آسيا جبار... مناضلة القلم التي دافعت عن قضايا المرأة في الجزائر

أيقونة جزائرية ناضلت من أجل الحرية، تميزت بمواقفها الرافضة للاستعمار الفرنسي في بلادها، مثقفة وأديبة جريئة لقّبت بـ "الكاتبة المقاومة" لتأييدها قضايا المرأة ووقوفها إلى جانب النساء المتحدّيات للعادات والتقاليد البالية، هي آسيا جبار التي ارتبط اسمها ارتباطاً وثيقاً بالحركة النسوية

مركز الأخبار ـ .
 
نشأتها
ولدت آسيا جبار في 30حزيران/يونيو عام 1936 في مدينة شرشال الساحلية بولاية تيبازة غرب مدينة الجزائر العاصمة، ضمن عائلة برجوازية تقليدية من أب يدعى "طاهر املايين" الذي كان معلماً في كلية "تكوين المعلمين بوزريعة" في مدينة قوراية، وأم تدعى بهية صحراوي تنتمي إلى عائلة البركاني أحد سكان تشينيت آيت منصر البربري في مدينة الظهرة، وأسمها الحقيقي "فاطمة الزهراء املايين".
قضت آسيا جبار طفولتها في مدينة متيجة، بدأت تعليمها في المرحلة التحضيرية في المدرسة القرآنية الخاصة، من ثم أكملت المرحلة الابتدائية في المدرسة الفرنسية في مدينة موازية، وهي في سن العاشرة ذهبت للدراسة في مدينة البليدة لعدم قدرتها على تعلم اللغة العربية الفصحى فبدأت بتعلم اللغة اليونانية القديمة واللاتينية والإنكليزية، وفي عام 1953 درست في ثانوية "بوجود" بالجزائر العاصمة (مدرسة الأمير عبد القادر حالياً)، وهي في أوج شبابها في مرحلة البلوغ دخلت ذروة الحرب الجزائرية وأمضت سنوات من عمرها في هذه الحرب تعمل على إجراء مقابلات مع اللاجئين في المغرب وتونس بالرغم من أنها لم تدرس الصحافة، لتظهر للعالم الآثار السلبية التي خلّفها الاستعمار.
 
جابت العديد من الدول
بعد استقلال الجزائر عام 1962، عملت آسيا جبار مدرّسة لمادة التاريخ في جامعة الجزائر إلى جانب عملها في جريدة المجاهد، غلب الطابع التاريخي الجزائري والعربي الإسلامي بكثافة على جميع رواياتها، وكانت متنقلة بين الجزائر وفرنسا والولايات المتحدة.
في عام 1955، دخلت المدرسة العليا للمعلمين في فرنسا لتكون أول مسلمة تدرس فيها، تخرجت منها عام 1959، وذهبت لتدرّس في كلية الرباط مادة التاريخ الحديث والمعاصر للمغرب، وفي عام 1995، قامت بتدريس الأدب الفرنسي في جامعة لويزيانا وجامعة نيويورك، وفي عام 1999 حصلت على شهادة دكتوراه في الأدب حول "الأدب المغاربي الفرانكفوني".
 
جسدت الواقع الجزائري وقضايا النساء في رواياتها
اشتهرت آسيا جبار في منتصف القرن الماضي، بأعمالها الروائية في الجزائر وشمال أفريقيا، وتناولت في أعمالها الآراء الأنثوية والمناهضة للاستعمار في الجزائر، وحملت أيضاً رسائل داعية إلى السلام والعدل والدفاع عن حقوق المرأة، ونقل معاناة المرأة الجزائرية في مجتمعها، وغلب حسّها الأنثوي على أسلوب كتابتها للروايات.
نشرت أول رواياتها في فرنسا عام 1953، وهي لا تزال في العقد العشرين من عمرها، باسم "العطش" وهي رواية تتحدث عن الخيانة والتحريض داخل الطبقة العليا في الجزائر، أخفت اسمها الحقيقي في الرواية عن والدها المتحفظ والتقليدي خوفاً من رفضه لنشرها، لتكسر حاجز هذا الخوف في الروايات اللاحقة بوضع اسمها عليها.
في روايتها "المتلهفون" تقف آسيا جبار مع النساء اللواتي تحدين العادات والتقاليد في المجتمع، وبسبب هذه الرواية لقبت بـ "الكاتبة المقاومة"، وفي عام 1957 نشرت رواية "نافذة على الصبر" والتي تضمنت الأحداث التحريرية للجزائر.
كما تناولت في روايتها دور المرأة في حرب الاستقلال الجزائرية ضد فرنسا والتي كانت تحت عنوان "أطفال العالم الجديد" التي نشرت عام 1962، وتحدثت عن قضايا نسوية عدة في روايتها "الحب... الفانتازيا" ونشر في عام 1985.
دعت آسيا جبار في روايتها "ظل السلطانة" "Ombre Sultane" التي صدرت عام 1987، إلى الديمقراطية، وتعزيز دور الحوار بين ثقافات الشعوب المختلفة والدفاع عن حقوق المرأة.
في أوج أحداث الحرب الأهلية التي حصلت في الجزائر كتبت عن الموت روايتان تحت اسم "الجزائر البيضاء" و"وهران... لغة ميتة" عام 1996، وفي ظل ارتباط آسيا جبار بأرضها وشعبها خصوصاً بعد اندلاع أعمال العنف واستهداف المثقفين نشرت في عام 1996روايتها "بياض الجزائر".
وداوت أسيا جبار غربتها وبعدها عن وطنها من خلال رواية "ليالي ستراسبورغ" التي صدرت عام 1997.
نشرت في عام 2007 رواية "بوابة الذكريات" التي غير اسمها المترجم محمد آيت ميهوب عقب ترجمتها إلى اللغة العربية في عام 2016 إلى "لا مكان في بيت أبي" تناولت فيها الكاتبة سيرتها الذاتية.  
ومن رواياتها أيضاً رواية "القلقون" التي نشرت في عام 1958، ورواية "السجن الواسع" في عام 1995، ورواية "امرأة لم تدفن" و"امرأة بدون قبر" عام 2002.
 
أعمالها القصصية والسينمائية
توقفت آسيا جبار عن الكتابة مدة عشر سنوات، هاجرت مرة أخرى إلى فرنسا، لتبدأ بكتابة القصص والتي كان أشهرها قصة "نسوة الجزائر في بيوتهن" التي صدرت عام 1980 واستوحت عنوان القصة من لوحة أوجين "دولاكروا" الشهيرة؛ لتسرد تفاصيل اللوحة التي تجسد حكايات نساء الجزائر، وتدمج بين الأدب والفن التشكيلي، في عام 1969 أنتجت مسرحية بعنوان "الأحمر هو الفجر". 
كان لـ آسيا جبار دور كبير في مجال الإخراج والتأليف السينمائي، فقد قامت بإخراج فيلم طويل للتلفزيون الجزائري عام 1977 باسم "نوبة نساء جبل شنوة" وهو فيلم وثائقي يسلط الضوء على المرحلة ما بين عامي (1954ـ 1962)، أي فترة حرب التحرير الجزائرية، حاز الفيلم على جائزة النقد الدولية في مهرجان البندقية السينمائي، في عام 1982 أخرجت فيلم "الزردة أو أغاني النسيان" التي تناولت من خلالها تاريخ الاستعمار في دول المغرب العربي.
 
دافعت عن لغتها الأم ولم تترجم رواياتها إلى العربية
طغى أسلوب اللمسة الشعرية والذاكرة التاريخية على جميع الأعمال الأدبية التي كتبتها آسيا جبار باللغة الفرنسية.
لم تتمكن أسيا جبار من الكتابة بلغتها الأم العربية؛ بسبب سياسة الاستعمار التي اتبعت آنذاك والتي منعت تدريس اللغة العربية، فدافعت عن لغتها الأم وأدانت محاولات الاستعمار لدفن هذه اللغة ومحوها. كما ترجمت أعمالها إلى ثلاثين لغة.
طالب عدد من الكتاب والمثقفين المؤسسات المعنية ودور النشر بترجمة أعمالها إلى اللغة العربية ليعرفها القراء على المستوى العربي، إلا أن أحداً لم يستجب لذلك، ورداً على ذلك كتبت أسيا جبار رواية "الحب... والفانتازيا" التي قالت فيها "أظن أن العرب لا يملكون بعد النظرة التي تثمّن الإنسان المبدع كقيمة تزاد على المجتمع، وتفتقد إلى الواقعية والمعاملة الإنسانية".
 
معاناة المرأة الجزائرية في مجتمع ذكوري
إيمان آسيا جبار بالكتابة وبالصدق الفني بعيداً عن السياسة، وقناعتها بأن ما تكتبه هو أقرب إلى نبض الإنسان الجزائري، خاصة الصوت الأنثوي المكسور في مجتمع ذكوري قامع، جعلها تعود للكتابة مرة أخرى وتواصل مطالبتها بحقوق المرأة في المجتمع، لأن المرأة تعاني من استعمارين، الاستعمار السياسي الفرنسي الذي صادر الأرض والحرية وقمع الكينونة التاريخية للجزائر من جهة، واستعمار التخلف الثقافي بالعادات والتقاليد الذي جعل من المرأة إنساناً من الدرجة الثانية يُنظر إليها نظرة دونية من جهة أخرى.
 
أول امرأة عربية في الأكاديمية الفرنسية
أصبحت أسيا جبار أول عربية وخامس امرأة تدخل الأكاديمية، بعد انتخابها كعضو في الأكاديمية الفرنسية في 16حزيران/يونيو 2005.
شاركت بطلب من الحركة الطلابية الجزائرية في فرنسا بالإضراب الذي أطلقه الاتحاد العام للطلاب الجزائريين عام 1956، ورفضت المشاركة في الامتحانات.
تزوجت آسيا جبار الكاتب أحمد ولد رويس الملقّب بـ (وليد قرن)، وانتقلت للعيش معه في سويسرا، ولعدم تمكنها من الإنجاب، تبنت طفلاً في الخامسة من عمره في عام 1965 من دار الأيتام في الجزائر، أطلقت عليه اسم محمد قرن.
وعلى أثر تبنيها للطفل واجهت مصاعب عديدة من قبل زوجها، الأمر الذي دفعها للتخلي عنه، والانفصال في عام 1975. تزوّجت بعدها من الشاعر والكاتب الجزائري عبد المالك علولا، وعاشا في باريس ولكن انتهى هذا الزواج أيضاً بالانفصال.
 
الآراء التي تناولت شخصيتها
آسيا جبار من الرموز الثقافية والأدبية للكتاب الجزائريين، بلغت قمة نجاحها الأدبي، فهناك العديد من الشعراء والكتاب الذين مدحوا كتاباتها من جهة ومنهم من انتقدها.
قال عنها الروائي حبيب السايح "آسيا جبار امرأة ذات أنوثة عالية كاتبة منفردة مربكة بصمتها، هي التي نحتت شكل صورة الجزائر الفريدة في العالم العربي، إنّ عملها في الشعر والقصة والرواية والإخراج السينمائي هو الذي أوصلها إلى هذه المكانة المرموقة التي تحظى بها في فرنسا".
ومن جهته قال الروائي الجزائري عبد الرزاق بوكبة "إن آسيا جبار مثلت نموذجاً للمرأة الجزائرية المثقفة التي خاضت طريق النضال من أجل وطنها ومن أجل إبداعها منذ طفولتها" ويضيف "جسدت آسيا جبار كتاباتها حقلاً لنقل معاناة المرأة الجزائرية البسيطة، ورغم أنها اعتنقت اللغة الفرنسية، التي أصبحت عضوة في أكاديميتها، فإنها لم تفقد روحها الجزائرية".
كما مدحها المؤلف والناقد الأدبي مخلوف عامر "تعني لي آسيا جبار نموذج المرأة المقاومة التي اكتوت بنار حرب التحرير كسائر الجزائريين، واستطاعت أن تستفيد من الفرنسية كـ (غنيمة حرب) لتؤسس لوجودها ولتقدم للأخر صورة عن أمّتها، وعن التراث عامة، بغض النظر عن طبيعة قراءاتها لوضعنا وللتاريخ، وأن تثبت عملياً أن الأدب لا فرق فيه بين الذكورة والأنوثة، إنما هو أدب وليس أدباً جيداً أو رديء".
"الروائية آسيا جبار هي من أهم الأقلام النسوية بالجزائر وفي العالم العربي والعالم، كانت مناضلة بالقلم من أجل رفع قيمة المرأة وتمكينها من حقوقها وأظن أنها قدمت الكثير وأسهمت في نشر الوعي الثقافي بقضايا المرأة" هذا ما قاله مدير وحدة البحث في الثقافة واللغات والآداب محمد داوود عنها.
وقال المؤلف أليامين بن تومي عن شخصيتها ودفاعها عن قضايا المرأة "آسيا جبار هي ما يمكن أن نصفه بالعلامة التأسيسية للرواية الجزائرية المكتوبة بالفرنسية أقامت داخل اللسان الفرنسي لتتجاوز مآزق الهوية التي صادرت المرأة وجعلتها صوتا مبحوحاً خارج الإرادة فداخل البوح اللغوي، تمكنت من تأسيس جبروت رمزي لتدفع بخطاب الأنثى والأمومة نحو التعالي والإبداع".
وقالت الشاعرة الجزائرية الفرنسية المايسة بوطيش عن تأثرها برواية "امرأة بدون قبر" التي صدرت في عام 2002، خلدت فيها آسيا جبار المرأة الجزائرية البطلة في ثورة التحرير، فشخصية زليخة امرأة شجاعة، تترك كل شيء وراءها تحمل السلاح وتلتحق بالجبل للدفاع عن استقلال البلد، تستشهد، ولا تعود إلى أبنائها، لم يتمكن الأبناء من العثور على جثمانها لدفنها الدفن الذي يليق بالشهيدات.
"إن آسيا جبار كاتبة وامرأة تثير في شخصيتي الكثير من الإعجاب والتعاطف، فلا شك أنها تعيش بعداً جسدياً عن الجزائر ولكنها لم تبتعد عنها يوماً، إننا في جوهر اهتماماتها، وكتاباتها تشهد على ذلك" تقول عنها الروائية ليلى حموتان.
الكاتبة والباحثة في الثقافة الشعبية في فرنسا ذهبية عمور قالت "بالنسبة لآسيا جبار، الكتابة وجود أنطولوجي، لو أنها لم تكتب ما كان ليكون لها وجود، الكتابة هي الأثر الوحيد الذي تريد أن تقبض عليه قبل أن يتلاشى".
وتضيف تستند آسيا جبار في كتاباتها الإبداعية على تخصصها الأول وأعني به "التاريخ"، تحاول أن تحتفل بالتاريخ في نصوصها كي تثمرها وتغرقها في الواقع، وتتحرر من أي حصار".
هذا التألق والنجاح لم يروق للبعض، فبعد نشر روايتيها "رواية العطش" و"القلقون" انتقدت آسيا جبار من قبل حرس "الوطنية المزكومة" ونقاد الأدب الأيديولوجيين، كما انتقدها الكاتب والمؤرخ مصطفى الأشرف الذي وصفها بالكاتبة البرجوازية.
 
الجوائز التي حازت عليها 
نالت آسيا جبار عدة جوائز أدبية عن أعمالها الروائية كجائزة النقد الأدبي الدولي عام 1979، وفازت أيضاً بعدة جوائز دولية في إيطاليا، والولايات المتحدة الأمريكية وبلجيكا، كما حصلت على جائزة نيوستادت الدولية للآداب عام 1996، وجائزة مارغريت يورسنار عام 1997، وكانت أول كاتبة تفوز بجائزة السلام التي منحتها ألمانيا عام 2002، وكرّمت من قبل جامعات غربية عديدة أبرزها جامعة النمسا وكندا وألمانيا، وتم ترشيحها لجائزة نوبل للآداب عام 2009.
عملت بروفيسورة في الأدب الفرانكفوني في جامعة نيويورك حتى وفاتها في 7شباط/فبراير 2015 عن عمر ناهز 78 في أحد مستشفيات العاصمة الفرنسية باريس، ووريت الثرى حسب وصيتها في مكان ولادتها بمدينة شرشال.