ملكة الأمازيغ وحاكمة شمال أفريقيا

قادت ملكة الأمازيغ ديهيا بنت ماتيا بن تيفان المعارك العسكرية ضد الرومان والبيزنطيين والعرب، تميزت بحس إنساني وسلوك حضاري مع الأسرى، لم ينصفها التاريخ لتتحول إلى ما يشبه الأسطورة ليصعب تصديقها كونها امرأة.

مركز الأخبار ـ لقبت بملكة البربر والأمازيغ، أنها ديهيا بنت تابنة بن نيفان ملكة جبال الأوراس، حكمت شمال أفريقيا 35 عاماً، قادت حملات طاحنة ضد الرومان والبيزنطيين وحتى العرب، أصبحت رمزاً للذكاء والتضحية كما اتصفت بقوة التنبؤ والتكهن لذلك سماها العرب بـ "الكاهنة".

 

ديهيا ملكة الأمازيغ وموحدة قبائلها

"العرب يسمونني الكاهنة، أي الساحرة، يعرفون أنني أكلمكم وأنكم تستمعون إلي، يندهشون لرؤية امرأة تحكمكم، لأن النساء كن تبعن في أسواق الجواري، بالنسبة لهم أجمل فتاة ليست إلا سلعة، ليس لها الحق في أن تتكلم أو يستمع إليها أحد، المرأة الحرة تخيفهم، وأنا في نظرهم الشيطان"، بهذه الكلمات صورت ديهيا بنت تابنة بن نيفان حال المرأة منذ آلاف السنين، لم تكن ملكة البربر أو الأوراس فقط لقد كانت قائدة عسكرية حكمت بلادها 35 عاماً، تمكن بذكائها وحنكتها من حفر اسمها في التاريخ الأمازيغي.

ولدت ديهيا بنت ماتيا بن تيفان عام 585 في مدينة ماسكولا أي خنشلة من الجزائر في العصر الحديث، حيث لم تكن هناك حدود في شمال أفريقيا وقبائلها يجمعها قاسم مشترك هو الأمازيغية، لم تكن حياة تلك القبائل تتسم بالهدوء والاستقرار وعرف عنها رباطة جأشها وبسالتها في القتال، عاشت 127 عاماً منها 35 عاماً حكمت فيها شمال أفريقيا.

على الرغم من قلة المعلومات حول طفولة ديهيا بنت ماتيا بن تيفان إلا أن بعض الباحثين في التاريخ والثقافة الأمازيغية توصلوا إلى أنها تلقت تدريبات خاصة بأبناء الزعماء والقادة منها التدريبات العسكرية والثقافية في الوقت الذي حُوط فيه دور النساء بالإنجاب والأعمال المنزلية، الأمر الذي جعلها مؤهلة لتولي زمام حكم قبيلة "جراوة" بعد مقتل والدها كسيلة على يد قيس بن البلوي، إلى جانب أنها اتصفت بالحنكة وقوة الشخصية، فقد تمكنت من توحيد القبائل الأمازيغية تحت رايتها بعد أن خاضت أعتى معاركها ضد الرومان والفاتحين.

 

امرأة في مواجهة أعتى جيوش الأرض

في هذه الأثناء عُين حسان بن ثابت لقيادة ما سمي آنذاك فتح شمال أفريقيا، وعندما تلقت ديهيا بنت ماتيا بن تيفان الخبر، ونظراً للشأن العظيم الذي نالته بين شعبها وقدرتها على التخطيط تمكنت من إعادة بناء جيوش البربر بعد هزيمتهم في معركة القيروان التي قتل فيها الملك كسيلة على يد قيس بن البلوي.

أولاً قادت عدة حملات ومعارك ضد الرومان وكانت آنذاك جيوشها عبارة عن الرعاة ومحاربين لا يملكون تلك الخبرة الكافية في خوض المعارك إلا أنها تمكنت من استعادة معظم أراضي مملكتها وحررت خنشلة وهدمت حصونها حتى لا تقع في براثن حسان بن ثابت الذي طردته حتى من تونس الحالية وطرابلس إلى منطقة تسمى في الوقت الحاضر بقصور حسان وهي في مدينة سرت، إلا أنها لم تكتفي بذلك فحسب بل خاضت معه معركة بجاية انتهت بتقدمها عليه وأجبرته على التراجع إلى برقة الليبية ليقيم فيها لمدة خمس سنوات.

سيطرت على شمال أفريقيا ولم تسعى خلالها للتخريب أو زهق أرواح قاطنيها أو حتى التنكيل بهم للثأر أو الانتقام من العرب بل على العكس أفرجت عن جميع الأسرى دون تعذيبهم، فوفقاً للمؤرخين تميزت ديهيا بنت ماتيا بن تيفان بالحس الإنساني والسلوك الحضاري، واحتفظت بأسير عربي هو خالد بن يزيد القيسي وتبنته وعاش بين أبنائها، وتؤكد بعض الروايات أنه هو من كان يزود العرب بالمعلومات عن تحركاتها.

 

سياسية الأرض المحروقة والملكة

بعد مرور الأعوام الخمس على هزيمة حسان بن ثابت حصل على الدعم من الخليفة الأموي آنذاك عبد الملك بن مروان، فتأكدت ديهيا بنت ماتيا بن تيفان أن ما سمي بالفتح الإسلامي قادم لا محالة مدركةً أنه ليس بمقدورها صده كما فعلت من قبل، ولجأت لسياسية الأرض المحروقة بعد أن أدركت أن الفتوحات تسعى لاستنزاف الثروات الطبيعية التي كانت مطمع الفاتحين، ولم تتقبل فكرة أن العرب غايتهم نشر الدين الإسلامي، وقالت جملتها الشهيرة "إن كنتم تزعمون أنكم جئتم برسالة من الله، فأعطونا إياها وأرحلوا".

ولقطع رجاء الفاتحين في الاستيلاء على شمال أفريقيا قامت بتدمير اقتصادها بهدم المدائن والقرى والحصون وقطع الأشجار وحرق المحاصيل والحقول انطلاقاً من طرابلس وانتهاءً بطنجة، وقالت للبربر "إنما العرب يطلبون من إفريقيا المدائن والذهب والفضة، ونحن نريد منها المزارع والمراعي، فلا نرى لكم إلا خراب إفريقيا كلها، حتى يأس منها العرب، فلا يكون لهم رجوع إليها إلى آخر الدهر"، أثار ذلك الخوف في نفوس الأفارقة الذين باتوا يظنون أن ملكتهم فقدت صوابها لذلك فضوا من حولها إلى الأندلس وسائر الجزر البحرية، الأمر الذي تسبب في تشتت شمل الأمازيغ وضعفت قوة ملكتهم مما أدى لخسارتها المعركة الثانية ضد حسان بن ثابت الذي قام بقطع راسها بمكان البير في جبل أوراس، على الرغم من خسارتها للمعركة إلا أنها أثبت أن الحروب التي تخوضها النساء لا تكون من أجل الإفساد في الأرض أو استعمار البلدان وإزهاق أرواح شعوبها إنما من أجل الدفاع عن الأرض وسيادتها فهن بطبعهن ميالات للسلام والاستقرار على عكس الرجال.

أكدت خلال مسيرتها العسكرية ديهيا بنت ماتيا بن تيفان أن الحرب لا يجب أن تكون من أجل الخراب والدمار والقتل والتشريد، فعندما أحسنت معاملة الأسرى أرادت أن توصل رسالة مفادها أن الحرب مهما كانت أسبابها وغاياتها يجب إلا تكون خالية من التسامح والتعاطف، كما أنها رغم التجاهل والتهميش الذي طال المرأة آنذاك إلا انها استطاعت أن تتبوأ مكانة عالية على مستوى شمال وشرق أفريقيا وحتى عند العرب الذين حاربوها، وحفرت اسم المرأة الأمازيغية غصباً عن التاريخ الذي لطالما همش النساء ودورهن.