فوزة يوسف: الأحزاب ليست غايات في حد ذاتها بل وسائل تتغير وفقاً للظروف

أشادت عضوة الهيئة الرئاسية في حزب الاتحاد الديمقراطي فوزة يوسف، بقرار حركة التحرر الكردستانية في حل هيكليته التنظيمية وإنهاء الكفاح المسلح، ووصفته بالخطوة التاريخية التي تحمل في طياتها آمالاً كبيرة نحو السلام في منطقة الشرق الأوسط.

آفرين نافدار

الحسكة ـ في خطوة وصفت بالتاريخية خاصة في ظل الظروف والتغيرات السياسية في الشرق الأوسط، عقدت حركة التحرر الكردستانية في الفترة ما بين الخامس والسابع من أيار/مايو الجاري، مؤتمرها الثاني عشر أعلنت خلاله عن حل هيكليته التنظيمية وإنهاء الكفاح المسلح من أجل ترسيخ مبدأ "أخوة الشعوب" وتطلعاتها بأن تساهم تلك القرارات في تعزيز الاستقرار والديمقراطية في المنطقة.

لمعرفة الأسباب التي أدت إلى تأسيس حركة التحرر الكردستانية، والتحولات الأيدولوجية التي مرت بها حركة التحرر الكردستانية بدءاً من تأسيس دولة كردية وصولاً إلى الاشتراكية والديمقراطية، والمؤتمر الثاني عشر للحركة الذي انعقد خلال الشهر الجاري، والخطوات التي تقع على عاتق الدولة التركية من أجل تلبية نداء السلام والمجتمع الديمقراطي، كان لوكالتنا حوار مع عضوة الهيئة الرئاسية في حزب الاتحاد الديمقراطي فوزة يوسف.

 

ما الظروف والتحديات السياسية والأيدولوجية التي كانت تشهدها منطقة الشرق الأوسط وكردستان بشكل خاص عند تأسيس حركة التحرر الكردستانية، وما هي الأسباب التي دفعت إلى تأسيسها؟

خلال السبعينات، شهدت منطقة الشرق الأوسط، وخاصة كردستان، العديد من التحولات السياسية والأيديولوجية. من أبرز هذه التحولات كان تأسيس حركات تدعو إلى المساواة الطبقية، إلى جانب حركات تحررية، تأثرت بشكل كبير بالمفاهيم الماركسية واللينينية. كما كان هناك تأثيرات من حركات مثل تلك التي ظهرت في فيتنام وكوبا ودول أخرى، والتي كانت تناضل ضد الاستعمار والاحتلال. وتأثرت دول الشرق الأوسط أيضاً بالوضع العالمي، مما أدى إلى ظهور انقسامات، بالإضافة إلى وجود حركات إسلامية وشيوعية، كانت تتأثر بشكل مباشر بالتطورات العالمية.

تأثر الشباب الكرد بالتيارين الوطني والاشتراكي، وكان من أبرز الأسباب وراء ظهور حزب العمال الكردستاني هو الاستعمار الذي عانت منه كردستان، بالإضافة إلى تهميش وإنكار الهوية الكردية. كما تأثرت أفكار الشباب الكرد بالتيارات اليسارية التي كانت سائدة في تركيا، والتي تأثرت بدورها بالحركة الطلابية التركية التي قادها دنيز كازميش وماهر جايان وآخرون من الثوريين. وبما أن القائد أوجلان والمجموعة الأيديولوجية كانوا متواجدين في أنقرة، فقد كانوا على اتصال دائم مع الحركة الثورية التركية التي كانت نشطة في الجامعات.

كان الشعب الكردي يشكل نسبة كبيرة من سكان تركيا، مما أضفى على البلاد تنوعاً ثقافياً بفضل وجود العديد من المكونات. ومع ذلك، كان هناك إنكار للهوية واللغة الكردية، بالإضافة إلى تجاهل الوجود الكردي في تركيا، حيث كان يُنظر إلى الشعب الكردي وكأنهم من أصول تركية.

يذكر القائد أوجلان في مرافعاته أنه عندما نطق بجملة 'كردستان مستعمرة' للمرة الأولى، أصيب بالإغماء، وذلك لأن القضية الكردية تمثل قضية كبيرة، وتشخيصها يحمل مسؤولية جسيمة. كما تأثر حزب العمال الكردستاني بالحركات اليسارية والاشتراكية في تركيا والعالم، وهو ما يتضح من النظام الداخلي الذي تم وضعه خلال المؤتمر الأول للحزب، حيث تناول الأفكار الشيوعية والماركسية والاشتراكية، مؤكداً أن طريق التحرير يمكن أن يمر عبر تبني هذه الأفكار. بالإضافة إلى ذلك، كان للحزب جانب أممي، ففي بداية تأسيسه، كان هناك أفراد من أصول تركية يلعبون دوراً ريادياً في تطوير الحزب، مثل الرفيق كمال بير وحقي قرار. وقد كان هناك دائماً جانب قومي ووطني في الحزب إلى جانب توجهه اليساري والأممي.

 

ما هي التحولات الأيدولوجية التي مرت بها حركة التحرر الكردستانية بدءاً من تأسيس دولة كردية، إلى الاشتراكية والديمقراطية؟

يمتاز القائد أوجلان بخصوصية فريدة تتمثل في عدم تزمّته، حيث تتسم أفكاره بتطور دائم وجدلية مستمرة. بعد انهيار الاشتراكية التي كانت قائمة في الاتحاد السوفيتي، قام القائد أوجلان بتحليل الوضع هناك، ووجه انتقادات عديدة لما تحقق في تلك الفترة منذ التسعينات. كما بحث في الأسباب الرئيسية التي أدت إلى انهيار الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي، وكان له دور مباشر في عملية التغيير. وفقاً للظروف والأوضاع السائدة، قام بتطوير نظرياته، حيث طرح في التسعينات فكرة الاستقلالية ومن ثم الفيدرالية. بالإضافة إلى ذلك، شهدت نظرية حرية المرأة تطوراً ملحوظاً على يديه، حيث عمل على تعزيز دور المرأة من جهة، وقدم نظريات عميقة حول أيديولوجية تحرير المرأة من جهة أخرى. أعتبر أن هذا التغيير يمثل تحولاً كبيراً في الفكر السياسي العالمي، وكذلك في الفكر السياسي والاجتماعي في الشرق الأوسط وكردستان.

التحول الآخر الذي شهدته النظرية جاء بعد اعتقال القائد نتيجة مؤامرة دولية. في تلك الفترة، حدث تغيير فكري كبير تمثل في الانتقال من الاعتماد على الدولة إلى مفهوم الأمة الديمقراطية، وهو تغيير ثوري وجذري بالغ الأهمية. بعد عام 2000، تعمق القائد أوجلان في أهمية الفكر الديمقراطي بالنسبة لقضايا المنطقة، حيث اعتبر أن القضية الديمقراطية هي القضية الأساسية، وأن تهميشها أدى إلى تفاقم العديد من المشكلات التي تعاني منها شعوب المنطقة.

لتحقيق نظام قائم على الديمقراطية والمساواة، تم نقد السلطة والدولة والحداثة الرأسمالية، بالإضافة إلى نقد الفكر الذكوري والتعصب القومي والجنسوي. لم يقتصر القائد على النقد فحسب، بل عمل أيضاً على تطوير بدائل لهذه الظواهر. فقد كانت الأمة الديمقراطية بديلاً عن الدولة القومية، والاقتصاد المجتمعي بديلاً عن الاقتصاد الرأسمالي، وحرية المرأة والرجل بديلاً عن التعصب الجنسوي. وقد تميز هذا النقد بالقوة، إلى جانب تقديم بدائل فعالة. في كتاب "سيوسيولوجية الحرية"، تم تناول علم المرأة كجزء من تغيير ثوري وفكري كبير في المنطقة فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية. وقد شكلت هذه التطورات ثورة ضمن ثورة، حيث كانت مرافعات القائد بمثابة نهضة ومانيفيستو، بالإضافة إلى كونها طريقاً نحو الثورة الاجتماعية والسياسية في منطقتنا والشرق الأوسط بشكل عام.

 

ما مدى تأثير الروح الوطنية التي زرعتها حركة التحرر الكردستانية في أجزاء كردستان بشكل عام وروج آفا بشكل خاص؟

كان هناك تأثير كبير من قبل القائد أوجلان وكوادر حركة التحرر الكردستانية على أجزاء كردستان الأربعة لأن الحزب كان يهدف في برنامجه العمل في الأجزاء الأربعة من أجل وحدة واستقلال كردستان، وهذا الفرق بينه وبين الأحزاب والتنظيمات الأخرى التي كانت نشاطاتها تقتصر على جزء واحد.

فيما يتعلق بروج آفا، كان التأثير الأكبر منذ الثمانينات، عندما انتقل القائد أوجلان من تركيا إلى منطقة الشرق الأوسط، وبالتحديد إلى سوريا. هذا الانتقال أسفر عن تغييرات سياسية ملحوظة في المنطقة، حيث أصبح هناك اهتمام مباشر بهذا الجزء. كما تم تشكيل كوادر تعمل على تعزيز الوعي الوطني، رغم أن الاهتمام بالقضايا الوطنية كان موجوداً سابقاً، إلا أنه لم يكن بالعمق المطلوب. الجهود المبذولة خلال السنوات الماضية أسست قاعدة قوية للوضع السياسي في السنوات الأربع عشرة الأخيرة. لولا هذه الأنشطة السياسية والنهضة الوطنية التي تحققت، لكان من الصعب علينا أن نكون مستعدين لاستيعاب التطورات في سوريا. فقد ساهمت النهضة الاجتماعية والثقافية والفكرية والتنظيم الشعبي في احتواء الأزمة السورية.

يمكننا القول إن الفترة ما بين الثمانينات وعام 2011 كانت مرحلة تحضير وتدريب وتنظيم، وذلك بفضل الاهتمام المباشر من القائد أوجلان والكوادر في هذا السياق. شهدت هذه الفترة تنظيماً شعبياً ونسوياً وشبابياً، بالإضافة إلى أهمية الدفاع عن النفس والدفاع الذاتي، كما أن ثورة 19 تموز وما تلاها من تطورات في وضع المرأة تعكس الجهود والعمل المستمر الذي استمر لسنوات طويلة.

 

بعد التحول الإيديولوجي من الفكر الاشتراكي إلى فكر الأمة الديمقراطية ذات الآفاق العابرة للحدود، هل بقي نضال حركة التحرر الكردستاني محصورة في حدود كردستان الأربعة؟

يتميز فكر القائد أوجلان بكونه عابراً للحدود، إذ يدرك أن هناك قضايا كونية وعالمية وإقليمية تؤثر على الكرد، كما أن الكرد بدورهم يؤثرون في تلك القضايا. تتجلى العلاقة الجدلية بين المحلي والعالمي بشكل دائم في أفكاره، حيث لا تقتصر معالجة القضايا التي يطرحها على القضية الكردية فحسب، بل يمكن تطبيق نماذجه على أوضاع إقليمية أو عالمية أخرى. يتميز فكر القائد بالاتساع والشمولية، حيث يقدم حلولاً كونية بدلاً من حلول محلية فقط.

تبدأ تحليلاته من الوضع العالمي ثم تنتقل إلى الوضع الإقليمي، والعكس صحيح. لذا، فإن فكر الأمة الديمقراطية قد أثر بشكل كبير على المكونات الأخرى في المنطقة، لأنه يتقبل جميع الهويات، كما أن نظرية حرية المرأة قد أحدثت تأثيراً واسعاً في المنطقة والعالم، حيث شهدت إيران مظاهرات واحتجاجات استخدمت فيها شعارات مستلهمة من القائد أوجلان.

 

بعد 26 عاماً من المؤامرة والعزلة المشددة على القائد أوجلان ومنع اللقاءات عنه، لماذا غيرت الدولة التركية من لهجتها اتجاه نداء القائد أوجلان التاريخي؟

تشهد منطقة الشرق الأوسط في الوقت الراهن العديد من التطورات المهمة، حيث تتصارع القوى الإقليمية مثل إيران وإسرائيل والسعودية ومصر وتركيا للهيمنة على المنطقة. تعتبر تركيا أن الأوضاع المتأزمة في سوريا ولبنان والعراق تمثل تهديداً لها، إذ تواجه خطراً داخلياً وخارجياً. من بين هذه التحديات، يبرز تأثير حزب المساواة وديمقراطية الشعوب الذي أصبح قوة سياسية بارزة في تركيا. إذ لا يمكن لأي حزب آخر تحقيق أهدافه من حيث المقاعد أو البلديات دون التوصل إلى اتفاق مع هذا الحزب. الانتخابات الأخيرة في تركيا كانت نتيجة لهذا التعاون بين حزب المساواة وديمقراطية الشعوب والحزب الجمهوري.

 

في السابع والعشرين من شباط/فبراير الماضي، وجه القائد أوجلان نداء السلام والمجتمع الديمقراطي التاريخي، وبناءً على ذلك قامت حركة التحرر الكردستانية بعقد مؤتمرها الثاني عشر وإعطاء قرار حل الهيكلية التنظيمية وإنهاء الكفاح المسلح، كيف تقيمين هذا المؤتمر، وما هو تأثيره على المنطقة من الناحية الإيديولوجية والسياسية؟

كان نداء القائد أوجلان تاريخياً، حيث شهدت السنوات الماضية محاولات لحل الحزب، إذ يرى القائد أن الأحزاب ليست غايات في حد ذاتها، بل وسائل تتغير وفقاً للظروف، بينما يبقى الهدف ثابتاً. لذا، كان القرار تاريخياً لضرورة التكيف مع التغيرات والتطورات في الشرق الأوسط، حيث إن عدم اتخاذ الخطوات اللازمة في الوقت والمكان المناسبين قد يؤدي إلى عواقب سلبية.

تستمر الأحزاب في جميع أنحاء كردستان في النضال، مما يجعل هذا القرار بداية مرحلة جديدة. لقد لعب الحزب دوراً حاسماً حتى أصبحت القضية الكردية قضية إقليمية وعالمية، وأصبح الكرد قوة استراتيجية في المنطقة.

 

هل نجاح هذه المرحلة سيكون لها تأثير على الدول الإقليمية خاصة سوريا في ظل الظروف التي تشهدها حالياً؟

نظراً لأن القضية الكردية تُعتبر قضية إقليمية، فإن كل ما يحدث من إيجابيات وسلبيات سيكون له تأثير كبير على دول مثل سوريا والعراق وتركيا وإيران، التي تلعب دوراً مهماً في الشرق الأوسط ولها تأثير كبير على الدول الأخرى. إن استمرار الأزمة السورية يعكس الموقف التركي وسياساته.

أعتقد أن أي تغيير إيجابي يتعلق بالقضية الكردية في تركيا سيؤثر بشكل مباشر على كيفية تعامل الأتراك مع الشعب الكردي في مختلف أجزاء كردستان.

 

ما هي الخطوات المنتظرة من تركيا لإنجاح هذه العملية؟

بعد الخطوات التي اتخذها القائد أوجلان وحركة التحرر الكردستانية، يتعين على الدولة التركية إجراء تغييرات دستورية وقانونية، والتخلص من التباطؤ من خلال اتخاذ خطوات إيجابية وسريعة. إن القائد أوجلان هو من يقود هذه المرحلة، لذا يجب تعديل وضعه بشكل قانوني، حيث إن حريته الجسدية تعد شرطاً أساسياً لنجاح العملية، بالإضافة إلى ذلك، هناك خطوات دستورية أخرى تتعلق بالقضية الكردية والتحول الديمقراطي الذي ينبغي تحقيقه.