هدى شعراوي... رائدة الحركة النسوية في مصر

تعد من أبرز رائدات الحركة النسوية في مصر وتعتبر من أوائل النساء المشاركات في الكفاح المسلح ضد الاحتلال البريطاني على بلادها آنذاك

مركز الأخبارـ ، تحدت التقاليد واختارت قضاء حياتها في خوض النضال لفترة لا تقل عن خمسين عاماً على أن تنال المرأة حريتها وحقوقها في بلادها. إنها هدى شعراوي التي تنكرت لترف عائلتها على الرغم من أنها ولدت على فراش من ذهب لتصبح أيقونة للحرية تحتذي بها كافة نساء العالم.
 
نشأتها وتعليمها
في محافظة المنيا بصعيد مصر، ولدت نور الهدى محمد سلطان الشعراوي في الـ23 حزيران/يونيو عام 1879، لأسرة من الطبقة العليا، وهي ابنة محمد سلطان باشا رئيس مجلس النواب المصري الأول في عهد الخديوي توفيق، توفي والدها وهي طفلة في الخامسة من عمرها يوم الـ14 آب/أغسطس عام 1884 في مدينة جراتس بالنمسا إثر صدمتين عنيفتين أثّرتا في حالته الصحية إلى حد بعيد، فعاشت في القاهرة مع والدتها إقبال ذات الأصول القوقازية والتي كانت شابة صغيرة لم تبلغ الخامسة والعشرين من عمرها حينها إلى جانب أخيها خطاب وزوجة أبيها الثانية والتي كانت تناديها بـ"ماما الكبيرة"، وذلك تحت وصاية ابن عمتها علي شعراوي والذي أصبح حينها الوصي الشرعي والوكيل على أملاك أبيها بعد وفاته.
في سن التاسعة من عمرها، ورغم انتماء أسرتها للطبقة العليا في تلك الفترة، إلا أن تقاليد بلادها كانت حينئذ تحرّم العلم على النساء، لكنها تحدّت هذه التقاليد بأن علّمت نفسها بنفسها، فأخذت تتلقى دروساً في منزلها على يد معلمين أكفاء منها دروساً في اللغات كاللغة العربية، التركية والفرنسية، إلى جانب تعلم الخط والبيانو وحفظها للقرآن، كما كانت تشتري من أمام الباب خلسة الكتب العربية من الباعة المتجولين لأن ذلك كان محظوراً عليهم، مع عدم تمييزها لما تشتريه إلا أنها كانت تفضل شراء الكتب التي تحتوي على أشعار وذلك لأنها كانت تميل للشعر بفطرتها.
نظراً لحالة أخيها الصحية في ذلك الوقت، أشار الطبيب الذي كان يعالجه إلى أن يشتروا له مهراً صغيراً ليتعلم ركوب الخيل لأن هذه الرياضة تقوي الجسم وتنشط حركة الأمعاء وفي الوقت نفسه لا تتطلب مجهوداً كبيراً، وعندما علمت هدى شعراوي طلبت من عائلتها أن يشتروا لها واحداً أيضاً، ليحاولوا إقناعها بأن ركوب الخيل لا يليق بالفتيات، إلى أن خيرتها أمها بين الحصان والبيانو فاختارت هدى البيانو حيث كانت تميل بشدة للموسيقى، وهنا قالت هدى في نفسها "أكسب البيانو وأتمتع بركوب حصان أخي كلما أردت"، في إشارة منها إلى أنها كسبت الشيئين.
 
تأثير التفرقة الجنسية على حياة هدى شعراوي
استمرت الحال بهدى شعراوي هكذا لكونها انثى حتى وصلت لمرحلة تعرضت فيها للعديد من أوجه التفرقة الجنسية وفرض المزيد من القيود على حياتها، والتي كان من بينها اضطرارها للابتعاد حتى عن أصدقاء طفولتها من الذكور، ونتيجة لتزايد كل تلك الضغوطات عليها، لجأت إلى سرد مذكراتها وخاصة المتغيرات التي كانت تطرأ على حياتها والتي كانت بمثابة نقط تحول في شخصيتها وتفكيرها، ومن أهمها تفضيل أخيها الصغير "خطاب" عليها وإعطائه معاملة خاصة بالرغم من أنها تكبره بعشرة أعوام، وعن سبب تلك المعاملة قيل لها إنه يوماً ما سوف يصبح مسؤولاً عن إعالة الأسرة، لذلك فإن كونه ذكر يتيح له امتيازات أكثر، بالإضافة لكونه هو الولد الذي يحمل اسم أبيه وهو امتداد الأسرة من بعد وفاته، أما هي فمصيرها أن تتزوج أحداً من خارج العائلة وتحمل اسم زوجها.
إلى جانب ذلك، استذكرت هدى شعراوي في مذكراتها حدثاً آخر لطالما كان يحزّ في نفسها وهو موقف الاهتمام الزائد بأخيها من جانب والدتها والتي كانت لا تغادر الفراش، حيث شكّل هذا الموقف أولى الصدمات التي جعلتها تكره أنوثتها بحد وصفها فقط لأنها انثى، وبالرغم من غيرتها منه، إلا أن وفاته جعلها تشعر بالوحدة والأزمة لأنها كانت تحبه حباً متناهياً، وقالت في ذلك "كنت أحب أخي حبّاً متناهياً رغم غيرتي منه، وكان يزيد من عطفي عليه ضعف صحته، ويزيد من حبي له أنه سيحيي اسم والدي الحبيب، ويرفعه بما كان يتحلى به من صفات حميدة".
 
زواجها المفاجئ
ظلت هدى شعراوي تعيش في قالب طبقاً لمتطلبات أسرتها ومجتمعها وذلك لكونها انثى حتى وصلت لتجربة زواجها المريرة وهي طفلة في سن الثانية عشرة من ابن عمتها والذي يكبرها بأربعين عاماً والمتزوج والأب لثلاثة بنات، وذلك بترتيب من والدتها كونه الوصي عليها من بعد وفاة والدها وتم الزواج رغم رفضها للأمر، لأنها كانت أصغر بكثير من أن يسمع لصوتها الرافض آنذاك، وبحجة أنه لا يليق بالصغير أن يعارض أو يبدي رأياً، وإنما يجب عليه أن يتقبل كل ما يعرض عليه دون مناقشة أو معارضة.
هذا ولم تكتفي والدتها بتزويجها منه فحسب، بل تدخلت في نص عقد الزواج وجعلته ينص على أن يكون أحادياً، أي ألا يكتب أن زوج ابنتها متزوجاً من أخرى في العقد وإلا يعتبر العقد ملغياً، كما قامت بتغيير لقبها بعد الزواج من هدى سلطان إلى هدى شعراوي، وعن هذا الزواج كانت تقول هدى شعراوي في مذكراتها "إنه حرمها من ممارسة هواياتها المحببة في عزف البيانو وزرع الأشجار، وحد حريتها حيث كان يسلبها كل حق في الحياة"، الأمر الذي أصابها بالاكتئاب لفترة.
وتكمل قائلة "وحتى يوم حفلة زواجي، كنت أجهل الاستعدادات التي عملت من أجلي، ولا أعرف الجناح الذي أعد لي في المنزل… فأخذتني والدتي للفرجة عليه، وهنا أعترف بأن ما رأيته من الرياش الفاخر قد أدخل على نفسي شيئاً من السرور، وغابت عني الحقيقة التي كنت أخشاها أمام هذا الجمال الساحر".
وبعد عام من زواجها تبين أن زوجها عاد لزوجته السابقة فانفصلت عنه هدى شعراوي في عمر الرابعة عشر مع بقاءها على ذمته بمثابة فترة "استقلال" لسبع سنوات.
 
بدايات تكوين شخصيتها في المجتمع
بالنسبة لهدى شعراوي لم يكن الانفصال بالأمر المعيب أو المخجل لها حتى لكونها من أفراد الطبقة الرفيعة، بل على العكس، فبعد انفصالها وعودتها لمنزل والدها بدأت حياتها تأخذ مجرى آخر في الانفتاح، حيث كانت السنوات السبع التي انفصلت فيها هدى عن زوجها هي الفترة التي كونت فيها شخصيتها وذلك بفضل وضعها كامرأة متزوجة (لكن منفصلة)، مما أتاح لها فرصة استكمال دراستها للفرنسية، وتوسيع دائرة أصدقائها ومعارفها التي كانت محدودة منذ صغرها.
ففي بداياتها التقت بثلاث نساء كان لهن تأثير كبير في حياتها وهن عديلة نبراوي وهي صديقة مصرية لها، وعطية سقاف تركية من أقرباء والدتها من بعيد، وأوجيني لو بران والتي كانت سيدة فرنسية أكبر سناً منها ومتزوجة من رجل من الأعيان الأثرياء عين لاحقاً رئيساً للوزراء، وقد أصبحت أوجيني لو بران صديقة لهدى شعراوي ومرشدة وأم بديلة وقوة نسوية في حياتها.
لم تستمر حياة هدى شعراوي على تلك الحال، ففي سن الثانية والعشرين وتحت ضغط من أسرتها، استردت حياتها الزوجية عام 1900 ورزقت بابنتها بثينة وابنها محمد ووهبت لهما حياتها لعدة سنوات، ما جعل حياتها تصل إلى نقطة تحول دفعتها للخوض أكثر في اهتماماتها الخارجية.
 
ظهور النشاط النسوي ودور هدى شعراوي فيه
في تلك الفترة بدأت مظاهر التحولات الاجتماعية تظهر على نساء مصر واتسمت تلك المرحلة آنذاك بصورة من النشاط النسوي السري، حيث شهدت مصر حينها انطلاق المؤشرات الأولى للوعي النسوي لدى سيدات مثل هدى شعراوي وأخريات، بالإضافة لبداية الحركة النسوية المنظمة، وتزايدت أدوار النساء من مختلف الطبقات في المجتمع.
نجحت هدى شعراوي حينها بأن تصبح من الرائدات اللواتي ذاع صيتهن في مختلف أرجاء مصر، وبدأت تظهر الفرص التي فتحت المجال نحو عالم جديد وأدوار اجتماعية جديدة أصبحت فيما بعد جزءاً من جدول أعمال تلك الحركة النسوية المنظمة، أسست من خلالها هدى شعراوي ورفيقاتها العديد من الجمعيات الخيرية كـ جمعيات الخدمة العامة لمساعدة المحتاجين من النساء والأطفال، وأنشأن مستوصف لهم عام 1909 نظراً لارتفاع معدلات الوفيات وخاصة من الأطفال في البلاد آنذاك، في وقت كانت فيه المؤسسات الدينية في مصر هي المسيطر الأكبر على الخدمات الخيرية والاجتماعية.
 
رحلة الاستشفاء إلى أوروبا وتأثيرها على شخصية هدى
في بداية العقد الثاني من القرن العشرين ذهبت هدى شعراوي في رحلة استشفائية إلى أوروبا برفقة أخيها وزوجته وأولاده ووالدتها وذلك بعد عودتها لزوجها، سردت عنها في مذكراتها، حيث بينت مدى انبهارها بالمرأة الإنجليزية والفرنسية في تلك الفترة، وتعرفها هناك على بعض الشخصيات المؤثرة التي كانت تطالب بتحرير المرأة، وعند عودتها أنشأت مجلة "الإجيبسيان" والتي صدرت باللغة الفرنسية، كما ساعدت في إنشاء واحدة من أولى الجمعيات الفكرية في القاهرة والتي عقدت أولى محاضراتها عام 1909 والتي تناولت بجرأة موضوع الحجاب وقارنت بين حياة المصريات والأوروبيات، ما أتاح الفرصة لإنشاء منتديات خاصة للتحدث بين النساء المصريات وضيوف أجانب لتبادل الأفكار فيما بينهم، وتحدث النساء في المدارس والجمعيات وإنشاءهن للمزيد من الجمعيات والنوادي في القاهرة، كما نجحت قبلها بعام بإقناع الجامعة المصرية بتخصيص قاعة للمحاضرات النسوية.
 
توسّع نطاق الحرية لدى هدى شعراوي ورفيقاتها 
واجهت المرأة المصرية من جديد وبعد كل تلك التغيرات صراعاً شاقاً، فكان من غير المقبول اجتماعياً حينها أن تتحدث نساء الطبقة العليا في العلن، لهذا اتجهن للبحث على مساحة عامة للاجتماع، إلا أن الفرصة لم تتاح سوى للنساء الأجنبيات في هذا المجال، ويمكن القول أن المتحدثات من ضيوف هدى شعراوي كن صوتها البديل، وحينها عاد نشاط تلك النساء وأفكارهن بالانتشار في المجال العام، إلا أن الغالبية كانوا ينشرون مذكراتهن من المنزل ولكن باللغة الفرنسية، الأمر الذي جعل أصواتهن وأسمائهن تتخطى بكثير حدود تلك المنازل.
ولحياة أكثر انفتاحاً، لم تكتفي هدى شعراوي حينها من تلك المساحة التي حصلت عليها للتعبير عن حريتها وآرائها في المنتديات والأماكن المخصصة للحديث، فأخذت نشاطاتها تتوسع شيئاً فشيئاً إلى أن وصل صوتها للإعلام المصري، حيث قامت مع أفراد جمعيتها النسوية بنشر آرائهن في كتب ومقالات في صحف كانت رائدة حينها لنشر مفهوم "أن الأدوار الاجتماعية هي من صنع المجتمع وليس محدد من قبل الله"، على حد تعبيرها.
كما دعا عملهن حينها إلى قيام المرأة بأدوار تتجاوز نطاق الأسرة ودافعن عن حقها في التعليم والعمل، كما اتخذت هدى شعراوي موقفاً محافظاً تجاه النقاب، في حين أنها كانت تعي جيداً أن النقاب هو علامة قوية على العلاقة بين مفهوم الاختلافات الرئيسية بين الرجال والنساء، وقد فضلت أن تتبنى نهجاً تدريجياً تجاه خلع الحجاب لها ولغيرها، وبخصوص الزواج حرصت على رفع السن الأدنى للزواج إلى 16 عاماً للفتاة و18 عاماً للفتى.
لأول مرة وفي سنها الأربعين قررت هدى شعراوي أن تكسر قيودها علناً وأن تتحدث أمام الناس عام 1918، وذلك بعد سنوات من العمل في تنظيم الاجتماعات والنقاشات والزيارات الدولية، حيث تحدثت حينها خلال حدث كان بمثابة تأبين نسوي في جامعة القاهرة لإحياء ذكرى الأيقونة النسوية ملك حفني ناصف باحثة البادية التي توفت نتيجة إصابتها بمرض الحمى الإسبانية.
 
انطلاق الاحتجاجات الشعبية ودور هدى في إدارتها
في أواخر الحرب العالمية الأولى بدأت أولى شرارات الاحتجاجات الشعبية ضد السياسة البريطانية في مصر تُقدح، أسس نتيجتها زعماء الحركة الوطنية وفداً مصرياً للمطالبة بالاستقلال برئاسة سعد زغلول ونائبه علي شعراوي زوج هدى شعراوي إلى جانب مجموعة كبيرة من السياسيين المصريين، وعندما تم ترحيل سعد زغلول ونفيه من قبل البريطانيين هو ومجموعة من رفاقه، انفجرت ثورة 1919 بقيام المظاهرات والاحتجاجات التي عمت أرجاء القاهرة والإسكندرية، عملت حينها هدى إلى جانب زوجها في الكفاح الوطني، من خلال حشد شبكة النساء والمساعدة في تنظيم أكبر مظاهرة نسائية مناهضة لبريطانيا، احتشدت فيها النساء في الشوارع لأول مرة تنديداً بالعنف والقمع الذي تمارسه السلطات البريطانية ضد الشعب المصري، واحتجاجاً على القبض على الزعماء الوطنيين.
كانت تلك المظاهرة هي الأولى، وسرعان ما لحقتها غيرها من المظاهرات النسائية، انتقلت عدواها من الطبقة الأرستقراطية إلى شرائح الطبقة الوسطى، ومنها إلى نساء الطبقة العاملة، اللاتي سقطت منهن شهيدات، في حين تميزت غالبية النساء المشاركات في تلك الاحتجاجات بمستوى تعليم عالٍ بالإضافة لإتقانهن العديد من اللغات.
في عام 1920، انتخبت هدى شعراوي رئيسة للجنة الوفد المركزية للسيدات والتي أسستها النساء المشاركات في تلك المظاهرات والمتزوجات من زعماء وفديين، والتي لعبت الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945) دوراً مهماً في توسيع نطاق الدعم الشعبي له، من خلال تعزيز صلته بباقي الجمعيات النسائية، إلى جانب دوره الهام والمؤثر في الضغط على الحكومة البريطانية خلال مفاوضات الاستقلال على ضوء نفي سعد زغلول.
 
دور هدى شعراوي في الإفراج عن المعتقلين الزعماء 
رغم وفاة زوجها استمرت هدى شعراوي بالعمل بنشاط كرئيسة للجنة الوفد المركزية للسيدات في خضم الحركة الوطنية، حيث واصلت مع نساء الوفد حملتهن المطالبة بعودة الزعماء الوطنيين المحتجزين خارج البلاد، بالإضافة لوقف الاستبداد الذي يمارسه البريطانيون في مصر، ونتيجة لكل تلك الضغوطات على بريطانيا لم يكن لديها خيار آخر سوى الإفراج عن سعد زغلول وزملائه عام 1921 وإعادتهم من المنفى إلى مصر.
 
تأسيس الاتحاد النسائي المصري
في الـ16 من آذار/مارس عام 1923 أي في الذكرة الرابعة لأول مظاهرة للنساء الوطنيات في مصر، تم تأسيس الاتحاد النسائي المصري وانتخبت هدى شعراوي رئيسة له، لكن عقب الاستقلال تجاهل الدستور المصري الذي صدر دور النساء في الكفاح من أجل التحرير وقصر ممارسة الحقوق السياسية على الرجال المصريين، ما دفع هدى شعراوي للتعبير عن خيبة الأمل التي شعرت بها هي وباقي النساء جراء الوعود التي قطعها الرجال الوفديون خلال الكفاح من أجل التحرر والتي لم يوفوا بها، ما أدى إلى انطلاق الاتحاد النسائي المصري بمرحلته الجديدة للمطالبة باسترداد الحقوق الضائعة للمرأة المصرية.
 
هدى شعراوي ومناصرة القضية الفلسطينية
حملت هدى شعراوي على عاتقها مسؤولية انتشار الفكر النسوي في العالم وأكملت دورها بصورة مباشرة كقوة دفع لانخراط أكبر عدد من النساء المصريات وغيرهن من جنسيات أخرى في مجالات مختلفة، كما استطاعت أن تدفع بـ"النسوية" للأمام بمواقفها الثائرة، حيث أنشأ الاتحاد النسائي المصري مجلة "المرأة المصرية"، وباعتبار أن هدى شعراوي رئيسة الاتحاد النسائي المصري، دعيت للضغط على بريطانيا عقب اقتراحها تقسيم فلسطين، ومن هنا بدأ دور هدى في مناصرة القضية الفلسطينية والدفاع عنها، فنظمت أول مؤتمر نسائي للدفاع عن فلسطين عام 1938، وبعد قرار التقسيم سنة 1947، دعت النساء إلى تنظيم جهودهن لجمع المال وإعداد الكساء وجمع متطوعات للعمل في التمريض وإسعاف المصابين الفلسطينيين.
 
مشاركة هدى شعراوي الواسعة في المؤتمرات الدولية
خلال مسيرتها شاركت هدى شعراوي في حياتها في العديد من المؤتمرات النسائية الدولية، وكان أول مؤتمر دولي للمرأة شاركت فيه عام 1923برفقة صديقتيها نبوية موسى وسيزا نبراوي، كما كانت من بين المؤسسين للاتحاد النسائي العربي وتولت رئاسته عام 1935. 
وفي الـ 18 من نيسان/أبريل من نفس العام، عقد المؤتمر النسائي الدولي الثاني عشر في اسطنبول مكوناً من اثنتي عشرة سيدة، وقد انتخب فيه هدى شعراوي نائبة لرئيسة الاتحاد النسائي الدولي.
أكملت هدى شعراوي مسيرتها في حضور المؤتمرات الدولية، ففي عام 1926 حضرت مؤتمر باريس، ومؤتمر أمستردام عام 1927، ومؤتمر برلين عام 1927، ودعمت إنشاء نشرة "المرأة العربية" الناطقة باسم الاتحاد النسائي العربي، وفي عام 1944 قامت بعقد المؤتمر النسائي العربي والذي كان من أهم قراراته التي اتخذت فيه حينها، المطالبة بالمساواة في الحقوق السياسية مع الرجل، تقييد حق الطلاق، تقييد تعدد الزوجات إلا بإذن من القضاء، كما أنشأت في عام 1925 مجلة l'Egyptienne بالفرنسية، وتبنت قضية تعليم المرأة وحقها في العمل السياسي، إضافة إلى ذلك تأليفها لكتابين الأول بعنوان "السلام العالمي ونصيب المرأة في تحقيقه" والثاني بعنوان "مذكرات هدى شعراوي".
حازت هدى شعراوي في حياتها على عدة أوسمة ونياشين من الدولة في العهد الملكي، كما أطلق اسمها على العديد من المؤسسات والمدارس والشوارع في مختلف مدن مصر.
 
تناقضات في حياة هدى شعراوي
كونها من النساء الرائدات في الدفاع عن حرية المرأة لم يمنعها من التصرف كأي أم، دائماً ما تكون حريصة على اختيارات أولادها في حياتهم وخاصة في الأمور التي تتعلق بالزواج، فبالرغم من الجانب الذي اتسمت به في حياتها حول دفاعها عن حرية المرأة ومناداتها بالمساواة بينها وبين الرجل، إلا أن الجانب الآخر ظهر عكس ذلك، فرفضها زواج ابنها محمد الشعراوي من المطربة فاطمة سري ورفضها إثبات نسب حفيدتها خير دليل على ذلك، وهذا ما جعلها في نظر البعض لم تتجاوز من انتقدتهم في مسيرتها والتي كانت توجه إليهم اللوم وتثور عليهم بدعوى أنهم يمنعون المرأة من الحصول على حقوقها، متسائلين عن كيفية ملاحقتها لامرأة مثلها وحرمانها في أن تتزوج ممن أحبت بدعوى أنها مطربة أو ممثلة وهو ابن باشا.
في حين يرى البعض أن أمر هذه المطربة بالذات مختلف بالنسبة لهدى شعراوي، إذ من المعلوم أن عشرات المطربات والممثلات في ذلك الوقت تزوجن من الباشوات والأعيان، ولم تبدي هدى أي رد فعل سلبي على ذلك، بل كانت من المشجعات لهذا الزواج، وهذا يعني أن الأمر هنا مختلف تماماً خصوصاً إذا كان هذا الباشا هو ابن هدى شعوراي نفسها.
 
رحيلها
هدى شعراوي التي عاشت طفولتها في مجتمع عربي كانت حرية نساؤه مطمورة تحت ظلمة التبعية للرجل، تنقلت في حياتها من محطة لأخرى وهي تحاول بكافة قواها وبكل ما لديها من قدرات أن تكسر قيود تلك التبعية لتسوق نفسها ونساء بلدها المقيّدين نحو الخلاص، لترحل عن العالم بسكتة قلبية بعد كفاح طويل في قضايا المرأة وهي على فراش مرضها في الـ 12 من تشرين الثاني/نوفمبر 1947، عندما كانت جالسة تكتب بياناً عقب اسبوعين من صدور قرار التقسيم في فلسطين من قبل الأمم المتحدة، طالبت فيه الدول العربية بأن تقف صفاً واحداً إلى جانب تلك القضية.
ومنذ ذلك اليوم رحلت هدى شعراوي بعدما كسرت القفص المجتمعي المرصع بالأمان الزائف وفتحت أبواب الحرية أمام نساء مصر الأسيرات اللواتي بدأن بالحصول على حقهن في المشاركة المجتمعية في البلاد شيئاً فشيئاً، وها هو اليوم قبرها المتواجد في مسقط رأسها في مصر يتردد عليه أناس من جنسيات مختلفة ليروا عبره جانباً من تاريخ مصر الذي خاضته أيقونة الحرية هدى شعراوي.
 
حفيدة هدى شعراوي تستكمل سيرتها في مذكراتٍ جديدة
بمناسبة مرور 100 عام على ثورة 1919 أصدر المركز القومي للترجمة في مصر الطبعة العربية من كتاب "وكشفت وجهها"، عن حياة هدى شعراوي بقلم حفيدتها سنية شعراوي، والذي تستكمل فيه الحفيدة سيرة الجدة وتبني نصاً متخيلاً يستكمل السنوات التي غابت عن مذكرات هدى شعراوي رائدة تحرير المرأة في مصر.
يعتمد النص اعتماداً كاملاً على مذكرات هدى شعراوي بإضافة جديدة، حيث استكملت سردية جدتها بعنوان "إسقاط النقاب"، وتبدو الطبعة الجديدة وكأنها رواية جديدة من الحفيدة لحكاية الجدة تعيد بناء تجربتها التاريخية والإنسانية.
هذا فيما عرضت الشاشات التلفازية عقب رحيلها مسلسلاً باسم مصر الجديدة يتحدث عن الفترة التي عاشتها والوضع السياسي المتردي في تلك الفترة.