هارييت توبمان... من العبودية إلى رمز للحرية

يروي فيلم "هارييت" السيرة الملهمة للناشطة الأمريكية هارييت توبمان، التي تحدّت العبودية وقادت مئات العبيد نحو الحرية.

مركز الأخبار ـ يُجسّد فيلم "هارييت" رحلة امرأة وجدت ذاتها وسط الظلم وانتزعت حريتها بإرادة لا تُقهر، ويعكس جانباً من السياسات والتمييز العنصري.

فيلم "هارييت" من إخراج كاسي ليمونز وتأليف مشترك بينها وبين غريغوري ألين، يُصنَّف ضمن أفلام السيرة الذاتية والتاريخ. عُرض لأول مرة عام 2019، يروي قصة حياة الناشطة الشهيرة هارييت توبمان، التي ناضلت ضد نظام العبودية في الولايات المتحدة. تجسّد دور البطولة الممثلة سينثيا إيريفو.

يُعد هذا الفيلم من أبرز الأعمال السينمائية التي تناولت السيرة الذاتية لشخصية تاريخية مؤثرة، ينتمي إلى فئة الأفلام التاريخية والسير الذاتية. يسلّط الضوء على حياة المناضلة هارييت توبمان، التي كرّست حياتها لمناهضة العبودية وتحرير المستعبدين.

ففي عام 1849، كانت أرامينتا "مينتي" روس، الاسم الأصلي لهارييت توبمان، تعيش في ولاية ماريلاند وتعمل كعبدة في مزرعة رجل يدعى بروديس إلى جانب والدتها وإخوتها. وبما أن والدتها كانت مستعبدة، فقد وُلد جميع أبنائها في العبودية أيضاً، كانت "مينتي" تحلم بالحرية، لا لنفسها فحسب، بل لأطفالها المستقبليين أيضاً، متمنية أن يولدوا أحراراً. وعندما عبّرت عن رغبتها هذه لأصحاب المزرعة، قوبلت برد فعل عنيف وغاضب من قِبل مالك المزرعة، مما كشف عن قسوة النظام الذي كانت تعيش فيه.

وبعد وفاة مالك المزرعة، يقرر ابنه الأكبر بيع "مينتي"، مما يدفعها إلى اتخاذ قرار الهروب بحثاً عن الحرية. خلال رحلتها، تبدأ في رؤية صور وسماع أصوات غامضة، تبدو وكأنها ترشدها نحو طريق النجاة. هذه الرؤى والمظاهر الغيبية تستمر في الظهور طوال الفيلم، خاصة في لحظات الشدة التي تمر بها "مينتي"، لتصبح جزءاً من تجربتها الروحية والنفسية.

ورغم أن الفيلم من إخراج امرأة، إلا أن تصوير التحرر وكأنه نتيجة لتدخل إلهي أو رؤى غيبية، يُضعف من قيمة النضال النسائي ويُهمّش قدرات المرأة العقلية والفكرية. فبدلاً من إبراز قوة الشخصية النسائية وكفاحها، يُقدَّم التحرر وكأنه هبة سماوية، مما يعكس هيمنة العقلية الذكورية التي تُقلل من شأن إنجازات النساء وتُخفي نضالهن الحقيقي خلف ستار من الغموض والمثالية الدينية.

من أكثر المشاهد إثارة في الفيلم هي لحظة محاصرة "مينتي" من قِبل أصحاب المزرعة على جسر، أثناء محاولتها الهروب. في تلك اللحظة المصيرية، تصرخ بشجاعة "الحرية أو الموت"، ثم تقفز في النهر، متحدية الخوف والمصير.

بعد رحلة طويلة وشاقة قطعتها سيراً على الأقدام، تصل إلى ولاية بنسلفانيا، حيث تتعرف على منظمة تُدعى "جمعية مناهضة العبودية". هناك، تختار لنفسها اسماً جديداً يعكس حريتها وهويتها الجديدة "هارييت توبمان".

تبدأ حياة جديدة، لكنها لا تنسَ عائلتها، فتعود بشجاعة إلى المزرعة التي هربت منها، وتنجح في إنقاذ إخوتها وتسعة عبيد آخرين، من هنا تحولت هارييت توبمان إلى رمز للمقاومة، وتنضم إلى لجنة "السكك الحديدية السرية" كقائدة تساعد العبيد على الهروب من قيودهم. انتشر اسمها في كل مكان، وأصبحت بطلة حقيقية في أعين الكثيرين.

تستمر رحلتها البطولية خلال الحرب الأهلية الأمريكية، حيث تقود وحدة عسكرية من الجنود السود، وتساهم في تحرير أكثر من 750 عبداً، لتُخلّد اسمها في التاريخ كرمز للحرية والشجاعة.

رحلت هارييت توبمان عن عمر يناهز 91 عاماً، بعد أن عاشت سنواتها الأخيرة كامرأة حرة، كرّست حياتها للنضال من أجل إنهاء العبودية. شاركت في الاجتماعات والأنشطة المناهضة لها، وسعت بلا كلل لتحقيق الحرية لجميع المستعبدين.

يقدّم الفيلم صورة مؤثرة لقصة امرأة قوية، ويُعد نافذة على جانب من السياسات التي مارسها "الرجل الأبيض" ضد السكان الأصليين، والنساء، والأفارقة الأمريكيين.

إنها ليست مجرد سيرة ذاتية، بل حكاية امرأة وجدت ذاتها وسط الظلم، وشقّت طريقها نحو الحرية بإرادة لا تلين، لتصبح رمزاً للمقاومة والكرامة الإنسانية.