ثلاث مناضلات ومدافعات عن فكرة تحرير المرأة (3)
حققت المرأة انتصارات عظيمة خلال ثورة روج آفا في شمال وشرق سوريا في كافة المجالات، وأسهمت في ذلك التنظيمات النسوية التي كان مؤتمر ستار في طليعتها، واحتضن ثورة روج آفا، ومن بين النَساء اللواتي يعملنَّ على تحقيق أهداف المرأة مزكين خليل، ابنة الشهيدة أمينة ويسي
تكافح مزكين خليل على خطى والدتها ورفيقاتها
نورشان عبدي
كوباني ـ .
لطالما سعت النساء الكرديات بنضالهنَّ وتنظيمهنَّ إلى ترسيخ مبدأ الحياة الحرة، وقيادة المقاومة في كل مكان وزمان، على الرغم من سياسات الإنكار والإبادة والصهر القومي، والمرأة في شمال وشرق سوريا كانت السباقة في الانخراط في جميع الميادين لحماية حقوقها ومكتسبات ثورتها، وتحصيل حرية النساء المضطهدات، فبرزنَّ بصمودهنَّ ووعيهنَّ، وبُدأنَّ بكتابة تاريخ حافل بالمنجزات والتضحيات من أجل الحرية والديمقراطية.
أسفرت مجزرة 23 حزيران/يونيو التي وقعت نتيجة لقصف الدولة التركية على قرية حلنج التابعة لمقاطعة كوباني في شمال شرق سوريا عن استشهاد كل من صاحبة المنزل المرأة الوطنية أمينة ويسي وعضو منسقية مؤتمر ستار زهرة بركل وعضو الإدارة في مؤتمر ستار هبون ملا خليل. وقعت هذه المجزرة في منزل عضو منسقية مؤتمر ستار مزكين خليل التي كانت شاهدة على الحدث وفقدت والدتها التي وصفتها بقائدة حياتها ورفاقها في المنسقية.
أم المناضلين والباحثين عن الحرية... أمينة ويسي
أمينة ويسي البالغة من العمر 56 عاماً من قرية حلنج التابعة لمدينة كوباني. كانت أم لأثنين من البنات وأربعة أولاد. عُرفت بتواضعها ومعرفتها وحسن ضيافتها وحبها لقائد الشعب الكردي عبد الله أوجلان وحركة حرية كردستان. وكامرأة كردية وطنية فتحت منزلها لمقاتلي حركة الحرية قبل الثورة في روج آفا، كما شاركت بشكل فعال في ثورة 19 تموز/يوليو 2012.
وقد قامت الأم أمينة ويسي بتربية أطفالها على هذا الأساس، وزرعت حب الأرض والوطن في داخلهم. لذلك كانت تقود أبنائها وتدعمهم في جميع الأوقات. فتحت الأم أمينة وحتى آخر لحظة في حياتها أبواب منزلها أمام منظمة النساء ودعمتها مع أبنائها. لذا لم تكن أمينة ويسي والدة أبنائها فحسب، بل كانت أم كل المناضلين من أجل الحرية.
تحدثت مزكين خليل ابنة الأم أمينة ويسي وهي عضو منسقيه مؤتمر ستار عن دور والدتها في كفاحها.
مزكين خليل وجدت ذاتها ضمن الثورة
مزكين خليل (31) عاماً، من مواليد عام 1990، وهي الناطقة باسم مؤتمر ستار في إقليم الفرات وعضوة منسقيته، من قرية حلنج شرقي مقاطعة كوباني.
وتقطن مع أسرتها في القرية، التي درست المرحلة الابتدائية فيها، ودرست المرحلتين الإعدادية والثانوية في كوباني، بعدها التحقت بالجامعة ودرست لمدة عامين في قسم علم البيئة في جامعة حلب. وأثناء امتحانات السنة الثانية بدأت الأزمة السورية، لذلك أوقفت دراستها وعادت إلى كوباني.
واجهت العديد من المشكلات خلال دراستها في ظل النَّظام البعثي، وتبين مزكين خليل "لم يكن هنالك تقبل للكرد، ولم أتمكن من التَّحدث بلغتي الأم، عانينا من التأطير والتَّهميش كطلبة كرد".
ومن ناحية وضعهم المادي، كانت أسرتها ميسورة الحال، إذ كان والدها وأخوتها يعلمون لتوفير حياة آمنة للأسرة، ولتوفير جميع الاحتياجات المنزلية.
اهتمت أمينة ويسي بالدراسة بشكل كبير، لأنها أرادت لأبنائها الوصول إلى مراتب عليا، وسعت لتعليمهم الوطنية والتمسك بالقومية الكردية، مما خلق نوعاً من التَّمسك بالوطن داخلها، وتقول "مع بداية تأسيس الحزب، توافد لمنزلنا العديد من المناضلات والمناضلين، ومنهم تعلمت حقيقة المرأة ومدى ارتباطها بالأرض".
وقالت مزكين خليل عن تأثير والدتها عليها "عائلتي منفتحة، ولم تمارس الضغط والسلطة على أطفالها. كانت والدتنا تقود حياتنا وعائلتنا أيضاً. لقد علمتنا بشكل لا نحتاج فيه أحد، ونخلق الفرص لأنفسنا ونكون قادرين على استخدام قوتنا وإرادتنا. لقد كان والدنا يعمل دائماً في المدن لتوفير احتياجات المنزل، لذلك كانت والدتنا هي من تهتم بنا في الغالب وتعتني بالمنزل وترعى أطفالها. صحيح أننا في البداية قضينا حياتنا في الدراسة لكننا كعائلة وقرية حلنج نشأنا أيضاً على أساس وطني وترعرعنا مع معرفة ثقافتنا وهويتنا، كانت أبواب منازلنا مفتوحة أمام حركة الحرية. وبفضل أمي وحبها للقائد آبو وحركة الحرية والأرض والوطن والثقافة. نشأنا على أساس وطني".
بداية ظهور الروح الثَّورية
ومع بداية ثورة روج آفا في عام 2012، استطاع الشَّعب الكردي إثبات إرادته ضمن المؤسسات والعمل بحرية والتَّحدث بلغته، وهذه كانت خطوة هامة لشعب حُرم من أبسط حقوقه، يعيش ضمن ثقافة ولغة مختلفة عنه.
وبعد عودة مزكين خليل لكوباني في عام 2011، انضمت لثورة 19 تموز/يوليو، ولأنها رغبت بتعلم الكردية، بدأت بتلقي الدَّروس على ثلاث مراحل في مدارس قريتها، وبهذا أتقنت لغتها، وأول مؤسسة عملت بها في عام 2012 كانت اتحاد المعلمين، "في البداية أعطينا حصة واحدة باللغة الكردية، إلى جانب العربية والإنكليزية، وبعد فترة قليلة عملنا على نشر اللغة في مدارسنا بشكل أوسع".
وعملت في التَّعليم لمدة ثلاث سنوات، لتنضم لأول دورة تدريبية فكرية في أواخر 2013، استمرت لمدة ثلاث أشهر، تلقت فيها دورس عن الأمة الدَّيمقراطية، وعلم المرأة وغيرها من الدَّروس الفكرية، وبعدها عادت لتدرس ضمن المدارس من جديد.
نزحت مزكين خليل مع أسرتها والمئات من أهالي مدينة كوباني، مع بدء هجوم مرتزقة داعش عليها، إلى شمال كردستان، إلا أن هذا لم يحل دون مساعدتها للأهالي، لتستمر في العمل بتعليم الأطفال الذين يعيشون في المخيمات.
وتصف ذلك بالقول "بدأنا بمساعدة الأهالي من النَّاحية الخدمية، وشكلنا كوادر للمعلمين من جديد، وبدأنا بتدريس الطلاب، وزاد إصرارنا على المتابعة رغم كل الظَّروف عندما استشعرنا إقبال أطفالنا على التَّعلم".
وبعد تحرير كوباني عقب أربع أشهر من المقاومة والنَّضال على يد وحدات حماية المرأة والشَّعب من رجس المرتزقة، عادت مزكين خليل لتعمل بشكل طوعي من أجل تنظيم المدارس والمُعلمين.
الانتقال للعمل في المجال النَّسوي
وأسهمت مزكين خليل في تأسيس أكاديمية الشَّهيدة فيان أمارا لتعليم المُعلمات والمُعلمين المختصين بقسم التَّاريخ والجغرافية، والأدب الكردي، والفلسفة في عام 2014، وانضمت لتدريبات فكرية لتطور ذاتها.
واستمرت بالعمل في هذا المجال حتى عام 2018، لتنتقل إلى المجال النَّسوي، للتعمق بحقيقة المرأة وحريتها، وتأثير الذَّهنية الذَّكورية على المجتمعات، وذلك عبر البحث والتَّحليل، فارتبطت بفكر القائد عبد الله أوجلان وفلسفته ومسيرة نضال المرأة، ووطدت الرَّوح الرَّفاقية مع النَّساء.
وحول عملها ضمن مؤتمر ستار تقول "عملت بحب، أردت أن أطور المرأة، وأقدمها للمجتمع، لأن للعمل في مؤتمر ستار قيمته الخاصة، لذا يجب على النَّساء الانضمام بهدف تمكين المرأة، ومعرفة مأساتها ومقاومة العنف الممارس بحقها".
ولا تزال مزكين خليل منذ عام 2018، تعمل حتى اليوم ناطقة وعضوة منسقية في مؤتمر ستار، وعبر البحوث التي قامت بها على مدار الأعوام السَّابقة، وجدت الحلول للعديد من التَّناقضات التي عاشتها خلال فترات من حياتها، وتبين "نحن كحركة نسوية يقع على عاتقنا تطبيق فكر وفلسفة القائد عبد الله أوجلان، التي وضعها من أجل المرأة".
وكان قد تأسس مؤتمر ستار في مقاطعة كوباني عام 2005 باسم اتحاد ستار، ومن ثم أصبح مؤتمراً في عام 2016، واستطاع الوصول للعديد من النَّساء وإيجاد حلول للمشكلات التي تواجههنَّ، وأبرز دور المرأة في كافة المجالات، ويوجد له ممثلات ضمن الإدارة والمؤسسات، والكومينات، والمجالس، وينظم تدريبات خاصة للرجال في مقاطعة كوباني تتضمن علم المرأة وحقيقتها.
فقدانها لوالدتها ورفيقاتها معاً
تميزت أمينة ويسي بشخصيتها الوطنية والقومية، ومشاركتها في جميع الفعاليات والنَّشاطات الخاصة بالمرأة، وعرفت بحبها للضيوف وإكرامهم، وساندت ابنتها من أجل التعرف على حرية المرأة، لتحصل منها على القوة والمعنويات، وبقيت تطالب بهذه الحرية حتى الرمق الأخير.
تستذكر مزكين خليل المجزرة التي فقدت فيها والدتها ورفيقاتها بالقول "كنا نعمل لعقد المؤتمر، لذلك كنا نمضي 24 ساعة معاً، كما كانت تربطنا صداقة قوية. في الثالث والعشرين من حزيران/يونيو 2020، كان لدي درس في أكاديمية الشهيدة شيلان، لذلك لم أرى أحداً في بداية اليوم. كانت زهرة بركل تعقد اجتماعات في القرى للتحضير للمؤتمر. وعندما عدت إلى المنزل في حلنج، اتصلت بي زهرة وقالت إننا قادمون إلى منزلك لكننا لم نتناول الطعام بعد. عندما وصلت زهرة وهبون إلى منزلنا، جلست والدتي معهم في الخارج وتحدثت معهم وأنا كنت أحضر الطعام في الداخل، لم يكن هناك شيء، كانت النساء مدنيات ويقمن بأعمال اجتماعية. وفجأة سمعت صوتاً من الخارج، كان صوت القصف خافتاً لأنني كنت بالداخل. فخرجت مسرعة وبمجرد أن وصلت إلى الباب رأيت جثث والدتي وزهرة وهبون على الأرض، وعلى الفور بدأنا التحقيق في كيفية وقوع هذا الحادث وفي هذه الأثناء جاءت قوات الأمن أيضاً".
لقد كثفت المجزرة من عملها وإصرارها على الانتصار على الغزاة
إن لشهر حزيران/يونيو مكانة خاصة لدى أهالي كوباني، فمجزرة حلنج لم تكن مصادفة، بل خُطط لها في هذا الشهر تحديداً، لأن فيه ذكرى شهداء مجزرة كوباني، لقد أرادوا كسر إرادة المرأة وتحطيمها من كافة الجوانب، كما تقول مزكين خليل "بروح كل المناضلات كـ سما يوجا، وزيلان كناجي، التي يصادف ذكرى استشهادهما في حزيران، لن نسمح للدولة التَّركية بمحو إرادتنا، التي تأسست على خطى فكر ونضال ومقاومة شهيدات الحرية".
وتؤكد الناطقة وعضوة منسقية مؤتمر ستار مزكين خليل أن الهدف من استهداف المناضلات الثلاث، كان غرس الخوف في صدور نساء شمال وشرق وسوريا "عند رؤيتي لجثامين رفيقاتي ووالدتي الملطخة بالدماء، شعرت بقوة كبيرة، أو نوع من الإرادة التي تدفعني للسير على دربهنَّ، فنحن كنساء قادرات على الأخذ بثأرهنَّ، لإعلاء رايتهنَّ الحرة وإيصال صوت النساء إلى العالم".