ليلى قاسم... رمز يحتذى به وأسطورة خلدها التاريخ

أسطورة تلهم المرأة المناضلة من أجل الحرية والسلام وخالدة في حركة النضال وديمومة الحياة، ليلى قاسم قاومت كل أشكال العنف والديكتاتورية للنظام البعثي العراقي، وباتت رمزاً يحتذى به وأسطورة خلدها التاريخ.

مركز الأخبار ـ
ليلى قاسم اسمٌ لمع في سبعينات القرن التاسع عشر من خلال تضحياتها وصمودها حتى الموت، كما أنها نموذج للمرأة الكردية القوية التي تحملت طاغوت وعنف السجن، وقدمت أثمن ما تملكه في سبيل عزة شعبها الكردي وتحرره من نير الاستعباد والاضطهاد الذي يتعرض له باستمرار. 
 
حياتها الشخصية وإيمانها بحب الوطن والشعب
ولدت ليلى قاسم في ضواحي مدينة خانقين في قرية بانميل "المنطقة النفطية التي تقع على ضفاف نهر الوند" في 27 كانون الأول/ديسمبر 1952، لأسرة من الكرد الفيليين، نشأت وترعرعت ضمن عائلة يسودها الحب والحنان وتربت على مبادئ حبّ الوطن والشّعب وقد تعزز إيمانها بهما.
درست المرحلة الابتدائية في مدرسة مصفى الوند للبنات وهي في سنّ السادسة، واستمرت بتلقي تعليمها في مدينة خانقين لحين انتهاء المرحلة الثانوية عام 1972، وتم قبولها في جامعة بغداد في كلية الآداب "قسم علم الاجتماع"، تابعت دراستها وهي تحلم بتأمين الحقوق القومية لشعبها المستعبد، وبدأ مشوارها النضالي والسياسي بعد أن تعرفت إلى كوادر الحزب الديمقراطي الكردستاني في الجامعة عبر زملائها إيماناً منها بقضية شعبها وشعوب العالم المضطهد.
 
ملحمة خالدة في ذاكرة المرأة 
كسبت ليلى قاسم عضوية الحزب بسرعة لنشاطها وكفاءتها وتفانيها الواضح، وأصبحت من أنشط الوجوه الطلابية داخل الجامعة، وغدت ملحمة خالدة في ذاكرة المرأة، والشعب برمته.
امتازت بذكائها الحاد ووعيها اليقظ وحسّها الوطني، وأصبحت مَفخَرة لكل امرأة تسعى لأن تعيش حرة وترفض الذل والهوان، اهتمت بالجانب السياسي والاجتماعي والثقافي التي أهلها للدخول في صفوف اتحاد طلبة كردستان، والعمل الحزبي لاحقاً.
دخلت في معترك النضال القومي، حاملة معها قضية شعبها الكردي، فانغمست في النضال ورأت في الحزب الديمقراطي الكردستاني درب حياتها لذا نشطت في صفوفه عام 1973. 
 
أبدت استعدادها وجاهزيتها
في بداية عام 1974، فكرت ليلى قاسم في إنشاء صحيفة ولكنها لم تستطع الحصول على إجازة رسمية بذلك. وبعد انهيار اتفاقية 11 آذار/مارس (اتفاقية الحكم الذاتي العراقي ـ الكردي لعام 1970) في عام 1974، بين القيادة الكردية والسلطة العراقية الحاكمة، رحل رفاقها إلى مدن كردستان وجبالها، إلا أنها أبت اللحاق بهم واختارت البقاء في بغداد لتواصل نضالها ضد النظام الدكتاتوري العراقي، ولم تبال بما قد يؤول إليه مصيرها.
خلال وجودها في بغداد حاولت الاتصال بالعديد من رفاقها لإعادة تنظيمهم الحزبي من جديد، بعيداً عن أعين الأجهزة الأمنية، ولكن تلك المجموعة من الشبان لم تستطع الاستمرار لفترة طويلة في العمل السياسي نظراً لحصول اختراقات في التنظيم الحزبي، مما سبب في الكشف عنهم والايقاع بهم.
نتيجة للأحداث السياسية التي جرت في مناطق إقليم كردستان عام 1974، واشتداد وتيرة الملاحقة الأمنية للكوادر وأنصار الحزب في مختلف المدن العراقية، اقتحمت الأجهزة الأمنية والحزبية ضمن سلسلة الاعتقالات المنظمة منزل ليلى قاسم الكائن في مدينة بغداد بعد منتصف الليل 24 نيسان/أبريل 1974، وأُلقي القبض عليها بشكل تعسفي، بعد أن طُوقت المنطقة بأكملها، حاملين معهم أشدّ أنواع الأسلحة.
قبل أن يلقى القبض عليها، أدارت وجهها إلى والدتها، وطلبت منها ألا تحزن عليها وألا تلبس الملابس السوداء، لأنها ستقدم أغلى ما لديها فداءً لشعبها الكردي. لم تفقد ليلى قاسم شجاعتها وبسالتها، بل على العكس تماماً أثبتت قوتها وبراعتها عندما قامت بحرق وإتلاف كافة الأوراق والمستندات الحزبية، وواجهت الموقف بكل عقلانية وهدوء.
 
"لن أطلب الرحمة والعفو"
وُضعت ليلى قاسم في زنزانة انفرادية ومُنعت عنها الزيارة، وتم إطعامها بوحشية من قبل سلطات الأمن العراقية، ومارسوا بحقها كافة أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، وفقأوا عينها اليمنى، كما شوهوا جسدها بصورة فظّة أيام الاعتقال، لكنها صمدت أمام أدوات الإجرام البشعة وحتى أمام حبل المشنقة.
لم تدلي بأي معلومة عن أسرار الحزب، ولم يتمكنوا من كشف أي خلية من الخلايا الحزبية التي تجتمع معهم، حاول بعض المسؤولين نصحها لتقدم رسالة استرحام وندم إلى الرئيس العراقي أحمد حسن بكر لرفع عقوبة الموت عنها، لكنها رفضت وقالت "كل ما آمله هو العفو عني لفشلي في إنجاز المهمة التي ألقيت على عاتقي، ولن أطلب الرحمة والعفو من جلاد، ودمي فداءً لحرية وطني كردستان، أنا لست مجرمة، أنا مناضلة من أجل القضية المشروعة، وهي القضية الكردية، وسوف أضحي بروحي من أجلها".
 
مُحاكمة صورية غير قانونية
ليلى قاسم المدافعة عن حقوق شعبها من أجل الحرية والعدالة وحقوق المرأة عامة، هي إحدى المناضلات التي وقعت في فخ طغيان النظام العراقي البعثي، الذي اتهمها بزرع قنبلة في إحدى صالات السينما في بغداد، حسب تصريحات الحكومة العراقية. 
أجريت لها ولرفاقها محاكمة صورية غير قانونية من سيناريو حكومة البعث بقيادة رئيس المحكمة "طه ياسين رمضان الجزراوي"، وحكم عليهم بالإعدام شنقاً حتى الموت.  
قبل يوم من إعدامها سُمح لأهلها بزيارتها، فطلبت من أهلها أن يحضروا لها ملابسها الكردية، كي تلبسها يوم إعدامها اعتزازاً بالزي الكردي والملابس القومية، كما طلبت مقصاً لتقصّ بها خصلات من شعرها وتهديها لشقيقتها لتبقى ذكرى وشاهدة على نضالها وتحديّها للموت والطّغاة. في الساعة السابعة من مساء 12 أيار/مايو 1974، صعدت منصة الإعدام ووقفت أمام جلاديها بإباء وترفّع، وهتفت بأعالي صوتها "تحيا كردستان ويعيش شعب كردستان". 
تم تسليم جثمانها إلى ذويها في اليوم الثاني من تنفيذ الإعدام، كما منعوا أهلها من إقامة مراسيم العزاء لها، ودفنت في مقبرة وادي السلام في مدينة النجف الأشرف بعيداً عن ديار أهلها.
اجتاحت شوارع الكثير من المدن الأوربية التظاهرات استنكاراً لتلك العملية البشعة، حيث كانت أول عملية إعدام لامرأة في الشرق الأوسط وعلى أسس سياسية قائمة على التصفية الجسدية. 
أصبحت شهادتها رمزاً يحتذى به وأسطورة تخلدها التاريخ، وغدت مادة تلهب إلهام المثقفين من المفكرين والأكاديميين والشعراء والكتاب والفنانين، ففي تلك السنة التي تم إعدامها أطلق اسمها على معظم الولادات من البنات في عموم كردستان تيمناً بها. 
كانت المناضلة ليلى قاسم دائماً ما تقول لرفاقها وزميلاتها "لابد لأبطال الكرد من مواصلة المسيرة النضالية الشاقة لتستقيم عندهم الحياة بموازاة الشهادة".