الفروسية في حياة عائشة التليلي جزءاً لا يتجزأ من هويتها

تجاوز هدف عائشة التليلي مجرد تعليم ركوب الخيل، بل تسعى لتعليم المرأة والشباب المسؤولية والصبر والشجاعة، باعتبار أن الفروسية تمنحهم أدوات لتحقيق التمكين الشخصي والاجتماعي.

إخلاص حمروني

تونس ـ تعد عائشة التليلي، الشابة التي جمعت بين الشغف بالقوة والرقة، وبين شجاعة الفروسية وحسها الإبداعي، نموذجاً حقيقياً للإصرار والنجاح، فمنذ صغرها، كان الخيل رفيقها الأول، وميدان الفروسية حلمها، فصقلت شخصيتها على حب الفروسية.

 

الفروسية شغف عميق ارتبط بحياتها

في محافظة داخلية ذات طابع ريفي لا تعد عائشة التليلي مجرد فارسة، بل رمز للعزيمة التي تصنع الفرق، شابة استطاعت أن تحوّل شغفها إلى واقع يفتح أبواب الفرص للنساء والأطفال في القصرين التونسية، وفي كل خطوة على ظهر فرس، تسطر عائشة التليلي فصلاً جديداً من قصة النجاح التي تجمع بين القوة، والثقة بالنفس، والإيمان بقدرة المرأة على تحقيق المستحيل.

وقالت إن رحلتها مع الفروسية بدأت منذ صغرها، وقد كبرت معها هذه الفكرة الصغيرة "تربيت وسط الخيول وتعلمت معها الصبر والانضباط، ومع مرور الزمن استطعت أن أحقق حلمي خطوة بخطوة وأصبح فارسة"، مبينةً أن الفروسية لم تكن مجرد هواية عابرة، بل شغف عميق ارتبط بحياتها اليومية وعملها، وبالنسبة لها تعد الفروسية "أمر تحبه بكل إخلاص، وتراه جزءاً لا يتجزأ من هويتها".

وعن مسيرتها من فتاة ريفية إلى فارسة ثم إلى صاحبة نادي كبير، أكدت عائشة التليلي أن الصعوبات التي واجهتها كبيرة، خصوصاً في البداية، حيث كان من الصعب لفت انتباه السلطات المحلية لدعم هذه الرياضة وتمكين الشباب، "البداية كانت شاقة، لكن سرعان ما وجدت من يشاركوني هذا النشاط ويحبون تجربتي"، مؤكدة أن رغبتها هي أن يتطور وضع شابات وشباب هذه المنطقة الداخلية وأن يتم التخلص من كل ما يضر بصحتهم وبالبيئة المحيطة، وأن يتعلموا رياضة الفروسية التي يعشقونها، لأن الرياضة كما تقول يجب ألا تندثر بل أن تنتشر وتصبح جزءاً من ثقافة الشباب والمجتمع.

وعن فكرة تأسيس نادي الفروسية، أوضحت أن الفروسية تمنح المرأة القوة والشجاعة والثقة بالنفس، وتمكنها من العمل على تطوير ذاتها لتصبح أقوى وأكثر إدراكاً لقدراتها، مبينةً أن بعض الأهالي انتقدوا الفكرة في البداية، لكنهم عدلوا عن آرائهم بعد رؤية النتائج، وأكدوا أن الفروسية حلم حقيقي وأن بناتهم وأولادهم أحبوا هذه الرياضة بعد تجربتها، مما عزز من شعورها بالرضا والفخر بما تقوم به.

وبينت عائشة التليلي أن النادي الذي أسسته ليس مقتصراً على النساء فقط، بل يفتح أبوابه للجميع "المرأة تتمتع بالكاريزما وقوة الشخصية، وخاصة عند مشاركتها في الفروسية، الأمر الذي يزيد من ثقتها بنفسها ويعزز طموحها"، مؤكدةً أن الفروسية ليست حكراً على أحد بل هي رياضة لكل من يهوى الخيل.

وأشارت إلى وجود بعض العراقيل التي واجهتها، خصوصاً المتعلقة بالبنية التحتية، لافتةً إلى ضرورة دعم السلطات المحلية بالماء والكهرباء للخيول، مشيرةً إلى أن المشروع ليس مجرد نادي للركوب، بل مساحة تنموية متكاملة تفيد البلاد بأكملها، وهي تسعى إلى تحويل نادي القصرين إلى مركز متكامل للأنشطة الرياضية والثقافية للأطفال والشباب، وأن يشارك أبطال النادي في الخارج حاملين اسم القصرين وعلم تونس.

وأوضحت أن النادي يضم أيضاً منطقة ترفيهية وألعاباً وأنشطة متنوعة مرتبطة بالرياضة المفيدة للصغار، فبعد أن بدأت بثلاثة خيول لديها الآن ستة، وترغب في المزيد لتلبية احتياجات العدد المتزايد من المتدربين، لافتةً إلى أن التعامل مع الخيول متعب ويتطلب جهداً كبيراً، لكنها تعتبره متعة حقيقية وشغفاً لا يمكن الاستغناء عنه، مؤكدةً أنها تحب هذا العمل رغم الصعوبات، وتتمنى أن تتحسن الظروف المادية لدعم توسع المشروع أكثر.

وترى أن "النادي يمثل فرصة حقيقية للنساء والعائلات للتعلم واكتساب مهارات جديدة، بما في ذلك احترام الذات والانضباط والتحفيز الذاتي، كما يتيح لهم تجربة الرياضة بشكل إيجابي بعيداً عن المخاطر الاجتماعية والصحية، فرياضة الفروسية تساعد على تطوير القوة البدنية والعقلية، وتمنحهم ثقة أكبر بالنفس"، مشيرةً إلى أنها تشجع دائماً صغارها على المشاركة والتجربة.

 

"منصة تعليمية وثقافية تبني أجيالاً واثقة بنفسها"

وبينت أن النادي يستقبل أطفالاً من مختلف الولايات، بما في ذلك القصرين وقفصة وبوزيد والكاف، وأنه على الرغم من نقص بعض الموارد، فإن النشاطات مستمرة وتزداد كل يوم، وأن الهدف هو توسيع المشروع ورفع مستوى الخدمات ليشمل المزيد من الأطفال والخيول والأنشطة الرياضية والثقافية، فكما تقول هذا المشروع ليس مجرد نادي رياضي، بل هو مجتمع مصغر يعلم القيم والتعاون والعمل الجماعي، ويشكل فرصة للتنشئة الإيجابية للأجيال القادمة.

وأكدت أن هدفها تجاوز مجرد تعليم ركوب الخيل، بل تسعى لتعليم المرأة والشباب المسؤولية والصبر والشجاعة، باعتبار أن الفروسية تمنحهم أدوات لتحقيق التمكين الشخصي والاجتماعي "نشجع المرأة التونسية على ممارسة رياضة الفروسية لنفسها أو لأولادها، وندعو الجميع لتجربة هذه الرياضة القيمة"، وتود أن تكون تجربتها مصدر إلهام لكل من يرغب في تطوير مهاراته وتحقيق أحلامه.

ولفتت إلى أن المشروع مستمر في التوسع، وأنها تخطط لزيادة أعداد الخيول والأنشطة وتوسيع المساحات المخصصة للتدريب والترفيه، لتشمل جميع الأعمار والفئات الاجتماعية، فالنجاح كما تبين لا يقاس بعدد الخيول أو الزوار فحسب، بل بمدى تأثير النادي في حياة الشباب وتمكين المرأة وتعزيز روح المجتمع، فأكبر مكسب لها هو رؤية الأطفال يضحكون ويتعلمون ويكتسبون الثقة بأنفسهم، وهذا ما يدفعها للاستمرار رغم الصعوبات والتحديات اليومية.

واختتمت عائشة التليلي حديثها بالتأكيد على أهمية دعم المبادرات المحلية التي تعزز من قدرات الشباب وتمكن المرأة "نحن بحاجة إلى رؤية من السلطات المحلية والمجتمع لدعم هذه الرياضة، ليس فقط كرياضة جسدية، بل كمنصة تعليمية وثقافية تبني أجيالاً واثقة بنفسها وقادرة على مواجهة تحديات المستقبل، حلمي يمتد إلى كل طفل وفتاة في تونس ليحصلوا على فرصة لتجربة الفروسية وتحقيق طموحاتهم".