دلال ميني: نظام "الكوتا" اصطدم بعقلية ذكورية متجذرة داخل الأحزاب السياسية

على بعد شهرين تقريباً من الاستحقاقات الانتخابية التشريعية والجماعية في المغرب، طفت إلى السطح أسئلة ملحّة بشأن رهانات الموعد الانتخابي المقبل، الذي سيجري في ظل استمرارية تفشي جائحة كورونا وأثرها على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية

حنان حارت
المغرب ـ .
وكالة أنباء المرأة التقت بعضو المكتب الوطني لهيئة مهندسي حزب التجمع الوطني الأحرار دلال ميني، للحديث حول تصوّرها للمحطة المقبلة من الانتخابات، وخصوصية هذه السنة، ورهان المشاركة النسائية في العمل الحزبي.
التحقت دلال ميني بحزب التجمع الوطني للأحرار عام 2017، كما شاركت في التحضير لتأسيس هيئة المهندسين التجمعيين التي أصبحت عضواً في مكتبها الوطني، ورغم حداثة التحاقها بالحزب، إلا أنّها باتت من الوجوه النسائية البارزة فيه؛ فاسمها صار يتردد في الآونة الأخيرة بشكل كبير ينافس أسماء لها مكانة كبيرة داخل حزب الحمامة.
وعلى المستوى المهني فهي تشغل منصب رئيسة مصلحة التعاون الدولي في المكتب الوطني للاستشارة الفلاحية، وفيما يلي الحوار كاملاً:
 
هناك من يصف المرحلة السياسية الحالية التي يعرفها المغرب بزمن المفارقات والجدل والتناقضات، كيف تحللون ذلك؟
لا يمكننا الاختلاف حول حساسية المرحلة السياسية الراهنة لأسباب متعددة، أوّلها مرور عشر سنوات على اعتماد دستور 2011 المتقدّم حقوقياً واجتماعياً وسياسياً والذي أرسى نظام الحكومات السياسية ونظام المنهجية الديمقراطية، إلا أنّ المواطن المغربي اليوم يدرك أنّ النخبة السياسية التي قادت المرحلة لم تكن في المستوى المطلوب ولم تفعل المضامين الدستورية في ممارساتها، بل تركتها حبيسة السطور وأجهضت كل الانتظارات. هذا الأداء الذي أصفه بالضعيف يهدد بشكل مباشر ثقة المواطن في المؤسسات وفي الأحزاب السياسية بل ويهدد أيضاً المشاركة الانتخابية البنّاءة والفعّالة في الاستحقاقات المقبلة على أهميتها. 
إضافةً إلى السياق الاقتصادي والاجتماعي المعقّد بفعل تبعات جائحة كورونا التي لم نخرج منها بعد، والتي تسببت في فقدان مناصب العمل وتفاقم الهشاشة رغم كل الجهود.
فاليوم نحتاج لنخب سياسية قوية قادرة على التدبير والتسيير وابتكار حلول تنموية دقيقة، فالهدف ليس الرجوع للوراء بل الانطلاق بسرعة أكبر والتقاط الإشارات الداخلية والخارجية لتموقع أفضل في إطار نموذج تنموي وسياسي جديد.
 
نحن مقبلون على الانتخابات الجماعية والبرلمانية والجهوية في آن واحد، ما توقعاتكم حول هذه المحطة؟
تجدر الإشارة بدايةً أن عشرات الدول عبر العالم لم تتمكن من تنظيم انتخابات مجالسها في المواعيد المحددة نظراً لتداعيات جائحة كورونا، وفي هذا الصدد يسجل المغرب نقطاً إضافية في تجسيد تمسكه بالخيار الديمقراطي وبحرصه على عدم إخلاف موعد الاستحقاقات الانتخابية، التوافق على عقد الانتخابات الجماعية والجهوية والبرلمانية في يوم واحد قرار رصين يزيد من تميز سنة 2021 وخصوصيتها والتي ستعرف تجديداً للدماء وللنفس السياسي على مستوى واسع.
هذا القرار سيمكن من تخفيف العبء المالي على ميزانية الدولة خاصةً في هذه الظرفية الاقتصادية الصعبة وسيساهم في توفير حظوظ أكبر لرفع من نسبة المشاركة الانتخابية، وبطبيعة الحال يشترط أن تتحمل الأحزاب السياسية مسؤوليتها كما ينبغي لإنجاح هذا التمرين الديمقراطي المهم طرح برامج انتخابية متماسكة، دقيقة وواقعية بدل اعتماد الشعارات الفضفاضة والوعود الفارغة. 
بكل صراحة، أستقبل هذه المحطة بشحنة كبيرة من الأمل والحماس خاصةً وأنني انتمي لمدرسة سياسية كبيرة مليئة بالأطر والكفاءات كالتجمع الوطني للأحرار الذي يؤمن بالعمل والتمكين للمواطن المغربي ويصر على المساهمة في تقوية الجانب الاجتماعي للدولة من خلال سياسات عمومية ناجعة.  
كأحرار أعلنا القطيعة مع الممارسات السياسية التي لا تضع المواطن وحاجياته في صلب اهتماماتها واخترنا النزول للميدان والإنصات لغضب المواطنين مما مكننا اليوم من تقديم عرضنا السياسي ومشروعنا المجتمعي للمواطن الذي يملك الوقت الكافي للتدقيق فيه. 
 
ننتقل إلى المرأة المغربية التي تعيش صراعاً دائماً من أجل حقوق مدنية وسياسية جرت دسترتها، فما رأيكم حول صراع تقاسم السلطة بين الجنسين؟
يجدر القول إنّ كل مؤمن بالديمقراطية ومبادئها رجلاً كان أم امرأة ينخرط في نضال تجاوز الاختلالات التي يعرفها الولوج للسلطة والتي تعاني منها المشاركة السياسية للمرأة؛ فلا ديمقراطية بتغييب نصف المجتمع وإقصائه على أساس الجنس والضرب عرض الحائط بحق وقدرة المرأة على تولي المسؤولية وصناعة التنمية.
حيث أنّ غياب إرادة سياسية منصفة تحول دون تبوء النساء مناصب المسؤولية لا على المستوى الداخلي في هياكل الأحزاب السياسية ولا على مستوى المؤسسات بالرغم من الدور الكبير الذي تلعبه المرأة في المجتمع. 
الهدف ليس خلق الصراع بين الجنسين على السلطة بل العمل على التأسيس لتكافؤ الفرص والولوج لمناصب المسؤولية السياسية على أساس الخبرة والكفاءة والنجاعة في تسخير السلطة لخدمة المصلحة العامة. 
ولن يتأتى هذا المبتغى بدون محاربة العقليات الذكورية التي تضع المرأة في درجة أدنى ولن يتأتى أيضاً دون النهوض بالواقع الثقافي والاجتماعي والاقتصادي الذي يثقل كاهل المرأة ويحول دون استفادة الوطن من قدراتها الوازنة.
التمثيلية السياسية للنساء في المغرب عموماً كانت مثار نقاش كبير لكونها ما تزال ضعيفة ولا تنسجم مع مبدأ المساواة والتنصيص على المناصفة.
 
ما رأيكم في تخصيص ثلث المقاعد للنساء في مجالس العمالة أو الأقاليم؟ 
التمثيلية السياسية للنساء في المغرب مؤشر سلبي حول تقدم الورش الديمقراطي، وبالتالي فهذا تحدي كبير وأولوي يواجه الهيئات السياسية بالدرجة الأولى؛ حيث أنّ مستجدات القوانين الانتخابية التي نصّت على إحداث اللوائح الجهوية في إطار نظام الكوتا في الانتخابات البرلمانية عوض اللائحة الوطنية مع تخصيص المرتبة الأولى والثانية للنساء، وكذلك التنصيص على تخصيص ثلث المقاعد للنساء في المجالس الأخرى المنتخبة هو انتصار جديد يضاف لحصيلة انتصارات الحركة النسائية في المغرب، حيث أنّ التفرد طبع تجربة ومسيرة هذه الحركة التي توحد المجتمع المدني والسياسي حول قضية جوهرية عادلة.
ورجوعاً لمسألة الثلث المخصص للنساء في المجالس المنتخبة فهذه فرصة جديدة لإبراز نخب نسائية قوية على المستوى المحلي، والمبتغى هو أن تتمكن هذه النخب من تشكيل امتداد لها وقواعد صلبة تساندها لخوض غمار انتخابات مقبلة دون وسائل تمييز.
 
برأيكم هل نجحت الكوتا في خلق نخبة نسائية سياسية متمرّسة؟ 
الكوتا لصالح النساء إجراء معتمد في المغرب منذ 2002 لتجاوز فجوة كبيرة بين الجنسين في مجال التمثيلية السياسية، إجراء محمود ومنسجم مع التوجه الوطني والتوجه الأممي كذلك في تحقيق مساواة حقيقية بين الجنسين، إلا أنّ هذه الخطوة لم تكن معززة من جهة بسياسات عمومية ناجعة تعالج المشكلة من الأساس وتسخر التعليم والإعلام والتشريع لوضع لبنات التمكين السياسي للمرأة، ومن جهة أخرى اصطدم نظام الكوتا بعقلية ذكورية متجذّرة داخل الأحزاب السياسية حالت دون التنزيل السليم لهذه الإمكانية، بل وأصبحت الكوتا في أغلب الحالات مع وجود استثناءات قليلة جداً وسيلة من وسائل الريع والمحسوبية تتاجر به طبقة سياسية فاسدة.
بالنظر للعدد القليل جداً للنساء اللاتي فرضن وجودهن في الساحة السياسية والانتخابية بعد الاستفادة من نظام الكوتا، فالحصيلة بالنسبة لي أبداً ليست مرضية خاصة بعد هدر تسعة عشرة سنة من اعتماد هذا التمييز الايجابي.
ومن وجهة نظري، فإنّ تنزيل هذه الآلية يحتاج لتقييم رسمي ودقيق ليس فقط للوقوف على كفاءة وحصيلة أداء المستفيدات، بل أيضاً لمواجهة الأحزاب السياسية بأخطائها. 
وهنا ألح على أنّ الأحزاب السياسية ملزمة بتدارك هذه الأخطاء القاتلة وتحمل مسؤوليتها تماشياً مع نص وروح الدستور وتفعيل الكوتا بشفافية وعزم على تمكين نخب نسائية قادرة على الاستمرار بقوة في الساحة السياسية.
 
في اعتقادكم هل ستحتاج النساء دائماً لتمييز إيجابي في السياسة ليخضن غمار الانتداب؟
في غياب الإرادة السياسية لجعل المشاركة السياسية النسائية أولوية الأولويات وغياب التعاطي الشمولي مع هذا التحدي الذي يطرح نفسه بقوة في كل خطوة ديمقراطية، فللأسف سيتم الاعتماد على الكوتا كحل مرحلي طويل الأمد إن لم يتم تنزيله بمسؤولية ومواكبته بجدية فلن يحقق النتائج المتوخاة من اعتماده وسيقتصر على النتائج العددية.