هل ستظل المغربيات بحاجة للكوتا؟

قبل عشرين سنة اعتمد المغرب نظام الكوتا الذي يخصص للنساء حصة من المقاعد البرلمانية تتنافس عليها الأحزاب عبر قوائم وطنية للنساء فقط، في خطوة لرفع نسبة تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة

حنان حارت
المغرب ـ .
مع اقتراب الانتخابات المزمع تنظيمها في 8 أيلول/سبتمبر المقبل، وكالتنا وكالة أنباء المرأة ستتطرق في التقرير التالي إلى القوائم النسائية، ومحاولة إيجاد أجوبة لأسئلة لطالما تتردد في المشهد السياسي المغربي؛ فهل الكوتا حق نسائي لا يجب التخلي عنه؟ أم أنها مجرد آلية مؤقتة يجب أن تليها إرادة حزبية وسياسية للدفع بالمرأة نحو المؤسسات التشريعية؟ وهل نجحت في خلق نخبة سياسية متمرسة؛ أم أنها أفرزت أعداداً فقط؟ وإلى متى ستظل النساء بحاجة للكوتا؟
تشكل الكوتا النسائية التي انطلقت منذ بداية ستينيات القرن العشرين تغييراً إيجابياً في مجال حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين، اقترح خلال المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بكين عام 1995، كآلية يمكن استخدامها كحل مرحلي لمشكلة ضعف مشاركة المرأة في الحياة السياسية وعزوف الكثير من النساء عن المشاركة في السياسة ومراكز صنع القرار، بسبب التهميش المستمر من قبل الذهنية الذكورية منذ مئات السنين.
 
هل نجحت الكوتا؟
"لقد نجحت آلية الكوتا في إيصال كفاءات نسائية للمجالس المنتخبة، ويكفي ملاحظة الحضور النسائي في أشغال البرلمان، سواء في الجلسات العامة أو أشغال اللجان، للدلالة على القيمة المضافة لهذه الكفاءات"، هكذا لخصت النائبة البرلمانية والقيادية في حزب الاتحاد الاشتراكي حنان رحاب، تجربة خمس سنوات من دخولها المؤسسة التشريعية من بوابة نظام التمييز الإيجابي أو المحاصصة.
وفي سؤالنا هل قدر النساء المغربيات أن يمثلن في المجالس المنتخبة عبر آلية الكوتا حصراً؟ وهل نجحت هذه الآلية في تحقيق الأهداف المرجوة منها في الحالة المغربية؟ تجيب حنان رحاب التي تعد من أبرز الوجوه النسائية في المشهد السياسي قائلة "الهدف من آلية الكوتا، متعلق بجعل التصويت في الانتخابات مرتبط بالبرامج والكفاءات، وليس بالهوية الجنسية". 
وتضيف "ليس لأن المجتمع مازال يتعامل بعقلية ذكورية أثناء التصويت، ولكن لأن الأحزاب لم تمتلك ما يكفي من شجاعة لوضع النساء على رأس اللوائح المحلية؛ فالكوتا كان من المفترض أن تكون مرحلة انتقالية، تؤجل لجعل المشاركة الانتخابية للنساء من مدخل الترشيح عادية ومألوفة"، حسب قولها.
 وتردف "إنه بسبب العقلية الذكورية المستشرية داخل النسق الحزبي أكثر منها داخل النسق المجتمعي، لا زلنا كنساء نعول على الكوتا كمدخل يكاد يكون وحيداً للتمثيل النسائي داخل الهيئات التمثيلية".
وتعتبر الكوتا النسائية نظام انتخابي يساعد المرأة في التغلب على العوائق التي تحد من مشاركتها السياسية، ويتسنى لها مناقشة قضاياها وإشراكها في عملية التنمية وإيصالها إلى البرلمان ومواقع التشريع والتنفيذ وصناعة القرار.
والأدهى والأمر، إنه قد يتم رفض ترشيح نساء على رأس اللوائح المحلية، فقط لأنهن لا يملكن مالاً لتمويل حملات انتخابية باهظة التكلفة وحملات لا يستطيع تحمل أعبائها إلا "تجار الحملات"، على حد قولها.
 
بداية الكوتا النسائية
اعتمد المغرب عام 2002 نظام الكوتا لتخصيص 30 مقعداً للنساء، واستمر ذلك إلى غاية عام 2011، حيث تمت إضافة 30 مقعداً ليرتفع العدد إلى 60 مقعداً، كإجراء مؤقت نحو تعزيز تمثيلهن داخل البرلمان، وانخراطهن في صناعة القرار وتوجيه السياسات العمومية.
وبالأرقام، شهد حضور المرأة المغربية على مستوى البرلمان، ارتفاعاً كبيراً منذ عام 1993، حيث بدأ بنائبتين فقط، لينتقل إلى 35 نائبة في انتخابات 2002، ثم 34 نائبة في انتخابات 2007، وارتفع عددهن إلى 67 نائبة في انتخابات 2011.
فيما ارتفع عدد النساء في مجلس النواب المغربي إلى 81 نائبة من أصل 395 نائباً خلال الانتخابات البرلمانية لعام 2016، وهو ما يمثل تقريباً نسبة (20.5%) مقارنة بنسبة تمثيلهن خلال الولاية التشريعية السابقة لها والتي وصلت إلى (17.3%)، 60 منهن وصلن عن طريق اللائحة الوطنية وتسع عبر اللوائح المحلية، و12 عبر لائحة الشباب.
وبلغ عدد النساء في مجلس المستشارين "الغرفة الثانية للبرلمان" 13 مستشارة من أصل 120 عضواً في التركيبة الحالية للمجلس.
 
تطوير الآلية 
كانت التعديلات الخاصة بالقوانين الانتخابية، التي سبق وأقرها المجلس الوزاري في 11 شباط/فبراير الماضي، برئاسة العاهل المغربي الملك محمد السادس، قد كشفت عن تطوير الآلية التشريعية المتعلقة بالتمثيل النسائي في مجلس النواب؛ ويتعلق الأمر باستبدال الدائرة الانتخابية الوطنية بدوائر انتخابية جهوية، خلال الانتخابات التشريعية والمحلية والجهوية المنتظر إجراؤها في أيلول/سبتمبر المقبل.
ونصت التعديلات التي أدخلت على القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجلس النواب وهي الغرفة الأولى للبرلمان المغربي، على تحويل اللائحة الوطنية التي تضم 90 عضواً، إلى لائحة جهوية مقسمة على 12 جهة بحسب عدد سكانها.
وتشمل كل لائحة ترشيح مقدمة برسم الدوائر الانتخابية الجهوية أسماء مرشحات لا يقل عددهن عن ثلثي عدد المقاعد الواجب ملؤها في كل دائرة انتخابية جهوية، مع تخصيص المرتبتين الأولى والثانية في كل لائحة حصرياً للنساء.
 
خطوة نحو الأمام
وتعلق برلمانية عضو فريق التجمع الدستوري في مجلس النواب سمية أوعلال على ذلك "إن تغيير الدائرة الانتخابية الوطنية بدوائر انتخابية جهوية، يعد خطوة مهمة نحو الأمام، لتعزيز دعم التواجد النسائي داخل الهيئات المنتخبة"، مضيفة أن هذا التعويض فيه نوع من العدالة على المستوى المجالي وضمان تمثيل نساء الجهات الـ 12 للمملكة. 
وفي إجابتها على سؤال عما إن كانت الكوتا قد نجحت في خلق نخبة سياسية متمرسة أم أنها أفرزت أعداداً نسائية فقط؟ تقول إن الكوتا نجحت بالفعل في خلق نخبة نسائية في المؤسسات الانتخابية، وعززت من وجودها تحت قبة البرلمان، بحيث تم إفراز نماذج متميزة، كما ظهرت نساء كن قادرات على تولي هذه المسؤوليات.
وإن كانت ستظل المغربيات بحاجة دائمة للتمييز الإيجابي في السياسة لخوض غمار الانتخابات، ترى سمية أوعلال أن الكوتا كانت وسيلة لتواجد النساء داخل مجلس النواب وداخل مجلس المستشارين وبصفة عامة في مراكز القرار، ولولا الكوتا لما تواجدت هذه الأعداد من النساء في مجلس النواب، ولم تخفِ سمية آمالها حول فسح المجال أمام المرأة للترشح بشكل عادي مثلها مثل الرجل.
وتابعت "المغرب يسعى نحو تحقيق المناصفة، واستبدال اللائحة الوطنية بلوائح جهوية ما هو إلا خطوة في أفق تحقيق المناصفة الحقيقية، على أساس الكفاءة والاستحقاق والتراكم النضالي للنساء داخل الأحزاب"، مضيفة أن طموح المرأة المغربية الفاعلة سياسياً هو أن يكون نظام الكوتا إجراءً انتقالياً نحو مساواة حقيقية في الحظوظ والفرص قصد الترشح المباشر في الدوائر الانتخابية من أجل تحقيق المزيد من المكتسبات وبلوغ طموح المناصفة باعتبار المرأة أساس المجتمع. 
وما زالت وتيرة مشاركة المرأة المغربية في البرلمان بطيئة، على الرغم من أن وثيقة الدستور المغربي كانت السباقة في محيطها العربي التي نصت على المشاركة السياسية للمرأة، وتصديق البلاد على الاتفاقيات التي تنص على إشراك المرأة في الحياة السياسية.