"خطة ترامب" محاولة غامضة لإعادة رسم ملامح جديدة في الشرق الأوسط
في خضمّ حربٍ مستعرة أنهكت قطاع غزة وبدّدت ملامح الحياة فيها، برزت "خطة ترامب للسلام" التي أُعلن عنها نهاية أيلول/سبتمبر 2025 كمحاولة أمريكية جديدة لإعادة رسم موازين الشرق الأوسط ووضع حدٍّ نهائي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

نغم كراجة
غزة ـ تطرح مبادرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي أُعلن عنها نهاية أيلول/سبتمبر ٢٠٢٥، إطاراً طموحاً لإنهاء الحرب في قطاع غزة وفتح مسار لإعادة الإعمار وإرساء أفق سياسي أوسع في الشرق الأوسط، لكن نجاحها يتوقف على آليات تطبيقها وتوازن الضمانات الدولية والإقليمية، وكذلك على قدرة الفاعلين المحليين على التوافق حول يوم ما بعد الحرب.
تقول المحللة السياسية تمارا الحداد إن "الاقتراح جاء على مراحل؛ المرحلة الأولى تنص على إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين دفعة واحدة، ثم يتلوها مسار أمني أو مسار سياسي، فإذا سار المسار الأمني، فإما أن يتواصل الضغط العسكري الإسرائيلي أو تضغط الولايات المتحدة لوقف النار، وفي الحالتين فإن الضامن الأمريكي سيبقى هو الفاعل الأبرز لإيقاف الحرب نهائياً"، هذه العبارة الطويلة تلخّص موقفها من توازن القوى في الملف وتوضح محوراً أساسياً في قراءة الخطة.
تتضمن الخطة، وفق نصها المعلن، التزامات متقاطعة "وقف فوري للأعمال القتالية فور قبول الطرفين، إعادة جميع الرهائن (أحياء ورفاتاً) خلال ٧٢ ساعة من وقف النار، الإفراج عن سجناء مقابل الإفراج عن أسرى، عملية نزع سلاحٍ مُنفَّذة تحت إشرافٍ دولي، نشر قوة دولية مؤقتة لتثبيت الأمن، وإطلاق عملية إعادة إعمار واسعة تعرف إعلامياً بـ"غزة الجديدة" تقودها جهات دولية بمشاركة عربية لتمويل البنية التحتية والمدارس والمستشفيات. نص الخطة أيضاً على مسارٍ سياسي مشروط قد يفتح الباب أمام أفقٍ محددٍ لمسألة الدولة الفلسطينية".
التحليل الاستراتيجي
وحول التحليل الاستراتيجي للخطة تقول تمارا الحداد "نقاط القوة في المبادرة مرتبطة بقدرتها على تقديم حوافز متوازنة: مكافأة فورية (إنهاء القصف مقابل الإفراج عن الرهائن)، وآلية لاحتواء عسكري مؤقت عبر قوة دولية، ووعود بإعادة إعمار تستند إلى ضمانات إقليمية، هذه الأدوات لو نفّذت بشفافية وبإشراف فاعل قد تمنع تفكك الوضع الإنساني وتتيح لحياة المدنيين استعادة أدنى شروط الكرامة، ومع ذلك، تبرز فجوات عملية وقانونية كبيرة؛ آلية نزع السلاح وكيفية التحقق منها تثير أسئلة تقنية وسياسية معقدة، وكذلك مصير التشكيلات السياسية والاجتماعية المحلية التي ستتحول بخضوعها لهيكل إداري انتقالي".
على مستوى المخاطر، يُشير الواقع إلى أن قبول إسرائيل خطوة انسحاب جزئي أو تحديد خط انسحاب أولي لا يعني بالضرورة انسحاباً فورياً أو نهاية لوجود ضغوطٍ عسكرية لاحقة، لا سيما إذا رأت تل أبيب أن التهديد الأمني ما زال قائماً؛ وفي المقابل، قد ترفض أجنحة من المقاومة أو خلايا مسلحة التفويض الدولي لنزع السلاح، ما يفتح احتمال انقسام السلطة المحلية وتفاقم حالة الفوضى. هكذا، تصبح مسألة الضمانات من أي دولٍ وأي مؤسسات هي مفتاح القدرة على تثبيت أي هدنة؛ بحسب قولها.
ومن الناحية الاقتصادية والإنسانية، أكدت تمارا الحداد أن "إعادة الإعمار للقطاع هي الأمل الحقيقي للنساء الفلسطينيات اللواتي بحاجة إلى بناء المنازل والمستشفيات والمدارس والبنى التحتية؛ فدون بناءٍ متسق ودعمٍ مالي دولي وعربي مكثف لن يتحقق استقرار مستدام، ولن يشعر المواطن بالمأوى أو بالأمن الاقتصادي الذي يدعم صموده"، هذا الاقتباس الطويل يضع التركيز على الجانب المدني والنسوي من المواجهة، ويعطي أولوية لإعادة الحياة اليومية كمدخلٍ لتحقيق أي استقرار سياسي.
الخطة بحاجة لمفاوضات وتوضيح للآليات
لكن من سيؤمن التمويل الدولي اللازم لإعادة الإعمار؟ هنا تلعب الدول العربية دوراً مزدوجاً، التعهد السياسي لضمان التنفيذ والالتزام المالي لمرحلة الإعمار، وأكدت "قبول بعض الفصائل الفلسطينية خصوصاً حماس بشروط الخطة أو التعاون مع آليات دولية سيكون حاسماً، وقد شهدت الأيام الأخيرة ضغوطاً عربية مكثفة لتسهيل وقف النار وبدء الإعمار بعد أن أعطت حماس موافقة مبدئية على نقاط محددة، وفق ما رصدت الدبلوماسية الإقليمية تبقى مسألة الوثوق بين الأطراف والقدرة على بناء مؤسسات محلية قادرة على إدارة الأموال بنداً حيوياً للنجاح".
ولا تخفي تمارا الحداد مخاوفها من أن "خطة ترامب" بحاجة إلى مفاوضات وتوضيح آلية تنفيذ بعض البنود والوصول إلى حل سياسي؛ وهذا يحتاج إلى ترتيب الداخل الفلسطيني، وضغط المجتمع الأوروبي، ونضوجٍ في الداخل الإسرائيلي حتى يُصبح فعلاً معنيّاً بإنهاء الحرب وتحقيق سلامٍ حقيقي.
وتختتم المحللة السياسة تمارا الحداد رؤيتها الواقعية بالقول إن "الخطة ليست سحراً فوريّاً بل مسارٌ معقّد يتطلب متغيرات محلية وإقليمية ودولية لتجتمع عند نقطة تطبيقٍ عملي يضمن الحق في الأمن والعيش الكريم للأهالي، ومبادرة أيلول ٢٠٢٥ تقدم فرصة نادرة لوقفٍ فوري وإنقاذ إنساني، وتفتح نافذة لإعادة بناءٍ قد تحدث تحولاً على مستوى القطاع والعلاقات الإقليمية لكن نجاحها محكوم بآليات واضحة للتحقق من نزع السلاح وضمانات دولية قابلة للتطبيق، وبقدرة المجتمع الفلسطيني على التوافق الداخلي حول إدارة ما بعد الحرب، إذا فشلت الضمانات أو ضعفت الرقابة الدولية، فقد تتحول الخطة إلى اتفاق هش يعيد إنتاج دورة العنف نفسها".