عديلة خانم "ملكة شهرزور غير المتوجة"

عملت عديلة خانم التي كانت تدير عشيرة الجاف ومنذ البداية في المجال السياسي وبفضل إدارتها الحكيمة وعدلها ذاع صيتها في أنحاء العالم ولُقبت بـ "ملكة شهرزور غير المتوجة"

مركز الأخبارـ .
ولدت عديلة خانم عام 1859 في مدينة سنة في شرق كردستان في عائلة مرتبطة بثقافتها وتاريخها. كان والدها عبدالقادر بك أحد وجهاء قبيلة صاحبقران إحدى أكبر القبائل في أردلان وكان وزيراً في إمارة أردلان. كان ديوان والدها دائماً مغلق، تجري داخله مناقشات حول كل من الحياة اليومية، الثقافية والسياسية. كل يوم كانت عديلة تعيش وتكبر في هذه الأجواء واهتمت بالأخبار والمعلومات وتركز تفكيرها على السياسة والإدارة. اهتمامات عديلة خانم هذه قادتها إلى مسؤوليات كبيرة. أصبح لها رأي مسموع ويؤخذ به في ديوان والدها. وبفضل جهودها أصبحت شخصية معروفة ومحبوبة بين الناس.
تزوجت عديلة خانم من عثمان باشا وهي في الثامنة عشرة من العمر واستقرت في حلبجة. تابعت مسؤوليتها في إدارة عائلة صاحبقران في سنة ولكن هذه المرة في جنوب كردستان في إدارة عشيرة الجاف. في عام 1889 عندما أصبح عثمان باشا قائم مقاماً لحلبجة، أصبح لدى عديلة خانم فرصة أكبر للعمل مع زوجها في إدارة شؤون الحكومة في المدينة وحازت على مكانة مرموقة. بفضل كفاءتها وقدراتها الإدارية استطاعت جذب انتباه مواطني المنطقة الذين أحبوها كثيراً.
 
 ‘ملكة شهرزو غير المتوجة‘ 
توفي عثمان باشا عام 1909. بعد وفاة عثمان لملمت عديلة خانم جراحها ولم تسمح للخصوم بالاستفادة من الفراغ الذي تركه عثمان بوفاته. حملت على عاتقها المسؤولية في كل من المجال السياسي، الاقتصادي والاجتماعي وكانت صاحبة قرار. قامت بحماية وحدة عشيرة الجاف ضد الهجمات الخارجية وقامت بتنظيم العشيرة. إلى جانب جميع الخدمات الاجتماعية والإدارية والسياسية التي قدمتها فقد أعطت أهمية كبيرة لقوة الدفاع وعملت على تقوية ودعم الجناح العسكري. احتلت مكانة على مستوى القيادة ودعمت جبهات الدفاع المحلية. التقت العديد من الإداريين والقادة الأجانب وفي هذه اللقاءات تركت الأشخاص الذين قابلتهم في دهشة وذهول. ولكي لا تسمح للإمبراطورية العثمانية التي سيطرت على العديد من المناطق حينذاك بالهجوم على عشيرة الجاف قامت بحماية الأصوات السياسية الموجودة داخل العشيرة. ومن خلال مسؤولياتها العملية والطبيعية وذكائها الإداري كسبت ثقة الشعب الذي قام بدوره بدعمها بشكل أكبر.
تماماً كما تتلمذت وتعلمت على يد والدها وتدربت على هذه الأعمال بالطريقة نفسها قامت بتعليم ابنها طاهر بك الذي كان صغيراً في ذلك الوقت ودربته ليشارك في الأعمال الإدارية. شارك طاهر وبكل إيمان وثقة في تقديم الخدمات الاجتماعية وتطور بسرعة كبيرة وتقدم نحو الأمام. كان البريطانيون الذين يراقبون تلك المنطقة عن كثب في ذلك الوقت من أجل غزوها مندهشين من عديلة خانم وكانوا يستخدمون في وصفها عبارات مثل "ملكة شهرزور غير المتوجة وملكة كردستان غير المتوجة". 
 
محكمة الشعب
في مرحلة الإدارة اهتمت عديلة خانم كثيراً بالتدريب. كان لديها مشاريع في المجال الاجتماعي وقدمت خدمات قيمة. بعض من هذه الخدمات الاجتماعية كانت بناء سوق كبيرة تتألف من 54 محلاً تجارياً داخل مدينة حلبجة وبناء عدة مباني كبيرة من أجل الدراسة والعمل، بنت ثلاثة قصور باسم قصور سنة لم يكن لها مثيل في مدينة السليمانية. أنشأت محكمة مستقلة وخاصة كانت تأخذ بعين الاعتبار رأي الشعب وقامت عديلة خانم بإدارتها وتولت كل شؤونها بنفسها. في محكمتها كانت تحل كل الخلافات والنزاعات. لم يكن باستطاعة جميع الشخصيات ورجال الدين الذين عينتم الدولة العثمانية القيام بأي شيء دون قرار من عديلة خانم. كما افتتحت سجناً جديداً في حلبجة لمحاكمة الأشخاص المذنبين من وجهة نظر المجتمع. في البلدية أيضاً قامت بتطوير خطط الخدمة وعلمت البلدية واجبات إدارة المدينة. خلال 15 عاماً من إدارتها أصبحت مدينة حلبجة مركزاً للاهتمام يقصدها الضيوف والزوار يومياً. كان ديوان عديلة خانم دائماً ممتلئاً بالسكان المحليين والزوار الأجانب. في ديوانها كانت تناقش جدول الأعمال اليومية والسياسة.
 
مسجد النساء 
من خلال أسلوبها في الإدارة وتقديمها للخدمات الاجتماعية بالتأكيد قامت بأعمال خاصة من أجل النساء. في ذلك الوقت كان للمساجد دور بارز في تقييم القضايا الاجتماعية وظهور رؤية مشتركة لجميع المواطنين، لذلك كانت بمثابة دور للشعب ومكاناً لتجمع المواطنين. ولكي تستطيع النساء مناقشة قضاياهن ومشاكلهن الخاصة ولإيجاد نتيجة مشتركة بنت مسجداً خاصاً للنساء وحملت على عاتقها جميع تكاليفه ونفقاته. 
بفضل مهاراتها ومواهبها وخدماتها التي قدمتها أصبحت محبوبة من قبل سكان المنطقة، وأصبحت معروفة في العالم كامرأة رائدة. عاش المؤرخ الإنكليزي الميجر سون ستة أشهر في ديوان عديلة خانم وابنها طاهر بك وتابع أعمالهم. في كتاباته في تلك المرحلة تابع مسيرتهم وأعرب فيها عن دهشته. كما زار العديد من المؤرخين والدبلوماسيين والقادة ديوان عديلة خانم وحلوا ضيوفاً عليها وأصبحوا أصدقاء لها. إلى جانب هؤلاء زارها العديد من الصحفيين الأجانب وألقوا نظرة على أعمالها ونجاحاتها ولم تخلوا كتاباتهم من عبارات تصفها مثل "إنها امرأة خبيرة وماهرة..." 
توفت عديلة خانم التي قدمت خدمات بشكلٍ متساوٍ لكل من سكان المنطقة ككل وبشكلٍ خاص للمدينة التي أحبتها كثيراً حلبجة وعشيرة الجاف، في الحادي عشر من نيسان عام 1924. توفت عديلة خانم عن عمر يناهز 65 عاماً في الوقت الذي لم يشبع كل من عشيرة الجاف ومدينة حلبجة منها وكانوا بانتظار خططها لمعرفة أي مشروع كانت ستنفذ هذه المرة. دفنت في مقبرة عبابيلي القريبة من مدينة حلبجة وبحب لا نهاية له وريت الثرى...