ماري كوري... سيدة النشاط الاشعاعي

انضمت إلى عائلة أنجبت أبرز العلماء المتميزين في مجالي الفيزياء والكيمياء، ساهمت أعمالها في تشكيل صورة العالم خلال القرنين الأخيرين، ماري كوري سيدة النشاط الإشعاعي وضحيته.

مركز الأخبارـ
 
ماري في بولندا
حياة ماري كوري مليئة بالألم والمعاناة ولكنها مليئة بالإرادة التي يمكن لأي شخص في العالم عازم على تغيير حياته التعلم منها، تلك التي تحولت من فتاة يتيمة الأم ومعدمة إلى أهم عالمة كيمياء في العالم.
ماري كوري هي أصغر اشقائها الخمسة ولدت لأبوين يعملان في مجال التدريس في السابع من تشرين الثاني/نوفمبر 1867 بمدينة وارسو البولندية. 
عاشت ماري سكوودوفسكا التي اخذت كنية زوجها "بيير كوري" فيما بعد، حياة بسيطة، كان والدها مدرساً للرياضيات والفيزياء، ومديراً لصالة العاب رياضية، بينما أدارت والدتها مدرسة داخلية للفتيات في وارسو.
تغيرت حياة ماري كوري بعد أن تغيرت الاوضاع المالية للعائلة بسبب انخراط والدها ووالدتها في العمل الوطني وفقدوا جميع ثروتهم، ثم اصيبت والدتها بمرض السل "الدرن"، وتدهورت حالتها الصحية إلى أن توفيت.
فقدت والدتها وهي ما تزال في الثالثة عشرة من عمرها، وبعد عامين من وفاة والدتها توفيت شقيقتها الكبرى والتي تدعى تسوفيا متأثرة بالحمى النمشية "التيفوس"، ألقت تلك الاحداث المؤلمة بظلالها على ماري كوري التي تحولت إلى "الا أدرية"، فلم تعد تؤمن بشيء بعد أن كانت كاثوليكية ملتزمة كوالدتها. 
عانت ماري كوري وإخوتها من صعوبات مادية ما حذا بها للعمل في مجال التدريس عندما كانت في الثامنة عشرة من عمرها، وفي تلك الفترة اتفقت مع شقيقتها برونيسلافا على أن تكمل الشقيقتان في باريس تعليمهما ويكون الدور الأول لشقيقتها التي ستدرس الطب من ثم تعود إلى بولونيا وتذهب ماري بدلاً منها، وبذلك تحصل الاختان على نصيبهما من التعليم.
عملت ماري كوري لدى اسرة تسورافسكي التي تعد من العائلات الغنية في مدينة تشيخانوف، ووقعت في حب كازمير تسورافسكي أحد افراد العائلة الذي أصبح فيما بعد من كبار علماء الرياضيات في مجال دراسة الثوابت التفاضلية والثوابت التكاملية لزمرة لي والهندسة التفاضلية وميكانيكا الموائع.
رفضت اسرة كازمير تسورافسكي زواجه من ماري الفقيرة واستغنوا عن خدماتها، بالمقابل لم يجرؤ الشاب على معارضة قرار عائلته، لكن حب ماري استمر ورفضت السفر إلى باريس للدراسة كما كان اتفاقها مع شقيقتها.
بحثت ماري كوري عن عمل جديد للوفاء بالاتفاق الذي قطعته لشقيقتها وهو تحمل مسؤولية مصاريفها ريثما تعود إلى بولندا وتسافر ماري بدلاً منها.
في عام 1890 رفضت دعوة شقيقتها للحاق بها إلى باريس بعد أن تزوجت الأخيرة من الناشط السياسي والفيزيائي كازيمير ديوسكي، كان الأمل في زواجها من ابن عائلة تسورافسكي قائماً لذلك الوقت ففضلت البقاء في بولندا والعودة إلى منزلها في وارسو.
تخلت عن أحلامها بالدراسة في فرنسا وفضلت البقاء في بولندا وجمع المال الكافي لتسطيع الدراسة في جامعة المدينة، واتجهت لإعطاء الدروس الخصوصية، لكن تم رفضها من قبل جامعة وارسو لكونها امرأة والجامعة مخصصة للذكور فقط وفي ذلك الوقت كان المجتمع ينظر بدونية للنساء ويرفض منحهن فرصة التعلم في الجامعات، وبهذا الرفض تكون الجامعة خسرت تعليم أهم عالمة في القرنين العشرين والواحد والعشرين، لكن لم يحبط ماري كوري هذا الرفض المتوقع وقررت الالتحاق بجامعة تدعى "العائمة"، وهي سرية تدرس الطلاب من الجنسين، وإضافة لدراستها تدربت في مختبر متحف الصناعة والزراعة الذي كان يديره أحد اقربائها.
بعد عام وتحديداً في تشرين الأول/أكتوبر من عام 1891، استجابت ماري كوري لطلبات اختها المتكررة وقررت السفر إلى فرنسا بعد أن فقدت الأمل من ارتباطها بـ تسورافسكي، فاشترت تذكرة قطار من الدرجة الثالثة لتسافر من العاصمة البولندية فرسوفيا إلى باريس، وحملت معها فراشاً وملابس وطعاماً يكفيها مسافة الرحلة التي تستغرق ثلاثة أيام. 
 
ماري في باريس 
في بداية وجودها بالعاصمة الفرنسية باريس سكنت مع شقيقتها وزوجها، ثم استأجرت ملحق صغير على سطح أحد المنازل، وانهمكت في الدراسة والعمل في مجال التدريس لتغطي نفقات دراستها وحياتها في الغربة، وتعود إلى بولندا.
يروى عن معاناة ماري كوري اثناء وجودها في فرنسا أنها لم تستطع دفع ثمن تكاليف التدفئة، فما كان منها إلا أن غطت نفسها بجميع الملابس والاغطية الموجودة في غرفتها، وفي موقف اخر أغمي عليها اثناء المحاضرة بسبب الجوع.
حصلت على درجة علمية في الفيزياء عام 1893، واحرزت المرتبة الأولى بين زملائها ونالت إجازتين جامعيتين في العلوم والرياضيات، ثم عادت إلى بولندا في اجازة لم تكن طويلة حصلت خلالها على منحة مالية من بلادها لمصاريف عام واحد لكنها تبرعت بتلك الأموال للطلبة الفقراء.
بعد عودتها إلى باريس عملت على دراسة الخواص المغناطيسية لأنواع الفولاذ وتعرفت على بيير كوري في ذات المختبر وكان يعمل أيضاً بالتدريس في مدرسة الفيزياء والكيمياء الصناعية في مدينة باريس، واشتركت معه الاهتمام بالمغناطيسية.
في لقائهما الأول تحدثت ماري كوري لبيير عن مشاريعها وطموحاتها وتجاربها ولاحظ بيير آثار الحروق التي خلفتها المواد الكيميائية على اصابعها وأعجب بطموحها، ومع مرور الأيام قويت العلاقة بينهما وفي إحدى اجازاتها في بولندا كتب لها قائلاً "لا بد أن نعيش جنباً إلى جنب لتحقيق اهدافنا العلمية والإنسانية سأنتظرك".
في ذلك الوقت كانت ماري كوري تحاول التسجيل في جامعة كراكوفيا البولندية لكن الجامعة رفضتها ليس لشيء إلا لأنها امرأة فشعرت بالإحباط وقررت العودة إلى فرنسا بعد تشجيع بيير لها.
عادت إلى فرنسا وتزوجت من بيير كوري في أواخر تموز/يوليو 1895، كانت ماري امرأة متكاملة استطاعت أن توافق بين واجباتها العائلية والتزاماتها العلمية، سميت وقتها بـ "مدام ماري"، وبعد ثلاثة أعوام من زواجهما انجبت ابنتها إيرين كوري.
 
اكتشافات ماري كوري
اهتمت ماري كوري وزوجها بالبحث عن عنصر اليورانيوم الذي اكتشفه العالم الفرنسي هنري بيكريل، وقال إنه معدن نادر يبعث اشعة قريبة للأشعة السينية، وقررت ماري أن يكون موضوع بحثها أي "رسالة الدكتوراه".
تشارك الزوجان كوري في العمل بالمختبر، الذي لم يكن سوى مشرحة قديمة ملحقة بمدرسة الطب، ورغم أن الغرفة غير مجهزة وسيئة التهوية وتنفذ مياه الامطار إلا أن أهم ابحاثهما نتجت من هذا المختبر، رغم التمويل الضعيف المقدم من بعض الشركات الصناعية والمنظمات والحكومات.
ركزت ماري كوري في ابحاثها على اشعاعات اليورانيوم واتخذت منه رسالة لبحثها واستفادت من جهاز يسمى بـ"الإلكترو متر" صنعه بيير وشقيقه قبل 15 عام من استعمالها له؛ وكان الهدف من ابتكاره قياس الشحنة الكهربائية.
بمساعدة الجهاز استطاعت اكتشاف أن الاشعاعات الناتجة عن اليورانيوم تجعل الهواء المحيط قابل لتوصيل الكهرباء، وساعدها الجهاز على وضع أول نتائج بحثها، ثم تتابعت الاكتشافات المتعلقة باليورانيوم حيث اكتشفت أن نشاط مركبات اليورانيوم يعتمد على كمية اليورانيوم بشكل أساسي، وبهذا الاكتشاف انتهت الفرضية التي تنفي انقسام الذرات.
وركزت ابحاث الزوجين على خامتين من خامات اليورانيوم وهما البتشبلند ويسمى اليورانينيت (هو خام معدني ذا نشاط اشعاعي يتشكل من ثاني وثالث أكسيد اليورانيوم وأكاسيد الرصاص والثوريوم والروديوم)، وعلى التوربرنايت الذي يوجد بشكل اساسي في رواسب الغرانيت وغيرها من الرواسب التي تحتوي على اليورانيوم. 
من خلال دراستها اكتشفت أن خام البتشبلند أكثر نشاطاً من اليورانيوم بأربعة أضعاف، والتوربرنايت أكثر نشاطاً من اليورانيوم بضعفين، وتحتوي هذه الخامات على كميات قليلة من مواد مشعة أخرى تفوق اليورانيوم في النشاط الاشعاعي.
في عام 1898 اكتشفت أن الثوريوم عنصر مشع، فازداد اعجاب زوجها بيير بعملها وترك أبحاثه لينضم للعمل معها في مجال النشاط الاشعاعي.
وقبل أن تنهي بحوثها بشكل كامل سجلت اكتشافاتها على شكل ورقة علمية مختصرة وقدمتها للأكاديمية؛ من أجل ألا يضيع عليها الاكتشاف إذا ما توصل إليه عالم آخر قبلها. 
وفي ذات العام نشر الزوجان كوري ورقة بحثية مشتركة أعلنا فيها اكتشافهما وجود عنصر جديد أطلقا عليه اسم "البولونيوم" نسبة إلى بلدها بولندا.
توالت اكتشافات الزوجين ففي 26 كانون الاول/ديسمبر 1898، أعلنا عن اكتشاف عنصر جديد وأطلقا عليه اسم "الراديوم"، وهو مسحوق أبيض يشبه الملح ويتسم بنشاط اشعاعي كبير.
وواجه الزوجان صعوبات كبيرة لفصل البولونيوم والراديوم حيث أن الحصول على كميات نقية من العنصرين أكثر صعوبة من اكتشافهما، واستغرق فصل جزء واحد من عشرة اجزاء من الغرام من كلوريد الراديوم أربع سنوات، وفي عام 1910، حصلت ماري على عنصر الراديوم النقي ولم تنجح في فصل عنصر البولونيوم. 
 
لأنها امرأة... واجهت ماري عدة تحديات 
رغم انجازاتها إلا انها تعرضت للتميز كونها امرأة ومن أحد المواقف استبعادها من القاء المحاضرة التي دعيت لها مع زوجها في المعهد الملكي بلندن والتي كان من المفترض أن تتحدث فيها عن النشاط الاشعاعي.
وعندما قررت الاكاديمية الملكية السويدية منح جائزة نوبل لبيير كوري وهنري بيكريل الفيزيائي الفرنسي الذي اشترك معهما في الاكتشاف الاشعاعي، كان من المستبعد مشاركتها لهما بالجائزة رغم أن فكرة دراسة ظاهرة الاشعاع هي فكرتها وقدمت مجهود كبير في البحث، لكن عالم الرياضيات ماجنوس جوستا متاج ليفلر وهو أحد اعضاء اللجنة ومن المدافعين عن العالمات أخبر زوج ماري كوري ما تنوي اللجنة عليه، وبعد أن علم بيير بنية استبعاد ماري أصر على اضافة اسمها للجائزة وبذلك اصبحت أول امرأة تفوز بجائزة نوبل. 
 
حياة ماري بعد جائزة نوبل الأولى
حصل الزوجان بالاشتراك مع هنري بيكريل على جائزة نوبل التي تسلماها في 1903، ومبلغ مالي وصل إلى ما يعادل مليون دولار وقام الزوجان باقتسامه مع المحتاجين والفقراء وتوظيف أول مساعد لهما.
في نفس العام حصلت على الدكتوراه من جامعة باريس وبعد عام انجبت طفلتها الثانية واسمتها "إيف".
ورغم حصولهما على جائزة نوبل إلا ان الزوجان كوري لم يحصلا على معمل خاص بهما، حتى تقدم بيير بشكوى إلى الجامعة التي وعدت بتأسيس معمل خاص بهما في الحرم الجامعي، وأصبح جاهزاً للعمل في 1906. 
صحيح أن ماري كوري استقرت في فرنسا لكنها لم تنقطع عن زيارة وطنها بولندا وكان اهتمامها ببلادها واضحاً من خلال تسمية أحد العناصر التي اكتشفتها بالبولونيوم نسبة إلى وطنها، إضافة إلى جلب مربية بولندية لتعليم بناتها لغتها الأم، وزياراتها المتكررة واصطحاب بناتها إلى بولندا.
 
وفاة بيير واستمرار العمل
توفي بيير بحادث سير مؤلم اثناء عبوره شارع دوفين بباريس حيث صدمته عربة خيول في 19 نيسان/أبريل 1906، كانت فاجعة بالنسبة لماري كوري التي فقدت زوجها وشريكها في الانتصارات والانكسارات، لكنها واجهت موته بقوة عملاً بما قاله لها حينما كانا يتحدثان عن المستقبل "إن هدفنا الأسمى هو خدمة الإنسانية لذا تحتم على من يبقى منا بعد الآخر إتمام الرسالة".
وبعد أقل من شهر من وفاة بيير وكتكريم له قرر قسم الفيزياء في السوربون منح ماري كوري منصب زوجها في الجامعة كأستاذ في القسم.
 
ماري الغريبة في فرنسا
لم تلاقي ماري كوري التقدير الكافي من فرنسا لا شعباً ولا حكومة وظل التعامل معها على أساس أنها أجنبية، في وقت تعاني منه فرنسا من الكراهية ضد الأجانب واليهود بعد قضية النقيب الفرنسي اليهودي ألفريد دريفوس واتهامه بالعمالة لألمانيا.
وتمت مهاجمة ماري كوري من قبل الصحافة الفرنسية اليمينية أثناء ترشحها لانتخابات الأكاديمية الفرنسية للعلوم بدعوة أنها أجنبية وملحدة، ونُشرت إشاعة تقول أنها على علاقة غير شرعية بتلميذ زوجها "بول لانجفان"، متزوج ويصغرها بخمسة أعوام، وفعلاً لم تحصل ماري سوى على صوت واحد لانتخابات الأكاديمية، بل على العكس تماماً تجمهر الناس غاضبين أمام منزلها فهربت إلى منزل أحد أصدقائها ريثما هدأ الوضع.
ولم تتلقى ماري كوري أي اعتراف رسمي من قبل الحكومة الفرنسية رغم مساهماتها الكبيرة في إنقاذ الجرحى خلال الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918).
هاجمت إحدى بناتها الصحافة الفرنسية قائلة "إن الصحافة الفرنسية متناقضة فهي تصور والدتي على أنها أجنبية عند ترشيحها لتكريم فرنسي وتحتفي بها على أنها فرنسية عند نيلها جوائز أجنبية". 
 
ماري تنفرد بجائزة نوبل في الكيمياء
لم تشعر ماري كوري بلذة النجاح عند منحها جائزة نوبل الأولى والتي تقاسمتها مع زوجها والفيزيائي الفرنسي هنري بيكريل، بعد تردد من قبل اللجنة السويدية المانحة كونها امرأة.
منحتها الاكاديمية السويدية للعلوم جائزة نوبل للمرة الثانية في عام 1911، لفضلها في تقدم الكيمياء بعد اكتشافها عنصري الراديوم والبولونيوم وفصلها معدن الراديوم، وبذلك أصبحت أول شخص يحصل على الجائزة مرتين في مجالين مختلفين.
 
ماري خلال الحرب العالمية الأولى
لم تكن ماري كوري بمعزل عن الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945) التي دارت رحاها في عدة دول ومنها فرنسا، لكن مشاركة ماري كانت إيجابية على نحو كبير فأسست أول مركز أشعة عسكري فرنسي لمعالجة الجرحى بالأشعة السينية، وطورت وحدات تصوير شعاعي صغيرة ومتنقلة عرفت بين السكان باسم كوري الصغيرة، وترأست الخدمات الإشعاعية التابعة للصليب الأحمر، وهي أول من أسس مركز أشعة عسكري فرنسي نهاية العام الأول للحرب.
جهزت ماري كوري بمساعدة طبيب عسكري وابنتها إيرين 20 عربة أشعة و200 وحدة اشعة للمستشفيات الميدانية، ودربت عدداً من النساء على العمل الاسعافي، وانتجت إبر جوفاء تحتوي على غاز "فيض الراديوم"، لتعقيم الجروح وتم علاج أكثر من مليون جندي بالأشعة السينية.
أصبحت ماري كوري عضواً في منظمة بولندا الحرة وأسست في عام 1932، معهد للعلاج بالراديوم في مدينة وارسو وهو مستمر حتى الآن تحت اسم "معهد ماريا سكوودوفسكا كوري للأورام".
 
ماري كوري مواقف إنسانية 
قال عنها ألبرت آينشتاين "أنها الشخص الوحيد الذي لم تفسده الشهرة"، فبالإضافة لتبرعها بالمنحة المالية التي حصلت عليها من وطنها بولونيا للطلبة الفقراء رغم حاجتها الماسة لها، انفقت معظم حصتها من قيمة جائزة نوبل على أصدقائها وأسرتها وطلابها وزملائها في البحث، وامتنعت عن تسجيل براءة اختراع فصلها للراديوم ليتسنى إجراء بحوث علمية على هذا الاكتشاف دون عوائق، وقامت بمنح القيمة النقدية والهداية والجوائز التي حصلت عليها للمؤسسات العلمية التابعة لها، وكانت هي وبيير يرفضون العديد من الجوائز والميداليات. 
 
إنجازات متعددة لماري في فرنسا وبولندا 
قال عنها أستاذ جامعة كورنيل الأمريكية البروفيسور بيرس ويليامز "أحدثت نتائج أعمال كوري عهداً جديداً وبالتالي أعيد النظر في أسس الفيزياء وقدم اكتشافها للراديوم طريقة جديدة لمحاربة مرض السرطان".
نجحت ماري كوري في فصل عنصر الراديوم عام 1910، ووضعت وحدة لقياس الانبعاثات الإشعاعية سمي بـ وحدة كوري.
في بولندا أمدت معهد الراديوم الذي افتتح في وارسو عام 1932 بالراديوم، وفي عام 1923، كتبت سيرة ذاتية عن بيير، بعنوان بيير كوري، وكتاباً آخر أسمته النشاط الإشعاعي، نشر عام 1935.
رضخت جامعة السوربون لتنفيذ مطالب ماري كوري بإنشاء مختبر خاص بها، وفي عام 1909، بادر معهد باستير والسوربون بإنشاء معهد الراديوم، الذي يعرف الآن بـ "كوري"، على اسم الزوجين وترأسته ماري.
خلال فترة استلامها إدارة معهد كوري فاز أربعة ممن تخرجوا أثناء قيادتها بجوائز نوبل ومنهم ابنتها إيرين جوليو كوري وزوج ابنتها فردريك جوليو كوري.
وضعت ماري نظرية النشاط الإشعاعي وينسب لها هذا المصطلح، وابتكرت تقنيات لفصل النظائر المشعة، وتحت إشرافها أجريت أول دراسة لمعالجة الأورام باستخدام النظائر المشعة.
 
ماري كوري ضحية العلم
تعرضت ماري كوري للأشعة وخاصة الأشعة السينية أثناء خدمتها الإنسانية في الحرب العالمية الأولى ولم يكن معروف في ذلك الوقت التأثير الخطير للأشعة، وأصيبت بفقر الدم اللاتنسجي بسببها.
في ربيع عام 1934 زارت وطنها وكانت تلك المرة الأخيرة التي تزور فيها بولونيا، وفي نفس العام وبعد عودتها إلى فرنسا توفيت في الرابع من تموز/يوليو في مصحة سانسيلموز بمنطقة شرق فرنسا، ودفنت إلى جانب زوجها في مقبرة ""Sceaux، الاختتام، وتكريماً لإنجازاتها نقل رفاتها إلى "البانتيون" مقبرة العظماء بباريس في عام 1995.
حفظت أوراقها وكتبها في صندوق مبطن بالرصاص لأنها كانت مشبعة بالمواد المشعة الخطرة وعلى من يريد مطالعة اوراقها ارتداء ملابس واقية.
 
كُتب خلدت سيرة ماري كوري
نشرت عن حياتها وانجازاتها الكثير من الكتب ولعل أهمها وأكثرها شفافية الكتاب الذي كتبته ابنتها إيف باسم "مدام ماري"، لتخليد ذكرى والدتها وتم نشره عام 1938 أي بعد نحو أربع سنوات من وفاتها.
وفي عام 1987 كتبت الصحفية والكاتبة والسياسية الفرنسية فرانسواز جيرو سيرة ماري كوري الذاتية بعنوان "ماري كوري: حياة"، وفي عام 2005 نُشر كتاب للكاتبة الأمريكية باربارا جولد سميث بعنوان "العبقرية الفريدة: العالم الخاص بماري كوري"، وآخر الكتب هو للكاتبة الأمريكية لورين ريدنيس بعنوان "النشاط الإشعاعي: ماري وبيير كوري، قصة حب وأحزان"، نشر عام 2011، واللافت في هذا الكتاب أنه يستطلع آراء المتضررين والمستفيدين من اكتشافات ماري كوري، كونها اكتشفت البولونيوم الذي يحوي أشعة الفا المستخدمة في السلاح الاشعاعي والتي تؤدي إلى الموت أو تسبب التشوهات والسرطانات وبالمقابل اكتشفت الراديوم الذي يعد من اهم علاجات السرطان. 
 
تكريم ماري كوري
رغم إنجازاتها الكبيرة في مجال الكيمياء والطب وخاصة اكتشاف الراديوم الذي يعد من أهم وأنجع الطرق المستخدمة في علاج السرطانات حتى الآن، إلا أن فرنسا لم تكرمها إلا في وقت متأخر فعرضت عليها جائزة وسام جوقة الشرف ولكن ماري كوري رفضت هذا الوسام فقامت الحكومة الفرنسية بتخصيص راتب شهري لها في ذكرى مرور 25 عاماً على اكتشاف الراديوم. والذي صادف العام 1920.  
كرمت ماري كوري أثناء حياتها وبعد وفاتها بعدة أوسمة والقاب وجوائز، ففي عام 2011 والذي يصادف مئوية جائزة نوبل الثانية لماري رُسمت جدارية على واجهة محل ميلادها في وارسو تصورها طفلة تحمل أنبوب اختبار، وفي عام 1912، عرضت جامعة وارسو العلمية عليها إدارة مختبر تم أنشاؤه حديثاً في المدينة لكنها رفضت ذلك المنصب؛ لتركّز على معهد الراديوم الذي اكتمل بعد عامين من ذلك.
سافرت إلى عدة دول لإلقاء محاضرات حول النشاط الإشعاعي وتلقت استقبالاً حافلاً في العديد منها مثل أمريكا وبلجيكا والبرازيل وإسبانيا وتشيكوسلوفاكيا وغيرها.
أسست ماري كوري صندوق "ماري كوري للراديوم"، لتمويل أبحاث الراديوم، وقدم لها الرئيس الأمريكي وارن جي. هاردينغ، عندما استقبلها بالبيت الأبيض عام 1921، جراماً من اليورانيوم جمع في الولايات المتحدة الأمريكية. 
نُصب لماري كوري تمثال في جامعة ماريا كوري_سكوودوفسكا في مدينة لوبلين ببولندا، وتمثال آخر عام 1935 أمام معهد الراديوم في وارسو. 
صنع الفنان البولندي جوزيف مازور لوحة لها من الزجاج الملون عام 1955، نصبت في الغرفة البولندية في جامعة بافالو.
وضعت صورتها على العملة المعدنية والطوابع في فرنسا وبولندا، وعلى طابع بريدي سوفييتي عام 1987.
اختيرت ماري كوري "المرأة الأكثر إلهاماً في العلم"، في استطلاع أجرته مجلة العلوم والتكنلوجيا البريطانية نيو ساينتست (العالم الجديد) في عام 2009.
خصصت كل من بولندا وفرنسا العام 2011 "عام ماري كوري"، وأعلنته الأمم المتحدة العام الدولي للكيمياء، واحتفلت غوغل بعيد ميلادها، كما احتفلت أكاديمية العلوم في نيويورك بالذكرى المئوية لجائزة نوبل الثانية التي حصلت عليها ماري كوري في الكيمياء.
 
اسم ماري كوري على الأماكن والعناصر الكيميائية
أطلق اسم ماري كوري على العديد من الأماكن حول العالم منها محطة مترو في باريس باسم "محطة بيير وماري كوري"، مفاعل نووي بحثي في بولندا، معهد كوري في وارسو وباريس، متحف ماري كوري في وارسو (1967).
كما تحول مختبرها في باريس إلى متحف فتح للزوار بداية عام 1992 وحتى الآن، وتحول البيت الذي ولدت فيه إلى متحف باسم "متحف ماري سكوودوفسكا كوري".  
سميت وحدة النشاط الإشعاعي بالكوري ويرمز لها بـ Ci، تكريماً للزوجين وأطلق أسم الكوريوم على العنصر الذي عدد ذراته 96، إضافة إلى إطلاق اسم كوري على معادن مشعة وهي كوريتوسكوودوفسكيت وكوبروسكوودوفسكيت.
 
مناصب وجوائز
كان أول منصب تحصل عليه ماري كوري هو العضوية في مدرسة الأساتذة العليا عام 1900، وبذلك أصبحت أول امرأة تحصل على هذا المنصب، ثم حصلت على مقعد زوجها كأستاذ في قسم الفيزياء بجامعة السوربون العريقة بعد وفاته بأقل من شهر في عام 1906.
أصبحت عضوة في اللجنة الدولية للتعاون الفكري التابعة لعصبة الأمم "الأمم المتحدة حالياً" في عام 1922.
حصلت ماري كوري على جائزة نوبل في الفيزياء في عام 1903 ثم حصلت في ذات العام على قلادة "ميدالية" دافي التي تمنحها الجمعية الملكية في لندن ببريطانيا للاكتشافات الحديثة في الكيمياء، إضافة إلى حصولها على ميدالية ماتيوتشي في عام 1904، واشتركت في جميعها مع زوجها بيير. 
فيما انفردت بجائزة نوبل الثانية في الكيمياء عام 1911، وقبل ذلك بميدالية إليوت كريسون عام 1909، وحصلت على ميدالية بنجامين فرانكلين من الجامعة الأمريكية للفلسفة 1921، وتشمل الجائزة سبعة مجالات منها العلوم والهندسة.
وفي بولندا نالت الدكتوراه الفخرية من معهد لوفوف للتقنيات المتعددة عام 1912، وجامعة بوزنان 1922، وجامعة جاغيلونيان في مدينة كراكوف البولندية 1924، ومعهد وارسو للتقنيات المتعددة في عام 1926.