العنف المسلط ضد المرأة السياسية في تونس

ساهمت الـمرأة التونسية في مختلف المحطات النضالية سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً

زهور المشرقي
تونس ـ ، وكانت رمزاً للنضال والمثابرة في الدفاع عن القضايا المجتمعية منذ حقبة الاستعمار وصولاً إلى الحراك الثوري ما قبل 14 كانون الثاني/يناير 2011.
تسعى تونس إلى ضمان تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في تحمل مختلف المسؤوليات وفي جميع المجالات بغاية تحقيق التناصف بين الجنسين، وهو ما نص عليه الفصل 46 من الدستور التونسي الذي يؤكد على تعزيز مبدأ التكافؤ والالتزام بحماية الحقوق المكتسبة للمرأة، والعمل على توفير الدعم بغرض التطور والارتقاء.
وبحسب المشرّع التونسي فإن النّساء مثل الرجال يحق لهنّ الترشح والانتخاب، حيث يساوي القانون في تحديده لشروط الترشح لعضوية مجلس النواب بين النسب للأم والنسب للأب.
وبرغم ذلك تظل مشاركة التونسية في العمل السياسي ضعيفة، إذ ترشحت امرأتان فقط في الانتخابات الرئاسية السابقة ضمن 26 مترشحا من الرجال، وقد كان عدد النساء المترشحات في رئاسة القائمات محدوداً أيضاً، ما أدى إلى تراجع تمثيلية النساء في البرلمان إلى نسبة 23 بالمائة مقابل 36 بالمائة في البرلمان السابق.
وظل قطاع السياسة مهيمَنا عليه في الغالب من قبل الرجال، كما هو الحال في أماكن العمل بقطاعات أخرى، إلا أن مشاركة النساء في البرلمانات والمجالس المنتخبة والهيئات الحكومية والأحزاب السياسية في تصاعد في العالم بصفة عامة وفي تونس بصفةٍ خاصة، حيث تواصل التونسية تحدي المعايير "الجنسانية التقليدية" التي ساهمت في إقصائها عن السياسة.
والمتابع للشأن السياسي في تونس، يلاحظ أن العنف ضد المرأة في السياسة هو عنف جسدي ونفسي وحتى مادي، وقد ارتفع بشكل تدريجي خلال السنوات الأخيرة، فبرغم تعرّض الرجال أيضاً إلى العنف في السياسة، إلّا أن العنف ضد النساء هو عنف قائم على الجنس حيث يُستهدفهن بسبب جنسهن، مثل التعليقات الجنسية أو التحرش والعنف الجنسي.
ويشكل العنف ضد النساء في السياسة انتهاكاً لحقوق الإنسان، كما أن عرقلة مشاركة النساء في السياسية هي أيضاً انتهاك لهذه الحقوق.
وبرغم هذا الضعف في الإقبال والمشاركة في مراكز القرار، الذي يعيده مختصون اجتماعيون إلى خشيتها من المعاملة السيئة في مراكز القرار والمسّ من كرامتها، إلا أن نسب العنف المسلطة ضد المرأة السياسية في تونس بات مخيفاً ومقلقاً للغاية، وقد أطلقت الجمعيات النسوية والمجتمع المدني صرخة لوضع حدٍ لهذه الظاهرة التي مسّت السياسيات التونسيات وخاصة في الآونة الأخيرة.
ودعت الجمعيات إلى العمل والسعي للتصدّي لكافة أشكال العنف السياسي المسلّط على المرأة، سواءً في البرلمان أو الأحزاب أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي تُنتهك فيها خصوصيات المرأة السياسية ويُباح فيها شتمها والتعدي عليها.
وكانت جمعيات نسوية تونسية قد أطلقت حركة "أنا أيضا" الرائدة، ومبادرة "حان الوقت" المشابهة، اللتين ساهمتا في اختراق المواضيع المحظورة وإثارة حوار غير مسبوق حول التمييز الجنسي والمضايقة والعنف الذي تعاني منه العديد من النساء في حياتهن المهنية سيما السياسية.
وفي هذا الصدد تطرقت الناشطة المدنية، إنصاف ضيف الله، في لقاء مع وكالتنا، إلى سعي بعض النائبات في البرلمان التونسي إلى ضرب بعضهن البعض بسبب الاختلاف في الإيديولوجيات، لافتة إلى أن هذا السلوك من شأنه أن يشجع الرجال على الغطرسة والتنافس غير البريء.
وأكدت على أهمية تأطير المرأة في المواضيع المتعلقة بحقوق الإنسان أو أي مجال آخر، ومعاملتها على قدر المساواة مع الرجل والإيمان بقراءاتها ومشاريعها، داعية إلى التحلّي بالحنكة في اختيار حججها عند الحوار والمحاججة، حتى تتجنب العنف المسلط عليها.
من جهتها، ترى الأكاديمية المختصة في الإعلام والاتصال الدكتورة سلوى الشرفي، في تصريح لوكالتنا وكالة أنباء المرأة (NUJINHA)، أن العنف لا يمس المرأة السياسية فقط، بل يمس كل السياسيين بغض النظر عن الجنس، وقد يبدو العنف اللفظي تجاه المرأة أكثر سوقية بحكم النظرة الدونية للمرأة في كل المجتمعات.
وأوضحت سلوى الشرفي، أن هذا العنف المعمم في المجال السياسي دليل على عدم تمرس العقل التونسي على الديمقراطية المبنية فلسفتها أساساً على قبول الآخر المختلف ومنها احترام الرأي المعارض والالتزام بآداب المناقشة ومقارعة الحجة بالحجة، فنحن مازلنا نعيش على ثقافة الفلسفة الدينية التي تفرض احتكار الحقيقة وترى بالتالي كل معارض لحقيقتها كافراً يستحق القتل، وفق تعبيرها.
وختمت بالقول "من هنا جاء الداء، أما الدواء فيكمن في العمل على تغييره منذ التربية قبل المدرسية وبحملات في وسائل الإعلام وفي رسائل فنية، وبتجريمه بالقانون".
أما الصحفية ريم بن خليفة، المختصة في الاتصال السياسي والمهتمة بقضايا المرأة، فقد أشارت بدورها في حديث مع وكالتنا، إلى أن تنامي العنف السياسي بالأساس يعود إلى كون الفضاء السياسي لا يزال كَجُلّ الفضاءات، فضاءً ذكورياً بامتياز، وأبرز مثال على ذلك التمثيلية داخل مجلس النواب التي يفوق فيها عدد النواب الذكور عدد النساء، علاوة على الحقائب الوزارية والتعيينات على رؤوس كبرى المؤسسات الراجعة بالنظر للدولة، لافتة إلى أن العنف السياسي ضد المرأة السياسية ما هو إلا وجه من أوجه العنف عامة ومرده هيمنة العقلية الذكورية التي تسعى إلى إزاحة النساء من مواقع صنع القرار برغم أنه تم تجريم العنف السياسي بالقانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 المؤرّخ في 11 آب/أغسطس 2017، إلا أن ذلك لم يحدّ من الظاهرة.
وأضافت أن للعنف مظاهر عدة، منها اعتماد التشويه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومثال ذلك التحقير والتشبيه بالرجال في محاولة للإساءة، وتثبيت أفكار نمطية ناتجة عن ترسبات ثقافية واجتماعية، كما يضطلع الإعلام أيضاً بدور أساسي في التنميط ونشر العنف ضد النساء باعتماد برامج "شو" والبحث عن الإثارة، والهدف منه إحباط النساء ودفعهن إلى الاستسلام والتخلي عن معركة الحريات والمساواة. 
من جانبها، قالت المختصة في علم الاجتماع، صابرين عجرودي، في تصريح لوكالتنا، إن العنف بصفة عامة أصبح ظاهرة تنتمي إلى ثقافة التونسي وأساليب عيشه وتكمن الأسباب تحديداً في التنشئة الاجتماعية التي يتلقاها داخل العائلة والمدرسة وفي مختلف المؤسسات الأخرى، ومع تطور المجتمعات ساهمت العولمة بشكل كبير في تفشي ظاهرة العنف وذلك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي تتيح نشر ومشاركة المنشورات والفيديوهات التي تحتوي على مشاهد وألفاظ تحمل قدراً كبيراً من العنف، وغالباً ما يكون التفاعل معها بالضحك أو المشاركة فتنتشر بصفة كبيرة، وتتم مشاهدتها من قبل فئات مختلفة خاصة الأطفال، وبالتالي فإن وسائل التواصل الاجتماعي تساهم بطريقة أو أخرى في النظر إلى مختلف أنواع العنف كممارسة عادية "banalization" وتصبح ضمن ثقافة الفرد.
وأضافت "لازالت نسبة كبيرة من الأفراد داخل مجتمعنا متأثرة بالتقسيم الجندري للعمل ومن وجهة نظرهم لا مجال لوجود المرأة في مناصب أخذ القرار، ومهما توصلنا إلى قدر كبير من التطور المزعوم والتحرر الفكري عن القيود الاجتماعية والعادات والتقاليد إلا أن ما تعانيه المرأة السياسية اليوم ليس نتيجة فقط لاختلاف الفكر السياسي وإنما لرفض المرأة".
وختمت المختصة في علم الاجتماع صابرين عجرودي بالقول "أصبحت الحرية غطاءً لجميع أنواع العنف، حتى أن وسائل الإعلام أصبحت مصدراً للعنف ومساهماً بقدر كبير في العنف ضد المرأة السياسية خصوصاً مع انتماءاتها السياسية، حيث أصبح الفضاء الإعلامي مجالا للتحالفات السياسية والسب والشتم والثلب داخل برامج تدعي أنها برامج حوار سياسي، ليس هذا فقط فحتى البرامج الأخرى تقوم بعروض مضحكة (سكاتشات) مشوهة للمرأة السياسية، بما في ذلك العروض المسرحية للممثل التونسي "لطفي العبدلّي" والسينما والأفلام.
ظاهرة العنف ضد المرأة السياسية باتت تنذر بالخطر في تونس، حيث لا يتجسد العنف في ضربها أو إهانتها بل يتجسد أيضاً في مظاهر أخرى على غرار تغييبها عن الساحة السياسية والسعي إلى إقصائها، وتجلّى ذلك فيما حدث للنائبة عن الحزب الدستوري الحر عبير موسي.
وإلى جانب القوانين التي تجرم العنف بكل أشكاله، تدعو الضرورة إلى محاربة هذه الظاهرة ببعث ثقافةٍ جديدة تساهم في ترسيخها منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان والتعليم والإعلام، إلى جانب التطبيق الصارم للقانون.
وتوضح القاضية نجلاء بن رمضان، في تصريح لوكالتنا أيضاً، أن القانون عدد 58 لسنة 2017 يتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة ويشمل كل أشكال التمييز والعنف المسلط على المرأة القائم على أساس التمييز بين الجنسين مهما كان مرتكبوه وأيّا كان مجاله.
واعتبرت أن الالتزام بتطبيق هذا القانون من شأنه أن يحيط بوضعية المرأة ويضمن لها حقوقها ويحميها من مختلف أشكال العنف المسلط عليها.