فوزة عبدي صقلت شخصيتها لتكون امرأة مؤثرة (2)

النساء اللواتي بحثن عن الحرية منذ نعومة أظافرهنَّ وحاولنَّ في ريعان شبابهنَّ أن يبنينَّ مجتمعاً حراً ومتساوياً، اليوم ومع تأسيس الإدارة الذاتية في مناطق شمال شرق سوريا يقاومنَّ ويعملنَّ من أجل حياة حرة وديمقراطية للسعي وراء حرية المرأة بشكل خاص وإيصال صوتها إلى العالم

دلال رمضان
كوباني ـ
فوزة عبدي تابعت مسيرتها النضّالية حتى بعد نزوحها، وكان لها الدَّور الفعال في دعم النَّازحين، وتأثرت بالمناضلين، وصقلت شخصيتها عبر توسيع علاقاتها. 
 
تعمقها في العمل الثَّوري
في 2011، ومع بداية الثورة السورية عادت فوزة عبدي وأسرتها إلى كوباني التي انطلقت منها شرارة الثَّورة في روج آفا في 12 أيار/مايو 2012، والتي عرفت بثورة المرأة، كون النساء شاركنَّ من خلالها في جميع مجالات الحياة، وكانت مدينتها الأولى التي تحررت.
ومن هنا بدأت الانخراط في العمل الثّوري، عبر تعلم اللغة الكردية وتعليمها في المدارس إلى جانب الإنكليزية في ثانوية البنات ما بين عامي (2013 ـ 2014)، وعملت في مركز لذوي الاحتياجات الخّاصة، وساهمت في تشكيل جمعية خاصة بهم ونظام داخلي لها، والتي تعرف اليوم باسم "تيريج"، وتطوع فيها العديد من خريجي الجّامعات.
وأسهمت بافتتاح أول أكاديمية للغة الكردية بكوباني مع بداية تأسيس الإدارة الذّاتية في الشَّهر الأول من عام 2014، وشاركت في المجلس التَّنفيذي، وعُينت رئيسة مشتركة للمجلس التَّشريعي لمقاطعة كوباني، وتوقف عملها مع هجوم مرتزقة داعش على المدينة وريفها عام 2014، ونزح على إثر ذلك آلاف المدنيين إلى شمال كردستان. 
 
لم يعقها النَّزوح... بل زادها إرادة 
لم يقف النّزوح حائلاً أمام مواصلة عملها، وكانت من بين الذين عملوا على تنظيم الأهالي في شمال كردستان، وتقديم المساعدات لهم وتأمينهم في المخيمات، إضافة لعملها في المجال الدّبلوماسي والسّياسي، والتّعريف بالقضية الكردية، ومدى خطورة مرتزقة داعش، واستمرت في ذلك لمدة ستة أشهر، حتى تحرير كوباني.
وعن هذه التّجربة تقول "سعينا لمد يد العون للنازحين، كنا نمر بفترة صعبة، ولكن أملنا بالنَّصر بقي حياً، فكانت أصوات المُقاتلين تتردد في آذاننا، وفي 26 كانون الثّاني تحقق لنا ما أردنا، وبدأنا نصب تركيزنا على الاهتمام بمشاكل المرأة".
وتشير إلى أن "مجرد النّزوح من أرضنا هو تجريد من الهوية، والوجود، والانتماء، أثر ذلك بشكل سلبي على نفسيتنا، لذا سعيتُ لتشجيع النّساء على تجاوز هذه المرحلة الصَّعبة التي بقيت عالقة في أذهاننا".
وعلى الرغم من بقاء عائلتها في روج آفا، إلا أن همها الأول كان مساعدة النّازحين، "كنت استمد قوتي من المقاتلين والأهالي الصّامدين على الحدود، ولا يمكنني أن أصف سعادتي عند عودتي لكوباني، رغم أنها أصبحت مدينة أخرى، نتيجة الخراب والدَّمار الذي حل بها، ولكننا احتفلنا كأننا بعيد النَّوروز على تل مشتى النَّور الذي شهد مقاومة أسطورية للمقاتلين والمقاتلات".
وتشكلت عقبها المديريات والمؤسسات المدنية، وهيكلية الإدارة والإشراف على عودة المُهجرين، وبني مخيم للمدنيين في غابة كوباني عرف باسم (مشتى النَّور)، بهدف إيواء من دُمرت منازلهم، فمن يزور كوباني ولا يرى متحفها لن يدرك حجم الدَّمار والخراب الذي حل بها".
وتعتبر فوزة عبدي إحدى القياديات، اللواتي شاركنَّ في إعادة ترميم مدينة كوباني بعد الخراب الذي حل بها، بكل قوة وإرادة وحس وطني.
 
هوايتها والشخصيات التي تأثرت بها 
تحب فوزة عبدي قراءة الكتب والرّوايات الثَّورية، وتستمع لنوع معين من الأغاني، وتفتخر بالشخصيات الثّورية التي عملت على تحرير شعوبها "أصغي للموسيقا الكلاسيكية لأنها تهدئ أعصابي وتمنحني راحة نفسية، وأما الروايات الثورية تُساعدني على إيجاد الحلول لبعض المُشكلات في مجال الإدارة، ولعل أكثر رواية أثرت بي هي (مسيرة الملح) للكاتب غاندي، لأنها سلمية وتوجد الحلول بعيداً عن العنف".
وترغب في التَّعامل مع النّساء المُثقفات داخل بلادها وخارجها، اللواتي يعتبرنَّ نموذج للمرأة الحرة، ولهنَّ تأثير قوي على شخصيتها، "هذا ما يقوي لدي حب السّياسيَّة التي تبني وطنها، وتحل جميع مشكلات مجتمعها، لدي علاقات مع نساء من أوروبا وأمريكا، وبعضهنَّ عربيات من خارج إقليم الفرات، أسعى لأن أوطد التّبادل الثّقافي، وأنوع العلاقات، وأتعرف على جميع الآراء، مما يكون لدي شخصية ناضجة". 
وتعتبر فوزة عبدي أن للغات أهمية خاصة، لذا تتعلم لغات مختلفة "لغتي الأم لها مكانة خاصة، لكنني لا أنكر أهمية بقية اللغات، لأن اللغة تمثل المتحدث بها، وعبرها يمكننا التَّعرف على ثقافات متعددة". 
 
تأثرت بشخصية والدها
تأثرت فوزة عبدي بوالدها أكثر من والدتها، كونه ذو ثقافة وعلم "كان يهتم بدراستنا ويقف بجانبنا، أما أمي تمتعت بقوة الشّخصية والإرادة، والاندفاع نحو تحقيق أهدافها بلا تردد"، إضافة لذلك تقول إنها تعاملت مع الثّوريين في مقاومة كوباني، وللشّهداء تأثيرهم الخاص عليها. 
وتوجه رسالة مفادها "نحن مواطنون هذا البلد، لذا يجب أن نأخذ بعين الاعتبار النماذج التي تطبق في العالم، لنجلب الأمن والاستقرار والثقافات المخلفة لوطننا، ونكتب وندون ما عاشه شعبنا للحفاظ على تاريخه وتراثه من الضياع، ولا ننسى مقاومة كوباني التي سجلها التّاريخ، وعلينا أن نتكاتف لنتحرر من الذهنيات الغير وطنية".
وتضيف "بالنسبة للقادة فإن كل من يوفر متطلبات شعبه والأمن له، ويقود شعبه نحو بر الأمان، ويرتقي بمستواه، هو رئيس جيد".
وتأمل فوزة عبدي بتحرير كافة مناطق شمال وشرق سوريا المحتلة "نريد أن يعم الأمن والأمان، ونحصل على حقوقنا الدّستورية في بلدنا".