فوزة عبدي صقلت شخصيتها لتكون امرأة مؤثرة (1)

اتخذت فوزة عبدي طريق العلم لتصل للحرية، ففتح ذلك لها آفاقاً جديدة لتبحث في القضايا العالمية والدَّولية وقضية شعبها على وجه التّحديد

دلال رمضان
كوباني ـ
فوزة عبدي هي الرئيسة المشتركة للمجلس التشريعي في إقليم الفرات في شمال وشرق سوريا، ولكنها لم تصل إلى ما هي عليه اليوم بسهولة، بل قطعت طريقاً وعراً مليء بالعراقيل، ولنتعرف على ما عاشته هذه المرأة المؤثرة في شمال وشرق سوريا، كان لا بد من البحث في ماضيها والوقوف على أبرز محطات حياتها.
 
حملت المسؤولية في سن مبكرة فكانت تلميذة ومربية
وُلدت فوزة عبدي في قرية حلنج غربي مدينة كوباني في شمال وشرق سوريا، وهي الابنة الكُبرى لعائلتها المؤلفة من خمس أخوة وثلاث أخوات، ووالدها هو الطَّبيب خليل عبدي، ووالدتها المتوفاة خزنة حسين. انتقلت في طفولتها مع عائلتها إلى مدينة دمشق وبقيت هناك خمسة أعوام، ثم عادت إلى قريتها لتكبر فيها.
دَرست المرحلة الابتدائية في مدرسة للبنات بمدينة كوباني، فلم يكن هنالك مدارس مُختلطة آنذاك، وكانت تذهبُ لمدة عامين يوم السَّبت إلى المدينة من أجل الدَّراسة وتعود يوم الخميس لمنزلها، ونظراً لعدم توفر وسائل النقل كانت تذهب وصديقاتها سيراً على الأقدام، وبعد ذلك انتقلت بشكل كامل للمدينة لتُكمل تعليمها.
وعندما كانت في الصَّف الخامس الابتدائي، حملت على عاتقها تربية إخوتها ولا سيما التوأمين الصَّغيرتين، بسبب مرض والدتها، إضافة لمُساعدتها لأنها طريحة الفراش، وهذه كانت من أصعب المراحل التي مرت بها، كونها كانت طالبة ومُربية لإخوتها في الوقت نفسه.
 
دخلت مدرسة ثانوية للبنين وأجبرت على الدّراسة في المنزل بسبب العادات والتقاليد
بعد الانتهاء من المرحلة الابتدائية، بدأت مرحلة جديدة من حياة فوزة عبدي، وهي مرحلة الانتقال إلى المدرسة الإعدادية والتي لم تكن موجودة في مدينة كوباني، وعلى إثر ذلك تجمع أولياء الطلاب وذهبوا إلى مديرية التربية في مدينة حلب طلباً لافتتاح مدرسة إعدادية في كوباني، فقد كان عدد الشَّابات اللواتي انتقلنَّ إلى المرحلة يبلغُ عشرُ فتيات، والذي يُعتبر الأقل بالنسبة لباقي المناطق، لذا لم تفتتح المُديرية المدرسة.
وانتقلت فيما بعد مع عدد من زميلاتها إلى ثانوية البنين، ولم تكمل تعليمها فيها لأنها كانت مُختلطة، تقول فوزة عبدي عن تلك الفترة "بسبب العادات والتَّقاليد الرَّجعية التي تعتبر تعلم البنات مع الشّبان في ذات المدرسة عيباً، تركتُ المدرسة لأتابع الدَّراسة في المنزل، ولأستعد للتقديم على الشَّهادة الإعدادية في مدينة حلب".
ولم تقابل الرّفض من محطيها بل على العكس تماماً "شجعتني عائلتي على استكمال دراستي، لأكون مُثقفة وعضوة فاعلة في المجتمع، لم يكونوا أبداً عائقاً أمامي".
ومع اقتراب موعد الامتحانات ذهبت برفقة والدها إلى مدينة حلب، لتعيش عند أقربائها هناك، وبعد نجاحها في الصّف التّاسع عادت إلى مدينة كوباني، لتحضر للمرحلة الثّانوية في منزلها لمدة ثلاث سنوات، إلى جانب تعلم الأشغال اليَّدوية ونسج السّجاد، الذي كانت تتعلمه جميع الفتيات في تلك الفترة.
 
العلم كان بالنسبة لها طريقة للاستقلال والحرية 
وضعت فوزة عبدي نصب أعينها هدفها الأسمى وهو إكمال تعليمها بالرغم من جميع العادات والتقاليد السائدة في المجتمع، وأرادت الالتحاق بالجامعة "كنت دائمة التفكير بأن السبيل لتحرر المرأة واستقلاليتها في السبعينات والثمانينات أن تكون متعلمة، لذا واصلت التعليم".
اختارت فوزة عبدي دراسة الأدب الإنكليزي في جامعة حلب، وتبين أن السّبب يرجع لرغبتها في تعلم لغة غربية وأن تداوم في الجامعة، لأن الفرع الذي اختارته يتطلب دوام عكس الفروع الأخرى، فعبر تعلمها للغة التَّركية من خلال القنوات التلفزيونية، أحبت تعلم اللغات "الفرع الذي اخترته يتطلب القدرة في الحصول على كم هائل من المعلومات والجَّهد من أجل النَّجاح، إضافة لأن البيئة في حلب تختلف عن بيئة كوباني من حيث العادات والتقاليد".
وانتقلت أسرتها إلى مكان قريب من الجامعة لكي تتابع هي وأخواتها الدَّراسة "مرحلة الجَّامعة كانت قفزة نوعية في حياتي، تعرفت فيها على طلبة من مناطق مختلفة في سوريا، ومن دول مجاورة كالعراق، وفلسطين، واليمن، السودان ومصر، وبهذا عرفت حركات التحرر العالمية والعربية".
 
الاختلاط ساعدها على البحث والتَّعرف على القضايا العالمية
تقول "من ضمن ما عرفته القضية الفلسطينية والأرمنية التي ركزت عليها، ولا سيما بعد مشاهدتي للوحات تعرض مجازر الأرمن عام 1938 التي ارتكبتها الدَّولة العثمانية، والمجازر بحق الشعب الكردي، لذا بدأت بأبحاثي وأنا في السنة الأولى من الجامعة".
ووجدت فوزة عبدي صعوبة في تواجد الطلبة الكرد ضمن الجامعة، تقول عن تلك الفترة "لم نكن قادرين على التعبير عن رأينا بحرية ولا سيما بما يتعلق بالقضية الكردية، وكان جميع الطلبة يحتفلون بالأعياد الوطنية والاستقلالية لبعض الدول، وبهذا بدأت أتعلم الكردية بشكل سري في الجامعة من خلال بعض الطلبة وقراءة الكتب". 
الاهتمام بالقضية الكردية كان له جذور أيضاً بالنسبة لها فهي من عائلة وطنية، وكان والدها ينتمي لأحد الأحزاب الكردية، لذا ركزت في مرحلة الجامعة على القضية الكردية، وتعرفت على القضية الفلسطينية كذلك عبر النساء الفلسطينيات، اللواتي كنَّ يقمنَّ بنشاطات سياسية "كطلبة احتلت قضية المرأة الحيز الأكبر من نقاشاتنا، فدققنا في الصعوبات والعوامل التي تواجهها جميع النساء في العالم".  
كما أن المسابقات الثقافية التي شاركوا فيها كطلبة ساعدتهم في الحصول على حيز أكبر من القدرة على التعبير.
وقبل التَّخرج عادت فوزة عبدي إلى كوباني، لتعلم اللغة الإنكليزية في مدرسة ثانوية للبنات لمدة ثلاث سنوات، انتقلت بعدها إلى الثانوية الشَّرعية لمدة أربع أعوام. 
 
الزَّواج لم يمنعها من المواصلة
تزوجت في بداية التّسعينات من مهندس مدني، ورزقت بأولادها الأربع، لتنتقل إلى مدينة حلب في عام 2000 وتواصل عملها، إلى جانب نشاطها السَّياسي، "نظمتُ حياتي الاجتماعية، ولأن زوجي كان يعمل في الخدمات الفنية ويرى العديد من العاملات، لم يكن لديه مشكلة مع عملي، لذا سعيتُ لغرس مبادئ الصّدق والروح الوطنية في أبنائي".
وتشير إلى فترة عملها بالثانوية الشّرعية "تعلمت العديد من الأمور الدينية، وربطتها بذلك بالحياة العملية، وعرفت أن هنالك شريحة كبيرة من الأهالي تركز على تعليم بناتها الدّين، وأتبع الكادر التّدريسي الطريقة النقشبندية في التَّعليم، وكان للمعلمات ارتباطات كثيرة في حلب وتركيا، إذ كان لديهن معارف من الشّيوخ في تلك المناطق".
وتكمل "لم يكن يتم الاعتراف بشهادة تلك الثَّانوية، وبعد إخبار إحدى المدرسات للطالبات بذلك، فصلت العديد من المعلمات وكنت إحداهنَّ، لأسباب أمنية، وبعد التَّحقيقات التي كانت تتم حول هذا الموضوع بسرية تامة، قرروا إعادتي للعمل وبقيت فيها لمدة خمس سنوات، قبل أن أقدم استقالتي". 
وعن السَّبب الذي دفعها لترك الثّانوية الشّرعية "أدركتُ أنها لم تعد تلبي طموحاتي، فمبادئ المدرسة كانت تحد من هدفي في الحياة، ففي رمضان كُنا نُجبر على تأدية طقوس العبادة ليلاً نهاراً، مما أرهقنا، وصعب علينا الدّوام لتلك السّاعات المتواصلة، وتسبب في خلافات بيننا وبين الإدارة".
بعد أن كبر أبنائها قدمت فوزة عبدي على مسابقة هيئة التربية في مدينة حلب، "رفضوا تعييني في المسابقتين الأولى والثَّانية، وصدر مرسوم جمهوري في المرة الثَّالثة يقضي بتعيين جميع المدرسين المفصولين والمقدمين على المسابقات، وتم تثبيتي في عام 2005".
وتتابع "درست في مدرسة السَّفيرة التّابعة لريف حلب لمدة ثلاث سنوات، وانتقلت لمركز مدينة حلب في المدرسة الإعدادية للبنين التَّابعة لقاضية عسكر، لمدة أربع سنوات، لتبدأ بعدها الثَّورة السَّورية".
وكانت تعمل في الثّانوية لمدة 19 ساعة في الأسبوع، إذ كان لديها ثلاث أيام تفريغ تقضيها في منزلها، لتدرس أولادها ليكونوا متفوقين، وإلى جانب ذلك تعلمت على الحاسوب، وقامت بالعديد من النَّشاطات الثَّقافية كقراءة الكتب، والروايات الثّورية، وحضرت أمسيات وندوات ثقافية ولاحظت عبرها أوجه الاختلاف بين الثَّقافات، وبرزت لديها الفروق بين المناطق المخالفة ذات الغالبية الكردية كالعزيزية وغيرها.
تقول فوزة عبدي أن زملاءها وزميلاتها نصحوها بالبقاء في المدرسة كي لا تعيش العديد من التّناقضات "رأيت أن هنالك فرق كبير بين الشّرائح والمكونات الموجودة في حلب، ولا سيما في توفير المدارس الثانوية والإعدادية في عدد من المناطق كحي الشَّيخ مقصود والأشرفية".