ثلاث مناضلات ومدافعات عن فكرة تحرير المرأة (1)

خاضت المقاتلة هبون ملا خليل 21 عاماً من النضال العقائدي والتنظيمي والعسكري. وفقدت حياتها فداءً لبناء مجتمع حر ومنظم وديمقراطي. قالت شقيقتها ريما ملا خليل إنها فخورة بالمناضلة هبون وهي واثقة من أن رفاقها سينتقمون لها

خاضت صراعاً متعدد الأوجه من أجل قضية بلادها
برجم جودي
كوباني ـ .
في الثالث والعشرين من حزيران/يونيو 2020، قصفت الدولة التركية قرية حلنج شرق مدينة كوباني بشمال وشرق سوريا بطائرة مسيرة (SIHA). وأسفر الهجوم عن استشهاد ثلاث نساء قياديات. النساء اللواتي استهدفنَّ عمداً من قبل الدولة التركية هنَّ عضو منسقية مؤتمر ستار في إقليم الفرات زهرة بركل، وعضو الإدارة لمؤتمر ستار في منطقة شيران هبون ملا خليل، والأم أمينة ويسي. لقد تركت هؤلاء النساء ورائهنَّ إرثاً طويلاً وشاملاً وأصبحنَّ قوة لتصعيد النضال.
إن تاريخ حركة حرية المرأة مليء بنضال النساء ضد النظام الفاشي والدولة القومية والمتحيزة جنسياً والمهيمنة. ولشهر حزيران/يونيو أيضاً تاريخ نضالي كبير وأهمية خاصة للحركة النسائية.
ففي 30 حزيران/يونيو عام 1996 نفذت المناضلة زينب كناجي (زيلان) عملية فدائية في مدينة ديرسم شمال كردستان ضد هجمات الدولة التركية والقوى المتآمرة. كان مستوى وتصميم نضال زيلان علامة فارقة ومرحلة مهمة بالنسبة للحركة النسائية، وعلى هذا الأساس تم الإعلان عن المبادئ الأيديولوجية لتحرير المرأة.
كما نفذت المناضلة سما يوجا في 21 آذار/مارس 1998 أثناء اعتقالها في سجن جانكاكالا عملية فدائية ضد الطوائف والمنظمات الكردية الخائنة، والمتعاونين الذين أصبحوا أرضية للمجتمع الدولي ومن أجل كسب مطالب الكرد الشرفاء والمطالبين بالحرية. واستشهدت سما في 17 حزيران/يونيو 1998. وقد مهدت هذه العملية الطريق لتشكيل الحزب النسائي (PAJK) الذي تم الإعلان عنه في عام 2000.
كما أسفرت المجزرة التي ارتكبتها الدولة التركية في الثالث والعشرين من حزيران/يونيو في قرية حلنج بمدينة كوباني عن استشهاد أعضاء منظمة مؤتمر ستار. وتم اعتبار هذه المجزرة كاستهداف لخط نضال النساء الذي ظهر في شخصية زينب كناجي وسما يوجا. وعلى هذا الأساس أعلنت منظمة مؤتمر ستار يوم 23 حزيران/يونيو "يوم النضال ضد الجرائم التي تستهدف الهوية السياسية للمرأة".
إحدى النساء الثلاث اللاتي فقدنَّ حياتهنَّ في قرية حلنج هبون ملا خليل التي قدمت مقاومة وتضحيات كبيرة خلال 21 عاماً من النضال.
 
ثائرة الوطن ومدافعة عن قيم الشهداء
ولدت هبون ملا خليل الاسم الحقيقي بديعة عام 1981 في قرية حلنج الواقعة شرق مدينة كوباني. لكن بسبب شراء عائلتها قطعة أرض في قرية بندر غرب مدينة كوباني، استقروا هناك. ولأن والد هبون تزوج مرتين كان لديها 9 أخوة شباب و13 من الأخوات البنات. درست المرحلة الابتدائية في كوباني، ثم تخلت عن تعليمها وانضمت لحركة حرية كردستان.
عائلة هبون ملا خليل من أقدم العائلات الوطنية في كوباني. ولأنها نشأت على أساس قومي ووطني، أدركت جيداً حقيقة القائد عبد الله أوجلان وحركة حرية كردستان. لذلك بدأت نضالها متأثرة بالمؤامرة الدولية ضد القائد في 15 شباط/فبراير 1999 وانضمت إلى صفوف حركة الحرية. قدمت هبون بشخصيتها النشطة والمطلعة والمتواضعة نضالاً ومقاومة كبيرة في جبال كردستان لمدة 19 عاماً. ومع بدء ثورة روج آفا بشمال وشرق سوريا في 19 تموز/يوليو عام 2012 توجهت إلى شمال وشرق سوريا لتقوم بدورها ومهمتها في الانتفاضة وتقدم واجبها.
شاركت وحاربت ضد الهجوم الذي شنته مرتزقة داعش على مقاطعة كوباني عام 2014 وقادت وحدات حماية المرأة (YPJ) في مقاومة كوباني. وقاتلت دون انقطاع منذ اللحظات الأولى من بداية الاعتداءات وحتى تحرير المدينة. كما لعبت المقاتلة هبون ملا خليل بمشاركتها ونضالها دوراً في الدفاع عن مكتسبات ثورة 19 تموز وعن قيم شهداء الحرية.
بعد هزيمة مرتزقة داعش على أرض كوباني، بدأت هبون ملا خليل العمل التنظيمي والاجتماعي. وبروحها الفاعلة والتنظيمية والمضحية وطابعها المتواضع احتلت مكانة في قلوب جميع أفراد المجتمع. فقامت بتعليم النساء على أساس فكر وأيديولوجية القائد عبد الله أوجلان وقادت النضال لبناء مجتمع حر ومنظم وديمقراطي. لقد قدمت تضحيات كبيرة وقامت بأعمال مهمة على مستوى مناطق شمال وشرق سوريا.
 
لتحقيق أهدافها... قاومت المرض البيولوجي أيضاً
خاضت هبون ملا خليل حرباً متعدد الأوجه. فقد حاربت ضد القوى المتآمرة والذهنية الرجعية والمتحيزة جنسياً وعصابات داعش والمرض البيولوجي أيضاً. تم تشخيص إصابتها بالسرطان في عام 2016، لذلك تم استئصال أحد ثدييها. وعلى الرغم من مرضها وتدهور وضعها الصحي في الأعوام الأخيرة، إلا أنها لم تتخلى عن نضالها وعملت على رفع مستوى تحقيق أهدافها يوماً بعد يوم.
وبمناسبة الذكرى الأولى لمجزرة حلنج تحدثت ريما ملا خليل شقيقة المقاتلة هبون البالغة من العمر 37 عاماً لوكالتنا.
 
"أرادت كردستان حرة" 
في بداية حديثها تكلمت ريما ملا خليل عن شخصية المقاتلة هبون وقالت "بيني وبين هبون ثلاث شقيقات. لقد عبرت هبون منذ طفولتها عن حبها لكردستان وحركة الحرية. وعندما كنا نسألها لماذا تفكرين هكذا كانت تقول لنا "أنا أيضاً أريد أن يكون لي مكانة ودولة حرة مثل كل الأمم والقوميات". لذلك وبمجرد ما كان مقاتلو حركة الحرية يأتون إلى منزلنا، تجلس هبون معهم وتتحدث إليهم. كما أحبت شعبها وعائلتها ولطالما دلتنا على طريق التقدم. كان هناك العديد من الصفات الخاصة لهبون تؤثر فينا. لكن أكثر ما تأثرنا به كان جرأتها وشجاعتها. كانت تتدخل فوراً في أي قضية أو حدث قبل الجميع".
 
"ليتني ذهبت من ذلك الوقت"
لفتت ريما ملا خليل الانتباه إلى لقائهما بعد عشر سنوات "في ذلك الوقت قررت الانضمام إلى حركة الحرية لكنها لم تسمح لي وقالت سأنضم وأذهب قبلك، إذا كان الوضع جيداً سأرسل لك معلومات لتلتحقي وتنضمي أيضاً. ولكن لسوء الحظ إلى أن أرسلت هبون لي المعلومات كان والدي قد قام بتزويجي. قدمت هبون خلال 21 عاماً من وجودها في الحركة مساهمات وتضحيات كبيرة. وخاضت نضالاً ومقاومة قوية وقاتلت بشدة في جبال كردستان وأصيبت عدة مرات. أيضاً شاركت في ثورة روج آفا ومقاومة كوباني. وقبل حرب كوباني التقينا بهبون بعد 10 سنوات من انضمامها، وكان لقائنا مختلفاً للغاية، فقد حدثت تغيرات جميلة جداً في شخصيتها. لطالما عززت روحنا المعنوية وأعطتنا الأمل بأن كردستان ستتحرر ويُهزم الأعداء. عندما رأيت حالتها، ندمت لأنني لم أذهب معها".
 
"رفاق هبون يثأرون للمقاتلين"
أطلق مقاتلو حركة حرية كردستان حملة صقور زاغروس ومعركة الخابور ضد حركة الاحتلال التركي على أراضي إقليم كردستان. بينت ريما ملا خليل في نهاية حديثها بأنها خطوة ومرحلة انتقامية لنضال المقاتلة هبون ورفاقها وختمت قائلة "عدو الشعب الكردي غادر وخائن. الدولة التركية دائما تستهدف القيادات النسائية، والمجزرة التي حصلت في حلنج تؤكد ذلك. لكننا فخورون بأختنا ونعلم أنه سيتم الثأر لها. فالآلاف من رفاقها يقاتلون اليوم في جبال كردستان ضد ظلم واحتلال الدولة التركية. وسيكون النصر حليفنا والهزيمة للعدو".