الأمة الديمقراطية سبيل الخلاص من الأزمات التي يعيشها الشرق الأوسط

مع تعمق أزمات الشرق الأوسط تطرح الأمة الديمقراطية نفسها كحل لجميع القضايا العالقة فيها وأطروحتها تهدف لبناء مجتمع أخلاقي سياسي ديمقراطي إيكولوجي.

سيلفا الإبراهيم

منبج ـ تعتبر الحداثة الديمقراطية عبر الأطروحات التي تقدمها البديل للحداثة الرأسمالية والأزمات التي تخلقها لتفريغ المجتمعات من جوهرها وإبعاد الشعوب عن تاريخها وحريتها واستهلاك الطبيعة بشكل جائر من أجل تحقيق الربح الأعظم.

إن الأزمة البنيوية المعاشة في عموم بقاع العالم خلال القرون الأربعة الأخيرة، والتي بلغت ذروتها في عهد رأس المال تسببت في مآسي كبيرة كالاستحواذ على أرباح تصل إلى ترليون دولار في اليوم الواحد، وولادة أربعمئة مليون عاطل عن العمل سنوياً، بالإضافة إلى تسببها بحروب أسفرت عن إبادة وتطهير عرقي وثقافي وجسدي، وتدمير البيئة والإخلال بالتوازن البيولوجي العالمي.

كما انتهجت الدولة القومية سياسة تحويل المجتمع إلى حشد من العبيد مجردين من هويتهم وشخصياتهم الكومونالية والمجتمعية التاريخية برمتها والكادحين كالنمل دون كلل أو ملل، والذي يعتبر قتل المجتمع أو الإنسان على يد الحداثة، وكانت للشرق الأوسط حصتها من هذه السياسة التي انتهجتها الحداثة الرأسمالية، والصراعات التي تعيشها حالياً خير مثال على ذلك.

 

الأزمة في الشرق الأوسط وحلها البديل

وعن سياسة الحداثة الرأسمالية تجاه شعوب الشرق الأوسط التي أصبحت مركزاً للصراعات الطائفية والقومية والمركزية تقول متابعة مادة الجنولوجيا في هيئة التربية والتعليم في مقاطعة منبج بإقليم شمال وشرق وسوريا كيندا جميل التي عرفت جغرافية الشرق الأوسط بمهد الحضارات "تميزت الشرق الأوسط بغناها بالتنوع الثقافي والديني، وكانت شعوب هذه المنطقة يتعايشون مع بعضهم البعض بشكل تشاركي ولكن مع ظهور السلطات استغلت التنوع الثقافي والقومي في المنطقة التي باتت مركزاً للصراعات الطائفية والدينية والمذهبية والقومية".

وأوضحت "عدم تقبل القضية الكردية في المنطقة وكذلك عدم المبادرة في حل الصراع القائم بين إسرائيل وفلسطين إلى جانب الصراع ما بين السنة والشيعة، يبين عدم تقبل الآخر والاختلاف في هذه المنطقة رغم أنها كانت تتميز بنسيجها الاجتماعي المتماسك".

وأشارت إلى أن سوريا أحد الدول التي شهدت جغرافيتها صراعات وتدخلات من قبل جميع القوى الرأسمالية التي عمقت من أزمتها وجعلتها مركز لتصفية الحسابات بين القوى الدولية المتصارعة.

وعن كيفية تنظيم إقليم شمال وشرق سوريا المجتمع وإدارته تقول "استطاعت شعوب إقليم شمال وشرق سوريا من خلال تنظيم ذاتها باعتماد مشروع الأمة الديمقراطية الذي طرحه القائد عبد الله أوجلان أساساً له، فالأمة الديمقراطية التي بدأت بثورة مجتمعية تناولت كافة القضايا في طياتها وطرحت لكلاً منها بديلاً وحلاً جذرياً انطلاقاً من قضية المرأة في المجتمع، ومروراً بجميع القضايا الاجتماعية والدولتية، لذلك لاق تقبلاً من قبل جميع الشعوب من مختلف القوميات والمذاهب لأنها احتوت جميع الشعوب بتنوعها الثقافي والديني وجعلا من ذلك نسيج اجتماعي يمثل موزاييك لثقافة المنطقة على عكس ما كانت تتبعها الرأسمالية في خلق التمييز العنصري بذلك"، لافتةً إلى أن "سبب نجاح تطبيق هذا المشروع في شمال وشرق سوريا هو عدم خضوعه لأي سلطة وإعطاء الصلاحية والأحقية للشعب بقيادة نفسه بنفسه".

ونوهت إلى أن الشعوب بمختلف ثقافاتها يتمتعون بحقوقهم بالتساوي في المشاركة بصنع القرارات المصيرية التي تخصهم "الكثير من البلدان خلال زيارتهم للمنطقة رأوا أن النظام المطبق في المنطقة نموذج مثالي لإدارة بلدانهم، وعلى وجه الخصوص المبادئ التي تعتمدها كالرئاسة المشتركة التي تنصف النساء وتشركهن في اتخاذ القرارات، وبذلك يعيد دورها الريادي في قيادة مجتمعها".

وأكدت على أنه في الوقت الذي يشهد فيه الشرق الأوسط والعالم صراعات وحروب فإن مشروع الأمة الديمقراطية قادر على حل جميع الأزمات في أي مكانٍ كان لأنه ذات مبادئ واضحة وخطى ثابتة.

 

المجتمع الإيكولوجي البديل للخلل الكامن في علاقة الإنسان بالبيئة

أما عن قضية البيئة وتدهورها وعلاقة الإنسان بالطبيعة قديماً تقول الناشطة الاجتماعية منى الخلف "في بداية نشأة الكون كان يتمتع الإنسان بعلاقة تبادلية وتكاملية مع الطبيعة، حيث كان يسقي الشجر ويجني ثمارها، حتى على صعيد الصيد كان يصطاد لتوفير الغذاء مكتفياً بسد جوعه ولم يعتبر نفسه أعلى طبقةً من الطبيعة بل كان دائماً يرى أنه جزءً منها ويكتمل بوجودها".

وأضافت "مؤخراً تغيرت هذه العلاقة بين الإنسان والطبيعة فبات يرى نفسه أعلى قدراً وسلطة من الطبيعة وهذا ما جعله يستنزف الطبيعة ويستهلكها، فاليوم نرى الإنسان يصطاد الطيور بدافع التسلية لا لسد الجوع"، مشيرةً إلى أن هذا الاستهلاك الجائر للطبيعة يؤدي إلى خلل في التوازن البيئي.

وعن الكوارث الطبيعية تقول "دائماً ما يكون هناك سببان للكوارث في الطبيعة بعضها تكون طبيعية وبعضها الآخر تحدث من قبل البشرية"، مشيرةً إلى أن الدول الرأسمالية تسخر كل شيء لمصالحها الاقتصادية، لتحقق الربح الأعظم "السلطات الرأسمالية ضرت البيئة بشكل كبير من أجل مصالحها الاقتصادية، فدخان المصانع واستخدام الأسلحة الكيماوية في حروبها رافقت معها ضرراً صحياً، مثل تفشي الأوبئة والأمراض المستعصية علاجها، ونفايات المصانع ودخانها أحدثت تسببت في تسميم التربة وتلويث الجو".

وأضافت "نحن نشهد على ردة فعل الطبيعة تجاه ما يمارسه الإنسان بحقها من زلازل وثقب في طبقة الأوزون، والجفاف والخلل في الاعتدال المناخي وغيره، فتركيا على سبيل المثال حبست مياه نهر الفرات عن سوريا لغايات سياسية وأخرى اقتصادية، من خلال بنائها سدود أدت إلى وقوع زلازل وارتجاجات في باطن الأرض امتدت إلى الدول المجاورة لها"، لافتةً إلى أن تركيا تتبع سياسة الرأسمالية في احتكار الموارد الطبيعية بهدف إخضاع الشعوب تحت سيطرتها وتحقيق أرباح مادية.

وللحد من سياسة الرأسمالية التي تمارس ضد البيئة يجب بناء مجتمع إيكولوجي الذي يسعى إليه مشروع الأمة الديمقراطية، في سبيل إعادة العلاقة التكاملية بين الإنسان والطبيعة مبنياً على أساس التبادل وليس على أساس الطبقية والاستنزاف والاستهلاك واحتكار الموارد.

 

بناء مجتمع سياسي أخلاقي الحل للقضاء على الرأسمالية

ومن جانبها قالت الرئيسة المشتركة لمكتب التدريب والتأهيل الإداري زهيدة إسحاق التي عرفت السياسة بأنها فن إدارة المجتمع "تنقسم السياسة إلى شقين أولها السياسة المثالية والتي تعتمد على الأخلاق في إدارتها للمجتمع والتي تناولها الفلاسفة في التاريخ كسقراط وأفلاطون وأرسطو وابن خلدون، أما الشق الثاني والتي تتبعها حالياً الدول الرأسمالية، والتي تعتمد على الخداع والمكر لاستغلال المجتمع والذي عرف عنها  نيكولا مكيافيللي؛ فإن السياسة هي عين السلطة والدولة، ويفيد ذلك في مضمونه استغلال الحداثة الرأسمالية في تطبيقها على الشعوب عبر إبعادها عن قيمها الاجتماعية والأخلاقية التي توارثتها من المجتمع الطبيعي".

وتطرقت إلى السياسة التي كانت تتبعها الشعوب في المجتمع الطبيعي "كانت تمارس السياسة بقيم وأخلاق المجتمع وتنظيم أنفسهم، ولكن مع ظهور الطبقات بين المجتمع في العهد السومري أبعدت السلطات المجتمع عن السياسة وسحبت منهم القيم لتحتكر بذلك السياسة على السلطة فحسب"، مضيفةً "اليوم الرأسمالية تحيط بالمجتمع بأساليبها المتعددة كالاقتصادية والطائفية والعرقية والعقائدية، كالأخطبوط لتخضع الشعوب بشكل توافقي تحت سيطرتها ويخلق فيما بينهم حروب أهلية ونلاحظ ذلك جلياً في مجتمعات الشرق الأوسط".

وتطرقت إلى مطامع الدول الرأسمالية في الشرق الأوسط "تتمتع دول الشرق الأوسط بثقافتها وعراقتها ودياناتها ومواردها الطبيعية، فتطبق الدول الرأسمالية جميع السياسات والحروب الخاصة والأهلية على أرضها، لتخلق ثغرات داخلها للاستحواذ على مواردها، ولتنفيذ ذلك تقوم بتجويع الشعوب ليكون همها الوحيد تأمين لقمة عيشها وإبعادها عن السياسة من مبدأ فرق تسد، جوع الشعوب كي تلاحقك، وأصبحت بذلك تلقائياً تخضع للأوامر التي تفرضها الحداثة الرأسمالية".

ووصفت الحروب التي تشهدها الشرق الأوسط حالياً بمرحلة غليان وصراع دولي وإقليمي "لتخليص هذه الشعوب من الحداثة الرأسمالية ليس أمامها سوى العصرانية الديمقراطية، والتي تعيد الشعوب إلى حقيقتها وتاريخها في الوقت الذي تشوه الرأسمالية هذا التاريخ وتدونه كما يروق لها"، مشيرةً إلى أن "العصرانية الديمقراطية توافق بين جميع المكونات من مبدأ التعايش المشترك بشكل ملائم ومتناغم وتجعل من كل فرد في المجتمع فعالاً خاصة النساء في الوقت الذي جعلت الرأسمالية المرأة مجرد سلعة للبيع والشراء والترويج".

وأضافت "الرأسمالية خلال حربها الخاصة أدخلت الكثير من العادات للمجتمع الشرق الأوسطي والتي تتنافى مع ما كانوا يتحلون به من قيم وأخلاق، فالحداثة الرأسمالية سيّست كل هذه القيم لصالحها، بينما تمثل العصرانية الديمقراطية جوهر المجتمع والتاريخ والدين والفلسفة التي تتحدث عن السياسة المثالية وتعتمد على الأخلاق أساساً لها".

والجدير ذكره أن القائد عبد الله أوجلان قد وضع نظرية الحداثة الديمقراطية بعد أبحاث عميقة للتاريخ البشري والتطورات الاجتماعية، وما يعاش من انسداد نتيجة الحداثة الرأسمالية ومرتكزاتها الثلاث ألا وهي "الدولة القومية" و"الصناعوية" و"الرأسمال المالي".

وتطرح هذه النظرية عدة مرتكزات وهي "الأمة الديمقراطية" و"الكونفدرالية الديمقراطية" و"الصناعة الإيكولوجية" و"الاقتصاد الكومينالي".