المرأة الجزائرية والسياسة... بين المناصفة والتحديات

رغم الجهود المبذولة لتعزيز التمكين السياسي للمرأة الجزائرية من خلال قوانين المناصفة، إلا أن النتائج الأخيرة للانتخابات تُظهر غياباً تاماً للمرأة عن المشهد البرلماني، مما يثير تساؤلات حول فعالية هذه الآليات وسبل تحسينها.

رابعة خريص

الجزائر ـ أثارت النتائج المؤقتة لانتخابات تجديد نصف أعضاء مجلس الأمة المنتخبين في الجزائر جدلاً واسعاً حول قضية التمكين السياسي للمرأة، رغم تبني مبدأ المناصفة في القوائم الانتخابية منذ سنوات، ما لفت الانتباه حول فعالية نظام المناصفة الحالي، ومدى الحاجة إلى إصلاحات قانونية ومجتمعية تعزز دورها وتمثيلها بشكل عادل ومستدام.

تبنت الجزائر مبدأ المناصفة في عام 2021 عبر قانون الانتخابات الجديد، الذي فرض إلزامية المناصفة بين الجنسين في القوائم الانتخابية المقدمة من قبل الأحزاب السياسية أو الائتلافات أو المستقلين، وهذا النظام يختلف جذرياً عن نظام "الكوتا" الذي كان معمولاً به خلال العقدين الماضيين، والذي كان يضمن للمرأة الجزائرية ثلث المقاعد في كل ولاية، وبالتالي تحقيق نسبة تمثيل ثابتة في البرلمان.

وهو ما أثار جدلاً حول مدى قدرته على تحقيق مشاركة فعلية، ففي الانتخابات الأخيرة لتجديد نصف أعضاء مجلس الأمة التي أجريت في التاسع من آذار/مارس، لم تفز أي مرشحة بمقعد، مما أعاد فتح النقاش مُجدداً حول قضية التمكين السياسي للمرأة وفعالية مبدأ المناصفة.

فرغم أن قانون الانتخابات الحالي يفرض المناصفة في القوائم الانتخابية، إلا أنه لا يضمن للمرأة بالضرورة الحصول على مقاعد محددة في البرلمان، وقد أثبتت التجربة العملية أن لنظام المناصفة تأثيرات إيجابية وسلبية، وهو ما أكدته الدكتورة إليمي سعدية، نائبة رئيس لجنة الصحة والنظافة وحماية البيئة بالمجلس الشعبي الولائي "من المعروف أن المرأة الجزائرية بدأت تدريجياً في دخول الحياة السياسية من خلال نظام الكوتا الذي كان معمولاً به سابقاً، وصولاً إلى نظام المناصفة الحالي، والذي يحمل في طياته تأثيرات إيجابية وسلبية"، مشيرةً إلى أن التطبيق الشكلي لهذا النظام قد يؤدي إلى تهميش دور المرأة بدل تمكينها الفعلي في مراكز صنع القرار.

وأوضحت أنه "عند الحديث عن المرأة والسياسة في الجزائر، لا بد من تسليط الضوء على كيفية مشاركة المرأة في العمل السياسي وكيف تمكنت من إثبات وجودها في الساحة السياسية". 

ولفتت إلى أن عدم نجاح نظام المناصفة في المجالس المنتخبة يعود إلى عدة عوامل، منها التطبيق الشكلي بدلاً من التمكين الفعلي، بالإضافة إلى غياب التأهيل والدعم اللازم للمرأة، كما أن العقلية المجتمعية والتقاليد تلعب دوراً كبيراً في الحد من مشاركة المرأة، حيث لا يزال المجتمع الجزائري بحاجة إلى رفع مستوى الوعي بأهمية تمكين المرأة من دخول المجالس المنتخبة "التطبيق الشكلي قد يؤدي أحياناً إلى عدم تمثيل المرأة في مراكز صنع القرار بشكل حقيقي، وإذا نظرنا إلى هذه السلبيات، فقد نفكر في العودة إلى نظام الكوتا، ولكن قبل ذلك يجب أن نتساءل، هل نسعى فقط إلى تمثيل عددي للمرأة، أم إلى مشاركة فعلية وحقيقية لها في مواقع صنع القرار؟". 

في عام 2020، تم تعديل قانون الانتخابات في الجزائر، حيث تم التخلي عن نظام "الكوتا النسائية" لصالح نظام المناصفة، ومع ذلك، لم تكن النتائج مشجعة؛ ففي الانتخابات البرلمانية التي أجريت في حزيران/يونيو 2021، حصلت النساء الجزائريات على 34 مقعداً فقط من أصل 407 مقاعد نيابية، رغم ترشح أكثر من 8 آلاف امرأة ضمن قوائم حزبية أو مستقلة، هذه الأرقام تعكس تحديات كبيرة تواجه المرأة الجزائرية في تحقيق تمثيل سياسي فعّال، مما يستدعي إعادة النظر في آليات التطبيق ودعم المرأة بشكل أكبر لتحقيق أهداف المناصفة.

وقد أثارت هذه النتائج تساؤلات حول الحلول المناسبة لتحسين تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة، بما في ذلك إمكانية العودة إلى نظام "الكوتا" الذي أقره الدستور الجزائري لعام 2008 ونظمه القانون الانتخابي لعام 2012، وقد أشارت إليمي سعدية إلى أن نظام "الكوتا" النسائية يحمل جوانب إيجابية وسلبية، معتبرةً أنه يمكن أن يكون حلاً مرحلياً لضمان تمثيل النساء داخل القوائم الانتخابية والمجالس المنتخبة، ومع ذلك، أكدت أن الهدف الأساسي يجب أن يكون تمكين المرأة من المنافسة على أساس الكفاءة والاستحقاق، وليس فقط تحقيق تمثيل عددي.

ولتمكين المرأة سياسياً، تقترح إليمي سعدية مجموعة من الآليات التي تهدف إلى تعزيز مشاركتها الفعالة في الحياة السياسية، تشمل هذه الآليات تعزيز تكوين المرأة وتدريبها على القيادة السياسية، مما يساهم في تأهيلها لتولي المناصب القيادية بفعالية، بالإضافة إلى تمكينها من شغل مناصب قيادية داخل الأحزاب السياسية، مما يعزز دورها في صنع القرار، مشددةً على دور الإعلام في تسليط الضوء على النماذج النسائية الناجحة في السياسة، بهدف إلهام الأجيال القادمة وتعزيز الثقة في قدرات المرأة.

وفيما يتعلق بمشروع قانون الأحزاب الجديد الذي طرحته الحكومة الجزائرية للنقاش، أشارت إليمي سعدية إلى أن المشروع يتضمن بنوداً تهدف إلى تعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية، يلزم القانون الأحزاب بتخصيص نسبة محددة من النساء داخل هياكل الحزب، مع إدراج هذه النسبة في القوانين الأساسية للأحزاب، معتبرةً أن الحل الأمثل لتمكين المرأة سياسياً يكمن في مراجعة القوانين والتشريعات، مثل البنود التي تضمنها مشروع قانون الأحزاب، والتي تهدف إلى تعزيز المشاركة الحقيقية والفعلية للمرأة الجزائرية في السياسة، من خلال تخصيص نسب محددة للنساء داخل هيكل الأحزاب وإدراجها في القوانين الأساسية.

وأضافت "كامرأة سياسية، أرى أن هذا التوجه يمثل خطوة إيجابية نحو تعزيز حضور المرأة في التمثيل السياسي ومراكز صنع القرار ومواقع النفوذ. فقد شهدت مؤخراً انتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة، التي سلطت الضوء على أهمية هذه المبادرات".

والجدير ذكره أن المشروع الجديد جاء ليكرس الحقوق السياسية للمرأة والشباب، تطبيقاً لما نص عليه دستور 2020، حيث يلزم القانون الأحزاب السياسية بتحديد نسب تمثيلية للنساء والشباب داخل مختلف أجهزة وهياكل الحزب، مع إدراج هذه النسب في القوانين الأساسية، مما يعزز دورهم في الحياة السياسية.