آني جمب كانون من أبرز علماء الفلك في كل العصور

لم تأخذ الفلكية والفيزيائية آني جمب كانون حقها كأحد أهم العقول في العالم والعصر الحديث بعد اكتشافها أكثر من 300 نجم وابتكارها طريقة لتصنيف النجوم لم يسبقها إليها أحد، وهي أحدى المدافعات عن حقوق المرأة.

مركز الأخبار ـ  
 
المولد والنشأة
ولدت الفيزيائية والفلكية الأمريكية آني جامب كانون في 11 كانون الأول/ديسمبر عام 1863 في "مقاطعة كنت" القريبة من العاصمة واشنطن وهي أبنة لويلسون كانون عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ديلاوير.
لا توجد تفاصيل كثيرة عن طفولة آني كانون لكن المعروف هو شغفها منذ الصغر بالسماء والنجوم فكانت تجد لذة كبيرة في الجلوس مع والدتها لساعات طويلة خلال الليالي الصافية للنظر إلى السماء وتفحص النجوم.
 
العالمة الصماء
تتباين الروايات حول الطريقة التي أصيبت بها آني كانون بفقدان السمع فبعض المصادر تشير إلى أن العالمة الفلكية عانت منذ طفولتها من ضعف السمع وهو ما تطور لاحقاً لتفقد السمع بشكل كلي، فيما تقول الرواية الأخرى أنها أصيبت بالحمى القرمزية، وكانت من بين الأمراض الخطيرة التي تهدد حياة المريض لكن آني نجت منه وبالمقابل فقدت سمعها.
لم يثنيها فقدان السمع عن اكمال تعليمها لكن ولصعوبة التواصل مع الأخرين فضلت آني كانون الانطواء على نفسها والانشغال بدراستها وقراءة الكتب.
 
الطريق إلى النجوم
في عام 1880 بدأت دراستها الجامعية من خلال التحاقها بكلية ويسلي التي كانت معروفة وقتها بأكاديمية ويلمنجتون، وهي مخصصة للنساء فقط، درست الفيزياء وعلوم الفلك وبدا واضحاً تميزها في مادة الرياضيات، تخرجت بعد أربع سنوات ثم عادت إلى موطنها في ديلاوير.
كونها امرأة لم تكن لديها فرص كثيرة للعمل في مجال الفلك والفيزياء فما كان منها إلا أن اتجهت للتصوير الفوتوغرافي وتوج عملها في التصوير برحلة إلى أوروبا عام 1892 نشرتها شركة بلير بعد عودتها إلى البلاد عام 1893 في كتيب حمل أسم "على خطى كولومبوس" في معرض بمدينة شيكاغو.
بعد موت والدتها في عام 1894سيطر الحزن وشعور الخيبة على آني كانون وشعرت بفراغ كبير داخل المنزل ولم تعد تستطيع المكوث فيه أكثر فقررت التواصل مع معلمتها السابقة في جامعة ويسلي، وطلبت منها فرصة للعمل ليتسنى لها الابتعاد عن الذكريات التي تربطها بوالدتها. 
ويعد عملها مساعدة لـ "سارة فرانسيس وايتنج" استاذة الفيزياء في جامعة ويسلي من المراحل المهمة في دراستها وحياتها العملية لاحقاً، كونه لم يكن عملاً فقط فبالإضافة لوظيفتها استطاعت أن تأخذ دورات للدراسات العليا في كلية الفيزياء وعلوم الفلك.
بعد عامين انضمت إلى فريق الفيزيائي إدوارد سي بيكرينغ في مرصد هارفارد بيكرينغ من أجل استكمال رسم الخرائط أو ما يعرف بكتالوج "هنري دريبر" وهو عبارة عن تصنيفات طيفية لأكثر من 272 ألف نجم.
استطاعت آني كانون أن تسجل حضوراً بارزاً في هذا العمل بفضل رؤية بيكرينغ الذي فضل الاستعانة بالنساء فمن الناحية النفسية أدرك أنهن أفضل في العمل من الرجال ووثق بقدرتهن على تحمل هذا النوع من العمل الرتيب أما من ناحية الجسدية فبطبيعة الحال تمتلك النساء أيدي أصغر من تلك التي يمتلكها الرجال وهو ما يمنحها مرونة في التعامل مع المعدات اللازمة، أما من الناحية المادية فقد استغل بيكرينغ قضية رخص أجور النساء مقارنة مع الرجال للقيام بذات العمل.
بعيداً عن أهداف بيكرينغ السلبية منها والإيجابية كرست آني كانون حياتها لهذا المشروع الذي بدأ فعلياً في عام 1885 لتصنيف وفهرسة أطياف جميع النجوم، بدعم من أرملة الفلكي هنري دريبر.
 
ابتكار طريقة علمية جديدة لتصنيف النجوم
درست آني جمب كانون مع زميلاتها في المرصد أطياف النجوم على صور اللوحات الزجاجية لكنها تفردت بابتكار طريقة لتصنيف هذه النجوم أثناء عملها الدؤوب في المرصد، فبعد تحليل النجوم على جهاز الكمبيوتر والتعرف على خصائصها عملت على تحسين نظام التصنيف بأن صنفت النجوم بحسب درجة حرارتها. 
وتعتمد طريقة آني كانون في تصنيف النجوم على طريقة مبسطة وهي بتصنيف النجوم بالأحرف من  O وحتى M (وهذه الأحرف رمز للأطياف) بمعنى أن النجوم التي تأخذ مكانها في خانة O تكون أكثر حرارة (أسخن) من النجوم التي تقع في خانة حرف M (تكون أبرد).
كما أنها أضافت الأرقام من 0 وحتى 9 إلى الأطياف السابقة ((O,B,A,F,G,K,M، ولا تكون هذه الأرقام اعتباطية بل انها تشير إلى الفرق في شدة الإضاءة بين كل طيف فيما يعرف حالياً بمخطط تصنيف هارفارد للنجوم.
اعتمدت عالمياً تصنيفات آني كانون التي نشرت عام 1901 في تسع مجلدات (1918ـ 1924) فيما يعرف باسم دليل هنري، وعرف بين الفلكيين فيما بعد باسم "مخطط تصنيف هارفرد للنجوم" نسبة إلى جامعة هارفرد.
لم يحمل هذا الانجاز اسم آني جمب كانون بل سرقت انجازاتها وسجلت باسم رجل لم يكن له أي مجهود أو مشاركة فيها سوى التمويل الذي منحته أرملته للمرصد، وبذلك استطاع المال الاستحواذ على عمل امرأة امتلكت عقل مفكر صنع أهم انجاز في تاريخ علوم الفلك على مر العصور.
لم تتوقف مسيرة آني كانون عند هذا الانجاز بل أكملت تحصيلها العلمي وحصلت على درجة الماجستير في عام 1907 من كلية ويسلي.
على الرغم من إضافة إجراءات طفيفة على نظام تصنيف النجوم الذي انشأته آني كانون إلا أنه لا يزال مستخدماً بشكل رسمي منذ أن تبناه الاتحاد الفلكي عام 1922 بشكل رسمي وحتى الآن.
وكان لإنجاز آني كانون مساهمة كبيرة في مجال علوم الفلك والتغلب على كثير من المعضلات والمشاكل التي واجهت هذا العلم والعاملين فيه وأدت إلى تطوره بشكل كبير ومتسارع.
 
دعمت النساء
لم تفقد آني كانون انسانيتها أو تتحول إلى مجرد حاسوب خلال مسيرتها في العمل الفلكي، وأكدت في إحدى المرات أن "الحياة التي نقضيها في الروتين العلمي ينبغي ألا تدمر العنصر الإنساني الجذاب لطبيعة المرأة".
إضافة إلى ذلك كان لها دور في حركة المطالبة بمنح المرأة حق التصويت في الولايات المتحدة الأمريكية ودعت إلى منح المرأة حقوقها وتوسيع حق التصويت ليشمل جميع النساء وبالفعل منحت المرأة الأمريكية حق التصويت في العام 1928 بفضل جهود النساء والإصرار على منح المرأة حقوقها التي تستحق.
ويُشهد لآني كانون دورها الكبير في دعم النساء وفتح الباب واسعاً امامهن للانخراط في العمل الفلكي واكتساب احترام المجتمع العلمي في وقت كان فيه هذا العلم وغيره من العلوم حكراً على الرجال.
ومثلت آني كانون النساء المحترفات في المعرض العالمي لعام 1933 وهو من أهم المعارض التي انشأت منذ القرن التاسع عشر لأهدافه المتمثلة في تلبية حاجة الإنسان من معرفة الحضارة ومختلف فروع النشاط البشري.
ورغم أعمالها الهامة إلا انها تعرضت للنقد من قبل المجتمع لكونها انخرطت في العمل وعزفت عن الزواج وتكوين أسرة واعطائها الدور المجتمعي الروتيني المتمثل بحسر المرأة في زاوية ضيقة متمثلة ببيت وامرأة مطيعة للزوج وأطفال.
تعد جائزة آني جمب كانون وجه من وجوه دعمها للمرأة، وخصصت الجائزة للنساء العاملات في مجال الفلك، وأطلقت الجائزة بأموال حصلت عليها من إحدى جوائزها، ودأبت الجمعية الفلكية الأمريكية على تقديم الجائزة في كل عام لامرأة حاصلة على شهادة الدكتوراه وتعمل في مجال الفلك مدة لا تقل عن خمس سنوات، وحصلت عليها أول مرة العالمة سيسيليا باين غابوشكين عام 1934.
 
الانجازات والجوائز
تطور عمل آني كانون لدرجة أصبحت لها القدرة على تصنيف 3 نجوم في دقيقة واحدة وخلال مسيرتها المهنية صنفت ما يربو على ثلاث مئة وخمسين ألف نجم، واكتشفت 300 نجم متغير وهي نجوم يتبدل ضوئها وحجمها بسبب تغييرات تطرأ على باطنها، كما اكتشفت نجم طيفي واحد وهو نظام نجمي يتكون من نجمين يدوران حول محور ثابت وهو مركز الجاذبية بينهما. 
عملت ايضاً كسفيرة في مجال علوم الفلك، وكتبت عدة مؤلفات حول علم الفلك لغير المختصين، ورُشحت لتكون أمينة للصور الفلكية في عام 1911، وأصبحت أمينة للصور الفلكية في شركة هارفرد 27 عاماً عملت خلالها في رعاية وتنفيذ التحقيقات الفلكية التي قام بها بيكرينغ.
حصلت خلال مسيرتها التي استمرت 40 عاماً على مجموعة من الجوائز والتكريم، وكسرت كثيراً من التقاليد المتبعة في منح الجوائز التي كانت حكراً على الرجال. 
كانت فترة الثلاثينات من القرن الماضي حافلة بالجوائز بالنسبة لآني كانون حيث أصبحت في عام 1931 الوحيدة التي حصلت على ميدالية هنري دريبر من الأكاديمية الوطنية للعلوم والممولة من زوجة العالم الفلكي هنري دريبر للمساهمات المتميزة في مجال الفيزياء الفلكية. 
بعد حصولها على ميدالية هنري بعام حصلت على جائزة إلين ريتشارد، ثم أصبحت أول امرأة ضابط في الجمعية الفلكية الأمريكية عام 1933.
وفي عام 1936 وعلى الرغم من بلوغها 73 عاماً من العمر إلا أن نشاطها وشغفها بالعمل لم يمنعها من تلبية طلب خاص من المرصد الملكي لرأس الرجاء الصالح في أفريقيا لدراسة عشرة آلاف نجمة باهتة أو ما يعرف علمياً بالمنطقة الغازية المحيطة بالثقب الأسود.
وفي عام 1938حصلت على لقب عالم الفلك "ويليام سي بوند" وهو أول مدير لمرصد هارفرد ومكتشف المذنب العظيم. 
قبل ذلك مُنحت عضوية من بعض الجامعات الفلكية وشهادات فخرية من قبل عدة دول منها جامعة جروننجن الهولندية التي منحتها عام 1921 الدرجة الفخرية في الرياضيات وعلوم الفلك، إضافة للمملكة المتحدة التي منحتها العضوية الفخرية في الجمعية الفلكية الملكية. وكانت آني كانون أول امرأة تمنح الدكتوراه الفخرية من جامعة اكسفورد في عام 1925.
 
مرض القلب ينهي حياة العالمة 
عاشت آني كانون 78 عاماً كرست أربعون عاماً منها للعمل في مجال الفلك، واجبرت على الاستقالة قبل عام من وفاتها بسبب معاناتها من مرض القلب لكنها استمرت في البحث العلمي حتى دخولها المشفى ومفارقتها الحياة في 13 نيسان/أبريل من عام 1941.
عند وفاة آني كانون قالت عنها خليفتها في مرصد هارفرد هارلو شبلي "إنها واحدة من أبرز علماء الفلك في كل العصور"، وعند انشاء قاعة مشاهير المرأة الوطنية في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1969 والمختصة بإنجازات المرأة الأمريكية ادرج اسم آني في 1994 كإحدى أهم النساء في البلاد.
لم يسمع الكثيرون باسم آني جامب كانون رغم كل هذه الانجازات على عكس رجال برزت اسمائهم وضجت بهم الكتب من أقل مرحلة دراسية وحتى في كتب كبار المؤلفين لأقل اكتشاف علمي، لكن وعلى الرغم من كل ما قدمته لم تعطى آني حقها كما يجب لذلك كان من واجبنا إلقاء الضوء على مسيرة امرأة قدمت الكثير لعلم الفلك وما زالت اكتشافاتها مرجع للفلكين حتى عصرنا الحاضر.