سارة خليل... مسيرة من العمل الوطني والحقوقي
برزت النساء في ثورة روج آفا بشمال وشرق سوريا التي عرفت بثورة المرأة على جميع الأصعدة، لكن العديد منهنَّ يحملنَّ تاريخاً نضالياً، فسارة خليل عضو مكتب مجلس المرأة في حزب الاتحاد الديمقراطي لها تاريخ حافل بالعمل الحقوقي والسياسي
دلال رمضان
كوباني ـ ، اعتقلت عدة مرات من قبل قوات النظام السوري؛ بسبب نشاطها في مؤتمر ستار الذي تأسس عام 2005 وعمل لسنوات بشكل سري، ولها مشاركة مهمة في معارك تحرير كوباني من داعش.
تعرفت سارة خليل عضو مكتب مجلس المرأة في حزب الاتحاد الديمقراطي PYD)) بشمال وشرق سوريا على حركة التَّحرر الكردية منذ طفولتها وانخرطت في العمل السَّياسي رغم الصَّعوبات التي واجهتها من العائلة والنظام، وشاركت بالعديد من النشاطات في المنظمات.
من هي سارة خليل؟
سارة خليل مواليد 1977، من قرية عين بط في مدينة كوباني، وهي اليوم عضو مكتب مجلس المرأة في حزب الاتحاد الدَّيمقراطي بإقليم الفرات بشمال وشرق سوريا.
ترعرعت ضمن أسرة كردية وطنية، من عشيرة سرمكلي، لديها خمس أخوة وأربع أخوات، والدها خليل خليل توفي قبل عام، ووالدتها عدولة باقي متوفاة منذ عام 2009، قضت 5 سنوات من طفولتها في القرية، ثم انتقلت عائلتها إلى حي كانيا كردان في كوباني.
ودرست المرحلة الابتدائية ووصلت للصف الثامن الإعدادي، لكنها لم تُكمل تعليمها نتيجة الأوضاع الاقتصادية المُتردية للعائلة، وأيضاً من أجل مساعدة والدتها المريضة، فهي الأخت الكبرى. عندما بدأت تتحدث لنا عن حياتها قالت بأنها لم تعش كباقي الأطفال "كنتُ استيقظ صباحاً لأساعد والدتي، ثم أتوجه إلى مدرستي، أثناء الاستراحة كنت أحفظ دروسي وأكتب واجباتي لعدم قدرتي على ذلك في المنزل، في حين كان رفاقي يلعبون".
ولحبها للتعلم كانت تواظب على الدّراسة، لتكون من المتفوقات "والدتي كانت تُشجعني وتعطيني الحافز لمُتابعة تعليمي، لأنها لم تكن تجيد القراءة أو الكتابة، وكانت تواجه صعوبات أثناء توجهها إلى الأطباء في حلب ودمشق".
وعلى الرغم من عدم إكمالها لدراستها، إلا أنها بدأت بتعلم اللغة الكردية التي كانت ممنوعة منذ انتشار الفكر العروبي في سوريا، حيث مورست ضغوطات كبيرة على الكُرد، فحيازة كتاب باللغة الكردية يعرضك للاعتقال سنوات "تعلمت اللغة من ابنة خالتي التي كانت تتوجه إلى التَّدريب سراً في أحد المنازل القريبة خوفاً من النَّظام، لذا كانت تخبأ دفترها تحت السَّجاد".
ضحية لزواج البدل
في سوريا عموماً وخاصة ضمن المجتمع العشائري الكردي منه والعربي تنتشر زيجات بأشكال مختلفة معظمها لا يعطي الفتاة حق الاختيار، ومن بينها زواج البدل أي أن الفتاة تتزوج من شقيق زوجة أخيها في معظم الأحيان، في عام 1993 تزوجت سارة خليل من محمود علي وكانت ما تزال بسن الخامسة عشر، وقبل أن تتم العشرين كان قد أنجبت أربعة أطفال.
تقول "كنت ضحية لزواج البدل، وتحملت المسؤولية في سن مبكرة مما جعلني أعاني، وخاصة أن زوجي يكبرني بـ 15 عاماً". وتضيف "لم أكن أفكر بالزَّواج، رغبت بالانضمام لحركة التَّحرر الكردستانية، التي تعرفت عليها مذ كنت في العاشرة من العمر، عبر الزّيارات المتكررة لأعضائها لأهالي القرية". ولكن أسرتها عارضت ذلك.
"دائماً ما تساءلت عن الحركة، وأخبروني أنهم دعاة من أجل المطالبة بحقوقنا في الدفاع عن وجودنا ولغتنا، وكان لدي دفتر صغير كتبت فيه جميع الأغاني الوطنية والكردية أثناء عملي في قطاف القطن وعددها 37 أغنية، وبعد فترة من زواجي قررت زيارة الناس وتعريفهم بالقضية الكردية، واستمريت بذلك لمدة عامين متتاليين".
زوجها الذي استشهد في مجزرة كوباني 25 حزيران/ يونيو 2015، كان متفهماً "حالفني الحظ، فزوجي كان من عائلة وطنية، وقدم لي المساعدة والنَّصح".
سارعت للانضمام رغم الاعتقال والضَّغوط
انخراطها للعمل في اتحاد ستار الذي تأسس في عام 2005، ومجلس مدينة كوباني، كان بداية دخولها للعمل من أجل قضية المرأة، ولكن بشكل سري تحت ضغوط أسرتها "أعطاني زوجي الحرية لأقوم بواجباتي اتجاه قضيتي". لكنها اعتقلت عدة مرات من قبل النَّظام السوري، بسبب خروجها في الفعاليات والمظاهرات، "النظام عمل دوماً على قمع حرية الشعب الكردي وسلب حقوقه".
وتقول "كان من المعيب دخول المرأة إلى السَّجن، لأن المجتمع كان منغلق، لذا في كل مرة اعتقلت فيها لم أخبر أحداً غير زوجي عن طريق الهاتف لأنه كان خارج المدينة، ورأيت كيف كان النَّظام يعتقل النّساء والأطفال ويعذبهم عندما كانوا يخرجون للمطالبة بحقوقهم أو يحتفلون بمناسباتهم الوطنية، ويطلبون منهم أن يكونوا عملاء لهم".
كل ذلك حفزها على الاستمرار بعملها السياسي، وفي عام 2012 كانت كوباني المدينة الأولى التي تنجح ثورتها ويستلم السكان إدارتها، وبهذا فتح المجال أمام سارة خليل للعمل بشكل علني بكل قوة وتصميم، وبدأت بممارسة حقوقها المشروعة، عندما افتتحت دورات لتعلم اللغة الكردية، ومؤسسات مدنية عملت على تنظيم المجتمع، ودور للمرأة، وشكلت الكومينات والمجالس المحلية، عقدت الاجتماعات للأهالي لتوعيتهم وتنظيمهم.
عالجت الجرحى وأعدت الطعام للمقاتلين أثناء هجوم داعش
هاجم مرتزقة داعش كوباني، في أيلول/سبتمبر 2014 فبدأ من القرى وحاصر المدينة من جميع الجّهات، ونزح الأهالي إلى شمال كردستان. المرتزقة حاولوا احتلالها من خلال فرض سيطرتهم على قرية تلة مشتى النَّور، ولكن وحدات حماية الشَّعب والمرأة نفذت حملة لتحرير المدينة.
ولم تكن سارة خليل من بين المغادرين، بل ساعدت الجّرحى وقدمت لهم الطَّعام، تقول عن تلك الفترة "عاهدت نفسي ألا أغادر مهما حصل وأبقى جنباً إلى جنب مع الوحدات، لكن الوحشية التي استخدمها داعش، دفعت زوجي الذي كان في شمال كردستان للعودة مع بدء الهجمات، من أجل أن يخرجنا من كوباني لكيلا يصيبنا مكروه".
وهكذا أجبرت على النزوح "توجهنا إلى جامع المدينة ولكنهم استهدفوه، لذا انتقلنا إلى جامع آخر، هدفوا للسيطرة على مدينتنا وقالوا (سنصلي العيد في الجامع) ولكنهم فشلوا، وبقيت في شمال كردستان لمدة أسبوع، بينما ظلَّ زوجي يحارب إلى جانب المقاتلين، أما أنا فقد كرهت نفسي لأني خرجت من كوباني، وكنت أعاهد بعدم الخروج".
وعادت سارة خليل إلى كوباني بقوة وإرادة أكبر من ذي قبل، فهي لم تقبل أن تشاهد مدينتها تحترق بنيران المرتزقة "أرادوا إفراغ المدينة من أهلها ليسهل عليهم السَّيطرة عليها، ولكن أهلها بقوا قريبين عدة أمتار من نيران الهجمات، ومنهم من نام في العراء، والسيارات رغم برودة الطقس والجّوع". واستمر ذلك حتى تحرير المدينة في 26 كانون الثَّاني/ يناير 2015.
دعمت النَّساء اللواتي عانينَّ من ظروف الحرب
عقب التَّحرير وعودة الأهالي، ساعدتهم سارة خليل ولا سيما النَّساء منهم، واللواتي عانينَّ من ظروف الحرب، وعملت في مؤتمر ستار لدعم المرأة معنوياً ونفسياً "كنت أزورهنَّ وأستمع إليهنَّ، وأساعدهنَّ لإعادة تنظيم أنفسهنَّ، وبهذا انضمت العديد من النَّساء للعمل في المؤسسات المدنية".
بعد الإعلان عن الإدارة الذاتية الديمقراطية في مقاطعة الجزيرة عام 2014 انتقلت سارة خليل للعمل في مؤسساتها عام 2015 لمدة عام، لتنتقل بعد ذلك للعمل في حزب الاتحاد الدَّيمقراطي المؤسس منذ عام 2003.
ثم عملت في مجلس المرأة، وتقول "أصبح تنظيم النّساء في هذه المرحلة حاجة مُلحة، مما تطلب منا العمل المتواصل، ولا سيما في ظل الحرب الخاصة التي تمارسها الدولة التركية علينا".
وعلى الرَّغم من حرمانها من التَّعليم، تحب سارة خليل قراءة الكتب الكرديَّة والعربيّة، وتحب الاستماع للأغاني الثورية، إضافة لشغفها بآلة الطَّنبور والبزق.
وتأثرت بشخصية الشَّهيدة سارة، وبريتان وزيلان، وجميع شهيدات الحرية، اللواتي قاومنَّ من أجل حق المرأة بالعدالة والمساواة، وتؤكد "كل امرأة حاربت من أجل الحرية، وقاومت الظّلم، تزيد من إصراري على المواصلة، لذا على كافة النَّساء أن ينظمنًّ أنفسهنَّ، فالقائد عبد الله أوجلان كان أول المضحين بحريته من أجل حريتنا".