حنان عشراوي... ناشطة سياسية دافعت عن حقوق الفلسطينيين

ناشطة سياسية تذّمر منها الأمريكيون والإسرائيليون في خضم مفاوضات السلام؛ بسبب حسمها الشديد في موضوع حقوق الفلسطينيين

مركز الأخبارـ ، وموقفها الثابت من قضية شعبها، حنان عشراوي بإتقانها للإنكليزية والتفاوض وفق النمط الغربي أحيت اللغة الفلسطينية أمام دول العالم.
 
مشاركتها في ندوات وفعاليات تضامنية 
تلقّت الناشطة السياسية حنان عشراوي بداياتها التعليمية في مدينة رام الله في مدرسة "الفرندز للبنات"، في عام 1964 انتقلت إلى بيروت اللبنانية لدراسة الأدب الإنكليزي في الجامعة الأمريكية، وانضمت إلى فرع "الاتحاد العام لطلبة فلسطين" في الجامعة وأصبحت الناطقة باسمه، كما انضمت إلى فرع "الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية". شاركت في عدة نشاطات تابعة للجمعيات مثل جمعية "الخامس من حزيران"، بالإضافة إلى مساهماتها في نشاطات إعلامية والعمل الاجتماعي في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في بيروت. 
تعود أصولها إلى مدينة رام الله في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المولودة فيها في 8 تشرين الأول/أكتوبر عام 1946. وترعرعت ضمن أسرة متعلمة والدتها تدعى وديعة أسعد ووالدها دواد ميخائيل، وتُعدّ الابنة الخامسة بين شقيقاتها، عاشت طفولتها بين مدينتي نابلس ورام الله، تزوجت عام 1975 من الفنان الموسيقي إميل عشراوي وأنجبت منه طفلتان زينة وأمل.
في عام 1969 سافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك التحقت بجامعة فرجينيا لمتابعة دراسة الدكتوراه، أسست هناك جمعية "الأصدقاء الأمريكيين لفلسطين حرة" في مطلع العام 1973، بالإضافة إلى مساهمتها في إنشاء فرع لاتحاد طلبة العرب في فرجينيا، ومشاركتها في ندوات وفعاليات تضامنية مع الشعب الفلسطيني. عادت حنان عشراوي أدراجها إلى فلسطين قبل أن تنتهي من أطروحتها في الأدب المقارن وأدب العصور الوسطى، كما وُجّهت إليها عدة تُهم وهي الإخلال بالأمن والمشاركة في التظاهرات، وتم توقيفها مرات عدّة بذريعة الحبس الاحترازي ليوم واحد في مناسبات محددة كذكرى الخامس من حزيران/يونيو وهو ذكرى احتلال القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، وذكرى وعد بلفور في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر 1917.
أنشأت "دائرة اللغة الإنكليزية" في جامعة بيرزيت وترأستها بين عامي 1973ـ 1978، عادت إلى أمريكا لإنهاء أطروحة الدكتوراه ومناقشتها في العام الدراسي 1981ـ 1982، وحال انتهاءها من المناقشة عادت إلى فلسطين وترأست دائرة اللغة الإنكليزية للمرة الثانية بين عامي 1981ـ 1984.
 
"نايت لاين" شخصية نسوية فلسطينية متميزة
نالت شهرة عالية بمواقفها القوية، فعُينت عميدة لكلية الآداب في جامعة بيرزيت عام 1986، تعرضت خلال عملها في الجامعة إلى الكثير من مضايقات السلطات الإسرائيلية إثر مشاركتها في الإضرابات والتظاهرات التي كانت تنظّم احتجاجاَ على انتهاك القوات الإسرائيلية لحرم الجامعة.
شغلت عضوية اللجنة السياسية للانتفاضة الشعبية الأولى التي اندلعت في كانون الأول/ديسمبر عام 1987، واحتلت مكاناً متميز في ندوات تلفزيونية في مختلف البلدان، وبدأ دورها واضحاً كوجه إعلامي فلسطيني عندما استضافها برنامج "نايت لاين" أربع مرات، والواقع أن قصة بروزها على المسرح السياسي والنشاط العام عندما مثلت فيه الجانب الفلسطيني بشكل قوي وفعال، ووجودها في موقع القرار كامرأة محاورة ومثقفة، عرفت على إثره في الدوائر الأمريكية بسيدة "نايت لاين". 
أصبحت الناطقة الرسمية باسم الوفد الفلسطيني وعضوة في لجنته التوجيهية بين عامي 1991 ـ 1993، التي أدهشت الحضور بأسلوبها ومنطقها الرصين يوم ألقت خطابها في جلسة المجلس الوطني الفلسطيني الذي انعقد في الجزائر في شهر أيلول/سبتمبر من عام 1991، فعدّت من أكثر الشخصيات الوطنية والسياسية النسوية الفلسطينية تميزاً في كافة الأصعدة.
انتخبت في كانون الثاني/يناير عام 1996 لعضوية المجلس التشريعي الفلسطيني عن مدينة القدس، وتولت رئاسة اللجنة السياسية فيه بين عامي 1996ـ1997، وبعدها شغلت منصب وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي عام 1998، لكنها تنحّت عن هذا المنصب احتجاجاً على عدم تنفيذ خطط الإصلاح الحكومي وخلافها مع القيادة الفلسطينية حول سير مفاوضات السلام. 
 
جمعت بين العمل الأكاديمي والسياسي
شغلت عضوية العديد من الهيئات الاستشارية لمؤسسات ومعاهد دولية منها "مؤسسة الدراسات الفلسطينية" و"المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية" في السويد، و"ميرسي كور الدولية" في واشنطن الأمريكية، و"معهد الأمم المتحدة لبحوث التنمية الاجتماعية" في جنيف السويسرية.
تولت رئاسة لجنة الإصلاح التشريعي خلال الفترة الممتدة بين عامي 2000ـ 2005، وأعيد انتخابها لدورة ثانية للمجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006 عن قائمة الطريق الثالث التي ترأسها سلام فياض، كما ترأست الكثير من المؤسسات والهيئات منها "الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان" لمتابعة وضمان توافر متطلبات حماية حقوق الإنسان في مختلف التشريعات الفلسطينية. 
تولت منظمة "المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العالمي والديمقراطية" بُغية تفعيل مبادئ الديمقراطية والحكم الصالح في المجتمع الفلسطيني والتأثير في صنّاع القرار والرأي العام تجاه القضية الفلسطينية عبر الحوار الفاعل والمتعمق والتبادل الحر للمعلومات والأفكار.
نالت مكانة عالية في منظمة "الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة" لمكافحة الفساد وتعزيز منظومة النزاهة والشفافية والمساءلة في المجتمع، وانتخبت عام 2009 عضوة في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ترأست "دائرة الثقافة والإعلام" فيها، واحتفظت بمنصبها حتى عام 2017.
 
"لن نسمح بمصادرة صوتنا"
بكلماتها المتينة وذكائها الحاد استطاعت أن تُبقي صورتها المشرقة على كافة الأصعدة والمحافل والمفاوضات وأجندة المرأة الفلسطينية المقاومة، وأن توجد لشخصيتها كياناً سياسياً وسط محاولات كسرها والنيل من عزمها تطرقت إليها في مذكراتها وكتاباتها ولقاءاتها.
"هذا الجانب من السلام" كتابها الذي صاغته باللغة الإنكليزية، تحدثت فيه عن الانتماء الفلسطيني، ومن أجمل مقتبساتها فيه "الآن وبعد مضيّ أكثر من نصف قرن على مأساتنا... لازال هناك ملايين الفلسطينيين الذين يعشقون أصولهم... لازال منهم من يخبرك أنه من حيفا أو يافا أو اللدّ أو أحدى قرى فلسطين المغمورة... بهذه الذاكرة التاريخية... أصبحنا أناساً يرفضون الغياب والتلاشي من ذاكرة التاريخ...".
والذي زاد من قناعتها في ضرورة عدم تضييع الفرصة المتاحة لمخاطبة العالم، عندما نظرت عبر اطلالة نافذة منزلها على مقر الإدارة المدنية الإسرائيلية المسيجة بالأسلاك الشائكة قالت حينها "لقد تم تجاهلنا بما فيه الكفاية ولن نسمح بمصادرة صوتنا"، فقد كان هذا الكلام سبباً في حماسها ودفعها في محاولة اقناع قيادة المنظّمة إلى عدم تضييع الوقت ومناقشتها في مؤتمر مدريد للسلام في أواخر تشرين الأول/أكتوبر عام 1991، بمراعاة ما تطلبه الولايات المتحدة.
كما أن عبارتها الشهيرة وموقفها من القضية الفلسطينية ماتزال بين أسطر التاريخ عندما قالت "إن حسرة فقدان فسلطين حرمتنا من شعور السعادة والاستمتاع بالانتماء إليها... الأمانة التي قلّدها الشعب الفلسطيني لهم في مرحلة ما كسلطة ممثلة لهم...".
طرحت وجهه نظرها بكلّ مصداقية ومنطقية في حقل أوسلو النرويجي، الذي وقعت عليه الحكومة الإسرائيلية ومنظمة التحرير الفلسطينية في 13 أيلول/سبتمبر عام 1993، والتي ارتأيت نقلها للعربية "لم تكن المسألة يوماً ما مسألة أرض، فالأرض لنا دوماً وهم من اغتصبوها... لقد ابتدأنا بنظرة للسلام وحلم بالحرية، ولكن أوسلو التي طُبخت بعيداً عن أعين المفاوضين الفلسطينيين، لم تكن أبداً ما قد أفنينا عمرنا من أجله، وعرّض سلامتنا ومستقبل أولادنا للخطر في سبيله".
لم تكن حنان عشراوي أداة سهلة بيد السياسيين ولم تكن راضية عن قراراتهم، فآثرت على بناء المؤسسات المستقلة عندما تنهدت وقالت "لم أبتعد عن السياسة، لا أستطيع أصلاً أن أبتعد عن حياتي... ولكن نعم، ابتعدت عن المناصب، فأصحاب القرار يستخدمون المرأة كرمز يقولون لها ناضلي، قاومي، تظاهري، استشهدي... لكن عند قطف الثمار الأمر مختلف تماماً".
خاطبت الأمريكيين في مفاوضات السلام بلغة التحدي والجبروت عندما قالت "في كل يوم نتأكد أنه ربّما من الأجدى أن نتحاور مع الإسرائيليين شخصياً بدلاً من اللجوء إليكم كوسيلة ضغط عليهم". واعتبرت صفقة القرن محاولة لتصفية القضية الفلسطينية بقولها "الصفقة محاولة للحصول على الشرعية لدولة الاحتلال، لكن نحن متمسكون بحقوقنا وندرك حجم المؤامرة، والمطلوب رصّ الصفوف والثقة بالقدرة على المواجهة، وفي النهاية سننتصر".
انتقدت المحاولات التي بذلتها إسرائيل من أجل استباق تقرير الأمم المتحدة حول قطاع غزة، إضافة إلى أنهم يحاولون التحكم بسرد الوقائع قائلة "يحاولون اختلاق رواية مضللة ومفبركة لتوليد رد فعل لدى الناس".
 
جوائز وأوسمة في مجالات قضايا المرأة ووضع السلام 
مُنحت حنان عشراوي شهادات الدكتوراه الفخرية من جامعات عربية وأجنبية غربية عديدة، كـ "جامعة سانت ماري، هاليفاكس" الكندية عام 2000، والجامعة الأمريكية في القاهرة عام 2003، والجامعة الأمريكية في بيروت عام 2008.
حصدت جوائز محلية ودولية في مجالات قضايا المرأة، وضع السلام والشؤون الدولية وحقوق الإنسان والتعليم العالي منها، منها جائزة "أولف بالم" عام 2002، وجائزة "المرأة العربية المتميزة للتدخل السياسي" من مركز دراسات المرأة العربية في دبي عام 2005، وجائزة "سيدني الأسترالية للسلام" عام 2003، وجائزة "المهاتما غاندي" التي قدمتها منظمة اليونيسكو عام 2005، وجائزة "صانع السلام" من مؤسسة السلام في الشرق الأوسط عام 1994.
نالت جائزة "الإنجاز المتميز" عام 1998، وجائزة "الخريجة المتميزة" من جامعة فرجينيا الأمريكية عام 1995، وجائزة "الزمالة الفخرية" بكلية سانت أنتوني في جامعة أكسفورد عام 2006، وجائزة "المواطنة العالمية" من جامعة تافتس، وجائزة "معهد القيادة العالمية" عام 2014، كما قلّدها القنصل الفرنسي هيرف ماغرو وسام الشرف الفرنسي "الاستحقاق الوطني برتبة ضابط" عام 2016.
 
"هذا الجانب من السلام"
كانت حنان عشراوي إلى جانب شخصيتها السياسية والأكاديمية شاعرة وناقدة، حيث برعت في مجال الشعر والنقد باللغة الإنكليزية مركزة في الغالب على دعم قضية شعبها الفلسطيني وحياة الفرد الذي سُلبت أرضه وحقه، واحتلت بلاده.
أصدرت عدّة مؤلفات عن الأدب الفلسطيني والنقد الأدبي، كما عرضت مقالات حول الثقافة والسياسة الفلسطينية، ومن أثارها "الشعر الفلسطيني المعاصر تحت الاحتلال" عام 1976، فيه تغطية شاملة لعالم الشعر ضمن نخبة من الشعراء الفلسطينيين. 
وحصل كتابها "هذا الجانب من السلام" الذي صدر عام 1995على اعتراف وتوزيع عالمي، قدّمت فيه شروحات وتفاصيل للجانب المخفي من عملية السلام التي امتهنت في إسرائيل وأمريكا كل المعايير الإنسانية، وهو لم يخصّص فقط لذكر عملية السلام وشخصياتها من كلا الجانبين، بل أثبت للعالم أجمع على استحالة المفاوضات مع القوات الإسرائيلية منذ فجر التاريخ إلى هذا اليوم.
لها مؤلفات أخرى منها "من الانتفاضة إلى الاستقلال" و"امرأة فلسطينية تتحدث"، و"مدخل إلى النقد العملي" و"مقدمة في النقد التجريبي". كما عقدت ندوة في الملتقى الفكري العربي عام 1986، عرضت فيها كتابها "القصة القصيرة في الأرض المحتلة". ومن أشهر قصائدها "الموت دفناً" كتبتها عندما أقدمت القوات الإسرائيلية على دفن أربعة شبان فلسطينيين أحياء في قرية سالم قرب نابلس، غير أن المزارعين أنقذوهم بعد رحيل جنود الاحتلال.
أسهمت الناشطة السياسية حنان عشراوي بدورها الفعال في تطوير المجتمع المدني الفلسطيني، وإيصال صوت فلسطين إلى بلدان العالم.