العنف السياسي ومحاولة كبح دور المرأة السياسية بتونس

ارتفعت مخاوف التونسيات بعد تصاعد لهجة وأشكال العنف في الفترة الأخيرة، خاصة منسوب العنف السياسي الذي عكسه تبادل الاتهامات بين العديد من الأحزاب والشخصيات والكتل البرلمانية والتي وصلت إلى حد الاعتداء الجسدي أحياناً

زهور المشرقي
تونس-.    
وتصاعدت وتيرة الاحتجاجات والبيانات المنددة بالعنف بشتى أنواعه خاصة بعد الاعتداء على برلمانيات مؤخراً من قبل نواب من "ائتلاف الكرامة"، هذه الأفعال هددت بقطع الخيط الرفيع الذي يفصل بين التنافس السلمي والسقوط في مربع العنف.
وكانت جمعية النساء الديمقراطيات قد دعت النيابة العمومية إلى التدخل والتكفل بحادثة العنف التي تعرضت لها النائبة عبير موسي مؤخراً، على يد زميلها النائب سيف الدين مخلوف والتي "ترتقي إلى جريمة يعاقب عليها القانون". 
وأصدرت بياناً بهذا الخصوص قالت فيه "أنه بات من الصادم اليوم أننا في بلد يتحول فيه وباء العنف، وخاصة العنف ضد النساء إلى سياسة دولة، وملف للمقايضة السياسية والمبايعة الحكومية، مما وفر أرضية مناسبة لينتعش العنف وتنتهك كرامة النساء في كل الأوساط". 
وما يزال تعنيف النساء السياسيات موضوع الحديث في تونس فقد قالت السياسية التونسية والمرشحة للانتخابات الرئاسية السابقة، الدكتورة ليلى الهمّامي، في حديث مع وكالتنا، عن تجربتها المريرة بعد تعرّضها للعنف السياسي والتنمّر خلال ترشحها كونها امرأة، "أنا واحدة من مجموعة من النساء اللاتي تعرضنَّ لأقسى درجات العنف السياسي بدءً بمحاولات شيطنتي وتشويهي ومحاصرتي إعلامياً وعبر وسائل التواصل الاجتماعي وكذلك الصحف، وصولاً إلى مقتل أبي وإحراق بيتي بالكامل ...". 
ليلى الهمّامي روت تجربتها الصعبة بكثير من الألم، مردفةً "وصل العنف درجة تهديدي بالقتل والتنكيل بجثتي، ثم دعوة مليشيات سياسية إلى الاغتصاب الجماعي لي، باستعمال عبارات كـ يجوز قتلها والتنكيل بجثتها، ننتظر قدومك إلى المطار لنغتصبك جماعياً، ومن المؤسف أن التحقيق الجنائي في القضايا التي رفعتها ضد العنف، لم تصل إلى أية نتيجة، ووقف الملف عند الفرقة الرابعة بالعوينة بتونس العاصمة".
وألقت السياسية التونسية باللوم على طبقة سياسية بائدة كما وصفتها "الشعب لا يرفض المرأة كسياسية، بل على العكس تماماً، تراه منفتحاً على كل ما هو جديد وربما كان حلمه أن تكون امرأة على رأس الدولة على غرار عدة نساء أوروبيات، المشكلة تكمن في طبقة سياسية بائدة تعتقد أن السياسة حكر على عائلات بعينها، وأن المرأة لا يمكن إلا أن تكون ديكوراً يجمّل به برلمان أو تزيّن به الحكومة عبر وزارتي المرأة والسياحة في حين تُمنع من وزارات السيادة وترؤس الحكومة والدولة".
وبحسب ليلى الهمّامي، تظل المرأة في نظر الطبقة السياسية الراهنة المرفوضة أصلاً من الشعب، امرأة إما تزيّن المشهد بغرض الإيهام بتحقيق الديمقراطية، والحريات، وإما هي امرأة لا أنوثة فيها... امرأة مسترجلة، متشبهة في هيئتها وصوتها ولباسها بالذكر.
وعبرت عن قناعتها بأن المرأة السياسية في تونس أنثى جميلة بفكرها وذوقها وأسلوبها، مثقفة منفتحة، متطورة في طريقة تفكيرها، واعية بالتحديات التي تواجه الشعب التونسي رجالاً ونساء وأُسَراً، وهذه المرأة لم يحن الوقت لبروزها وتألقها؛ بسبب العنف الذي تمارسه الطبقة السياسية الحالية ضد التجديد والتطور والانفتاح.  
أما النائبة السابقة في البرلمان والمثقفة التونسية، فاطمة المسدّي، فقد دعت، إلى محاسبة بعض النواب من "ائتلاف الكرامة" ووضع حد لعقلية التعالي وإهانة المرأة التونسية خلافاً لمبادئ وبنود الدستور التونسي، الذي يجرم الترويج للخطاب المتطرف، والعنف المعنوي وهو ما تجلى واضحاً في مداخلة للنائب محمد العفّاس، حين قال في جلسة بالبرلمان "دولتهم هي من خلّفت المواخير... نماذج المرأة عندهم الزوجة الخائنة، والطالبة اللعوب، والبنت العاقّة والشغالة المتحرشة، هم يدافعون عن عمى عن مجلة الأحوال الشخصية ويقولون عنها خطاً أحمر، ونحن ندافع عن بصيرة عن أحكام رب العالمين ونعتبرها خطا أحمر. هم أرخصوها والإسلام أكرمها... مشاكل الأسرة والطفولة من مخلفات فهمهم المشوّه للمرأة والأسرة... مأوى العجزة ودور المسنين التي ترعونها نسميها نحن مراكز العقوق (…) فسحقاً لهم بما يريدون ولتسقط ترّهات العلمانية والبورقيبية ولتحيا أحكام رب العالمين".
واعتبرت أن تصريحات العفّاس تنضح بحقد وإهانة للمرأة في خرق للدستور، وبرغم ذلك لم يتخذ البرلمان قرارات "تأديبية" ضد المدعو العفّاس.
واعتبرت السياسية التونسية أنّ هذه التصريحات في ظل غياب العقاب من مؤسسة سيادية فتحت الباب على مصراعيه لتجاوزات النواب وانفلات العنف ضد المرأة السياسية، مؤكدة "كامل التعاطف والتضامن مع كل النساء المعنفات والمتضررات، والعزم على التصدي لهذه الممارسات التي ترمي إلى إخماد صوت المرأة المعارضة وترذيل العمل السياسي للحيلولة دون انخراطها في الشأن العام لتكريس مشروعهم المجتمعي الرجعي المتخلف".
وأضافت أن "هدفهم من العنف سياسي، وهو إسقاط مجلة الأحوال الشخصية ومساعي الدولة إلى إرساء المساواة بين الرجل والمرأة، وقد نددت كل المنظمات والجمعيات والأحزاب بهذا العنف، وبرغم ذلك لا يزال بعض النواب يمارسون العنف ضد المرأة في تحدٍّ لكل الضوابط الدستورية".
وختمت بالقول "رغم أننا كنساء برلمانيات قمنا بالعديد من الانجازات ومنها قانون مكافحة العنف ضد المرأة لكن التنفيذ بقي هزيلاً لهذا القانون، ولذا يجب علينا التضامن والاتحاد في هذه المسألة التي هي جوهر المعركة بين الحداثة والرجعية وبين الدولة المدنية والدولة الإخوانية". 
أما الصحفية والمذيعة بإذاعة "شمس أف أم" المحلية، وصال الكسراوي، فأرجعت العنف ضد المرأة في تونس إلى سيطرة العقلية الذكورية، مشيرة إلى أن المرأة السياسية ليست مستثناة من ذلك العنف. وأضافت أن "ما زاد الطين بلة هو عجز التشريعات عن حماية النساء المعنفات وردع الذكور العنيفين، إضافة إلى وجود حاضنة تبرر جريمة العنف ضد النساء".
بدورها لفتت الصحفية الاستقصائية التونسية، سوسن الزغواني، إلى أن التشنج الذي حصل في البرلمان مؤخراً كشف الواقع على حقيقته، موضحة أن المعارك التي وقعت وهمية وهدفها الحقيقي إلهاء الشعب التونسي عن مطالبه الحقيقية، في ظل أزمة اقتصادية خانقة زادتها جائحة كورونا تأزماً.
وعبّرت عن أسفها لكون العنف السياسي ضدّ النساء أصبح لغة تواصل، واستراتيجية لفرض أراء معينة وسياسيات وتوجهات أشخاص، وهو أخطر أنواع العنف.
وختمت بالقول "إن العنف ظاهرة اجتماعية خطيرة ولكنه قد يتطور إلى ثقافة عنفية وهي أخطر مرحلة، ويحتاج المجتمع بالفعل إلى ثقافة مضادة لكي يتم الحد منه وقد لا يحتاج الوضع إلى قوانين بقدر ما يحتاج إلى ثقافة بديلة".