بولا أسطيح: مصلحة عون والحريري تلتقي حول عدم تشكيل حكومة... وهذا ما نخشاه

بعد مرور عشرة أشهر على استقالة حكومة الرئيس حسان دياب في 10 آب/أغسطس الماضي، لم تستطع القوى السياسية اللبنانية لغاية اليوم أن تتفق على تشكيل حكومة تحاول إنقاذ البلاد من مختلف الأزمات التي تجتاحها

 كارولين بزي
بيروت ـ . ومنذ ذلك الحين لا يزال اللبنانيون يعيشون في ظل حكومة تصريف أعمال، بسبب تبادل الاتهامات بين قوى السلطة التي تحاول أن تحصل على مكاسب شخصية في الحكومة المرتقبة، على الرغم من الوضع الكارثي الذي تعيشه البلاد.
 
"لماذا يقدم حزب الله تنازلات في الملف الحكومي؟"
توضح الصحافية اللبنانية المتخصصة في الشأن السياسي بولا أسطيح الأسباب التي تحول دون تشكيل حكومة وتقول لوكالتنا "للأزمة الحكومية بُعدان داخلي وآخر خارجي. فيما يتعلق بالبعد الداخلي أو المحلي، فإن القوى السياسية الداخلية كعادتها تستنجد أو تنفذ أجندات خارجية، وتنطلق من ملفات داخلية لتعرقل المسار الحكومي في حال كانت القوى الكبرى التي تتبع لها لا تريد حكومة. وعلى ما يبدو لا يريد حزب الله حكومة بانتظار مصير المفاوضات النووية في فيينا، فاليوم كل الملفات موضوعة على الطاولة على عكس ما أعلن عنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله منذ أيام في خطابه الأخير، بأن مفاوضات فيينا تتعلق حصراً بالعلاقات الأميركية - الإيرانية والملف النووي".
تتابع "اليوم كل الملفات ومن ضمنها الملف اللبناني موضوع على طاولة المفاوضات، لذلك يتزامن الحوار الأميركي - الإيراني مع حوار سعودي- ايراني وانفتاح على دمشق، إذ تشهد المنطقة خلط أوراق غير مسبوق، وبالتالي لماذا سيقدم حزب الله تنازلات بالملف الحكومي، بما أن المشروع الإيراني هو المنتصر في المنطقة وربما يطمح لأن يستثمر في لبنان عبر حزب الله، وبالتالي يعتبر هذا الظرف الأفضل لإيران لاستثمار هذا الانتصار".
 
"عون وباسيل يسعيان إلى إفشال تشكيل حكومة برئاسة الحريري"
وتضيف "الحزب ليس مؤثراً داخلياً في التعطيل، ولكن لا يناسبه أن يساهم في تسهيل عملية التأليف، علماً أنه لا يوعز للتيار الوطني الحر الذي يعرقل التأليف بأن يعرقل عنه، ولكنه ترك للتيار الوطني الحرية في المطالبة أو تحصيل المكاسب التي يريدها من الملف الحكومي، على اعتبار أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وصهره الوزير السابق جبران باسيل لا يريدان حكومة برئاسة الرئيس المكلف سعد الحريري، وهذا كان واضحاً عند عملية التكليف".
وتشير إلى أنه "بالتالي هما يسعيان حالياً أي الرئيس عون وباسيل إلى إفشال هذا التكليف والضغط نحو عدم تشكيل حكومة، لأنهما يعتبران بأن أمام ولاية رئيس الجمهورية عام واحد وبالتالي هو يسعى لأن يحقق إنجازات خلال هذا العام، ومع حكومة يترأسها الحريري لن يستطيع عون تحقيق هذه الإنجازات".
 
"الحريري أحبط مهمة مصطفى أديب"
قبل تكليف الحريري لرئاسة الحكومة، كان قد تم تكليف سفير لبنان في ألمانيا مصطفى أديب لرئاسة الحكومة بمبادرة فرنسية حاولت أن تنتشل البلاد من أزمتها من خلال تشكيل حكومة مهمة، ولكن حينها لم يقبل سعد الحريري الذي كان يهندس تشكيل حكومة مصطفى أديب، بإسناد وزارة المال للطائفة الشيعية بعد تمسك الأخيرة بها، وبعد اعتذار مصطفى أديب وتكليف سعد الحريري وافق على إسناد وزارة المال للطائفة الشيعية، عن تبدل موقف سعد الحريري تقول بولا أسطيح "لأن إشارات خارجية وصلت للحريري وبالتحديد فرنسية وشعر بأن المرحلة مناسبة لتوليه الحكومة وبأنه سيتم إغداق الأموال على لبنان وسيظهر وكأنه المنقذ، لذلك سعد الحريري هو من أحبط مهمة مصطفى أديب".
وتعتبر أنه في ظل اللعبة الداخلية الدائرة، "يقف حزب الله متفرجاً على القوى السياسية التي تتصارع فيما بينها للحصول على مكاسب حزبية وكل وفق أجندته، كما أن الحزب لا يمارس أي ضغوط، ومتى أراد الحزب تشكيل حكومة يمارس ضغوطه على جبران باسيل ليتنازل عن مطالبه ويسهل عمليه التأليف وهذا ما كان يحصل في السابق".
وعن رغبة الحريري الفعلية بتشكيل حكومة في ظل غياب دعم خليجي وتحديداً سعودي تقول "كما ذكرنا أن سعد الحريري أحبط مهمة مصطفى أديب، لأنه تلقى إشارات بأن هناك ضوء أخضر ليشكل حكومة سيترافق تشكيلها مع مساعدات مالية، وقد تم تكليفه. وكان الفرنسيون قد وعدوا الحريري بأنهم سيقومون بمساعي يقنعون فيها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأن يدعم سعد الحريري في تشكيل الحكومة، إلا أنه ومع مرور كل هذا الوقت لم يستطع الفرنسيون ولا حتى الروس إقناع السعودية على إعادة علاقتها بالحريري وتقديم الدعم له في الملف الحكومي". 
 
"الحريري لن يشكل الحكومة بغياب الضوء الأخضر السعودي"
وتتابع "بالنسبة له طالما أنه لا يوجد ضوء أخضر سعودي فهو لن يشكل الحكومة، لأنه يعلم بأنه إذا لم يحصل على الضوء الأخضر السعودي سينعكس على العلاقات الخليجية وبالتالي لن يكون هناك لا أموال ولا مساعدات".
من خلال ما تقدم يبدو واضحاً أن أحداً من الأفرقاء السياسيين لا يريد أن يشكل حكومة، علماً أن الجميع يناشد وينادي بتشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن، وتشير بولا أسطيح إلى أن القوى السياسية تحاول إيهام العالم بأنها تريد حكومة ولذلك ينادون في العلن بضرورة الإسراع بتشكيل الحكومة.
وتتابع "وصلت كل الأطراف إلى قناعة بأنه لا يوجد حكومة بما أننا على بعد أقل من سنة على موعد الانتخابات النيابية، وبالتالي حتى لو حصل الحريري على ضوء أخضر سعودي اليوم لا يناسبه أن يشكل حكومة، لأن هذه الحكومة ستتحمل كل تبعات الارتطام الكبير وهذا الأمر لن يخدم الحريري في الانتخابات النيابية المقبلة. كما أن جبران باسيل بدأ باستخدام الخطاب الطائفي، وهذا الخطاب يحرّض جمهور التيار الوطني الحر والجمهور المسيحي، إذ شهد "التيار الوطني" انشقاقات كبيرة في صفوفه وبالتالي لا مصلحة للوطني الحر أن يدخل بحكومة ومن الأفضل له أن يستعين بالخطاب الطائفي الذي يحرّض الجمهور".
وتضيف "بالتالي تتلاقى مصلحة الحريري مع عون وباسيل على عدم تشكيل حكومة قبل الانتخابات النيابية، ولاسيما بعد انتفاضة أو ثورة 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، إذ لن يستطيعوا استرداد قسم من جمهورهم إلا عبر الخطاب الطائفي". 
 
"حرب البيانات بين الرئاستين الأولى والثانية تأتي في إطار الاستعداد للانتخابات"
للمرة الأولى تشتعل حرب بيانات بين الرئاستين الأولى والثانية، أي رئاسة الجمهورية ومجلس النواب، وهي بعيدة عن الدبلوماسية التي ينتهجها عادةً رئيس مجلس النواب نبيه بري، تعلق بولا أسطيح على هذا الموقف وتقول "هناك خلاف سياسي لا بل عداء تاريخي بين ميشال عون ونبيه بري، حاولا طوال الوقت إخفائه أو إبعاده عن الإعلام وكان كل ذلك بمسعى وتمني وجهود من حزب الله الذي يحاول أن يوفق بين حليفيه، ونجح بالتأكيد خلال السنوات الماضية، ولكن لم تخلو هذه المرحلة من بعض التراشق الإعلامي إلا أنها بقيت ممسوكة إلى حد ما".
وتتابع "لكن مؤخراً شاهدنا حرب بيانات بين بعبدا (مقر الرئاسة الأولى) وعين التينة (مقر الرئاسة الثانية) غير مسبوقة، وهذا يندرج في إطار التحضير للانتخابات النيابية، وذلك سيزيد من شعبية التيار الوطني الحر الذي لديه عداء تاريخي مع حركة أمل التي يترأسها نبيه بري، وتماماً وهو العداء نفسه الذي يكنه جمهور "أمل" للتيار الوطني، وبالتالي هذا الأمر يخدمهما في الاستعداد للانتخابات".
وتعتبر بولا أسطيح أن التحضير للانتخابات النيابية تأخر لأن لا رؤية واضحة لدى القوى السياسية في تحديد العناوين التي ستبني عليها معركتها الانتخابية، كما لا خطط واضحة لكيفية النهوض بالوضع الاقتصادي.
 
"لا أستبعد تشكيل حكومة انتخابات"
أعلنت السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا في أحد اللقاءات الإعلامية عن ضرورة تشكيل حكومة انتخابات، تعلق بولا أسطيح على ذلك وتقول "هناك تشتت دولي غير مسبوق، إذ طرح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في البداية حكومة اختصاصيين ثم رضي بأن تتشكل الحكومة برئاسة الحريري وهو ليس اختصاصياً بل سياسياً، اليوم يطرحون حكومة انتخابات وهناك ضغوط دولية تُمارس"، وتتابع "الاتحاد الأوروبي ومن ضمنه فرنسا يرغبون بتشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن، خوفاً من أن يؤثر الانفلات الذي نعيشه على الأمن ويدفع باللبنانيين إلى الهجرة الذين ستكون وجهتهم أوروبا. لذلك الملف اللبناني أولوية بالنسبة للاتحاد الأوروبي أكثر من الأميركي. كما أن طرح حكومة انتخابات يُسقط تماماً المبادرة الفرنسية بالرغم من إعلان البعض بأن المبادرة لا تزال حية".
وتضيف "لا أستبعد تشكيل حكومة انتخابات في حال وقع الانهيار الشامل، أو وقعت الفوضى وقد ترى القوى السياسية نفسها محرجة أمام المجتمع الدولي وتضطر إلى الذهاب إلى حكومة انتخابات وهذا أمر يمكن أن يحصل. حتى أنه تم التطرق مؤخراً وبشكل جدي لاعتذار الحريري عن تشكيل الحكومة، والتفكير بطرح مرشحين لتولي رئاسة الحكومة يوافق على أسمائهم رئيس الجمهورية، وعندها يتم تشكيل حكومة انتخابات".
 
"الانتخابات النيابية خط أحمر بالنسبة للمجتمع الدولي"
عن موعد الانتخابات، تقول "موعد إجراء الانتخابات النيابية هو موقف حاسم لدى القوى الدولية والغرب، ويعتبر المجتمع الدولي أن الانتخابات خط أحمر، لأنه يعتبر أنه بعد 17 تشرين الأول وبعد الأزمات التي نعيشها، يعتقد المجتمع الدولي أن التغيير الكبير سيأتي من داخل المجلس النيابي المقبل، وبدأ الاستثمار بعدد من المرشحين من قبل المنظمات والجمعيات، كما أن استعدادات قوى المعارضة والمجتمع المدني كبيرة جداً على عكس قوى السلطة الخائفة والمشتتة".
وتعبّر عن خشيتها قائلة "على ما يبدو الانتخابات حاصلة في موعدها ولكن ما يُخشى منه أن تلعب قوى السلطة الورقة الأمنية، أي يحصل فوضى أمنية كبيرة أو حرب مصغرة بشكل من الأشكال، لكي يتم إرجاء الانتخابات النيابية".
وتضيف "بالتأكيد قوى السلطة غير مستعجلة لإجراء الانتخابات النيابية في موعدها، على عكس قوى المجتمع المدني والمعارضة لأنها تعتبر أن الوقت مناسب لخوض الانتخابات ولتراجع قوى السلطة. ولكن لكي نكون واقعيين لن تكتسح قوى المعارضة مجلس النواب، لأن جمهور السلطة موجود ولا يزال يقدم لأحزابه الدعم من منطلق طائفي على الرغم من الأزمات التي يعيشها". 
 
"أستبعد موجة ثورية جديدة" 
وترجح أنه "في الانتخابات المقبلة أن تخترق قوى المعارضة بـ 8 إلى 10 نواب"، وتعتبر أن "هذا العدد ممتاز في هذه المرحلة لأن التغيير في النهاية ككرة ثلج يكبر مع كل دورة انتخابية".
وعن رؤيتها للمستقبل القريب، تقول "الجميع يتوقع أن الضغط الذي نعيشه سيتم التنفيس عنه في مكان ما، وهذا ما بدأنا نلحظ مظاهره وملامحه في الأيام الماضية من خلال سطو بعض الناس على صهاريج المازوت وشاحنات الحليب وتوزيعها، عمليات قتل بهدف السرقة، أعتقد أننا سنرى فوضى أمنية ستكبر مع الأيام".
وتتابع "أستبعد موجة ثورية على غرار ما حصل في العام 2019، لأن الثورات عادةً تحصل في ظروف لا يعاني فيها أغلبية الشعب من الجوع والعوز، والجهة التي تقوم بالثورة هي الطبقة الوسطى لا الفقراء أو الجياع، ما نخشاه اليوم هو فوضى أمنية لا أعرف حجمها ولا أعرف مدى قدرة القوى الأمنية على لجمها، لأن العناصر الأمنية من أكثر الناس الذين يعانون من الوضع الكارثي، فالوضع مأساوي في المؤسسات الأمنية ما يجعل من الصعب السيطرة على أي فوضى أمنية. نأمل أن تبقى الفوضى التي ستشهدها البلاد محدودة ولا تتسع كثيراً".