دليلة مصدق: لن نترك تونس تعود إلى مربع الاستبداد وواقع الحريات مقلق
تخشى المحامية والحقوقية دليلة مصدق من استمرار سياسة التنكيل بالموقوفين السياسيين، وتتمسك بمواصلة النضال والكفاح للمحافظة على مكاسب الثورة التي تصفها بأعظم الثورات.
زهور المشرقي
تونس ـ أكدت الناشطة الحقوقية دليلة مصدق إنه بالرغم من الانتفاضة سينتصر المد الثوري لأن الحرية هي جزء من الإنسان وولدت معه كالحب والحزن والفرح، ولا يمكن إلا للخط التحرري أن ينتصر وذلك يتطلب تضحيات ونضال وصبر وقوة تحمل وإقناع.
في وقت تتهم فيه المعارضة السلطة بالتنكيل بسبب مواقفها منها، يؤكد الرئيس قيس سعيد أن التهم ثابتة على جميع الموقوفين سياسياً ويتهمهم بالعمالة والتخابر مع جهات أجنبية للإطاحة به.
وقالت المحامية والناشطة الحقوقية دليلة بن مبارك مصدق، إنه منذ 25 تموز 2021 وبعد أن قضى الرئيس قيس سعيد على كل المؤسسات التي أنشأت بعد ثورة 14 كانون الثاني 2011 من مجلس نواب والهيئة الوقتية لدستورية القوانين وهيئة مكافحة القوانين وهيئة مراقبة الاتصال السمعي والبصري والتي تعتبر مؤسسات رقابة للحكم، بدأ بالخطوة الثانية المتمثلة في إرساء مؤسسات جديدة تحت سلطته وانطلق بكتابة دستور بشكل فردي ثم إجراء انتخابات لم يشارك فيها إلا 11% من الشعب التونسي نتج عنها برلمان صوري بلا سلطة ولا صلاحيات ولا مراقبة لا للحكومة ولا لرئاسة الجمهورية، لتصبح كل السلطات تحت رقابة وتحكم الرئيس، لافتة إلى أن كل فئات الشعب باتت تحت كلمة السلطة التي تحدد كل الخطوات بمفردها وتعلنها دون استشارة المعارضة التي تم القضاء عليها والمجتمع المدني الذي تم استبعاده.
وأكدت أن السلطة بعد تلك الخطوات انتقلت إلى إيقاف المعارضة التي كانت تنتقد بشكل لاذع وترفض تماماً التفرد بالحكم وتدعو إلى انتخابات سابقة لأوانها واجتماعات بشكل علني في منازل شخصيات معارضة معروفة لمناقشة الوضع العام وتنظيم حوار وطني للعودة للمسار الديمقراطي السابق لكن فوجئت باتهامها بالعمالة والتآمر على أمن الدولة، متهمة السلطة بافتعال ملف يضم 17تهمة منها 10 إرهابية و7 من القانون الجنائي وجميعها تؤدي إلى عقوبة الإعدام، فضلاً عن تهم المخابرات ومحاولة المس من الأمن الغذائي، فالجميع يعرف في تونس أن مشاكل الغذاء سببها سوء الحكومة.
وقالت إن الاتهامات لم يقابلها أي أفعال في الملف وكانت فارغة المحتوى حيث لا توجد أي جريمة، مشيرة إلى أن عملية الايقاف التي نفذت منذ شباط 2023 لشخصيات مختلفة من اليمين المعتدل الاجتماعي إلى اليسار الماركسي اللينيني إلى الاسلاميين تم تجميعها في نفس القضية، مؤكدة أن هؤلاء الموقوفين لا يحملون نفس الرؤى السياسية ولهم خلافات منذ سنوات "القضية محسومة سياسياً لا قضائياً وهو الأمر الذي تخشاه هيئة الدفاع التي تتعرض بدورها للتنكيل والمماطلة".
وأوضحت أنه "تم تقديم شهود زور في القضية دون أي اثباتات تؤكد أن هؤلاء خططوا ولو لمرة واحدة أنهم ينوون استهداف البلد وأمنه القومي"، معتبرة أنه بعد ستة أشهر من الايقاف تم اللجوء إلى التمديد بستة أو أربعة أشهر أخرى وهي مدة لا يخولها القانون إلا في حالات استثنائية إذ كانت هناك دواعي جدية وإثباتات قاطعة على ارتكاب الجريمة أو الأبحاث تستدعي ذلك "التمديد ينتهي كانون الأول المقبل معتقدة بإمكانية استمراره لاعتبار أن الملف سياسي" وفق قولها.
وأشارت إلى أن الموقوفين سيطلق سراحهم يوماً ما لاعتبار أن لاتهم ثابتة حولهم، متحدثة عن تركيع القضاء وحل المجلس الأعلى للقضاء واستبداله بآخر مؤقت وقانون جديد يخول للسلطة إقالة القضاة أو تعيينهم دون مبرر ودون إمكانية الطعن في القرار ما أثار مخاوف السلطة القضائية التي باتت تؤمر من السلطة التنفيذية دون أي تحرك أو موقف رافض.
وأضافت "في الواقع اليوم هو واقع تكميم الأفواه وتقييد المعارضة والسيطرة على القضاء ووضع اليد على الإعلام، ولا ننسى أن العديد من الصحفيين يقبعون بالسجون وملاحقون بقضايا خطيرة وقضاة أيضاً تحوم حولهم تهم وحرموا من عملهم لأسباب سياسية، نحن أمام أزمة خانقة، أزمة حريات وديمقراطية وعدل وعدالة، عوض رص الصفوف الداخلية والحوار بين جميع الأطراف والمنظمات والمعارضة لإيجاد حلول للخروج من الأزمات المتراكمة، إلا أنه للأسف الحل بات أمنياً".
المناضلة النسوية والاجتماعية شيماء عيسى كانت من ضمن الموقوفين وأطلق سراحها في تموز/يوليو الماضي بعد حملة كبيرة في الداخل والخارج لاعتبارها أول سجينة سياسية بعد 2011، لكنها تفاجئت بمنعها من الظهور في الأماكن العامة وتحجير السفر عليها الذي أدى إلى حرمانها من العمل كجامعية تدرس في باريس وفقدانها للإقامة ولفرصة العمل وتعيش اليوم وضعية اجتماعية مأساوية دون راتب ودون دخل أخر يضمن لها العيش، وفق قول الناشطة الحقوقية دليلة مصدق.
وأكدت أن "14يناير بمثابة النصر السياسي وتحقيق لحلم الحرية ودولة الديمقراطية بعد أن سقط النظام الديكتاتوري بعد سنوات من الاستبداد"، لافتة إلى أن ما قامت به تونس في عشر سنوات بعد الثورة يعادل ما تقوم به دول في عقود برغم الأخطاء التي ارتكبت من جميع الأطراف في السلطة والمعارضة وهو أمر طبيعي لمعارضة كانت تعمل في ظروف سيئة وتحت التنكيل والقمع "بعض الزلات كانت بسبب قلة الخبرة وحتى التلاعب أيضاً بها من قبل المنظومة القديمة التي لازالت أذرعها موجودة في الإعلام ومختلف المؤسسات".
وتطرقت إلى التحشيد الذي حصل بين اليسار واليمين وقد غذاها النظام القديم وجعل كل طرف يعمل على نفي وجود الآخر والغائه "لم نتعلم إلى اليوم أن نعيش في كنف الاختلاف وأن نتعايش ونجعل منه أمر إيجابي نبني به وطننا، عشر سنوات لا شيء في عمر الدول والحضارات ونتائجها لا يمكن أن تظهر الآن والثورة عبر التاريخ تمر بانتصارات وانكسارات، وبرغم الانتفاضة سينتصر المد الثوري لأن الحرية هي جزء من الإنسان وولدت معه كالحب والحزن الفرح، وهي موجودة في تركيبتنا الجينية لا يمكن إلا للخط التحرري أن ينتصر وذلك يتطلب تضحيات ونضال وصبر وقوة تحمل وإقناع ولن نترك بلدنا بعد أن ذقنا طعم الحرية وعشنا أعظم ثورة سلمية غيرت وجه الحكم في تونس ولن نعود إلى مربع الاستبداد".