هدية يوسف: انطلاقاً من حماية المرأة تبدأ حماية المجتمع

"انطلاقاً من حماية المرأة تبدأ حماية المجتمع من الانحلال والإبادة. رغماً عن كل مخططات الإبادة صمد أهالي عفرين وقاوموا بإرادة حرة وما يزالوا صامدين حتى اليوم" هكذا قالت عضو الهيئة التنفيذية لحزب الاتحاد الديمقراطي لإقليم عفرين هدية يوسف في حوار خاص لوكالتنا

فيدان عبد الله 
الشهباء ـ .
20 كانون الثاني/يناير من عام 2018، اليوم الذي بدأ فيه الاحتلال التركي ثاني أكبر قوة في حلف الناتو بمساندة الآلاف من المرتزقة وبكافة الأسلحة المُتطورة والطائرات الحربية بشن هجوم على مقاطعة عفرين بشمال وشرق سوريا، لتحتلها في الـ 18 من آذار/مارس من العام نفسه بعد مقاومة تاريخية دامت 58 يوماً.
اغتصبت كرامة الإنسانية مع احتلال أرض عفرين وتهجير سكانها وقتل أطفالها ونسائها وشيوخها على مرأى من العالم أجمع. مرت ثلاث سنوات على احتلال مقاطعة عفرين وما زالت الانتهاكات مستمرة، وفي حوار مع عضو الهيئة التنفيذية لحزب الاتحاد الديمقراطي لإقليم عفرين هدية يوسف، تحدثت لنا عن الأهداف والمساعي والسياسات والنتائج التي ترتبت عن الاحتلال.
 
كيف كانت مقاطعة عفرين قبيل الاحتلال التركي؟
في شخص كل من الشهيدتين آفيستا خابور وبارين كوباني نستذكر جميع شهداء مقاومة العصر والحرية الذين ضحوا بأرواحهم مسطرين ملاحم الفداء والبطولة أمام آلة القتل والإبادة التركية في سبيل الدفاع عن أرضهم عفرين، بالتزامن مع اقتراب الذكرى السنوية الثالثة لاحتلال تركيا لعفرين في الـ18 من شهر آذار/مارس عام 2018.
قبيل الاحتلال التركي، أي بعد تحرير مدينة عفرين من النظام السوري، وإعلان الإدارة الذاتية الديمقراطية فيها، تحولت عفرين إلى أكثر المناطق سباقة في السعي نحو التغيير والتطور، بناءً على أسس فلسفة الأمة الديمقراطية، وذلك على الرغم من الحصار الخانق الذي فرض عليها من قبل المرتزقة والدولة التركية من جهة والنظام السوري من جهة أخرى.
في عفرين في ذلك الوقت تحقق الاكتفاء الذاتي، بالاعتماد على الموارد الوطنية الاقتصادية وتم تصنيع تلك الموارد محلياً، وتم التدريس باللغة الكردية في الجامعات والمدارس والمعاهد وكانت السباقة على مستوى مناطق روج آفا في ذلك، بالإضافة للتركيز على تمكين مبادئ الحماية الذاتية، وتجلى ذلك خلال مشاركة جميع أبناء عفرين بروح ومعنويات عالية وارتباط وثيق بالأرض في الدفاع عن وطنهم أثناء الغزو التركي، وكانت عفرين في جميع المراحل والتطورات وعلى جميع الأصعدة السياسية، الدبلوماسية والعسكرية، تحمل طابعاً مُميزاً مُتفرداً في إظهار نموذج الأمة الديمقراطية على مستوى مناطق شمال وشرق سوريا.
 
ما هو الدافع خلف عملية "غصن الزيتون" التي أسفرت عن احتلال عفرين؟
تركيا دائماً كانت تهابُ من الإنجازات والمُكتسبات التي تحققت في عفرين، والخوف المُستمر من كون عفرين ذات استراتيجية هامة وذات تأثير كبير على المناطق الأخرى، إضافةً إلى دورها الفعال في تمكين الوحدة في المنطقة.
الطابع المميز والموقع الاستراتيجي الذي كانت تتمتع به عفرين، زرع الهلع والرعب داخل كينونة الاحتلال التركي، وهنا جاء الهجوم التركي الوحشي على المنطقة، كرد فعل هادف لمنع انتشار مشروع الأمة الديمقراطية من عفرين إلى أراضي سوريا كافة، فالاحتلال لم يرغب بأن تكون عفرين محطة استراتيجية تحمل التطوير لباقي مناطق شمال وشرق سوريا.
لقد كان الأمر عبارة عن مخطط دقيق رُسم بشكلٍ استراتيجي بالتعاون مع الجيش السوري الحر وعدد من الأحزاب المعادية مثل المجلس الوطني الكردي في سوريا التي تجردت من هويتها الحقيقية، من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية الضيقة، وهذا ما استفادت منه الدولة التركية، إذ أنها استخدمت نقطة ضعفهم هذه لدفعهم لشن هجوم عسكري واسع وكبير على مقاطعة عفرين، ويُعد الهجوم الأعنف من نوعه في سوريا والشرق الأوسط عموماً، إذ أنه نُفذ باستخدام أسلحة ثقيلة على منطقة جغرافية صغيرة بالحجم وكبيرة بالأهمية كعفرين، وبمشاركة 72 طائرة حربية للعدو.
كانت الهجمات بالطائرات الحربية، استخدم العدو طائرات الاستطلاع لتحديد الأهداف والمواقع. قذائف الأسلحة الثقيلة انهمرت كالأمطار على نواحي وقرى عفرين ومركزها، كانوا يظنون أنهم سيحتلون عفرين خلال ساعات بمساعدة عشرات الآلاف من المرتزقة الذين تحضروا لمساندة تركيا في عملية الاحتلال.
 
لماذا لم يكن احتلال عفرين سريعاً، خلافاً للتوقعات والتصريحات التركية؟
تركيا لم تكن تعي أن شعب عفرين شعبٌ ثائر، يحركه الارتباط بتراب الوطن وأصالة الهوية التاريخية، وهو شعبٌ تتلمذ على نهج وفكر القائد عبد الله أوجلان، وبسبب قوة هذا الشعب وروحه قاومت عفرين، وأفشلت مخططات العدو، وهذا ما أثار حفيظة العدو التركي، لذا خرج وصرح رجب طيب أردوغان أنه سيحتل عفرين خلال 3 أيام، وهذا ما لم يتحقق، إذ استمرت مقاومة الشعب على مدار 58 يوماً.
إننا نتأسف وبشدة على الصمت العالمي إزاء هجمات الاحتلال التركي وانتهاكاته في عفرين لما يقارب الشهرين، كل ما شهدناه على أرض الواقع يثبت أن كلاً من روسيا وأميركا وحلف الناتو أعطوا الضوء الأخضر لتركيا لشن هجومها الوحشي وشرعنته، ولولا ذلك لم تكن تركيا لتجرؤ على الهجوم بهذا الشكل، وأما عن دول العالم التي تنادي بمبادئ السلام والإنسانية التزمت الصمت، ولم تتخذ أي موقفٍ صارم إزاء ما تقوم به تركيا، ولكن رغماً عن كل مخططات الإبادة صمد أهالي عفرين وقاوموا بإرادة حرة، ولا يزالون يستمرون بمقاومتهم وصمودهم في مقاطعة الشهباء حتى اليوم.
 
ماذا بعد الاحتلال؟
احتلال عفرين لم يكن النهاية، فبعد الاحتلال وزع المحتل التركي مرتزقته في أرجاء عفرين كافة، والذين بدورهم ارتكبوا أبشع الجرائم من عمليات اغتصاب، اختطاف، تدمير للمنازل، سرقة لممتلكات شعب عفرين، تخريب آثار المنطقة ونهبها لتحريف تاريخها، وكل ذلك لإجبار من تبقى في عفرين من السكان الأصليين على الهجرة منها، لتسهيل عملية فرض التغيير الديمغرافي على المنطقة بتبديل أسماء القرى والساحات والدوارات والأحياء في عفرين وإضفاء الصفة التركية عليها من خلال إعطاء الهوية "البطاقة الشخصية التركية" للمواطنين هناك، وتدريس اللغة التركية كلغة أساسية في عفرين، وذلك لتسهيل ضمها لأراضيها.
لم تكتفي تركيا بعفرين، فبعد احتلالها لسري كانيه وكري سبي، اتبعت على أرضيها ذات السياسة التي اتبعتها على أرض عفرين، وتحولت بذلك عفرين إلى منطقة عسكرية تماماً للاحتلال، عبر افتتاح مراكز تدريبية لإعادة إحياء مرتزقة داعش وحمايتهم، ومن ثم إرسالهم نحو ليبيا واليمن بعد تسليحهم وجذبهم بعروض مادية مغرية.
 
كيف تحولت المرأة في عفرين إلى الهدف الأول لانتهاكات تركيا ومرتزقتها؟
المرأة هي التي تحمي الثقافة وتجددها وتخلق الروح في عفرين، وظهر ذلك من خلال مشاركتها في مقاومة العصر بكل ما تملك من قوة ارتباطها بأرضها وروحها الوطنية وفي كافة المجالات كخوض الحرب والدفاع عن عفرين، لهذا تم اتباع سياسة قذرة ومُمنهجة بحق النساء في عفرين مع احتلال تركيا للمنطقة، وذلك بغية الانتقام منهن لما حققنه من خلال وقوفهن في وجه المحتل التركي، ومثل هذا الأمر ليس بشيء جديد على تركيا، فقد مارست وعلى مر التاريخ بحق المرأة عمليات القتل، الاغتصاب، التعذيب في السجون...إلخ، وحتى اللحظة الراهنة لا تزال تتبع تلك السياسات القذرة. 
ومن هذا المنطلق فإن على المرأة أن تتخذ موقفاً صلباً في هذه المرحلة، بالتصدي ومحاربة سياسة الدولة التركية في جميع أنحاء العالم، من أجل حماية وجود الشعوب، لأنه انطلاقاً من حماية المرأة تبدأ حماية المجتمع من الانحلال والإبادة. 
 
عقب ألم الاحتلال، ما هو سبيل التحرير؟
احتُلت عفرين بمؤامرة دولية ومما لا شك فيه أن تحريرها أيضاً سيكون باتفاقيات ومشاورات دولية، وهذا يتطلب وقفة صارمة ومنظمة من المجتمع ورفع وتيرة المقاومة على مبادئ الحرب الشعبية، حيث أنها ليست متعلقة بحربٍ عسكرية كغيرها من المناطق ويستوجب تقوية العلاقات الدبلوماسية وإظهار حقيقة الاحتلال التركي وجرائمه في عفرين ما بعد الاحتلال.
 
ما دور الوحدة الكردية في التحرير؟
تركيا أوهمت الجميع أنها ستخلق مكاناً أفضل، وخاصة لبعض الأحزاب، التي اعتقدت أن هذا المكان سيخدم مصالحهم، ويكون مستقلاً لهم، إلا أن ما حدث ويحدث على أرض الواقع عكس ذلك، إذ أننا نرى طمس لهوية ووجود الشعب الكردي، ووحدة الشعب الكردي لا ترتبط  بموافقة أي أحد عليها، نحن نعمل على إزالة العوائق من طريقنا، سنحاسب من كان له يد في عرقلة الوحدة الكردية، والمرتزقة وداعميهم الذين أراقوا الدماء البريئة.
ندعو المتعاونين مع  تركيا للعدول عن الطريق الذي يسيرون فيه، والتوقف عن التعامل والتواصل مع أعداء الشعب الكردي، والاعتراف بأن تركيا عبارة عن قوة احتلالية، احتلت أرضنا وقتلت وهجرت شعبنا، والانضمام لنهج النضال والمقاومة، عندها فقط ستتحقق الوحدة الكردية لتصل إلى أوج قوتها، ولا شك في أن وحدة جميع الأحزاب الكردية تحت راية واحدة ستجعل تأثير الشعب الكردي أكبر، وستُسرع من عملية تحرير الأراضي المحتلة.
 
كلمتكم الأخيرة حول دخول الاحتلال لعفرين عامه الرابع؟
في الذكرى المؤلمة لاحتلال عفرين التي تدخل عامها الرابع، نؤكد لأهالي عفرين أن أملنا على الدوام هو النصر وبالمقاومة سنضمن تحرير عفرين والعودة إليها.
كفاح ونضال شعبنا في كل مكان ونخص بقولنا مقاطعة الشهباء، جعل من عفرين محط اهتمام ولفت انتباه العالم أجمع، لهذا لا تزال عفرين إلى اليوم حية في جميع الاجتماعات والمحاورات الدولية، وذلك لما نقدمه من ملفات تخص انتهاكات وجرائم تركيا في عفرين منذ ثلاث سنوات، بالإضافة لمقاومة أهالي عفرين في الشهباء وسط قذائف الاحتلال التركي المستمرة وجميع ظروف الحياة القاسية.
كما أننا نتقاسم مع أهالي عفرين الألم ونقدم العزاء لعوائل الشهداء، ونؤكد أننا سنرفع من وتيرة النضال ونقول للأهالي قاوموا فالأمل أعظم من النصر، ونطالب شعبنا في جميع أرجاء العالم بالانتفاض والكفاح للوصول إلى تحرير عفرين وسري كانيه وكري سبي وتحقيق الديمقراطية.