فدوى طوقان (أم الشعر الفلسطيني)
كانت فدوى رمزاً للمرأة الناجحة، ومثّل شعرها أساساً قوياً للتجارب الأنثوية في الحب والثورة واحتجاج المرأة على المجتمع
مركز الأخبارـ . كما حمل قضايا شعبها الفلسطيني ومعاناتها الشخصية، ورسم صورة المرأة الفلسطينية المقموعة في مجتمعٍ ذكوري قاسٍ.
طفولة ونشأة
ولدت فدوى عبد الفتاح آغا طوقان في الأول من شهر آذار/مارس عام 1917 في مدينة نابلس ضمن عائلة عُرفت بتشددها وتقاليدها الخاصة. تلقت تعليمها الابتدائي في المدرسة الفاطمية لمدة ثلاث سنوات، ثم تابعت الدراسة في المدرسة العائشية لمدة سنتين، لكن دراستها لم تتجاوز الخمس سنوات تلك، حيث كانت مشاركة المرأة في الحياة العامة حينذاك أمراً غير مقبول، فاصطدمت بصخرة العادات والتقاليد، ومُنعت من إكمال دراستها، وحُكم عليها بالإقامة الجبرية في المنزل عندما وشى أحد المعارف لأخيها يوسف بأن ولداً مراهقاً أهدى أخته زهرة فل.
كان هذا الموقف بالإضافة إلى نظرة عائلتها المشككة دوماً، ومعاملتهم السيئة لها سبباً في تدهور حالتها النفسية. ولكن سرعان ما قام أخوها إبراهيم بانتشالها من تلك الحالة النفسية التي عاشتها ووقف إلى جانبها. فأصبح معلماً لها وشجعها على تثقيف نفسها بنفسها. فعندما انتبه إلى موهبتها في كتابة الشعر ساعدها على صقل وتنمية تلك الموهبة. ونظراً لتقدمها ونجاحها الباهر في هذا المجال أسماها (أم تمام) تشبيهاً بالشاعر أبي تمام، كما أسماها الشاعر محمود درويش لاحقاً (أم الشعر الفلسطيني).
بداياتها الأدبية
ساهمت الأوضاع والتقاليد الاجتماعية التي كانت سائدة في تلك الفترة، والطفولة المكبوتة التي عاشتها فدوى في حرمانها من مشاعر العطف والحنان، وتجاهل والديها وإهمالهما لها. وقد ترك ذلك جرحاً عميقاً في نفسها. مما جعلها تجد في الشعر سبيلاً للتعبير عن ذاتها وعما يختلج في نفسها من مشاعر الظلم المكبوتة. فكتبت عن أحلامها وآلامها وآمالها في نيل حريتها. وقد عبرت فدوى طوقان عن ذلك الإحساس حيث تحدثت في سيرتها الذاتية عن ذكريات طفولتها قائلة: "إن المشاعر المؤلمة التي نكابدها في طفولتنا نظل نُحس بمذاقها الحاد مهما بلغ العمر". كما ظهرت آثار ورواسب تلك الطفولة المضطهدة بشكلٍ واضح في أدب فدوى شعراً ونثراً.
بدأت فدوى طوقان أولاً بنظم الشعر العمودي ثم انتقلت إلى الشعر الحر، وامتاز شعرها بمعالجة الموضوعات الشخصية والاجتماعية، وقضايا شعبها الفلسطيني. وكانت من أوائل الشعراء الذين جسدوا العواطف في شعرهم. وبهذا وضعت أساسيات قوية للتجارب الأنثوية في الحب والثورة واحتجاج المرأة على المجتمع.
في البداية أرسلت قصائدها إلى المجلات الأدبية في القاهرة وبيروت، فنشرت تلك المجلات قصائدها مما عزز ثقتها بنفسها وموهبتها فاستمرت في كتاباتها. نشرت شعرها تحت أسماء وألقاب مستعارة، لاسيما شعر الغزل خوفاً من تعرضها للتعنيف الأسري. ومن هذه الألقاب لقب (دنانير) و(المطوقة) الذي كان أحب الألقاب إليها إذ كان يعبر عن حالها كسجينة للعادات والتقاليد، وفي نفس الوقت يعبر عن انتمائها لعائلة طوقان. ثم أُطلق على الشاعرة العديد من الألقاب الأخرى مثل (زهرة البنفسج، الزيتونة المباركة والسنديانة).
جرأتها وأسلوبها المميز
لعل فرادة فدوى طوقان كانت في أنها الأكثر جرأة على الذات، والأكثر اندفاعاً في البوح والاعتراف. فقد اقتحمت حقل الكتابة هذا الحقل المزروع بالألغام بجرأة مدهشة في مجتمع ذكوري محافظ. ولم تترد في كتابة سيرة حياتها في جزأين هما (رحلة جبلية... رحلة صعبة) و(الرحلة الأصعب). وتعد هذه السيرة من أجمل كتب البوح والاعتراف التي نُشرت في العقدين الأخيرين. ولعل جرأتها تكمن هنا بالتحديد، أي في مصادمتها ذكورية المجتمع النابلسي من خلال اعترافها وكشفها لحياتها الغرامية في سيرتها الذاتية. ففي روايتها (رحلة جبلية... رحلة صعبة) تقول: "كان التواصل الوحيد الذي جرى لي مع الغلام هو (زهرة الفل) التي ركض بها ذات يوم صبي صغير في حارة العقبة وأنا في طريقي إلى بيت خالتي، وحلت اللعنة التي تضع النهاية لكل الأشياء الجميلة، وأصدر حكمه القاضي (في إشارة إلى أخيها يوسف) بالإقامة الجبرية، وهددني بالقتل إذا غادرت عتبة المنزل، وخرج من الدار لتأديب الغلام).
نتاجها الأدبي
يتوزع نتاج فدوى طوقان الأدبي بين الشعر والنثر، فقد أصدرت خلال خمسين عاماً ثمانية دواوين شعرية هي (ديوان وحدي مع الأيام) الذي صدر عام 1952 والذي عبرت فيه عن شعورها بالضياع والحيرة وشوقها إلى المجهول فتقول في مقدمته:
نفسي موزعة، معذبة، بحنينها بغموض لهفتها
شوقٌ إلى المجهول يدفعها، مقتحماً جدران عزلتها
شوقي إلى ما لست أفهمه، يدعو بها في صمت وحدتها
أهي الطبيعة صاح هاتفها؟ أهي الحياة تهيب بابنتها؟
ماذا أحس؟ شعور تائهة، عن نفسها، تشقى بحيرتها.
لها دواوين "الرحلة المنسية، وجدتها، أعطنا حباً، أمام الباب المغلق، الليل والفرسان، على قمة الدنيا وحيد، تموز والشيء الآخر واللحن الأخير". أما مؤلفاتها النثرية فقد كانت ثمانية مقالات في النقد والتعقيب، "كتاب أخي إبراهيم"، كتاب "رحلة جبلية... رحلة صعبة" وهو الجزء الأول من سيرتها الذاتية وكتاب "الرحلة الأصعب" وهو الجزء الثاني، كلمتا افتتاح وثلاثة مقالات وعشرة حوارات.
الجوائز التي نالتها الشاعرة
نالت الشاعرة فدوى طوقان العديد من الجوائز على امتداد مسيرتها الأدبية منها جائزة الزيتونة الفضية الثقافية لحوض البحر الأبيض المتوسط في باليرمو بإيطاليا عام 1978، وجائزة رابطة الكتاب الأردنيين عام 1983، وجائزة سلطان العويس من الإمارات العربية المتحدة عام 1989، ووسام القدس من منظمة التحرير الفلسطينية عام 1990، وجائزة كافافيس الدولية للشعر عام 1996 والعديد من الجوائز الأخرى.
أهم قصائدها
من أهم قصائد فدوى طوقان (قصيدة القيود الغالية) تتحدث فيها عن حب المرأة، وهي من القصائد النابعة من التجارب الأنثوية في حياة فدوى طوقان تقول فيها:
أضيق، أضيق بأغلال حبي
فـأمضي وتمضي معي ثورتي
أحاول تحطيم تلك القيود
ويمضي خيالي
فيخلق لي عنك قصة غدر
لكيما أبرر عنك انفصالي
وأقصيك عني بعيداً بعيد
لعلي أعانق حريتي
وأقطع ما بيننا، غير أني
أحس إذا ما انفصلنا كأني
لُفظتُ وراء حدود الوجود
نهاية رحلتها
انتهت رحلة فدوى طوقان بعد صراع مرير مع المرض في مستشفى في مدينة نابلس في الثاني عشر من كانون الأول/ديسمبر عام 2003 عن عمر ناهز السادسة والثمانين عاماً. دُفنت إلى جانب أخيها إبراهيم وخُط على قبرها أبيات من قصيدتها الشهيرة "كفاني أظل بحضنها"، تقول في هذه الأبيات:
كفاني أموت على أرضها
وأدفن فيها
وتحت ثراها أذوب وأفنى
وأبعث عشباً على أرضها
وأبعث زهرة
تعيث بها كف طفلٍ نمته بلادي
كفاني أظل بحضن بلادي
تراباً وعشباً وزهرة