بهيجة حافظ... امرأة تمردت على واقعها ولقبت بالفنانة الشاملة

واجهت عقبات في مشوراها الفني، لكنها استطاعت تخطيها بإصرارها وحبها للفن والموسيقى، فكانت أول امرأة تؤلف الموسيقية التصويرية للأفلام السينمائية

مركز الأخبار ـ .
بهيجة حافظ التي احتفى محرك البحث غوغل بالذكرى 112 لميلادها، هي منتجة وممثلة ومخرجة ألفت العديد من المقطوعات الموسيقية، ولقبت بـ "الفنانة الشاملة".
 
حبها للموسيقا
كانت الموسيقى شغفها الأول منذ طفولتها، ويعود ذلك لنشأتها في عائلة تهوى الموسيقى والفن فوالدها إسماعيل باشا حافظ كان بارعاً في تأليف الأغاني وتلحينها، وكان يعزف على آلة العود والقانون والرق والبيانو، ووالدتها كانت تهوى الموسيقى أيضاً وتعزف على آلة الكمان والفيوليسيل، هذه الموهبة انتقلت إلى بهيجة حافظ أبنة محافظة الإسكندرية بمصر التي ولدت في 4 آب/أغسطس 1908.
تعلمت العزف على البيانو في الرابعة من عمرها، وفي سن التاسعة عشر استطاعت أن تؤلف أول مقطوعة موسيقية أعجب بها والدها كثيراً واسماها "بهيجة"، ألفت بعد ذلك مقطوعتين أسمت الأولى "من وحي الشرق"، والثانية "معلهشي". 
تعلمت بهيجة حافظ قواعد الموسيقى الغربية على يد المايسترو الإيطالي "جيوفاني بورجيزي" الذي كان يقود الفرقة الموسيقية بالإسكندرية، كانت تربطه مع العائلة صداقة قوية فكان دائم التردد على قصر والدها.
تلقت تعلميها في مدرستي الفرنسيسكان الإيطالية والميردي دييه الفرنسية بالإسكندرية، وأتقنت اللغات الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية. حبها للفن والموسيقا منذ نعومة أظفارها وموهبتها فيه، توج بدراسة فن الموسيقى فحصلت على دبلوم تلحين الموسيقى من باريس، سجلت بهيجة حافظ 18 مقطوعة موسيقية، اُذيعت في محطات فرنسية مختلفة. فكانت أول عضوة في جمعية المؤلفين بباريس، وأنشأت في عام 1937 أول نقابة للمهن الموسيقية، لتصبح أول امرأة مصرية تؤلف موسيقى تصويرية للأفلام في السينما المصرية، كان من بين أفلامها "السيد البدوي، زهرة، ليلى البدوية، ليلى بنت الصحراء، الاتهام، الضحايا، زينب". وكانت قد درست الإخراج والمونتاج في برلين.
انقطعت عن الفن لفترة بعد زواجها وهي في عمر 12، هذا الزواج لم يستمر؛ لأن زوجها لم يكن يحب الموسيقى فلم يشاركها هوايتها، تزامن ذلك مع وفاة والدها، فلم ترغب بالعيش في الإسكندرية فانتقلت إلى القاهرة لتبدأ حياة جديدة وتخوض غمار الفن والموسيقا، فبدأت بتنمية موهبتها، وعلّمت العزف على البيانو لبنات العائلات، وعملت على نسخ وتأليف المقطوعات الموسيقية، فتعاقدت معها عدة شركات لشراء مقطوعاتها كشركة اسطوانات كولومبيا بالإسكندرية وأوديون بالقاهرة.
 
عالم التمثيل
كتبت أسفل صورتها التي نُشرت على غلاف مجلة المستقبل وهي ترتدي الخمار والطرحة بأنها "أول مؤلفة موسيقية مصرية"، نشرت هذه الصورة في عام 1930 أي بعد شهرتها في عالم الموسيقى والفن. 
الصورة كانت بوابة لدخولها مجال التمثيل فبعد أن شاهدها المخرج محمد كريم الذي كان يبحث عن بطلة لفيلمه الأول الصامت "زينب" عرض عليها الدور، أصرت على كسر القيود المجتمعية رغم معارضة عائلتها ومنحت حياتها كلها للفن. في إحدى المقابلات التلفزيونية قالت "أهلي قاطعوني بعد نجاح الفيلم... كل الناس في الإسكندرية حاربوني". 
مثلت بهيجة حافظ دور البطولة في الفيلم، كما قامت بتلحين الموسيقى التصويرية له، وألفت 12 مقطوعة موسيقية للفيلم بدون أي مقابل يذكر؛ إيماناً منها بأهمية دور السينما في مناقشة القضايا الهامة.
بعد نجاح الفيلم وعرضه في 9 أبريل/نيسان 1930في سينما مترو، أختارها المخرج مرة أخرى لدور البطولة في فيلم "أولاد الذوات" لكن بسبب الخلافات التي نشبت بينها وبين الفنان يوسف وهبي اعتذرت عن الدور وعادت من باريس إلى القاهرة، لتقوم بالدور الفنانة أمينة رزق.
 
"فنار فيلم"
أثناء تصويرها الفيلم الأول في ألمانيا تعرفت على الشاب محمود حمدي، تزوجت منه بعد عودته إلى مصر، واسست معه في عام 1932 شركة "فنار فيلم" والتي عملت فيها على تصميم الأزياء والإخراج والإنتاج.
كان فيلم "الضحايا" الصامت أولى الأفلام التي انتجتها بهيجة حافظ من خلال شركتها في عام 1932 الذي تدور قصته حول ضحايا المخدرات، تحول في عام 1935 إلى فيلم ناطق.
في عام 1934 انتجت فيلم "الاتهام" أخرجه "ماريو فولبي"، وضعت بهيجة حافظ الموسيقى التصويرية للفيلم، وأدت دور البطولة فيه. 
 
ليلى بنت الصحراء... إفلاس شركتها
باكورة انتاجاتها في شركتها توجت بإنتاج وتأليف وإخراج وتصميم أزياء الفيلم الذي يعتبر حدثاً تاريخياً في السينما المصرية "ليلى بنت الصحراء"، تضمن الفيلم ديكورات ضخمة وأزياء باهرة، أدت بهيجة حافظ دور البطولة فيه ووضعت الموسيقى له وصممت الأزياء، فكانت تكاليفه باهظة جداً إذ بلغت 18 ألف جنيه، وهو مبلغ ضخم قياساً لإنتاج تلك الفترة.
بتاريخ 16 شباط/فبراير 1937 عرض الفيلم في سينما رويال بالإسكندرية، حقق نجاحاً كبيراً، وعرض في مهرجان برلين الدولي، وحصل على جائزة ذهبية، كما أنه رشح للعرض في مهرجان البندقية، سافرت بهيجة حافظ وزوجها إلى أيطاليا للاشتراك في المهرجان، لكنهما فوجئا بإصدار وزارة الخارجية قراراً بمصادرة الفيلم ومنع عرضه في الداخل والخارج لأسباب سياسية؛ لاحتجاج الحكومة الإيرانية على الفيلم باعتباره يسيء إلى تاريخ ملك الفرس القديم كسرى أنو شروان.
قصة فيلم "ليلى بنت الصحراء" تدور حول الحرب بين الفرس والعرب، وليلى بطلة الفيلم التي جسدتها بهيجة حافظ، أسرها ملك الفرس وعذبها.
منع الفيلم من العرض ومصادرته كبدت شركتها خسائر كبيرة، فتوقفت عن الإنتاج 10 سنوات، لكنها لم ترضخ لهذه الخسارة، واستمرت بإصرارها وسعيها سنوات عديدة لإعادة عرض الفيلم، وقد نجحت في ذلك في عام 1944 بعد إجراء بعض التعديلات على المشاهد، وتغير أسمه إلى "ليلى البدوية".
شركتها التي عادت للعمل بعد عشر سنوات من التوقف، أفلست مرة أخرى بعد انتاجها فيلم "زهرة السوق" في عام 1947، والذي قامت هي بكتابة قصته، وتلحين أغانيه ووضعت له الموسيقى التصويرية.
 
اعتزالها التمثيل 
الخسارات التي مُنيت بها شركتها أكثر من مرة وإفلاسها، ابعدتها عن عالم التمثيل والإنتاج، لتعتزل عنه بعد ظهورها الأخير بدور الأميرة شويكار في فيلم "القاهرة 30" عام 1968. 
داخل قصرها المجاور لقصر الناشطة السياسية هدى شعراوي في شارع قصر النيل، أنشأت بهيجة حافظ في عام 1959 صالوناً ثقافياً وفنياً بارزاً، كانت تقام فيه الندوات الفنية الغنائية، فكانت بهيجة حافظ تعزف الأغاني القديمة على البيانو، وتنظم فقرات شعرية بحضور كبار الشعراء والمثقفين كـ "هدى شعراوي، علي الجنبلاطي، روحية القليني"، كما ضم الصالون مكتبة زاخرة بشتى الكتب عن الفن والأدب باللغتين العربية والفرنسية.
 
وفاتها
توفيت في 23كانون الأول/ديسمبر 1983 وحيدة ولم يعلم أحد بوفاتها إلا بعد يومين، فبالرغم من مسيرتها الفنية الناجحة وإنجازاتها في عدة مجالات، وتواصلها مع عدد كبير من الفنانين والمثقفين، إلا أنها كانت وحيدة عندما تعرضت لأزمة قلبية ولازمت الفراش، ولم يزرها إلا القليل من معارفها.  
 شيعت جنازتها التي لم يحضرها سوى القليل من معارفها، ودفنت في مدافن الأسرة في القاهرة.