الكوتا النسائية ...(7) أكثر من عقدين وما زال الجدل مستمراً

حظي نظام الكوتا النسائية باهتمام ملفت في مختلف دول العالم، والتي ‏ضمنتها في دساتيرها أو قوانينها الانتخابية

الكوتا النسائية... أكثر من عقدين وما زال الجدل مستمراً

مركز الأخبار ـ ، وتنامى اللجوء إليها في ظل التطورات التي طالت حقل الديمقراطية وحقوق الإنسان في العقدين الأخيرين، في ظل تأكيد الاتفاقيات على حق المساواة في المشاركة السياسية، إلا أنه تباينت الآراء حولها بين متحفظ ومعارض من جهة وبين مؤيدٍ لها من جهة أخرى.
 
أسباب اللجوء إلى الكوتا النسائية
أدت الصعوبات التي تواجه النساء خلال مراحل انخراطهن في المجال السياسي، إلى ضرورة تبني نظام الكوتا النسائية لتمكينيهن من المشاركة في العملية السياسية، وإيصالهن إلى مواقع صنع القرار والمشاركة في صياغة القوانين والتشريعات واتخاذ القرارات التي تهدف إلى تنمية المجتمع، فلجأت العديد من الدول إلى اعتماد نظام الكوتا النسائية لتفادي إقصاء المرأة من العمل السياسي.
تشير معظم الدراسات التي تتناول قضايا حقوق المرأة، إلى أن قدرة النساء أقل من الرجال في الحصول على حقوقها وخاصة المشاركة السياسية والوصول إلى مواقع صنع القرار، وتعزز تلك الدراسات هذا القصور إلى أسباب متعددة تختلف من بلد إلى آخر.
من المعوقات والقيود التي تواجه المرأة وتحد من وصولها إلى أهدافها، هي أن اللعبة السياسية والانتخابية في معظم دول العالم كانت وما تزال ذكورية في تقاليدها ومعتقداتها وقوانينها ومصادرها، مما يحد من قدرة المرأة على المنافسة ضمن الآليات والعمليات الانتخابية.
كما يعود سبب تهميش دور المرأة إلى عوامل منها الأعراف والتقاليد والقوانين المجحفة التي ما تزال تخضع للذهنية الذكورية المدعومة بفكر السلطة إضافة إلى جهل النساء بحقوقهن، وضعف ثقة المرأة بنفسها وقدراتها. 
بينت تجارب المشاركة السياسية للنساء في العديد من دول العالم، أن المرأة لم تتمكن من أخذ فرصتها الفعلية في زيادة نسبة مشاركتها السياسية إلا من خلال إقرار وتطبيق نظام الكوتا النسائية، ولم تعد المطالبة بتطبيق نظام الكوتا لضمان حقوق المرأة في المشاركة السياسية هدف الحركات النسوية في الدول النامية فحسب، بل أصبحت أحد أهم مطالب الحركات في الدول الغربية أيضاً نتيجة تراجع التمثيل النسائي فيها.
ويتم اعتماد نظام الكوتا النسائية التي قد اقترحت خلال المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بكين عام 1995 بنسبة (30%) كحد أدنى إما من خلال وضع نص دستوري يحفظ حصة النساء في المواقع المنتخبة أو بتعديل قانون الانتخابات، وفي معظم الأحيان تتبنى الأحزاب السياسية نسبة معينة من المرشحات بين مرشحيها.
 
الكوتا النسائية... بين التأييد والمعارضة
يرى فقهاء القانون الدستوري والعالمين به الذين يؤيدون مبدأ نظام الكوتا النسائية، أنها وسيلة من وسائل تمكين المرأة للحصول على عدد معين من المقاعد في السلطة التشريعية ما يزيد من فرصتها في الوصول إلى عدد مقاعد أكثر، وبخلاف المؤيدون يرى المعارضون تحديد عدد معين من المقاعد في السلطة التشريعية للنساء لا يحقق المساواة بين الجنسين التي أقرتها المواثيق والعهود الدولية والدساتير والقوانين الوطنية.
ويسند المؤيدون لنظام الكوتا تهميش المرأة في الحقل السياسي في الدول التي لم تعتمد على الكوتا النسائية إلى تفشي الأمية والعادات والتقاليد المناوئة لحرية المرأة ومساواتها بالرجل في مختلف المجالات.
ويعتبر المعارضون أن المرأة يمكنها أن تزيد مشاركتها في كافة مجالات الحياة متى ما استطاعت ذلك من خلال المنافسة إن كانت قادرة على ذلك.
ويعزز المؤيدون مواقفهم بمبررات ومرتكزات أساسية، أهمها أن النساء لديهن الحق كمواطنات التساوي في التمثيل مع الرجل، ويرون أن الكوتا وسيلة لتجاوز المرأة الحواجز والمعوقات العلنية منها والخفية والتي تختلقها الذهنية الذكورية، كمدخل للانتقال من الصيغة النظرية لتكافؤ الفرص إلى واقع ملموس.
كما أنهم يرونها خطوة لإنعاش المشاركة السياسية وفرصة لتجاوز البلاد ضعف التمثيل النسوي في السلطة التشريعية والمجالس المحلية، ويعتبرونه تعويضاً للمرأة عن التمييز السياسي الذي يطالها والذي يمثل ضعف تمثيلها أو انعدامه في المشهد السياسي بشكل عام.
فيما يعتقد المعارضون أن تحقيق المساواة وإنهاء التمييز السياسي ليست بتطبيق الكوتا، وإنما أساس تمكين المرأة ومساواتها بالرجل يكمن في التركيز على حل قضايا حقوق المرأة المعقدة ليصبح بمقدور المرأة المساواة بالرجل في كافة جوانب الحياة.
ويعزون حججهم إلى أن الكوتا تنتقص من حق المجتمع في اختيار من يمثله تبعاً لمبدأ الحرية الذي ينادي به الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي ينص في المادة 21 على أنه لكل فرد الحق في إدارة شؤون بلاده العامة، ويزعمون أن الكوتا تفرض المرأة على المجتمع ولا يترك للآخرين المجال لاختيار ما يريدونه.
ويشير المؤيدون إلى أن المرأة تظل بحاجة إلى تحفيز ودعم قانوني استثنائي مرحلي يسمح بتطوير الثقافة السياسية وتذليل العقبات التي لا تسمح بتكريس مشاركة فعالة للنساء من خلال مدخل الممارسة الديمقراطية المبنية على تكافؤ الفرص.
كما إن الكوتا النسائية تؤهل المرأة لتعزيز حضورها في مؤسسات صنع القرار وتحقيق المساواة الواقعية وتوفر الأجواء التي تسمح بانخراطها في تنافس على الكفاءة مع الرجل.
ولتحقيق المشاركة السياسية للمرأة لا بد من خوض النساء غمار السياسة من خلال الانخراط في كافة مجالات الحياة، والعمل للوصول إلى المناصب القيادية، ومراكز المسؤولية، والترشح وخوض الحملات الانتخابية، ويحتاج ذلك وضع برامج لتمكين المرأة وتدريبها على مواجهات التحديات، وعدم الركود من أول تجربة تفشل بها بل عليها أن تناضل مراراً وتكراراً لتصل إلى هدفها وتغيير المفاهيم السائدة المشككة في قدراتها وإمكانياتها.
بينما يزعم المعارضون أن المرأة تلجأ إلى نظام الكوتا لأنها لا تستطيع مواجهة الرجل في الانتخابات لقلة كفاءاتها ولذلك تحتاج إلى مساعدة القوانين لانخراطها في المعترك السياسي، ويتخوفون من أن هذه الخطوة قد تدفع قطاعات أخرى إلى المطالبة بالحصص مما يفقد العملية الديمقراطية شرعيتها ويثير إشكاليات عديدة عند تطبيقه ويفجر أزمات مجتمعية لا حصر لها.
ويدعو المؤيدون إلى تقليص الفجوة على صعيد الترشح والتصويت بين الجنسين، فالنظريات التقليدية فيما يتعلق بفجوة المشاركة بين الرجل والمرأة على صعيد الجنس في العملية الانتخابية تشير إلى أن الرجال دائماً ما يهيمنون على العملية الانتخابية بمعدلات أكثر من المرأة وهذا ما باستطاعة نظام الكوتا النسائية فعله، باعتبارها أداة سريعة وفعالة للتعامل مع مشكلة التمثيل الناقص للنساء في مراكز صنع القرار وهو يساهم في تشكيل كوادر نسائية مميزة في مجال العمل البرلماني.
ويرى المؤيدين أنه على المرأة أن تنتزع مقعدها البرلماني عن طريق إقناع الناخبين بشخصها وبرنامجها في معركة مفتوحة وليس عن طريق قرارات تعطيها ميزة على الرجال، كما أنهم يرون معظم النساء الحائزات على مقاعد في البرلمان بواسطة الكوتا هن على الأرجح غير مؤهلات لخوض غمار العمل السياسي أو النسائي وأنهن لا يتعاطين مع قضايا المرأة المطروحة في البرلمانات بالشكل المطلوب منهن باعتبارهن معنيات أكثر من باقي النواب في شؤون وقضايا المرأة.
ولا يضع المعارضون للكوتا في اعتبارهم الذهنية الذكورية المسيطرة على الانتخابات، فالناخب يفضل انتخاب الرجل لعدم ثقته بما ستقدمه المرأة والتقليل من شأنها، ثانياً يرفض المجتمع تقبل المرأة في العديد من المجالات وخاصة السياسية التي ينظر لها على أنها أكبر من عقل المرأة، لذلك يتوجب تغيير نظرة المجتمع من خلال إعطاء فرصة أكبر للمرأة لإثبات قدراتها وأهليتها، وسن قوانين متكافئة بين الجنسين، وحتى ذلك الوقت تبقى الكوتا حاجة ملحة بالنسبة للمرأة وللمجتمع الهادف للتطور.
ولا تزال المرأة تناضل وتكافح لنيل المساواة الجندرية في كافة مجالات الحياة وخاصة على صعيد المشاركة السياسية الكاملة وتطبيق مبدأ تكافؤ الفرص القائم على الكفاءة والتأهيل، ورفع نسب التمثيل التي ما زالت خجولة جداً إلى المناصفة عوضاً عن نسبة الـ (30%).