'التعتيم الإعلامي في سوريا يخدم أهدافاً تتمثل في طمس الحقائق'
ترى ناشطات سودانيات أن سوريا قد تواجه فترة من عدم الاستقرار بعد سقوط نظام الأسد بسبب الصراعات على السلطة، مؤكدات على أهمية تضافر الجهود بين الشعوب والمؤسسات مع دور محوري للنساء في قيادة التغيير المطلوب لبناء بيئة مستدامة تحمي النساء وتعزز حقوقهن.
ميرفت عبد القادر
السودان ـ بوتيرة متسارعة مضت الأحداث والتطورات العسكرية والسياسية في سوريا، الأمر الذي خلّف العديد من التساؤلات حول من سيتولى زمام الحكم في سوريا وما هو مصير اللاجئين السوريين وما هو مستقبل سوريا بشكل عام والمرأة بشكل خاص، فهناك العديد من التحديات الرئيسية التي تواجه البلاد أبرزها توحيد المجتمع السوري بعد سنوات من الحرب والانقسامات الطائفية والسياسية.
ترى الناشطة السياسية السودانية هالة عزيز، أن سوريا ربما تواجه تقسيم فعلي أو ضعف الحكومة المؤقتة فمع تصاعد النفوذ الإقليمي والدولي في سوريا، قد يؤدي زوال النظام إلى تعميق الانقسامات الجغرافية والسياسية، ما يجعل البلاد أقرب إلى نموذج "الدولة المنقسمة"، حيث تسيطر قوى متعددة على أجزاء مختلفة من البلاد وإذا تمكنت الأطراف المحلية والدولية من الاتفاق على عملية انتقالية شاملة، قد يكون هناك فرصة لإعادة بناء مؤسسات الحكومة وصياغة دستور جديد، وإجراء انتخابات حرة تتيح للشعب اختيار قيادته.
وتقول إن القوى الإقليمية والدولية لن تتخلى بسهولة عن مصالحها في سوريا، ما يعني أن البلاد قد تظل ساحة صراع لفترة طويلة، لافتةً إلى أن استقرار البلاد بعد زوال النظام يعتمد على قدرة الحكومة المؤقتة على معالجة أزمة اللاجئين والنازحين وإطلاق مشاريع إعادة الإعمار، وهذا بدوره يتطلب دعماً دولياً وإقليمياً، وهو أمر يرتبط بمصالح القوى الكبرى.
واعتبرت هالة عزيز أن التجاهل الإعلامي قد يكون نتيجة لتعدد الأزمات حول العالم، أو بسبب التأثير السياسي للدول الكبرى على أجندة وسائل الإعلام، مشددة على ضرورة تكثيف الجهود الشعبية والدولية لتسليط الضوء على هذه القضايا، سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو المنظمات الحقوقية، لزيادة الضغط على صناع القرار والتحرك لإنقاذ الأرواح.
وأكدت على التغيب الواضح للدور الفاعل للمنظمات النسائية في مناطق الحروب مثل سوريا، فلسطين، والسودان مما يثير تساؤلات عديدة حول الأولويات، الإمكانيات، والضغوط التي تواجه هذه المنظمات، مشيرةً إلى أن ذلك التقصير ربما يكون بسبب نقص التمويل وكذلك غياب الاستقرار السياسي في الحروب فعدم الاستقرار يصعّب وصول المنظمات إلى المناطق المتضررة.
وأحياناً قد لا تُمنح قضايا النساء الأولوية في أجندات الجهات المانحة فهناك حاجة لإعادة التركيز على قضايا النساء في الحروب، وزيادة الضغط على الجهات الدولية والمحلية لتوفير الدعم اللازم، بالإضافة إلى تمكين المنظمات النسائية.
ونوهت هالة عزيز إلى أن استخدام أجساد النساء كسلاح في النزاعات المسلحة هو جريمة مروعة تنتهك القوانين الدولية وحقوق الإنسان "الجرائم مثل القتل، السبي، والاغتصاب تُستخدم بشكل متزايد كأدوات لإذلال المجتمعات وتدمير نسيجها الاجتماعي"، مبينةً أن دور المنظمات الحقوقية يتضمن التوثيق والرصد فتلك المنظمات تعمل على جمع الأدلة والشهادات لتوثيق هذه الانتهاكات بهدف محاسبة المسؤولين عنها في المحاكم المحلية أو الدولية.
وكذلك التوعية والضغط الدولي فيجب أن تقوم هذه المنظمات بتسليط الضوء على هذه الجرائم عبر التقارير الإعلامية وحملات التوعية لزيادة الضغط على الحكومات والجهات الفاعلة لوقف الانتهاكات، إضافة إلى تقديم التأهيل النفسي والاجتماعي للناجيات من هذه الجرائم، إلى جانب الدعم القانوني لضمان حصولهن على العدالة.
وطالبت بضرورة التمكين الاقتصادي لتعزيز استقلالية المرأة الاقتصادية من خلال توفير فرص التعليم والعمل والدعم المالي وتشكيل وتحفيز منظمات وجمعيات نسائية تُعنى بالدفاع عن حقوق المرأة وتقديم الدعم اللازم للنساء المُتضررات.
من جانبها قالت الصحفية والناشطة السياسية أفراح تاج الختم، إن المشهد السوري بعد سقوط نظام الأسد يبدو مفتوحاً على احتمالات متعددة فالتحديات التي تواجه سوريا لا ترتبط فقط بحل سياسي داخلي، بل بتشابك المصالح الإقليمية والدولية، مما يعقد الجهود الرامية لتحقيق تسوية شاملة، في ظل غياب التوافق الدولي والإقليمي ما قد يطيل أمد الأزمة.
وأضافت أن التعتيم الإعلامي في تلك المناطق ليس عشوائياً، بل يخدم أهدافاً تتمثل في طمس الحقائق وتشويه الواقع لخدمة مصالح إقليمية ودولية متشابكة، كما يعاني الإعلام المحلي من الضعف، في ظل غياب إعلام مستقل قادر على إيصال الصورة الحقيقية.
وأشارت إلى أنه في سوريا مثلاً تشهد مناطق الشمال تضييقاً على الإعلام بسبب التوتر الأمني، كما أنه في ظل حكم نظام الأسد تعرض الصحفيون والمعارضون لانتهاكات جسيمة شملت الاعتقال التعسفي، التعذيب، والاخفاء القسري.
وشددت أفراح تاج الختم على ضرورة الضغط على الحكومات لتفعيل القوانين الوطنية والدولية التي تجرم العنف ضد النساء وتضمن حمايتهن وتزداد الحاجة في الوقت الراهن وبشكل عاجل لتطبيق القرارات الأممية المتعلقة بحماية النساء في النزاعات خاصة القرار (1325).
تعتيم إعلامي
وتخلق الحروب الكثير من الأزمات الإنسانية التي لا تُحظى بالاهتمام الكافي من وسائل الإعلام الدولية أو المجتمع الدولي التي ربما تكون بسبب التضييق الإعلامي واستهداف الإعلام، مما يساهم في استمرار الانتهاكات دون محاسبة.
ففي سوريا، تستمر المعاناة جراء القصف والنزوح، ويعاني المدنيون من انعدام الأمان والمساعدات، كذلك في السودان أدى الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى تدهور الوضع الإنساني بشكل كارثي، مع تقارير عن انتهاكات جسيمة ضد المدنيين، أما في غزة، فتدهور الأوضاع بسبب الحصار المستمر والتصعيد العسكري، الذي خلّف مأساة إنسانية طالت جميع مناحي الحياة.
بدورها ترى الناشطة السياسية والأستاذ الجامعية ومستشارة نفسية وداد مكي أن عدم تسليط الضوء على الانتهاكات في مناطق النزاع أمراً متعمداً وهو نتيجة مزيج من المصالح السياسية والإعلامية والاقتصادية وهذا الإهمال يؤدي إلى استمرار الانتهاكات بلا محاسبة وتظهر الحاجة الملحة لإعلام مستقل وضغط شعبي ودولي يجبر الكل على التحرك لنصرة الضحايا.
وتقول إن استخدام أجساد النساء كسلاح في الحروب هو جريمة إنسانية وأداة قمع مروعة تسعى لتدمير النساء والمجتمعات، لذلك يجب تعزيز العدالة الدولية وتمكين النساء وتقديم كل أشكال الدعم لهن لإعادة بناء حياتهن والمجتمعات التي تأثرت بهذا العنف الممنهج.
وأشارت إلى أنه في هذه المرحلة يجب مواجهة الانتهاكات التي تمارس على النساء في جميع الدول التي تشهد الحروب مثل السودان سوريا فلسطين وتضافر الجهود بين الشعوب والمؤسسات مع دور محوري للنساء في قيادة التغيير المطلوب ليس فقط رد فعل للانتهاكات بل بناء بيئة مستدامة تحمي النساء من جميع أشكال العنف وتعزيز حقوقهن عبر شبكات وحركات نسائية قادرة على الدفاع عن حقوقهن وبناء تضامن قوي بين النساء.
النساء الأكثر تضرراً
وتعتبر النساء الأكثر تضرراً أثناء الحروب، فحياة المرأة أثناء الحرب أضحت أكثر من سيئة حيث أصبح انتهاكهن والتعدي عليهن هو مركز الحرب حيث تواجهن مخاطر متزايدة مثل النزوح، العنف الجنسي، فقدان العائل والاختطاف والعديد من الانتهاكات.
وأكدت المديرة الإقليمية للمبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الإفريقي هالة الكارب على أن النساء في السودان تعانين من الاغتصاب الجماعي في ولايات الجزيرة، الخرطوم، كردفان ودارفور، إضافة للاسترقاق والعمالة القسرية.
وأرجعت ضعف الدعم للمجموعات النسائية وغياب جهود الحماية إلى ضعف التمويل، لافتةً إلى أن صندوق الأمم المتحدة للسكان الذي يعمل في الصحة الإنجابية يعاني أكثر من ٧٠% منه نقص في التمويل وبالتالي تعاني النساء الحوامل وضحايا العنف من غياب الخدمات الصحية.
وذكرت أنهن كمنظمات نسوية تعملن في ظل ظروف غاية في التعقيد مع تجاهل تام لأوضاع النازحات من مواقع الصراع ومناطق سيطرة قوات الدعم السريع التي تنعدم فيها الخدمات والعون الانساني والحماية.
أما أميرة عثمان رئيسة مبادرة لا لقهر النساء، فترى أن المنظمات النسائية تواجه تحديات كبيرة في مناطق النزاع مثل سوريا والسودان بسبب ضعف التمويل والدعم الدولي الذي يركز غالباً على الإغاثة الإنسانية المباشرة مثل الغذاء والمأوى، مع إهمال دعم قضايا النساء وتمكينهن.
ووثقت بعض المنظمات الانتهاكات التي تتعرض لها النساء في الحروب مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية والأمم المتحدة ما ساهم في تسليط الضوء على تلك الجرائم عالمياً، حيث تشير التقارير الأممية إلى مئات الحالات الموثقة من العنف الجنسي، مع احتمالية أن تكون الأعداد الحقيقية أكبر بكثير بسبب القيود الاجتماعية والخوف من الوصم.