العنف وتحمل المسؤولية يعرض النساء للإصابة بالوسواس القهري

تفشت الأمراض النفسية بشكل كبير بين النساء والفتيات في مدينة إدلب بالشمال السوري، نتيجة الضغوط النفسية والعنف الأسري وتردي الأوضاع المعيشة والانتهاكات وغيرها.

هديل العمر

إدلب ـ تفرض الضغوط الاقتصادية والمعيشية والأسرية نفسها في كل مرة على النساء في إدلب بالشمال السوري، متسببةً لهن بأمراض صحية ونفسية غاية في الصعوبة، في مقدمتها "الوسواس القهري" الذي يعد الأكثر انتشاراً بين صفوفهن.

يعرف اضطراب الوسواس القهري على أنه نوع من الاضطرابات الناجمة عن القلق والخوف الذي يجبر المريض على القيام بأفعال وتصرفات دون أي وعي أو إدراك لها، فمنذ أكثر من ثلاث سنوات تخضع هدى الحسين ذات 38 عاماً نازحة في مخيمات إدلب الشمالية، لجلسات علاجية وصفتها بالمرهقة والشاقة عند أحد الأخصائيين النفسيين، في محاولة منها الشفاء من وساوس المرض والقلق التي أتعبتها وأثرت على حياتها ونشاطاتها اليومية بشكل كبير.

وأكدت أنها تعاني من أعراض نفسية وجسدية عدة منها "فقدان الشهية والوزن بالإضافة للخوف والقلق الدائمين، وتساقط الشعر وسرعة ضربات القلب وصعوبة في النوم والتنفس، وآلام في مناطق متفرقة من جسدها"، كل ذلك دفعها لزيارة عشرات الأطباء الذين أكدوا لها عدم إصابتها بأي مرض قبل أن ينصحوها بالتوجه إلى أطباء نفسيين.

ولفتت إلى أنها بدأت تشعر بهذه الأعراض بعد وفاة إحدى قريباتها بمرض الكوليرا، الأمر الذي سبب لها صدمة نفسية كبيرة جعلتها تفسر وظائف جسمها الطبيعية بطرق خاطئة قبل أن تدخل في "دوامة الوسواس القهري" الذي بات يرافقها في أدنى حركاتها وتصرفاتها.

وأضافت أن الطبيب النفسي شخص مرضها بـ "الوسواس القهري الشديد" الذي أدخلها بحالة اكتئاب حادة جعلها منعزلة تماماً عن العالم الخارجي، ودفعها للتفكير بالانتحار نتيجة تأزم حالتها النفسية وتأخر دخولها في المراحل العلاجية والتشخيصية المبكرة جراء قلة تواجد خدمات الرعاية النفسية في المنطقة.

وأشارت إلى أنها وبعد فترة طويلة من العلاج تمكنت من تخطي المرحلة الحرجة منه، ولكنها لازالت مستمرة في العلاج، إذ أن قطعها للأدوية سيأزم حالتها وربما تعود الأعراض بشدة أكبر.

لم تكن رؤى الغزول ذات الـ 28 عاماً نازحة في مخيمات بلدة مشهد روحين شمال إدلب أفضل حالاً من سابقتها، إذ أنها تعاني أيضاً من مرض "وسواس النظافة" وهو أحد أشكال الوسواس القهري شيوعاً، لقد تسبب بطلاقها وخسارتها لأطفالها.

تقول ديمة الغزول شقيقة رؤى إن الأعراض بدأت تظهر على أختها قبل عدة أشهر من زيارتها للطبيب، إذ أنها لا تسمح لأحد بلمسها أو الجلوس بالقرب منها، حتى ملابسها تعيد غسلها لاعتقادها بأن الجو والأشخاص المحيطين بها لا يتحلون بالنظافة الشخصية وخاصة في المخيمات بسبب قلة المياه وخدمات النظافة.

وأضافت أن سلوكياتها سببت لها العديد من المشاكل الأسرية مع زوجها والتي أفضت لطلاقها في نهاية المطاف، إذ أن جميع محاولات عائلتها لإقناعها بزيارة طبيب نفسي بائت بالفشل، نتيجة الوساوس القهرية والسلوكيات الغربية التي سيطرت على تصرفاتها وجميع جوانب حياتها.

وأكدت أنه بسبب تفاقم المرض مع أختها وصلت لحد عدم الخروج من المنزل خشية اتساخها أو تعرضها للعدوى أو الجراثيم، إذ أنها تعيش بعزلة تامة عن عائلتها فقد باتت تفضل الوحدة والانطواء، وهو ما حذر منه الأطباء كون ذلك سيدفعها للدخول في حالة اكتئاب حادة تجبرها على الانتحار أو فقدان رشدها كلياً.

من جهتها أكدت المرشدة الاجتماعية والنفسية روان خلوف تفشي الأمراض النفسية بشكل كبير بين النساء والفتيات في مدينة إدلب، نتيجة الضغوط النفسية والعنف الأسري، مضيفةً أن قلة الوعي الاجتماعي يعرقل علاج هذه الأمراض، إذ أن معظم فئات المجتمع المحلي لا يلجؤون للأطباء النفسيين لاعتقادهم الراسخ بعدم جدوى هذه الخطوة، وأن العلاج يقتصر لديهم بعرض الفتاة على شيخ أو راقي شرعي قد يسبب لها أزمات مضاعفة.

وأشارت إلى ضرورة التوعية الاجتماعية بالأمراض النفسية وضرورة علاجها باستشارة أخصائيين في هذا المجال، لأنها سبب ودافع رئيسي لانتحار النساء المتكرر والتي وصلت إلى نسب مفجعة.

ووفقاً لمصادر محلية، فإن مدينة إدلب شهدت العام الفائت، 81 محاولة انتحار، حيث أدت هذه المحاولات إلى 44 حالة وفاة معظمها من النساء والمراهقات.