من داخل قرية تل الشاير ستظل هند وسعدة نجمتان لامعتان على الدوام

هند الخضير وسعدة الهرماس امرأتان لم تحنيا رأسيهما وناضلتا حتى أنفاسهما الأخيرة ضد ظلام داعش وكان لهما دور فعال في صنع القرار في نضال الحركات النسائية

هيلين كمو
الحسكة ـ .
تصدر خبر مقتل امرأتين رائدتين تحت التعذيب في الأيام القليلة الماضية جدول أعمال منظمات نساء شمال وشرق سوريا. وأحدثت الطريقة التي قتلتا بها حزناً وألماً كبيراً على المنطقة، وعبر جميع مواطني المنطقة عن غضبهم من تلك الحادثة. وللتعرف على المرأتين الرائدتين عن كثب، تواصلنا مع زميلاتهما في العمل وحصلنا منهن على معلومات عن حياتهما وسنشاركها مع قرائنا.
ولدت إسلام لطيف الخضير التي كانت تعرف باسم هند عام 2000 في بلدة تل الشاير التابعة لناحية الدشيشة في الحسكة. تعود أصولها إلى عشيرة الجبور. تزوج والدها مرتين وهند هي ابنة الزوجة الثانية، وتتكون عائلتها من تسعة أفراد، ثلاثة إناث وثلاثة ذكور بالإضافة إلى الأب والزوجتين.
أكملت هند الخضير تعليمها الابتدائي في مدرسة خداج في ناحية الدشيشة. ثم تابعت دراستها في ناحية الشدادي التابعة لمقاطعة الحسكة؛ بسبب عدم وجود مدرسة لتعليم المرحلة الإعدادية في القرية. لذا توجهت إلى ناحية الشدادي واستقرت في منزل خالها ودرست في مدرسة البيروني حتى الصف التاسع. عادت بعد حصولها على شهادة الإعدادية لتعيش مع أسرتها في بلدة تل الشاير.
 
 زوجوها في سن الخامسة عشرة
تُزوج بعض القبائل العربية بناتها في سن مبكرة. وكانت هند الخضير ضحية لهذه العادات والتقاليد، فقد قامت عائلتها بتزويجها من شخصٍ عراقي وهي في سن الخامسة عشرة. عاشت مع زوجها في شنكال (سنجار)، وبعد ثلاثة أشهر من زواجها أرادت زيارة عائلتها فعادت إلى تل الشاير، حيث كانت هند حامل في ذلك الوقت. وعند توقف حركة المرور بين الحدود السورية والعراقية، طلقها زوجها بحجة أنه لم يعد هناك طريق لتعود منه إلى العراق. فبقيت هند مع أسرتها وأنجبت مولودة أنثى. وقامت برعاية ابنتها التي تبلغ الآن أربعة أعوام بمفردها. 
حاولت المشاركة في أعمال وأنشطة الإدارة الذاتية وحماية حقوق المرأة عدة مرات، لكن الأسرة لم تكن تسمح لها بالمشاركة في العمل بسبب العادات والتقاليد. وبعد نضال مستمر بدأت في الأول من شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 2020 بالعمل في مجلس تل الشاير. قبل المشاركة في العمل بمدة تلقت تدريباً في مدينة تل حميس. تأثرت هند الخضير كثيراً باستشهاد الأمين العام لحزب سوريا المستقبل هفرين خلف والأم عقيدة، لذا أرادت تحرير المرأة من ظلم وطغيان السلطة وتعصب الأسرة والمجتمع.
 
 يقع عبء رعاية الطفلتين على عاتق سعدة
ولدت سعدة فيصل الهرماس عام 1993 في بلدة تل الشاير التابعة لناحية الدشيشة في الحسكة. وتعود أصولها إلى عشيرة الجحيش. درست حتى الصف التاسع الإعدادي، ثم تزوجت بعدها وأصبحت أم لبنتين. تبلغ مريم ابنتها الكبرى من العمر سنة وستة أشهر، أما الصغرى أمارا فتبلغ ستة أشهر. طلقها زوجها بعد أن تعاقب إنجابها للإناث مرتين متتاليتين، ليقع بعد ذلك عبء رعاية الطفلتين على عاتقها.
غالباً ما كانت هي أيضاً مثل هند الخضير تتواصل مع الإداريين في مؤتمر ستار لتشارك في أعمال ونشاطات المرأة، ولكن مصيرها كان مثل مصير الآلاف من النساء، فقد حرمتها عائلتها من تحقيق أحلامها وآمالها. ولكن بعد محاولات عدة وجهود كبيرة أصبحت في الأول من شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 2020 الرئيسة المشتركة لمجلس الدشيشة. ولأن هند وسعدة الهرماس كانتا من نفس البلدة تحققت رغبتها في نفس الشهر والعام وانضمتا إلى صفوف العمل.
 
لم توارى جثتهما الثرى لمدة ثمانية أيام 
تم تهديد كل من هند الخضير وسعدة الهرماس بقطع الرأس من قبل داعش في العديد من المرات، لكنهما لم تتخليا عن قضيتهما ونهج كفاحهما. وفي الثاني والعشرين من شهر كانون الثاني/ يناير عام 2021 هاجمت مرتزقة داعش منزلهما وحبست جميع أفراد الأسرتين في غرفة واحدة، ولم يفعلوا لهم شيئاً لأن هدفهم الرئيسي كان هند وسعدة. فقاموا بتقييد يديهما وعصب عينيهما وأخذهما ليتم فيما بعد العثور على جثتيهما وعليهما آثار التعرض لتعذيب وحشي.
بعد مقتلهما، مازالت عائلتي هند الخضير وسعدة الهرماس تتعرضان للتهديد من قبل داعش. لذلك لم يتم دفن جثتيهما لمدة ثمانية أيام. ولكن في 31 من شهر كانون الثاني/يناير عام 2021 تمت قراءة وثيقة استشهادهما في ناحية الشدادي التابعة لمقاطعة الحسكة ووري جثمانهما الثرى في تل الشاير البلدة التي ولدتا ونشأتا فيها.
 
"أرادتا أن تعيش جميع النساء بحرية وفخر واعتزاز"
تحدثت عضوة مؤتمر ستار في مقاطعة الحسكة ريما عيسى محمود عن مشاركة سعدة الهرماس وهند الخضير في العمل وقالت "نستذكر من خلال شخص هند وسعدة كل النساء اللواتي ضحين بأنفسهن على طريق تحرير المرأة، وعملن بجد دون كلل حتى آخر نفس، وننحني إجلالاً لهن ونعزي أهلهن وذويهن. لقد كانت سعدة وهند امرأتين ذكيتين جداً. صحيح أنهما عملتا لفترة وجيزة ولكنهما عملتا بنجاح. وعلى الرغم من أن عائلتيهما لم تسمح لهما بالخروج من المنزل، لكنهما استطاعتا الانضمام إلى الحركة النسائية والمشاركة في العمل. ولم تستطع الصعوبات والعوائق الوقوف أمام إرادتهم، لذا عملتا وقدمتا تضحية كبيرة. لقد بذلتا الكثير من الجهود. عملت كلتاهما لتحقيق نفس الهدف، فقد أرادتا أن تعيش جميع نساء العالم بحرية وفخر واعتزاز".
 
 "سنسير على خطاهم حتى آخر قطرة دم"
نظمت جميع المنظمات النسائية منذ اغتيالهن وحتى الآن العديد من الأنشطة المختلفة. وقد أشادت ريما محمود بأهمية تقدير وتكريم الحركات النسائية لهن، ووعدت بالسير على خطاهم وقالت "نعد كل شهداء نهج الحرية، بمواصلة السير على خطاهم. ولن ندع عمل سعدة الهرماس وهند الخضير يذهب سُدىً وسنهتم بجميع نساء العالم".