زليخة الشهابي... رائدة العمل النسوي الفلسطيني

رائدة في العمل النسوي ومن أبرز المناضلات الفلسطينيات، زليخة الشهابي أول امرأة تقود المظاهرات النسوية المناهضة للانتداب البريطاني، ومؤسسة أول اتحاد نسائي فلسطيني

مركز الأخبار ـ .
 
"الاتحاد النسائي الفلسطيني"... أول جمعية نسائية فلسطينية 
ولدت زليخة الشهابي في مدينة القدس عام 1901، وتلقت تعليمها في مدرسة دير راهبات صهيون التابعة للمدينة، والدها إسحاق الشهابي من الآباء القلائل الذين حرصوا على أن تنهل بناتهم من بحور العلم والمعرفة.
بعد أن انتصرت دول الحلفاء في الحرب العالمية الأولى (1914ـ 1918)، تعهدت بإقامة دولة لليهود في فلسطين، وعلى إثر ذلك ساءت الأوضاع في البلاد فانخرطت زليخة الشهابي في المجال السياسي وهي في العقد الثاني من عمرها.
فكانت أول امرأة تبادر بتأسيس أول اتحاد نسائي فلسطيني وكان ذلك عام 1921، أطلقت عليه اسم "الاتحاد النسائي الفلسطيني" في القدس، الذي اتسم بالإنسانية كما ساهم في تكوين الوعي العام لدى النساء بالموضوعات السياسية التي طرحت على طاولة المباحثات العالمية، وشكل انتسابهن على الرغم من اختلاف أهدافهن وواجباتهن، سبباً لإدراك أهمية العمل الجماعي النسائي المنظم.
تزامن تأسيس الاتحاد مع دخول أول مندوب بريطاني (هربرت صموئيل) الذي وافق على بعض الحريات في تلك الفترة، وكان من بينها إقامة الاتحاد الفلسطيني الذي كان من المقرر أنشاءه عام 1919 لكن سلطات الانتداب البريطاني لم تعطي الموافقة في ذلك الوقت.
استخدمت زليخة الشهابي الاتحاد كأداة لمناهضة الانتداب الذي حضر إلى فلسطين لتحقيق وعد بلفور المعلن عنه عام 1917 خلال الحرب العالمية الأولى، لجمع الشتات اليهودي بعد أن فتح لهم باب الهجرة إلى فلسطين، وشكل هذا الوعد آثار طويلة الأمد منها الصراع العربي ـ الإسرائيلي الذي امتد إلى الوقت الحاضر.
بالإضافة للدور الذي قام به الاتحاد لمناصرة القضية الفلسطينية، وضع أيضاً على لائحة أولوياته تنشيط دور المرأة في العمل العام، سواءً على المستوى المجتمعي أو السياسي وحتى الاقتصادي، وشكل الاتحاد الإطار المُنظم للحركة النسوية الفلسطينية التي عملت في جمعيات لم تكن تتمتع بهذا الطابع.
نظمت مع أميليا سكاكيني حملة مجانية لتعليم الفتيات مبادئ القراءة والكتابة، كما أسست مدرسة للفتيات شُهد لها بحسن رعايتهن تعليمياً وصحياً، قامت مع زميلات لها في الاتحاد بمظاهرات طافت أنحاء كثيرة من القدس تطالب بإسقاط وعد بلفور، ولم يقف دورها عند هذا الحد بل شاركت في نقل الجرحى إلى المستشفيات عندما أطلق جنود الانتداب رصاصهم على المتظاهرين.
 
دورها في تأسيس "لجان السيدات العربيات"
على أعقاب ثورة البراق التي اندلعت في آب/أغسطس عام 1929 في القدس رداً على انتهاكات القوات الإسرائيلية للمقدسات، شاركت زليخة الشهابي إلى جانب 300 امرأة في المؤتمر النسائي العربي الذي عقد بمدينة القدس في تشرين الأول/أكتوبر 1929، وهو أول مؤتمر نسائي فلسطيني سياسي عام، يهدف لإبراز دور المرأة في الحياة الاجتماعية والسياسية ويدعم مشاركتها في صنع القرار.
وكان من أبرز المشاركات في المؤتمر رئيسة الاتحاد النسائي المصري هدى شعراوي ورئيسة الاتحاد النسائي في فلسطين ساذج نصار.
وفي نهاية المؤتمر شكلن وفد لمقابلة المندوب البريطاني، وأصدرن مذكرة قدمنها إليه، شرحن فيها أسباب الثورة وطالبن بإلغاء وعد بلفور بالإضافة لتنحية المستشار القضائي لحكومة فلسطين، وانتخبت زليخة الشهابي عضواً في الوفد، وعلى خلفية اللقاء المستهتر الذي قابلهن به المندوب، انطلقن في تظاهرة نسائية ضخمة في مئة سيارة جابت شوارع المدينة، أطلقن خلالها الهتافات المنددة والمستنكرة للهجرة الإسرائيلية، ومصادرة الأراضي من أصحابها.
وتجاوباً مع قرارات المؤتمر أسست زليخة الشهابي في القدس "لجان السيدات العربيات" عام 1929، وشاركتها في التأسيس عدد من الناشطات الفلسطينيات منهن أميليا سكاكيني وبهيرة نبيه العظمة بالإضافة لنعمتي جمال الحسيني وخديجة الراغب الحسيني وغيرهن، وللسير على مسارهن اسست العديد من النساء في مختلف المدن والقرى الفلسطينية جمعيات مشابهة وصل عددها إلى سبع عشرة لجنة، أطلق عليها نفس الاسم "لجان السيدات العربيات".
وفي ظل اللجان مارست زليخة الشهابي النشاط الإعلامي فعقدت المؤتمرات وشاركت في الندوات الإعلامية، ودعت النساء سواءً في فلسطين أو البلدان العربية للاجتماع لشرح أبعاد القضية الفلسطينية، والتحذير من الأخطار الجسيمة التي كانت تحدق بأبناء الشعب الفلسطيني.
وقامت بدور بارز في مرحلة الإضراب (مرحلة مقاطعة البضائع الإسرائيلية مقاطعة تامة) عام 1933، والثورة الفلسطينية الكبرى التي حصلت بين عامي (1936 ـ 1939)، فبادرت مع عدد من النساء بالذهاب لحضور جلسات محاكمة المناضلين المعتقلين، للرفع من معنوياتهم وإكسابهم شعور أن الشعب يقف إلى جانبهم، كما نقلت السلاح للمقاتلين وقدمت المساعدات الطبية والمؤونة والماء لهم ولعائلاتهم.
 
الاتحاد النسائي العربي الصورة الوطنية للمرأة
ناشدت زليخة الشهابي رئيسة الحركة النسائية المصرية هدى الشعراوي لنقل القضية الفلسطينية إلى المستويين العربي والعالمي؛ نظراً لتقدم الحركة النسائية في مصر مقارنة مع بقية الأقطار العربية، وفوضتها لعرض القضية في محركات البحث الخاصة بمؤتمر السلم العالمي الذي عقد في بروكسيل عام 1936.
وفي مطلع العام التالي أرسلت "لجنة سيدات عكا" برقية إلى هدى الشعراوي يصورن فيها الواقع المرير الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، وما كان منها إلا أن استجابت لنداءات اللجنة فوجهت دعوة باسم الحركة النسائية في مصر لعقد "مؤتمر نسائي شرقي".
كانت زليخة الشهابي في طليعة الوفد النسائي الفلسطيني المؤلف من 27 امرأة، حضرن المؤتمر المنعقد بدار جمعية الاتحاد النسائي في العاصمة المصرية القاهرة عام 1938، حمل المؤتمر شعار "فلسطين قضية المرأة العربية"، وحصلت المرأة الفلسطينية على مراكز رئيسية في لجان المؤتمر. 
وبما أنه كان المؤتمر النسائي الأول على الصعيد العربي فقد حضرته وفود من أقطار عربية، ضمت عدد كبير من النساء العربيات الرائدات في العمل المجتمعي والسياسي، وألقت خلاله زليخة الشهابي كلمة باسم "الاتحاد النسائي الفلسطيني"، تحدثت فيها عن القضية الفلسطينية والسياسة البريطانية في البلاد.
اتُخذ خلال المؤتمر 16 قراراً يدور معظمها حول القضية الفلسطينية ونصرة شعبها، من خلال إلغاء الانتداب البريطاني لتحل محله معاهدة بين الفلسطينيين وبريطانيا، واعتبار وعد بلفور باطلاً لا قيمة له مع وقف الهجرة الإسرائيلية إلى فلسطين ورفض تجزئة البلاد، بالإضافة لمنع مصادرة الأراضي من الفلسطينيين واعطائها للإسرائيليين.
وفي نهاية المؤتمر قام الحضور بانتخاب وكيلات من كل وفد ليمثلن هدى الشعراوي في البلدان العربية، فانتخبت زليخة الشهابي مع الناشطة وحيدة الخالدي لتقوم بهذه المهمة، وبعد عودتها إلى القدس حلت الجمعيات واللجان النسائية في فلسطين إلى اتحادات، لتباشر بتنفيذ مقترحات هدى الشعراوي الهادفة إلى توحيد العمل النسائي العربي تحت مسمى واحد، وأعلنت قيام "الاتحاد النسائي العربي"، في عام 1938.
ومن أبرز الأعمال التي قامت بها زليخة الشهابي في ظل الاتحاد قامت بشراء مجموعة من الأراضي المزروعة بأشجار الفاكهة وكروم العنب، وقدمتها لعائلات الأشخاص اللذين قتلوا في سبيل القضية، وعلمت النساء مبادئ الخياطة والحياكة، كما علمت الفتيات صنع الأزهار الصناعية، وباعتمادها على العمل الإنتاجي استطاعت إقامة أسواق خيرية لبيع المنتجات التي صرفت ريعها على المشاريع الخيرية.
كما أنشأت كوادر إسعاف ومستوصفاً لمعالجة الفقراء وتطعيم الناس ضد الأمراض السارية والمعدية، بالإضافة لمستوصف طبي للعناية بالحوامل ومركز يختص برعاية الأطفال نظراً لعدم توفر مراكز صحية أو تكون مدمرة، كما ساهمت بتأمين المأوى للأيتام وتكفل الاتحاد بدفع نفقات التعليم للعشرات منهم، بالإضافة لنفقات تعليم الأطفال القاطنين في دار الأيتام الإسلامية في القدس والتي تأسست عام 1922.
وأسست أيضاً نادياً رياضياً له لجنته التنفيذية ونشاطه الخاص، وملعب فسيح الأرجاء، وخلال عقد الأربعينات ضاعفت من نشاط الاتحاد النسائي في الميدان الثقافي فواظبت على دعوة الأدباء والفنانين لإلقاء المحاضرات العلمية ومناقشة الشؤون الثقافية.
 
دمجت بين العمل المجتمعي والوطني
خلال حرب عام 1948 لعب الاتحاد النسائي الفلسطيني دوراً هاماً في إدارة أعمال مستشفى "المُطلع" الواقع في الجانب الجنوبي من جبل الزيتون في مدينة القدس، فقد كان المستشفى يستقبل الجرحى والمرضى، فكانت زليخة الشهابي أحياناً كثيرة تضطر للمبيت في المستشفى خلال الحرب للعناية بالمرضى وإسعاف الجرحى، ولتشجيع المتطوعات وتدريبهن على الإسعافات الأولية. 
لم يشغلها العمل في المستشفى عن تقديم الرعاية للمقاتلين على الجبهات الأمامية للمعركة، فقد جمعت لهم ولأسرهم التبرعات والمساعدات، وكانت تدير العمليات اللوجستية وهي خلف خطوط التماس الأولى للجبهة مع عدد من المتطوعات.
لم يكن الدور السياسي هو المسيطر الوحيد على حياتها، بل رفدته بالدور الاجتماعي فقد كانت تحث الأسر على عدم شراء البضائع الإسرائيلية، وتعلم النساء وسائل الإنتاج المنزلي حتى يستطعن تأمين دخلهن الذاتي، وكانت تعمل معهن جنباً إلى جنب في صناعة الكريمات والعطورات وبيعها في البازارات الخيرية، لدعم الاقتصاد الفلسطيني المحلي وعدم المساهمة بأي شكل من الأشكال في دعم الاقتصاد الإسرائيلي.
وللناشطة زليخة الشهابي نشاطات عدة في مجال تعليم الفتيات وتوعيتهن ورعايتهن، فقد استأجرت عدد من المباني وحولتها إلى مدارس للتعليم الابتدائي والثانوي، كما استطاعت إنشاء مستوصف "الاتحاد النسائي الطبي" عام 1950 للعناية بالحوامل، بالإضافة لمركز يختص برعاية الأطفال ومركز لتعليم الخياطة والتطريز خاص بالفتيات اليافعات.
وكونها رئيسة للاتحاد النسائي ساهمت في تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، ولجنة الإسعاف التابعة للجنة المقاومة الشعبية عام 1967، كما ساهمت في تأسيس دار للمسنين في مدينة أريحا و"جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية" في القدس لإعانة الناس على تكاليف الحياة وتقديم الخدمات الصحية والتعليمية لهم من خلال المستشفيات والمستوصفات الطبية والمعاهد التعليمية التابعة للجمعية.
 
أول النساء المبعدات عن القدس
واصلت زليخة الشهابي نشاطاتها الوطنية والخيرية وعملها رئيسة للاتحاد النسائي العربي، فكانت كثيرة التنقل بين القدس وعمّان، وفي عام 1959 أضافت إلى مسؤولياتها رئاسة اتحاد الجمعيات الخيرية لمحافظة القدس.
فأسست عام 1952 بمشاركة الناشطتين النسويتين إليزابيث ناصر وهند الحسيني داراً للفتيات المشردات، فكان لها دوراً مهماً في وضع حدٍ لهذه الظاهرة، بتأمينها حياة كريمة وملاذاً آمناً لهن، كما اكسبتهن مهارات تساعدهن على العمل في مجالات الحياة المختلفة.
حضرت العديد من المؤتمرات العربية والدولية الخاصة بالمرأة كونها عضواً في مكتب الاتحاد العام للمرأة العربية، فسافرت إلى بريطانيا وروسيا وبعض العواصم العربية منها بيروت والقاهرة التي أقيمت فيها اجتماعات للاتحادات النسائية والمؤتمرات، وكانت في مقدمة النساء اللواتي حضرن المؤتمر الفلسطيني الأول الذي انبثقت عنه منظمة التحرير الفلسطيني عام 1964، وسعت إلى نشر فكرة إنشاء اتحاد عام للمرأة الفلسطينية.
تمهيداً لعقد مؤتمر عام يضم النساء الفلسطينيات في البلاد وخارجها، دعت زليخة الشهابي الممثلات عن الاتحادات النسائية في المدن الفلسطينية لحضور اجتماع في عام 1965، وبصفتها رئيسة اللجنة التحضيرية العامة للمؤتمر أشرفت على عقد المؤتمر النسائي الفلسطيني في تموز/يوليو من العام نفسه وشاركت فيه 174 عضوة، أما حول قيام الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية دستورياً وتنظيمياً وإدارياً فكانت مهمة دائرة التنظيم الشعبي في منظمة التحرير الفلسطيني.
وعلى خلفية أعمالها الوطنية والسياسية برزت زليخة الشهابي كعثرة ومعوق في طريق الخطط الإسرائيلية فكانت أول المبعدات عن أرضها، وفي عام 1968 تم نفيها من قبل القوات الإسرائيلية إلى الأردن، بعد أن استحوذت على القدس الشرقية والضفة الغربية عام 1967، لكن وبتدخل عدة دول عربية بالإضافة للأمم المتحدة فُرض على إسرائيل أن تسمح لها بالعودة إلى بلادها ومزاولة عملها كرئيسة للاتحاد النسائي في القدس.
وبعد عودتها استمرت بمتابعة نشاطاتها وأعمالها الخيرية حتى أقعدها المرض في آخر أيام حياتها، وتوفيت في القدس عام 1992، ووريَ جثمانها الثرى بحضور العديد من الشخصيات الوطنية.