبت موازين القوى رأساً على عقب.
منذ اندلاع الانتفاضة في السودان في 19 كانون الأول/ديسمبر 2018 للمطالبة بخفض أسعار المواد الغذائية، والتي تحولت فيما بعد إلى المطالبة بإسقاط النظام وتسليم السلطة للشعب، وخلال المظاهرات سجلت النساء حضوراً غير مسبوق في تاريخ البلاد السياسي وشكل حضورها نقطة تحول نحو المشاركة الحقيقية في الشأن العام ما أدى في نهاية المطاف إلى إسقاط النظام ومحاكمة الرئيس عمر البشير في نيسان/أبريل 2019. 
واكتسبت المرأة السودانية خلال الاحتجاجات التي استمرت لأكثر من خمسة أشهر لقب "الكنداكة"، والذي كان يطلق على الملكات اللواتي حكمن مملكة مروي القديمة، ومن بين تلك الكنداكات برزت طالبة الهندسة المعمارية "آلاء صلاح" في مقدمة الاحتجاجات وهي تلقي خطابات وأشعار بين الجموع الغفيرة كما ووصفها رواد التواصل الاجتماعي بـ "أيقونة الثورة السودانية"، وعرفت أيضاً باسم "حبوبتي كنداكة".
وبرز أيضاً اسم الطالبة الجامعية "شجن سليمان" التي كانت تدون وتخط الكلمات والعبارات على اللافتات لتحفيز المتظاهرين وعرفت لاحقاً بين السودانيين بأنها "كنداكة التفاؤل والسعادة"، ولم تنتهي المظاهرات والاحتجاجات حتى سقط النظام بالكامل في 11 نيسان/أبريل 2019.
 
حضور خجول للمرأة في الوفد المفاوض
سادت البلاد فترة مضطربة بعد الإطاحة بالبشير، حيث كان المحتجون يخشون أن يتمسك العسكر بالسلطة، إلى أن تم التوصل إلى اتفاق تقاسم السلطة بين العسكريين ممثلاً بالمجلس السيادي والمدنيين ممثلين بالحركة الاحتجاجية في تموز/يوليو 2019. 
وانضمت عدة نساء إلى مفاوضات حركة الحرية والتغيير مع المجلس السيادي وهن ميرفت حمد النيل التي ترشحت لتكون ضمن الوفد المفاوض عن كتلة تجمع القوى المدنية بعد مشاركتها في الاحتجاجات، كما رشحت كتلة معارضة حزب الأمة القومي مريم الصادق كمفاوضة في جولتين ولكن الكتلة عدلت عن ذلك واستبدلتها بنائب رئيس الحزب إبراهيم الأمين.
كما وقادت الناشطة والمحامية ابتسام السنهوري اللجنة الفنية ضمن وفد المعارضة للمفاوضات، بالإضافة إلى أنها كانت ضمن لجنة صياغة الاتفاقية، وعلى الرغم من دور المرأة البارز خلال الاحتجاجات تم بشكل متعمد إقصاء النساء من عملية التفاوض، وكان تمثيلها ضعيف في كافة اللجان التفاوضية وهذا تأكيد على أن الذهنية الذكورية هي المتحكم الرئيسي في اتخاذ القرارات. 
وتوصل الطرفان خلال المفاوضات إلى اتفاق نص على تقاسم السلطة في جدول زمني لمرحلة انتقالية من 39 شهراً، ومهد الاتفاق الذي أبرم في 17 آب/أغسطس 2019 الطريق لتشكيل حكومة انتقالية في أيلول/سبتمبر من نفس العام. 
 
إشراك النساء بنسبة 40% في تشكيلات الحكومة الانتقالية
تقرر إشراك النساء بنسبة لا تقل عن 40 بالمئة في المجلس التشريعي والتنفيذي في الإعلان الدستوري الذي نتج عن مفاوضات صعبة بين المجلس العسكري السوداني وقادة تحالف قوى الحرية والتغيير. 
ونص الإعلان الدستوري الذي وقع بالأحرف الأولى على إلغاء كافة القوانين التمييزية ضد المرأة ونص على أن يتكون المجلس التشريعي من 300 عضواً وكوتا نسائية لا تقل عن 40 بالمئة في مختلف مستويات الحكم، إلا أن قيادات نسوية في قوى إعلان الحرية والتغيير طالبت بحصول المرأة على نصف المقاعد في كل أجهزة السلطة الانتقالية.
وعلى الرغم من الاتفاق، ضمت السلطة الانتقالية الجديدة أربع نساء فقط في مجلس الوزراء الذي يتكون من 20 وزيراً، وامرأتان فقط في المجلس السيادي، وهي الهيئة المؤلفة من 11 عضواً.
 
وزيرات في الحكومة الجديدة
انتظرت المرأة السودانية سنوات طويلة للحصول على الحرية وتحقيق الديمقراطية، وبعد الثورة رسمت المرأة مسار البلاد الجديد، وانطلقت به انطلاقة ديمقراطية بتعيين "ابتسام السنهوري" أول وزيرة في الحكومة السودانية التي رشحتها قوى الحرية والتغيير لوزارة العدل. 
وتم تعيين أسماء محمد عبد الله في أوائل أيلول/سبتمبر 2019 كأول وزيرة خارجية في تاريخ السودان والثالثة في تاريخ الدول العربية، في حكومة عبد الله حمدوك الذي أدى اليمين الدستورية كرئيس للوزراء في الحكومة الانتقالية في 6 أيلول/سبتمبر 2019.
كما أنها كانت من بين أول سيدتين سودانيتين تلتحقان بالسلك الدبلوماسي في عام 1971، عملت أسماء محمد عبد الله في عدد من البعثات الدبلوماسية، لكنها أبعدت عن العمل الدبلوماسي بموجب قانون "الفصل للصالح العام" وهو غطاء استخدمته حكومة البشير لإقصاء من يرون أنه يعيق برنامجهم الأيديولوجي بعد أن استولى عمر البشير على السلطة، وأُبُعدت أسماء مع عدد كبير من الدبلوماسيين من وزارة الخارجية عام 1990.   
وعينت عالمة الآثار انتصار الزين صغيرون وزيرة للتعليم العالي والبحث العلمي، وقد شغلت منصب عميد كلية الآداب ما بين عامي 2010 و2014، ورئيس قسم علم الآثار في الفترتين من (1995ـ1998) و(2003ـ2007)، إلا أنها تعرضت لانتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل ناشطين اعتبروها "عروبية التوجهات" تحاول طمس التاريخ النوبي للبلاد، ولكنها أنكرت كل تلك الاتهامات.   
وعينت لينا الشيخ عمر محجوب وزيرة للتنمية الاجتماعية، وهي حاصلة على بكالوريوس إدارة الأعمال ودرجة الماجستير في الدراسات التنموية من جامعة مانشستر بالمملكة المتحدة، وعملت لدى منظمة كير إنترناشونال التي تُعنى بالقضايا الإنسانية. 
كما وتم تعيين ولاء البوشي الحاصلة على درجة البكالوريوس بمرتبة الشرف الأولى من كلية الهندسة والعمارة من جامعة الخرطوم وزيرة للشباب والرياضة وهي أصغر وزيرة في الحكومة الانتقالية الجديدة (33عاماً)، وأصبحت ولاء معروفة لدى الشعب السوداني بعد أن انتشرت صورة لها مع الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما عام 2015 وهي تطالب برفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على السودان في زيارة تدريبية لها لواشنطن، وكان قد تم انتخابها كرئيسة للمجلس الاستشاري لشرق ووسط أفريقيا لزمالة القادة الشباب الأفارقة، وشاركت مؤخراً في الاعتصام الطويل أمام القيادة العامة للجيش السوداني من نيسان/أبريل حتى حزيران/يونيو 2019.
وفي التاسع من تموز/يوليو 2020 أجري تعديل وزاري بعد أن استقالت أسماء محمد عبد الله من وزارة الخارجية فتم تعيين عمر إسماعيل قمر الدين بدلاً منها، كما تم تعيين هبة محمد علي في وزارة التخطيط بدلاً من ابراهيم أحمد البدوي، وكذلك عُينت سارة عبد العظيم حسين في وزارة الصحة بدلاً من أكرم علي التوم، لكنها استقالت من منصبها في آب/أغسطس 2020.
 
عودة نسوية مسيحية من باب المجلس السيادي
تم دعم المكون القبطي (المسيحي) الذي غاب عن المشهد السوداني لمدة تزيد عن نصف قرن من خلال تعيين امرأتين في المجلس السيادي المكون من 11 عضو، وهن الأكاديمية والناشطة الحقوقية والاجتماعية والنسوية السودانية "عائشة موسى السعيد" ممثلة لوسط السودان، وهي خريجة معهد المعلمات في الخرطوم، وحاصلة على الماجستير في اللغة الإنكليزية من جامعة مانشستر، ورجاء عبد المسيح وكانت قد عملت مستشارة قانونية في وزارة العدل السودانية لمدة تجاوزت الثلاثة عقود، واختيرت كعضوة في المجلس بعدما تعرض المرشح القبطي الأول للمنصب نصري مرقص يعقوب لحملة نسوية على الانترنت تتهمه بالتحرش الجنسي المتكرر.
وفي نهاية تموز/يوليو 2020 لم تحصل سوى امرأتين على منصب حاكم ولاية (نهر النيل ـ الشمالية) من أصل 18 ولاية سودانية، وهو ما استنكرته عدة منظمات نسوية كـ مبادرة "لا لقهر النساء" التي قالت على لسان إحدى العضوات أن التقسيم كان على أساس المحاصصة الحزبية وأن الاحزاب ما تزال تفضل الرجال على النساء.
 
حملة "حقنا كامل"... 26 امرأة مرشحة  
كشفت مقررة حملة "حقنا كامل" رندة عبيد، في 19 كانون الثاني/يناير 2021، خلال مؤتمر صحفي عقدته في فندق كورنثيا في العاصمة الخرطوم، عن ترشح 26 امرأة لشغل الحقائب الوزارية في التشكيل الحكومي المرتقب، وأكدت على إعلان القائمة النسائية قريباً، وذلك لإثبات وجود نساء قادرات على تولي المناصب في الدولة.
وأشارت رندة عبيد إلى أن الوثيقة الدستورية واتفاق سلام جوبا، اقرا نسبة 40 بالمئة للنساء للمشاركة في كل هياكل السلطة الانتقالية، وتقررت للنساء نسبة 120 مقعداً في المجلس التشريعي. 
وقد أرسلت الحملة خطابات لكافة الأطراف المعنية بالترشيحات والمتمثلة في الجبهة الثورية والمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، وذلك لتضمين مشاركة النساء كاملة في هياكل السلطة، كما وتسعى الحملة لإشراك النساء مناصفة مع الرجال في مستويات الحكم المختلفة بنسبة 50 بالمئة.
ولم يتم الإعلان عن التشكيل الوزاري الجديد حتى كتابة هذا التقرير، والذي كان من المفترض أن يتم الإعلان عنه خلال النصف الأول من كانون الثاني/يناير 2021، في ظل مواجهة مأزق التباين بين الكتل الرئيسية على الحصص في ظل صراعات خفية.
ويعد تعيين عدة نساء في أول حكومة بعد الثورة السودانية انعطافة هامة في قضية تمكين المرأة في السودان في مواقع سياسية وقيادية مهمة بعد 30 عاماً من التجاهل لحقوقها باسم القانون والعرف الاجتماعي.