الكوتا النسائية... خطوة مهمة لإنهاء تهميش المرأة سياسياً(1)

تشكل الكوتا النسائية التي انطلقت منذ بداية ستينيات القرن العشرين تغييراً إيجابياً في مجال حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين

الكوتا النسائية تفعيل لدور المرأة سياسياً

مركز الأخبار ـ ، ولا يمكن إنكار محاسن نظام الكوتا ومساهمته في إشراك النساء بكافة المجالات وأبرزها المجال السياسي.
اقترح نظام الكوتا النسائية خلال المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بكين عام 1995، كآلية يمكن استخدامها كحل مرحلي لمشكلة ضعف مشاركة المرأة في الحياة السياسية وعزوف الكثير من النساء عن المشاركة في السياسة ومراكز صنع القرار، بسبب التهميش المستمر من قبل الذهنية الذكورية منذ مئات السنين.
تعتبر الكوتا النسائية نظام انتخابي يساعد المرأة في التغلب على العوائق التي تحد من مشاركتها السياسية ويمنح المرأة حصصاً نسبية معينة عبر تخصيص مقاعداً لها في المجالس التشريعية والتنفيذية والتنظيمية كافةً ليتسنى لها مناقشة قضاياها وإشراكها في عملية التنمية وإيصالها إلى البرلمان ومواقع التشريع والتنفيذ وصناعة القرار. 
البداية كانت من الأقلية السوداء 
بدء تطبيق نظام الكوتا المرتبط بـمصطلح "التمييز الإيجابي" لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية لإشراك الأقلية السوداء في الحياة السياسية وإنهاء سياسة التمييز العنصري الممارس ضدهم، نتيجة لنضال حركة الحقوق المدنية التي تتصل بالأقلية السوداء في ستينيات القرن الماضي.
رغم نضال نساء الأقلية السوداء المهمشة لتحصيل حقوقهن في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات إلا أنه تم تجاهل مطالبهن عندما بدأ تطبيق التمييز الإيجابي للأقلية السوداء واللاتينيين والنساء البيض على عدة أصعدة منها الإداري والمهني والتقني، ولم يكن للدولة أي خطط بالنسبة للنساء السوداوات لإشراكهن في الحياة السياسية، ونتيجة لاستمرار نضال الأقلية السوداء وتطبيق التمييز الإيجابي تم إشراكهم في كافة المجالات فيما بعد. 
وبعد نجاح تجربة السود وجدت الحركات النسوية أن نظام الكوتا قد يساعد على إشراك النساء في الحياة العامة والسياسية بشكل أكثر جدية رغم أن النساء لسن أقلية، ولتشجيعهن على الانخراط في السياسة باستخدام تمثيل محدد لهن في البرلمانات والمؤسسات الحكومية وتكوين تجارب عملية ليصبح وجود المرأة طبيعياً ومقبولاً لدى المجتمع والمرأة على حد سواء من خلال الدعوة لعقد سلسلة من المؤتمرات الدولية حول المرأة ومنها مؤتمر المكسيك عام 1975.
دور المعاهدات والاتفاقيات المتعلقة بالمرأة
تم اعتماد اتفاقية الحقوق السياسية للمرأة من قبل أمين عام الأمم المتحدة "داغ همرشولد" في نيويورك بتاريخ 31 آذار/مارس 1953، وتعتبر هذه الاتفاقية الأولى في القانون الدولي التي تهدف إلى تقنين المعايير الدولية والاعتراف بالحقوق السياسية للمرأة من خلال نظام الكوتا النسائية. 
وشكل تبني الأمم المتحدة لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "CEDAW" عام 1979، محطة فاصلة في سياق العمل من أجل المساواة بين الرجل والمرأة، والذي بدأت به الحركات النسوية العالمية منذ ثلاثينيات القرن الماضي، حيث تنص هذه الاتفاقية على اقتناع الدول الأطراف بأن التنمية التامة والكاملة لبلد ما ورفاهية العالم وقضية السلم، تتطلب أقصى مشاركة ممكنة للمرأة، على قدم المساواة مع الرجل في كافة الميادين.
ترفض سيداو أول معاهدة لحقوق الإنسان كافة أشكال التمييز ضد المرأة، وتضع برنامجاً للعمل الوطني لإنهاء التمييز في كافة الدول الموقعة عليها من خلال استهدافها الثقافات والعادات والتقاليد التي تؤثر بشكل سلبي على شكل ودور المرأة في الحياة الاجتماعية والعلاقات الأسرية وانخراطها في السياسة.
كما ودعا برنامج عمل النهوض بالمرأة إلى تخصيص نسبة لا تقل عن (30%) لتمثيل النساء في هيئات صنع القرار، معتبراً تلك النسبة حركة لابد من تحقيقها كي تكون مشاركة النساء فاعلة وذات معنى.
إضافة إلى أن مواثيق حقوق الإنسان منحت النساء والرجال الحق في التصويت والترشح في كافة الانتخابات، وهو حق أساسي من حقوقهم السياسية، وأهم هذه المواثيق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
واستعرض المؤتمر الرابع للمرأة المنعقد في بكين عام 1995 التقدم الحاصل في مجال النهوض بالمرأة مستنداً إلى مؤشرات كمية محددة اقترحتها جمعية الأمم المتحدة، واعتمد المؤتمر وثيقة "إعلان وبرنامج بكين"، التي تتضمن (12) هدفاً استراتيجياً للنهوض بالمرأة على كافة الأصعدة، إذ دعا المؤتمر الحكومات والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق أهدافها في مجال الحقوق السياسية للمرأة، وضمان دور فاعل لها في صياغة وتنفيذ السياسات العامة.
أنواع الكوتا النسائية الانتخابية
تنقسم الكوتا النسائية الانتخابية إلى عدة أنواع، منها "الكوتا القانونية" أو ما تعرف بالكوتا الدستورية أو التمثيلية أو التشريعية، التي يتم من خلالها تخصيص نسبة محددة من المقاعد في المجالس التشريعية للنساء بموجب نص دستوري أو قانوني، ويعتبر الدستور القانون الأعلى في الدولة ولا يمكن تغييره بأية قوانين، وهي إلزامية على الحكومات والأحزاب، كما في الدستور العراقي الذي ينص على أن نسبة (25%) من المقاعد تكون مخصصة للنساء في مجلس النواب.
وفي حال عدم التزام الأحزاب والحكومات بنص الدستور أو القانون الذي يحدد الكوتا القانونية تتعرض لمخالفات يحددها القانون، وتتنوع ما بين استبعاد المرشحين واستبعاد الحزب السياسي المخالف.
أما النوع الثاني من الكوتا فهي "الكوتا الترشيحية"، التي تجبر الأحزاب السياسية على ترشيح نسبة محددة من النساء في قوائمها مثلما هو الحال في الأرجنتين التي تعتبر أول دولة في العالم تطبق هذا النظام منذ عام 1991.
وطبقت فلسطين أيضاً نظام الكوتا الترشيحية حيث نصت المادة الرابعة من قانون انتخاباتها لعام 2005 على أنه "يجب أن تتضمن كل قائمة من اللوائح الانتخابية النسبية أي "القوائم" حداً أدنى لتمثيل المرأة، لا يقل عن امرأة واحدة من بين كل من: 1ـ الأسماء الثلاثة الأولى في القائمة. 2ـ الأربعة أسماء التي تلي ذلك. 3ـ كل خمسة أسماء تلي ذلك".
ويسمى النوع الثالث من الكوتا بـ "الكوتا الطوعية" أو الحزبية، وهي التي تتبناها الأحزاب على لوائحها دون وجود نص قانوني ملزم وتطبقها طوعياً، ولا ترتبط مبادرة الحزب تبني نظام الكوتا بأنظمة أو تشريعات محددة، مثلما هو الحال في العديد من الدول الاسكندنافية مثل السويد والنرويج.
وبحسب تقديرات قاعدة البيانات العالمية للكوتا النسائية الحزبية الخاصة بالمؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات لعام 2010، أن 101 حزب في 53 دولة حول العالم يستخدمون الكوتا النسائية الحزبية.
طرق تطبيق الكوتا النسائية 
يتطلب تطبيق نظام الكوتا النسائية إلزام الأحزاب السياسية بتخصيص مقاعد للنساء في مستوياتهم التنظيمية كافةً، فهناك عدد محدد من المقاعد في مجلس النواب يتم شغلهن من قبل النساء، بحيث لا يجوز أن يقل عدد هذه المقاعد عن النسبة المقررة قانوناً أي هناك حصة نسائية محددة لابد شغلها من قبل النساء، ويتم تطبيقها بأشكال مختلفة في كل دولة. 
فهناك عدة أشكال لتطبيق نظام الكوتا، منها "الكوتا المغلقة" التي تحدد مقاعد مخصصة للنساء، إلا أنه لا يحق لهن الترشح خارج هذه المقاعد المخصصة، أما "الكوتا المفتوحة" تمكن المرشحات أن تخترن ما بين أن ترشح على نظام الكوتا المحددة للنساء أو خارجها، وبالنسبة "لكوتا الحد الأدنى" فهي تفتح إمكانية زيادة عدد النساء الفائزات في الانتخابات عن الحد المقرر، بينما "كوتا الحد الأعلى" فيحدد الحد الأقصى لمقاعد النساء، ولا تنجح الحائزات على أعلى الأصوات بين المرشحات، فبالتالي تبقى الحصة ثابتة.
وبحسب دراسات حول الكوتا وبحث التجارب النسائية في العديد من الدول، تم الاتفاق على أن أفضل تطبيق لنظام الكوتا هو نظام الحد الأدنى والمفتوح والتي يمكن أن تتراوح نسبتهما ما بين (10% و30%) تبعاً لكل دولة.
وتطبق هذه الأشكال للكوتا في عدة مواقع هامة لتمثيل المرأة، فمنها ما يطبق في المواقع القيادية أي في كل من "مفاصل أجهزة الدولة التنفيذية والتشريعية، الهيئات الاستشارية، القضائية واللجان التابعة لها"، كما تطبق في الهيئات القيادية للأحزاب والتنظيمات السياسية، وتطبق البعض منها أيضاً خلال الترشيح في الانتخابات العامة "الرئاسية، البرلمانية وفي المجالس المحلية"، بالإضافة إلى تطبيقها في قيادة الأنشطة السياسية والمدنية والمجتمعية.
أنظمة تخصيص مقاعد للمرأة في البرلمانات
يتم تعيين عدد من النساء في المناصب السياسية الرفيعة لتشارك في قرارات الدولة وصياغة الدستور خاصة عند سن قوانين متعلقة بالمرأة والعائلة وإيصال صوت المرأة من خلال تمثليها في الحكومة أو البرلمان وغيرها من المؤسسات.
وتختلف أنظمة الكوتا من بلدٍ لآخر، وتتواجد أربعة أنظمة رئيسية للكوتا النسائية التي توفر فرص لعدد من الفئات الأقل مكانة داخل المجتمعات من "النساء، الأقليات، وذوي الاحتياجات الخاصة"، النظام الأول هو ما يعرف بالحصة الدستورية ويخصص مقاعد للمرأة في البرلمان بموجب نص دستوري كما هو الحال في العراق وفرنسا.
أما النظام الثاني يتمثل بالحصة القانونية للبرلمان وتخصص فيه مقاعد للمرأة في البرلمان بنص في قانون الانتخابات، ويسمح كل من نظام الحصة الدستورية والقانونية بتنافس النساء على عدد أو نسبة من المقاعد المخصصة.
والنظام الثالث يخص حصة النساء في الأحزاب ويقضي بترشيح نسب محددة من النساء في لوائح انتخابات المجالس المحلية أو البرلمانية، وبالنسبة للنظام الرابع فتسمى بالحصة الحزبية وتلتزم فيها الأحزاب بترشيح نسبة معينة في قوائمها، ويمكن للأخير أن يكون اختيارياً في سياق توافقي أو إجباري بموجب نص قانوني، كما هي الحال في ألمانيا.
وتستخدم العديد من الدول في بعض الأحيان أكثر من نظام للكوتا في الوقت ذاته، والكوتا التي لا تتطابق مع النظام الانتخابي في الدولة وينظر إليه على أنه نظام رمزي فقط.
(مالفا محمد)