ضعف مشاركة النساء في الترشح الفردي للانتخابات البلدية... تحديات وثغرات
ترى ناشطات ليبيات أن ما تحتاجه المرأة الليبية اليوم ليس المزيد من التشريعات فقط، بل نوع من الهزّة الفكرية والاجتماعية التي تجعلها ترى نفسها فاعلة لا تابعة، مبادرة لا متلقية.

منى توكا
ليبيا ـ مع اقتراب انتخابات المجالس البلدية للمجموعة الثانية في ليبيا، يلاحظ عزوف النساء عن الترشح للمقاعد الفردية، حيث يفضلن الدخول ضمن القوائم الانتخابية مع الرجال، رغم أن القانون يتيح لهن الترشح كمستقلات عن ثلاث فئات، المقاعد الفردية، مقاعد ذوي الإعاقة، ومقاعد المكونات.
أسباب عزوف النساء عن الترشح
سفيرة التوعية والناشطة المدنية مريم مشمور من الجيل الثاني للإدارة الانتخابية في سبها، أكدت استمرار الجهود في توعية النساء بأهمية مشاركتهن الفاعلة، سواء كمرشحات أو ناخبات، لكنها تشير إلى أن العزوف لا يقتصر على الترشح فقط، بل يمتد أيضاً إلى تسجيل النساء كناخبات.
واعتبرت مريم مشمور أن "السبب الرئيسي لعزوف النساء عن الترشح للمقاعد الفردية هو غياب الثقة في العملية الانتخابية، حيث تعتقد الكثيرات أن الترشح الفردي غير مضمون، وأنه لن يصوّت لهن أحد، على عكس الترشح ضمن القوائم الذي يوفر لهن نوعاً من الدعم"، قائلة أن "نقص التوعية حول حق المرأة في الترشح كمستقلة ساهم أيضاً في هذا العزوف، فأغلب النساء ينظرن إلى المقاعد الفردية باعتبارها مخاطرة غير محسوبة".
وترى أن البيئة الانتخابية الحالية لا تزال غير مهيأة بالكامل لدعم مشاركة النساء "يجب أن يكون هناك إشراف ودعم من مختلف الأطراف، سواء من السفيرات، المجتمع المدني، أو حتى العائلات، لإقناع المرأة بأن الانتخابات مساحة آمنة، حيث يمكنها الترشح وخدمة مدينتها ووطنها من خلال خبراتها وبرامجها".
الضغوط الاجتماعية والعنف الانتخابي
وأوضحت أن بعض النساء اللواتي قررن الترشح، سواء بشكل فردي أو ضمن القوائم، تعرضن لضغوط اجتماعية أجبرتهن على سحب أوراق ترشحهن "هناك نساء قمن بالتسجيل فعلياً، لكنهن اضطررن للانسحاب بعد رفض عائلاتهن، أو بسبب فرض شروط عليهن للانضمام إلى قوائم معينة أو العمل مع شخصيات محددة، وهذا بحد ذاته نوع من العنف الانتخابي".
وأشارت إلى أن هذه الممارسات تعكس استمرار العراقيل الاجتماعية التي تواجه المرأة في المجال السياسي "حتى عندما تكون المرأة ناشطة في التوعية الانتخابية، قد تتعرض للرفض أو الإقصاء فقط لأنها امرأة، المجتمع لا يزال يتقبل فكرة أن المرأة، تدير أموراً تقليدية، لكنه يتردد في قبولها كفاعل رئيسي في الانتخابات".
دور التوعية في تعزيز مشاركة المرأة
رغم التحديات، تركز مريم مشمور على أهمية استمرار جهود التوعية ودعم النساء بعضهن البعض "مع زيادة الوعي والدعم، ستتغير الأمور تدريجياً، إذا وجدت النساء تشجيعاً كافياً من عائلاتهن ومجتمعهن، فسيكون لهن دور أكبر في العملية الانتخابية، سواء كمرشحات أو ناخبات، مما يعزز فرص نجاحهن".
وقالت إن العزوف عن الترشح ليس المشكلة الوحيدة، بل إن هناك ضعفاً في تسجيل النساء كناخبات أيضاً، ما يحدّ من تأثيرهن في الانتخابات "المشاركة في الانتخابات ليست مجرد حق، بل هي مسؤولية وأمانة، وعلى كل امرأة أن تدرك أنها جزء أساسي من هذه العملية، سواء كمرشحة أو ناخبة".
نقد ذاتي ودعوة للتغيير
من جانبها، عبّرت العضوة في وزارة الحكم المحلي عزيزة حسين، عن قلقها العميق تجاه ما وصفته بـ"اللامبالاة النسائية" حيال الترشح للمقاعد الفردية، خصوصاً في المنطقة الجنوبية، وترى أن المرأة الجنوبية "متأخرة كثيراً عن نظيراتها في المنطقة العربية"، ليس بسبب القوانين أو النظام، بل بسبب ما تعتبره "ضعف المبادرة الذاتية وانعدام الثقة بالنفس".
أوضحت أن "القوانين منحت المرأة مساحة ضيقة للمشاركة، فلديها مقعد الكوتا، ولديها فرص في فئة ذوي الإعاقة والمكونات، ومع ذلك لم تستثمر هذه المساحة، فهي لا ترى نفسها جزءاً من هذا الحراك، وكأنها تنتظر من يأخذ بيدها بدلاً من أن تمضي بنفسها".
وحذرت من استمرار هذا النهج الذي سيُبقي المرأة على الهامش لعقود قادمة، إذا لم يتم اتخاذ موقف واضح من داخل المجتمع النسائي نفسه "لن يتغير شيء إذا لم تبدأ المرأة بنفسها، عليها أن تؤمن أن صوتها له وزن، وأن مبادرتها مفتاح التغيير"، قائلة إن "المجتمع الليبي بطبعه غير معقّد، هو فقط بحاجة لمن يلفت نظره، والمرأة تستطيع أن تغيّر تلك الصورة النمطية، لكن عليها أن تتوقف عن انتظار القبول، وأن تبدأ بالفعل".
وترى أن ما تحتاجه المرأة الليبية اليوم ليس المزيد من التشريعات فقط، بل "نوع من الهزّة الفكرية والاجتماعية التي تجعلها ترى نفسها فاعلة لا تابعة، مبادرة لا متلقية".
دعوة لإثبات الذات وتحدي الصورة النمطية
أما إخلاص المهدي أيضاً عضوة في وزارة الحكم المحلي، فقد سلطت الضوء على أحد أكثر الجوانب حساسية في موضوع عزوف المرأة عن الترشح، ألا وهو نظرة المجتمع المحيط بها، مشيرة إلى أن "المجتمع لا يزال يرى في المرأة عنصراً ضعيفاً، فالناس عندما يرون امرأة تترشح، يظنون أن هناك من دفعها إلى ذلك، لا أنها تملك القدرة أو القرار، وحتى حين تفوز، يُقال إن أحدهم هو من دعمها من الخلف".
وتربط هذه النظرة بتجارب محدودة خاضتها النساء "لم تتح للمرأة فرص كافية لتُجرّب وتُقيّم في مواقع المسؤولية، المجتمعات تبني الثقة من خلال التجربة، وإذا لم تُمنح المرأة تلك الفرصة، فستظل محاطة بالشك".
وأشارت إلى أن التغيير لن يأتي إلا من خلال مبادرات جريئة من النساء أنفسهن "لابد أن تبادر المرأة بالترشح، أن تتكلم، أن تنخرط في اللجان والمؤسسات المحلية، هذا وحده ما سيكسر تلك الصورة النمطية، وإذا انتظرنا أن يمنحنا الآخرون الفرصة، فلن تأتي أبداً".
ودعت العضوة في وزارة الحكم المحلي إخلاص المهدي في ختام حديثها "النساء أن يبدأن اليوم، لا غداً، وأن يتخذن خطوات عملية تبرهن على قوتهن وقدرتهن، لا أن يكتفين بالكلام عن التغيير".
والجدير بالذكر أن المرحلة الأولى من انتخابات المجالس البلدية في ليبيا قد أُجريت في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2024، فيما من المقرر أن يُحدّد موعد الاقتراع للمرحلة الثانية خلال شهر حزيران/يونيو المقبل، وفق ما أعلنه رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات.