إيدا ويلز رفعت الستار عن أبرز قضايا القرن التاسع عشر

العبودية والإعدام التعسفي والفصل العنصري وعدم المساواة أبرز ما تميز به القرن التاسع عشر في الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت تقارير الصحفية إيدا ويلز أبرز التقارير التي غطت هذه القضايا.

مركز الأخبار ـ إيدا ويلز أول صحفية وثقت الإعدام دون محاكمة، نادت بإلغاء قوانين الفصل العنصري، كافحت من أجل إبراز دور المرأة المهمش من خلال العديد من النوادي النسوية التي شاركت فيها أو أسستها، واحدة من أبرز القادة الأوائل في حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة الأمريكية.

 

التمييز وعدم المساواة بداية الطريق

ولدت الصحفية الأمريكية ذات الأصل الأفريقي إيدا ويلز في 16 تموز/يوليو 1862 في مدينة هولي سبرينغز بولاية مسيسيبي في ظل العبودية وهي الطفل الأول من بين ثمانية أطفال لوالديها اللذان توفيا وهي في سن السادسة عشر مع شقيقها الرضيع متأثرين بمرض وباء الصفراء، وحررت مع كثير من العبيد خلال الحرب الأهلية الأمريكية.

أصبحت العون لأخوتها الستة الباقين الذين رفضت وضعهم في دور الأيتام، وعملت مدرسة بعد أن انتقلت معهم إلى ممفيس تينيسي، ثم عملت كاتبة في صحيفة وركزت في كتاباتها على حوادث الفصل العنصري وعدم المساواة منها الإعدام التعسفي في الولايات المتحدة في لائحة أطلقت عليها "أهوال الجنوب: الإعدام الخارج عن القانون في جميع مراحله"، وأن هذا الإعدام كان ممارسة عنصرية تجاه الأمريكيين من أصل أفريقي فقط لأنهم خلقوا منافسة اقتصادية وسياسية وتهديداً بفقدان السلطة بالنسبة للبيض، وعلى خلفية النجاح الذي ناله تحقيقها الذي نشر على المستوى الوطني قامت عصابة من البيض بتدمير مكتبها وأدوات الطباعة الخاصة بها

انتقلت إلى مدينة شيكاغو بعد تعرضها لوابل من التهديدات حيث تزوجت هناك وتابعت عملها ككاتبة بالإضافة لعملها في حركة الحقوق المدنية والحركة النسائية، لم تخفي إيدا ويلز معتقداتها كونها ناشطة من العرق الأسود رغم الاستنكار الشديد خاصة من قبل قادة وأصحاب وجهات النظر في الحركتين.

وصفت بأنها متحدثة بارعة ومقنعة وقد يكون ذلك سبباً في سفرها المتكرر إقليمياً ودولياً لإعطاء المحاضرات، في إحدى رحلاتها أمرها قائد القطار بالتخلي عن مقعدها في مقصورة الدرجة الأولى للسيدات والانتقال إلى مقصورة التدخين المزدحمة بالركاب، لكنها رفضت ذلك فقام رجلان بإخراجها بالقوة، اكتسبت شعبية في ممفيس على أثر كتابتها مقالاً عن هذه الحادثة في الصحيفة الأسبوعية لكنيسة السود "طريقة المعيشة".

وقامت بتوكيل محامي من أصول أفريقية لمقاضاة شركة السكك الحديدية، ولإسكاتها قدمت الشركة مبلغ من المال لمحاميها فقامت بتوكيل محامي من العرق الأبيض وربحت القضية وحصلت على مبلغ مالي من دائرة المحكمة المحلية عام 1884، لكن بعد أربع أعوام الشركة استأنفت الدعوى إلى محكمة تينيسي العليا التي نقضت قرار المحكمة الأدنى، واتهمت إيدا ويلز حينها أن إصرارها لم يكن بنية الحصول على مقعد مريح لذلك أُمرت بدفع تكاليف المحكمة فبات لديها قناعة قوية بالحقوق المدنية، حيث قالت "شعرت بخيبة أمل كبيرة لأنني تمنيت أن تتحقق دعوتي أشياء عظيمة جداً لشعبي... يا إلهي، ألا توجد عدالة لنا في هذه الأرض؟".

وبسبب مقالاتها الناقدة للظروف التي تعاني منها مدارس السود في مدينة ممفيس طردت من منصبها التدريسي، إلا أنها نالت احترام المجتمع رغم انتمائها للطبقة الوسطى وهو الأمر الذي كان نادراً بالنسبة للنساء وخاصة السود منهن.

 

الإعدام التعسفي والصحافة الاستقصائية

في عام 1892 حدث قتال عصابات مشحون عنصرياً على خلفية عراك بين صبيان من العرقين في حي جنوب ممفيس، وكان أحد المشاركين في القتال رجل أسود مقرب من إيدا ويلز يملك بقالة تنافس بقالة ووالد الصبي من العرق الأبيض الذي اتهم الأول بأن السود كانوا لصوصاً، لم تنتهي القصة هنا فقد هاجم مجموعة من الرجال البيض صديقها وقوبلوا بوابل من الرصاص، حينها اعتبرت صحيفتي "كوميرشل" وأبيل أفلانش" أن الحادثة هي تمرد مسلح للرجال السود، وقد تم فيما بعد اعتقال صديقها مع اثنين آخرين وألقي بهم في سجن شيلبي كاونتي لانتظار المحاكمة، إلا أنه في صباح يوم 9 آذار/مارس عام 1892 قام 75 رجلاً يرتدون أقنعة بإخراجهم من السجن وتم قتلهم.

ما حدث لأصدقائها قادها للتحقيق في عملية الإعدام هذه فبدأت بإجراء مقابلات مع أشخاص لديهم تاريخ في القتل، وأجبرت على مغادرة مدينة ممفيس بعد حرق مكتبها على إثر نشرها افتتاحية تدحض ما أسمته "الكذبة القديمة المبتذلة بأن الرجال الزنوج يغتصبون النساء البيض".

مهارتها في التحقيق الصحفي أوصلتها إلى ذروة شهرتها الأمر الذي لفت انتباه زعيم الحقوق المدنية للأمريكيين الأفارقة فريديك دوغلاس، الذي قدم لها العروض والدعم المادي لمتابعة تحقيقاتها قبل أن يتوفى عام 1895.

وعلى الرغم من شهرتها إلى أن تناقض آراء الرجال والنساء كان سيد الموقف حول توليها زمام المبادرة في الحقوق المدنية للسود، ففي ذلك الوقت لم ينظر فيه للنساء أو لم يسمح لهن أن يكن قادة في المجتمع، وقد يكون اختلاف الآراء في غالبية الأحيان هو سبب استبعادها من القائمة الأصلية لمؤسسي الجمعية الوطنية للنهوض بالملونين.

 

النوادي النسائية وحقوق المرأة

ازداد نشاطها في حركة النادي النسائي الوطني بسبب تحمسها للدفاع عن حقوق المرأة والاقتراع، ورسخت فكرة أن على المرأة واجب ومسؤوليات في تحويل وتحديد وتشكيل السياسة العامة، كما ساعدت النساء اللواتي يرغبن في الانخراط في المجال العام والوصول إلى كل من القوة الاجتماعية والسياسية.

ودعت النساء لإثبات مكانتهن ونادت بتكافؤ الفرص في العمل، فقامت عام 1893 بتنظيم أول نادٍ مدني من نوعه للأمريكيات من أصول أفريقية هو نادي "ذي وومانز إيرا" الذي دعا إلى إنشاء مشروع إسكان في شيكاغو يحمل اسم "إيدا بي. ويلز" ودخل التاريخ بعد النجاح الذي حققه كأول مشروع إسكاني يحمل اسم امرأة ملونة، وتلقت الكثير من الدعم من نشطاء اجتماعيين.

كان لمشاركتها في الاجتماع الذي عقد في العاصمة الأمريكية واشنطن عام 1896 درواً كبيراً في تأسيس الجمعية الوطنية لنوادي النساء الملونات التي أصبحت رئيسة لها في وقتاً لاحق، وكان أهم محاور الجمعية هو تطوير الموارد التي تساعد الأمريكيين الأفارقة الفقراء والمحرومين، كما دعمت حق المرأة في التصويت من خلال عملها على المستوى المحلي والوطني، وعارضت بشدة الفصل وأيدت تشريعات مكافحة الإعدام خارج نطاق القانون من خلال منشوراتها.

وشغلت عام 1914 منصب رئيس مكتب الرابطة الوطنية للمساواة في الحقوق بشيكاغو على خلفية نشاطها في الرابطة التي تأسست عام 1864، كما شغلت منصب السكرتير الأول لمنظمة المجلس القومي الأفريقي الأمريكي بعد أن كان لها دور بارز في تنظيم المجلس.

 

التمييز والفصل العنصري شكل مواد أساسية في مقالاتها

أثارت صحيفة شيكاغو تريبيون غضب إيدا ويلز عندما نشرت 1900 مقالة تشير إلى تبني نظام الفصل العنصري في المدارس العامة، فردت على الناشر أنه انطلاقاً من تجربتها كمعلمة في أنظمة الفصل العنصري في الجنوب أن المدارس المنفصلة هي أقل نجاحاً من المدارس العامة المتكاملة، ونجحت في وقف تبني نظام مدرسي منفصل بشكل رسمي بعد أن ضغطت على الناشر.

خلال الحرب العالمية الأولى وضعتها الحكومة الأمريكية تحت المراقبة بعد أن وصفتها بأنها "محرضة عرقية"، لكن ذلك لم يثني عزيمتها واستمرت بالعمل في مجال الحقوق المدنية، وفي 1917 كتبت عن أعمال الشغب في شرق سانت لويس في سلسلة من التقارير الاستقصائية، وبعد مرور أكثر من ثلاثين عاماً على مغادرتها الجنوب توجهت إلى هناك عام 1921 للتحقيق ونشر تقرير عن مجزرة إيلين في أركنساس التي وقعت عام 1919 وراح ضحيتها عدد لا يعد ولا يحصى من السود على يد مقاتلين من البيض ينتمون لـ "جماعات القصاص الأهلية" التي تنفذ الأحكام بعيداً عن الدولة دون إذن قانوني،

وبعد عودتها خسرت منصب رئاسة الجمعية الوطنية للنساء الملونات عام 1924، لكنها لم تتوقف عن نشاطاتها فأنشأت النادي السياسي النسائي عام 1927 واعتبرته تحدياً لمشاكل الأمريكيين الأفارقة في شيكاغو، وتوفيت 25 آذار/مارس عام 1931.