مايا أنجيلو... شاعرة الإنسانية ملهمة الأمريكيين

اكتظت سجلات التاريخ ببطولات الرجل، لكنه تجاهل إسهامات المرأة وتأثير تلك السجلات التاريخية على المرأة ككل، ولم يمنحها حقها بالقدر الكافي على الرغم من نضالها الدؤوب

مركز الأخبارـ ، إلا أن ذلك لم يثبط من عزيمة المرأة، وسعت للخروج من كمّ هذه الإحباطات شامخةً قاهرةً لكل الظروف التي تجاهد أن تهمشها وتفنيها.
مارجريت آن جونسون أو مايا أنجيلو شاعرة وكاتبة أمريكية، امرأة مناضلة، وشخصية بارزة في النضال من أجل الحقوق المدنية للسود في الولايات المتحدة، كرست رسالتها للإنسانية كتبت وألقت وروت حولها، وقفت بثبات إلى جانب المرأة، وأنه بإمكانها أن تحقق ما تريد وخصوصاً المرأة ذات البشرة السوداء، وكثيراً ما عبرت عن معاناة أصحاب البشرة السوداء، وطبيعة النفس البشرية، وقوة الحب في مواجهة الحروب والدمار، وأثرت في العديد من النساء، وكان شعرها بمثابة المحرك الأساسي الذي يدفعهن إلى الأمام دون خوف.
أصدرت سبع سير ذاتية وخمس كتب في فن المقال والعديد من المجموعات الشعرية، وتنسب إليها قائمة من المسرحيات والأفلام والبرامج التلفزيونية التي امتدت على نحو أكثر من خمسين عاماً، حازت خلال مسيرتها على عشرات الجوائز التي تنصب على مرحلة طفولتها وتجاربها الأولى في مرحلة المراهقة، وتناولت سيرتها الذاتية الأولى "أعرف لماذا يغرد الطير الحبيس"، حياتها منذ لحظة ميلادها وحتى سن السابعة عشر، ومنحتها هذه السيرة اعترافاً وإطراءً على نطاقٍ عالمي واسع.
 
قرابة نصف عقد من الصمت
ولدت في 4 نيسان/أبريل 1928، في سانت لويس الواقعة بولاية ميزوري في الولايات المتحدة، وكانت المولود الثاني لبيلي جونسون  الحاجب وخبير الأغذية، وفيفان باكستر الممرضة وبائعة اليانصيب، عاشت طفولة قاسية، فعندما كانت في الثالثة انفصل والداها، وأرسلت مع أخيها الذي يكبرها بعام للعيش مع جدتهما آن هيندرسون في أركنساس.
كأمريكية من أصول أفريقية عانت مايا أنجيلو من آثار التعصب العرقي خلال حياتها في أركنساس، وبعد مضي أربع سنوات، قدم والدهما لاصطحابهما إلى رعاية والدتهما في سانت ليو، وعندما بلغت ربيعها الثامن تعرضت للاغتصاب من قبل صديق أمها، وقامت بإخبار أخيها الصغير بكل ذلك، الذي قم بدوره بإبلاغ بقية أفراد الأسرة، وعلى الرغم من إدانة الجاني إلا أنه لم يحكم عليه سوى بالسجن سنة واحدة، وبفعل ما تعرضت له من صدمات لم تستطع النطق قرابة الخمس سنوات، فكانت تعتقد كما قالت ذات مرة "أظن أن صوتي قتله، فقد قتلت هذا الرجل لأنني أفصحت عن اسمه، ومن ثم لن أقوى على الكلام ثانيةً، لأن صوتي بإمكانه قتل إي شخص آخر"، وعادت بعد ذلك إلى أركنساس لتمضي بعدها سنوات من الصمت.
أحضرت لها جدتها المدرسة بيرثا فلاورز كي، والتي كانت صديقة العائلة، لتساعدها على النطق مرة أخرى، وكانت المعلمة تقص عليها مؤلفات مترجمة لمجموعة من كبار الكتّاب، مثل تشارلز ديكنز ووليام شكسبير وإدغار ألان بو ودو غلاس جونسون وجيمس ويلدون جونسون، وكان لهؤلاء تأثيراً فعلياً وقوياً على حياة مايا، وحدثتها أيضاً عن الفنانات السود مثل الشاعرة والمؤلفة فرانسيس هاربر والكاتبة آن سبنسر.
وحسبما ذكرت المحررة والكاتبة من أصلٍ أفريقي ماريسا آن وزملاؤها، الذين قاموا بكتابة ترجمة مؤلفات مايا أنجيلو، فإنها تمكنت من خلال صمتها ذاك من تطوير وتقوية ذاكرتها الخارقة، وشغفها بالكتب والأدب، وقدرتها على الاستماع وإدراك العالم من حولها.
خلال الحرب العالمية الثانية انتقلت مايا إلى سان فرانسيسكو بكاليفورنيا، بعد أن حصلت على منحةٍ لتعلّم الرقص والتمثيل في مدرسة الرقص والدراما بكاليفورنيا، وقبيل التخرج شغلت وظيفة أول قاطعة تذاكر من أصول أفريقية في الترامواي بسان فرانسيسكو.
في عام 1952، تزوجت من البحار الإغريقي أناستازيوس أنجيلوس، واستوحت اسم مايا أنجيلو منه، ومن الاسم الذي أطلقه عليها أخاها عندما كانا صغاراً، لكنهما لم يستمرا طويلاً، وفي عام 1973 تزوجت من بول دو فو الذي كان نجاراً، وبقيا معاً حتى عام 1983.
 
حياتها المهنية
في منتصف الخمسينات بدأت مهنتها كممثلة، وكانت البداية في مشاركتها  بمسرحية بورجي آند بيس، ثم عام 1957، أخذت دوراً في مسرحية كاليبسو هيت ويف، وأصدرت ألبومها الأول "ملكة جمال كاليبسو"، والذي تضمن خمس أغاني من ألحانها.
عام 1961 أضحت بطلة لإحدى المسرحيات التي جالت أوروبا، فكانت المسرحية "ذا بلاكس" المرة الأولى لمايا تقف فيها بطلة على مسرح، وحصدت المسرحية نجاحاً كبيراً، إلا أنها أمضت معظم فترة الستينات خارج البلاد متنقلة، فكانت في مصر ثم غانا حيث اقتحمت مجال الصحافة والخطابة، وعملت كمحررة وكاتبة مستقلة، كما درست في جامعة غانا لفترة من الزمن، وتعلمت الكثير من اللغات أثناء رحلها، وخلال سنوات قليلة أتقنت العديد منها، بما في ذلك الفرنسية والإيطالية والإسبانية والعربية وفضلاً عن إحدى لغات غرب إفريقيا، وصارت ناشطة حقوقية بارزة، وتعرفت خلال رحلتها على الكثير من السياسيين والحقوقيين، منهم الناشط السياسي والإنساني مارتن لوثر كينج، الذي كان من المطالبين بإنهاء التمييز العنصري ضد السّود، والذي أصبح فيما بعد صديقاً مقرباً لها.
 
في كنف الكتابة
بعد عودتها إلى أمريكا شجعها صديقها الكاتب جيمس بالدوين على كتابة مذكراتها، وفي عام 1969 أصدرت كتابها الأول، والذي حمل عنوان "أعرف لماذا يغرد الطائر الحبيس"، والذي يدور حول السنوات الأولى من حياتها، ويتضمن الإصدار الأول من سلسلة من سبعة مجلدات تتحدث عن النمو النفسي والعقلي لمايا أنجيلو، من مرحلة الطفولة إلى مرحلة بلوغها، والكيفية التي تساعد بها كل من قوة الشخصية وحب الأدب في التغلب على العنصرية والآلام النفسية، ويسترسل الكتاب عندما يتم إرسال مايا وأخيها الأكبر إلى إيستامبس ليحيا مع جدتهما وينتهي عندما تصبح أماً في السابعة عشر من عمرها، وخلال أحداث الكتاب تتحول مايا من ضحية للعنصرية التي سببت لها عقدة الدونية إلى فتاة متزنة تتسم بالكرامة ورباطة الجأش، وقادرة على التصدي للتحيز ومواجهة الجائر، الذي يحاول سلب حقها.
حققت مذكراتها أفضل مبيعات ككتاب واقعي بقلم امرأة إفريقية أمريكية وجعلت منها كاتبةً شهيرة على مستوى العالم، وبإصدار تلك السيرة الذاتية، أصبحت مايا أنجيلو من أوائل الأمريكيات الأفارقة اللاتي تمكنن من سرد حياتهن الشخصية على مشهد من الناس، وحظيت باحترام كبير، وذلك باعتبارها المتحدث الرسمي للأمريكيين السود، وتعتبر أعمالها بمثابة جبهة الدفاع عن ثقافة الأمريكيين الأفارقة.
ورشح الكتاب لنيل الجائزة الوطنية للكتّاب عام 1970، وظل على الغلاف الخارجي لجريدة النيويورك تايمز، في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً لمدة عامين، وقد استخدم الكتاب في المناهج التعليمية بدءً من المدارس الثانوية إلى الجامعات، ولقي الكتاب قبولاً واسعاً، لخلقه آفاقاً أدبية جديدة للدراسات الأمريكية.
تتمركز كتبها في مناقشة موضوعات تعبيرية عديدة، منها على سبيل المثال العنصرية والهوية والأسرة والسفر والترحال، وتشتهر أنجيلو بأنها كاتبة سير ذاتية، ولكنها أيضاً شاعرة عظيمة، بالرغم من ردود الأفعال المتباينة على قصائدها.
بعد نشر مذكراتها تابعت مايا الكتابة، وفي عام 1972 كتبت "جورجيا جورجيا"، وهو فيلم دراما سويدي أمريكي، وأول انتاج سينمائي معروف كتبته امرأة سوداء، وبذلك أصبحت أول امرأة أمريكية من أصولٍ إفريقية يتمّ إنتاج فيلمٍ من كتابتها، وفي عام 1973 ترشحت لنيل جائزة توني للعروض المسرحية الأمريكية المتميزة، عن دورها في مسرحية "لووك أواي"، وفي عام 1977 ترشحت لنيل جائزة إيمي الأمريكية للأعمال التلفزيونية، لدورها عن المسلسل التلفزيوني القصير "روتس".
كتبت مايا عدة سير ذاتية خلال حياتها بما فيها، كتاب "جميع أطفال الله بحاجة إلى أحذية سفر" الذي نشر عام 1986، وهو الكتاب الخامس في سلسلة السيرة الذاتية لمايا أنجيلو، أما كتاب "أغنية مرمية إلى الجنة"، وهو الكتاب السادس ضمن سلسلة السيرة الذاتية ونشر عام 2002، لكن مذكراتها الأولى بقيت الأنجح والأهم بينها، كما أنها نشرت عدّة مجموعاتٍ شعريةً، مثل "فقط أعطني شربة ماء بارد قبل أن أموت"، وهي أول مجموعة قصائد لشاعرة وكاتبة أمريكية من أصل إفريقي، والتي ترشحت لنيل جائزة بوليتزر عام 1971.
وتعد قصيدتها "على نبض الصباح" الأهم، حيث كتبتها وألقتها في حفل تنصيب الرئيس بيل كلينتون الأول في كانون الثاني/يناير 1993، وحازت على جائزة غرامي، إحدى الجوائز الموسيقية الأربعة الكبرى، عن أفضل قصيدة بعد تسجيلها.
وفي عام 1998، خاضت مايا أول تجربة إخراجية لها في فيلم "في الدلتا"، كما قامت بكتابة العديد من المقالات المهمة، مثل كتاب "لن نأخذ شيئاً من أجل رحلتي الآن" الذي نشر عام 1993، وهو أول كتاب مؤلف من مقالات شاعرة أمريكية من أصل إفريقي، وفي 2008 نشرت كتابها الثالث "رسالة إلى ابنتي"، المؤلف من مقالات توجهت من خلالها بعدة نصائح للنساء الصغيرات، كما قامت بنشر عدة كتب حول الطهو، مثل كتاب "الحمد لله! مائدة الترحيب"، الذي نشر عام 2004، ويجمع 28 مقالة كتبتها مايا مع 73 وصفة، وكتابها الثاني حول الطبخ "طعام رائع طوال اليوم"، والذي نشر 2010، وفي عام 1998 فازت بجائزة اختيار الجمهور في مهرجان شيكاغو السينمائي الدولي.
وفي عام 2014، تلقت جائزة الإنجاز مدى الحياة من مؤتمر مسؤولي النقل للأقليات، كجزء من جلسة أطلق عليها اسم "النساء اللواتي يحركن الأمة". 
 
وفاتها
عانت مايا أنجيلو من مشاكل صحية لعدة سنوات، ورحلت في الثامن والعشرين من أيار/مارس 2014، عن عمر يناهز 86 عاماً، في منزلها في مدينة وينستون سالم في كارولاينا الشمالية، بعد أن قضت 50 عاماً في قيادة المشهد الأدبي في الولايات المتحدة، وذيع خبر وفاتها بسرعة، وعبّر الكثير من الناس عن أسفهم وحزنهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وكتبوا العديد من اقتباساتها، حيث قال الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في رحيلها "انطفأ أحد ألمع الأضواء في حقبتنا، لقد امتلكت أنجيلو القدرة على تذكيرنا بأننا جميعنا أبناء الربّ، وكلّ منا لديه ما يساهم به".
لقد وجدت مايا أنجيلو الحرية في التعبير الذاتي، واستطاعت السيطرة على حياتها، وقد كتبت عن العرق والنوع والحياة في قصائدها ومذكراتها، ولقد كتبت أشعاراً للدفاع عن حقوقها وحقوق الغير، وساعدتها أن تصبح ناشطة حقوقية بارزة، وتأرجحت موضوعات أشعارها بين الحب والموسيقى والمصاعب التي تجابهها النساء، والكفاح والتفرقة العنصرية، مما دفع الجموع أن يطلقوا عليها لقب "شاعرة الشعب"، واستطاعت أن تجعل من ظروفها السيئة جسراً تعبر من خلاله لعالم النجاح.