'الهجمات الإسرائيلية تمهّد لرسم الشرق الأوسط الجديد'
أكدت البروفيسورة نيكولا أشرف شالي، على أن وجود الهجمات المتبادلة ما بين إيران وإسرائيل زاد من الضغوط والمخاوف على تركيا، حيث تسعى الأخيرة بسرعة إلى إعادة بناء الدولة القومية، وتعمل على وضع دستور يمهّد لتدخلها في القضايا المتعلقة بالسلام.

هيلين أحمد
السليمانية ـ في ظلّ تصاعد التوترات الإقليمية وتزايد تعقيد الصراعات في الشرق الأوسط، تبرز المواجهة بين إسرائيل وإيران بوصفها بؤرة تحول استراتيجي تهدد بإعادة رسم خريطة النفوذ والسيادة في المنطقة.
الصراع المتصاعد بين إسرائيل وإيران قد دفع بمنطقة الشرق الأوسط إلى دائرة خطر كبير، يتمثل ذلك في تنفيذ عملية عسكرية متعددة المراحل، حيث أُنيطت الهجمات العسكرية بالولايات المتحدة، التي تولّت الجانب السياسي والدبلوماسي، بينما تم تفويض إسرائيل بالدور العسكري.
إسرائيل، وتحديداً ناتنياهو، لديه رغبة كبيرة في ضرب إيران وقوى المقاومة في المنطقة. تهدف كل من أمريكا وإسرائيل إلى تحييد القدرات النووية الإيرانية عبر هجمات مدمّرة، سعياً لتقويض البنية العسكرية والاستراتيجية الإيرانية بواسطة الطائرات المسيّرة.
أما ردود إيران على إسرائيل فتُشكّل رد فعل اضطراري لطمأنة شعوب المنطقة، من خلال تقويض الوجود الإسرائيلي، وبالفعل، ما يشهده الشرق الأوسط حالياً هو انعكاس لهذا الصراع، حيث تُنفّذ جميع الهجمات تحت مظلة السيطرة الأمريكية، في محاولة لإعادة رسم خريطة المنطقة بما يتماشى مع مصالحها، فأمريكا تسعى إلى محو الأيديولوجيات الثورية من المشهد الجديد للشرق الأوسط، وتفكيك الدول القومية فيه، بمعنى آخر، تسعى القوى الدولية إلى إعادة تشكيل المنطقة بطريقة تتناغم مع النظام العالمي، حيث يكون تنفيذ مشروع "الشرق الأوسط الجديد" بقيادة أمريكا وبما يحقق مصالح إسرائيل، كما أن طرح قضايا الهوية ومحاولة إعادة صياغة المجتمعات، بما فيها الكرد في المنطقة، قد يخدم هذه الأهداف الاستراتيجية.
الصراع على الهيمنة
تصف البروفيسورة والدكتورة نيكولا أشرف شالي المتخصصة في العلاقات الدولية، النزاع القائم بين إسرائيل وإيران بأنه صراع على الهيمنة، مشيرةً إلى أن التراجع الأمريكي في الشرق الأوسط، خاصة بعد تحويل الملف العراقي من البنتاغون إلى جهات خارج المنطقة، يُغيّر طبيعته من ملف أمني عسكري إلى ملف دبلوماسي سياسي.
وتقول أنه بهذا الأسلوب، تمكنت إيران من مدّ نفوذها إلى العراق والقوى المنتشرة في المنطقة، حيث بات لها حضور واضح في العراق وسوريا ولبنان، بل وحتى وصلت إلى فلسطين، ويُقال إنه رغم وجود القوى الإيرانية في المنطقة، إلا أن الضربات الإسرائيلية قد شلّت حركة إيران بشكل كبير، مشيرةً إلى أنه تم الاعتراف في تصريحات لخبراء وسياسيين إيرانيين، بأن غياب حرب مباشرة يُعتبر خياراً قسرياً، رغم أن إيران تُعدّ قوة نووية، لكن نتيجة قرارات مجلس الأمن الدولي، فهي لا تستطيع استخدام هذه القوة.
وأوضحت أن النفوذ الإيراني أصبح أكبر من الحدود المعلنة له، وفي الوقت الراهن كثّفت إسرائيل، بدعم من أمريكا، هجماتها في المنطقة، كما أن إقليم كردستان والعراق يُعدان ساحة عبور لهذه الحرب، بسبب مرور الصواريخ باتجاه أهداف محددة، مما يرفع من احتمالية سقوطها خارج تلك الأهداف، لكن بسبب ابتعاد الميليشيات مثل الحشد الشعبي، فاحتمالية اندلاع حرب في العراق وإقليم كردستان تظل منخفضة "لاحقاً، واستناداً إلى المطالب الأمريكية في العراق، وبالنظر إلى العلاقات القائمة على الاتفاقيات الاستراتيجية والأمنية بين الطرفين، فإن الأمر يستدعي تفكيك تلك الميليشيات".
وأشارت إلى أنه ليس من المتوقع أن تُستهدف هذه الميليشيات بشكل مباشر إلى جانب القوات العراقية، بل على العكس، فإن أمريكا تقوم بتنفيذ ضرباتها من قواعدها في عين الأسد وقواعد أخرى داخل الأراضي العراقية، ومع ذلك، فإن الميليشيات الموالية لإيران، رغم تهديداتها، لا تجرؤ على خوض مواجهة مباشرة، ولذلك لا يُنتظر منها رد فوري، ونتيجة لذلك، تم إخلاء مواقعهم ومقراتهم بشكل جزئي، ومن حيث الجوهر، فإن الخطر الحقيقي قد يعود على العراق نفسه، إذا نتج عن هذه الحسابات خطأ استراتيجي كارثي.
النفوذ الإيراني في العراق
وأكدت على أنه لا بدّ من ترسيخ نظام عالمي جديد في الشرق الأوسط، هدفه الأساسي تفكيك الميليشيات والقوى الخارجة عن القانون في إقليم كردستان، دون الالتزام باتفاقيات جنيف الأربعة وبروتوكولَيها الإضافيين، مشددةً على ضرورة إنهاء النفوذ الإيراني في المنطقة، وخاصة في العراق الذي يُحكم فعلياً من خلال إيران، عبر ما يُسمّى بـ (الإطار التنسيقي)، الذي يتلقى أوامره المباشرة من طهران، على حد قول نيكولا أشرف شالي.
وأوضحت أنه لا مجال للشك في أن جزءاً من القوات العسكرية العراقية، ما عدا قوات البيشمركة، تتبع فعليً لإيران، إلى جانب تلك القوات، توجد جماعات الحشد الشعبي وأكثر من 80 فصيلاً مسلحاً آخر، اتّبعت خطاً عسكرياً موحداً مع إيران، أما بالنسبة للهجمات الأمريكية والإسرائيلية، فهي تهدف كما يُعلن لحماية ممرات التنمية في البحر الأحمر، مما أدى إلى إضعاف الميليشيات، حيث تم تحييد فصائل حماس والفصائل الفلسطينية بشكل شبه تام، ولم يتبقَ سوى مقاتلين ميدانيين غير قادرين على القيادة، مما يطرح نهاية قريبة لحركة حماس. كما تم إضعاف قدرات حزب الله القتالية، ومن بعد ذلك قد نشهد ظهور سوريا جديدة وتحالفات مختلفة مع إسرائيل.
ولفتت إلى أن العراق يُعد محوراً استراتيجياً وممراً للنقل العالمي، وخطاً رئيسياً للتنمية يبدأ من ميناء الفاو، ويمتد عبر العراق وسوريا ليصل إلى البحر الأبيض المتوسط، ولذلك فإن استهداف العراق مسألة بالغة الحساسية، وتتعامل معها أمريكا بحذر بالغ، أما الفصائل المسلحة في العراق، وعلى الرغم من تهديداتها، فلا تمتلك القدرة على تنفيذ ضربات فاعلة، وإن حصل ذلك، فإن العراق سيكون عرضة لهجمات واسعة، ولكن رغم أن الحكومة العراقية لا ترغب في الدخول في هذا الصراع، إلا أن أي انهيار سياسي في المنطقة سيؤدي دون شك إلى مواجهات مسلحة جديدة بعمليات خاصة.
تطورات معقّدة ونقاشات حول السلام
وأكدت نيكولا أشرف شالي، على أن إعادة الاستقرار إلى الشرق الأوسط، بالتوازي مع طرح مسألة السلام وخطة للانتقال السياسي، تمثل مكسباً استراتيجياً مهماً للكرد، مضيفةً أن هذه الخطوة تُعد سابقة تاريخية، حيث إن القائد عبد الله أوجلان هو أول قائد كردي يتناول قضية السلام في الشرق الأوسط بهذا العمق والرؤية الاستراتيجية.
وأشارت إلى أن رسالة القائد أوجلان للسلام تعكس فهماً دقيقاً للتحولات الجارية في الإقليم، وتُظهر تمسكاً بالفكر القوي دون المساومة على المبادئ الأيديولوجية، وهو ما تعمل عليه حركة التحرر الكردستانية، مؤكدةً أن القائد أوجلان لم يحصر المبادرة في شمال كردستان فقط، بل دعا جميع القادة السياسيين في الشرق الأوسط للمشاركة في تطبيق نموذج الإدارة الذاتية، باعتباره تجربة قابلة للتوسيع إقليمياً.
ولفتت إلى أن قبول تركيا بفكرة السلام لا يزال يواجه عقبات داخلية، بسبب المخاوف من تفكك الدولة أو تغير بنيتها السياسية، بينما تمارس الولايات المتحدة وإسرائيل ضغوطاً على أنقرة لتكون طرفاً فاعلاً في هذا المسار، وفي المقابل، أظهر القائد أوجلان تحمّله لمسؤولية سياسية تاريخية، ووجّه رسائل تدعو إلى وقف السلاح، كردّ عملي على التحولات الإقليمية.
وأوضحت أنه ما هو مهم للكرد في الشرق الأوسط هو التعامل الحكيم من قبل القيادات الكردية في مختلف أجزاء كردستان، بما يضمن استمرار التقدم وحماية المكتسبات السياسية لهم "إن توحيد الصف الكردي ضمن إطار استراتيجي يحافظ على المصلحة العليا، تحت مظلة الوحدة الوطنية، كما أنها تشكّل فرصة فريدة لا تُعوّض".
وشددت نيكولا أشرف شالي في ختام حديثها على أن تجاوز هذا الوضع المعقّد بطريقة مدروسة سيكون إنجازاً تاريخياً للكرد، يمكن تسميته بـ "المرحلة الذهبية" في تاريخهم السياسي، ويمثل مسؤولية جماعية تقع على عاتق كل كردي "يجب أن تصبح مساعي ترسيخ الحكم الذاتي في المنطقة أولوية، وأن تُستكمل الخطوات نحو بلورة مشروع الحكم الذاتي في كل أجزاء كردستان".