أنديرا غاندي... امرأة الهند الحديدية (1)

ـ امرأة لم تكن مثل قريناتها في حياتهن، قوية البنية والإرادة تميزت بالعناد والذكاء والفكر المختلف، أرست قواعد دولة ذات شأن، شاركت في النضال من أجل استقلال بلادها من الاحتلال البريطاني

أنديرا غاندي... البدايات

مركز الأخبار ـ امرأة لم تكن مثل قريناتها في حياتهن، قوية البنية والإرادة تميزت بالعناد والذكاء والفكر المختلف، أرست قواعد دولة ذات شأن، شاركت في النضال من أجل استقلال بلادها من الاحتلال البريطاني.
لم يكن المجتمع الهندي متقدماً كما أراد قادته، فقد شكلت الهند لوحة متنوعة عرقياً ودينياً وثقافياً قل مثيله في دولة واحدة في العالم، تضم عدة طبقات وأديان ومعتقدات رئيسية، وتنضوي تحت كل راية طوائف مختلفة، وتشكل الهندوسية الثقافة الرئيسية في الهند.
عند ذكر اسم أنديرا غاندي ترتسم صورة امرأة يعلو شعرها الأسود من الجانب الأيمن خصل بيضاء ميزتها.
انخرطت بالسياسة منذ نعومة أظفارها في فترة من تاريخ الهند كان فيه عمل النساء أمراً صعباً أو ربما شبه مستحيل، إلا أن نشأتها في منزل سياسي فتح أمامها باب السياسة على مصراعيه، وجعلها تترأس عدة مناصب في الدولة، وباعتبارها الابنة الوحيد لـ "جواهر لال نهرو".
"في وقت من الأوقات كانت الزعامة تعني العضلات أما الآن فهي تعني التجاوب مع الناس"، إحدى أشهر وأهم اقوال أنديرا غاندي ثاني سيدة تشغل منصب رئيسة الوزراء في العالم بعد "سيريمافو باندرانايكا" في سريلانكا، لثلاث فترات متتالية بين عامي (1966ـ 1977) والفترة الرابعة من عام (1980ـ 1984).
 
نشأتها ومراحل حياتها 
في مدينة الله آباد شمال الهند ولدت أنديرا بريادار شيني نهرو في 19 تشرين الثاني/نوفمبر 1917، وتنقلت بين الهند وعدة دول أوروبية نتيجة لمرض والدتها بالسل الرئوي والذي توجب معالجتها في الخارج. لقبت بـ "أنديرا غاندي" لشدة تأثرها بالزعيم الهندي المهاتما غاندي الذي ساعد الهند في استقلالها. 
تلقت تعليمها في أماكن مختلفة وفي عدد من المدارس والكليات في الهند وخارجها وبشكل متقطع أثناء تنقلها مع والدتها. 
ترعرعت ضمن عائلة سياسية مؤثرة في الهند، وامتلكت نزعة سيادية وأصبحت أحد أهم عناصر حزب الكونغرس الهندي (المؤتمر الوطني الهندي)، شكلت طفولتها جزءاً كبيراً من شخصيتها وكانت تنبأ بامرأة ذات طابع خاص.
كانت أنديرا غاندي الطفلة الوحيدة لوالدها، بعد موت أخيها الأصغر سناً في طفولته، وكانت بطبيعة الحال غير سعيدة في حياتها بسبب غياب والدها عنها في أغلب الأوقات بسبب طبيعة عمله، ومعاناة والدتها من مرض السل.
اضطرت أنديرا غاندي منذ صغرها أن تتحمل مشقة المشكلات السياسية الوطنية والثورات المحلية، وتأثر تعليمها بسبب ذلك إذ لم يكن فيه أي استمرارية، ولفترات طويلة كان الجو حولها يفتقر إلى السلام والهدوء نتيجة انشغال أبيها بالشؤون العامة والسياسية التي أدت كثيراً إلى الزج به خلف قضبان السجون.
 
تنقلاتها بين أوروبا والهند
كانت زيارة أنديرا غاندي الأولى لأوروبا في عام 1926، بصحبة والديها إلى سويسرا، ليحظوا بفترة نقاهة لوالدتها المريضة، كما أنها زارت في وقت لاحق باريس ولندن في عام 1927، وعادت إلى الهند في كانون الأول/ديسمبر 1927.
وقعت أنديرا غاندي في حب الجبال وجمال منحدراتها، بعد إقامتها مع والدتها في جنيف بسويسرا، وفيما بعد لقبها الآخرون ولقبت هي أيضاً نفسها بـ "ابنة الجبال"، تعلمت اللغة الفرنسية ونطقتها بطلاقة ما ساعدها على التكيف بسرعة مع الحياة في جنيف. 
في ربيع عام 1935 انتقلت أنديرا غاندي مرة أخرى إلى أوروبا مع والدتها لتلقي بقية العلاج، وبعد عام انضمت إلى المؤتمر الوطني الهندي، ثم التحقت بمدرسة الريشة بالقرب من بريستول من نفس العام، وفي عام 1937 التحقت بكلية سومرفيل في اكسفورد بإنكلترا.
 
الكفاح الهندي من أجل الاستقلال
بعد عضويتها في رابطة الهند تعرفت على عدد من الشخصيات الثورية والتي تكافح من أجل استقلال البلاد من بريطانيا، وتعرفت أيضاً على زوجها فيروز غاندي الذي كان عضواً في الرابطة ويدرس في لندن.
خلال دراستها في جامعة فيسفا بهاراتي في الهند عرفت باسم "أنديرا بريادار شيني نهرو"، وتعرفت على مؤسس الجامعة الشاعر والمسرحي والروائي الهندي "رابنتدراناث طاغور". لكنها عادت إلى السفر مجدداً لاصطحاب والدتها التي ساءت حالتها المرضية بشكل كبير وتوفيت في سويسرا. 
وبعد وفاة والدتها قررت أنديرا غاندي مواصلة تعليمها، وحصلت على شهادة من كلية العلوم السياسية بسويسرا، وارتادت جامعة أكسفورد ببريطانيا لتكمل دراسات التاريخ والعلوم السياسية والاقتصادية فيها وقد كان لها دور نشط في الحياة الطلابية للجامعة كدورها في جمعية "أكسفورد الآسيوية"، ورغم كل ذلك كانت تعاني ضعفاً في اللغة اللاتينية التي كانت تعتبر مادة إلزامية في الجامعة.
وخلال فترة وجودها في أوروبا، كانت تعاني من مشاكل صحية وشخص الأطباء حالتها بالوسواس المرضي، واضطرت إلى القيام برحلات متكررة إلى سويسرا للتعافي، ما أدى إلى تعطيل دراستها عدة مرات.
وأثناء عودتها إلى إنكلترا علقت أنديرا غاندي في البرتغال لأكثر من شهرين بعد غزو الجيوش الألمانية لأوروبا خلال الحرب العالمية الثانية وفي النهاية تمكنت من دخول إنكلترا في أوائل 1941، ومن هناك عادت إلى الهند دون حصولها على الشهادة.
 
زواجها من فيروز غاندي
في تشرين الأول/ أكتوبر 1933، أي قبل شهر من عيد ميلاد أنديرا غاندي السادس عشر، تقدم فيروز غاندي لخطبة أنديرا، إلا أنه قوبل بالرفض من قبلها ومن قبل عائلتها بداعي أنها صغيرة في السن، رغم ان العادات والتقاليد في الهند تجبر الفتاة على الزواج في سن صغيرة.
لكن يعتقد أن الرفض في البداية كان نتيجة اختلاف الطبقات حيث أن التقاليد الهندية لا تسمح بزواج من ينتمون إلى طبقتين اجتماعيتين أو طائفتين دينيتين مختلفين.
لم يستمر الرفض طويلاً فبعد عدة أشهر وتحديداً في شباط/فبراير 1942 نشرت صحيفة ليدر في الله آباد في صفحتها الأولى خبر خطبة أنديرا غاندي وفيروز.
وفي اليوم التالي تناقلت الصحف الهندية الخبر، واضطر والد أنديرا غاندي نشر بيان رسمي يؤكد فيه زواج ابنته من فيروز غاندي، وبعد أقل من شهر عقد قرانهما في احتفال كبير، مع انتصار لإرادة أنديرا.
لا تربط فيروز غاندي أي صلة قرابة بالمهاتما غاندي فهو رجل بارسي مجوسي، والده مهندس بحري وعاش في مدينة الله أباد مع خالته ودرس الاقتصاد في لندن وهو أحد ناشطي الحركة الوطنية الهندية.
 
اعتقالها
بالتزامن مع زواج أنديرا غاندي تسارعت الأحداث على الصعيد السياسي، بسبب الحرب الثانية ومحاولة بريطانيا استمالة الهند إلى جانبها في الحرب ضد دول المحور دون تقديم مقابل للهند.
رداً على ذلك أصدرت اللجنة المركزية لحزب المؤتمر الوطني الهندي في تموز/ يوليو 1942، قراراً يقضي بخروج البريطانيين من الهند، مما اغضب البريطانيين وأمروا باعتقال اعضاء الحزب الهندي الوطني ومن بينهم أنديرا غاندي وزوجها فيروز.
وتم اعتقال أنديرا غاندي أثناء خطابها في تجمع كبير في الله آباد، وتعرضت خلال الاعتقال للضرب ما أدى إلى تمزق ثيابها، وعندما حاول فيروز الذي كان متخفياً إنقاذ أنديرا من بين أيدي البريطانيين اعتقل هو أيضاً بتهمتي التخريب ومناهضة السياسة الاستعمارية.
 
خروجها من السجن
وجدت أنديرا غاندي نفسها نزيلة السجن الذي طالما زارت والدها وجدها والعديد من أقاربها فيه، أطلق سراحها بعد 243 يوماً، وبقي والدها وزوجها يقبعان في السجن.
كان خبر حملها مفاجئ بالنسبة لهم، وذلك لأنه جاء معاكساً للنصائح الطبية التي تلقتها طيلة حياتها، بأن تمتنع عن إنجاب الأولاد لأن جسدها لا يحتمل مصاعب الحمل، وهذا ما أدى إلى تدهور صحتها مجدداً، إلا أن ذلك لم يجدي نفعاً ولم يقف في وجه عزيمة أنديرا غاندي.
أنجبت أنديرا غاندي ابنها الأكبر راجيف في 20 آب/أغسطس 1944، فيما كان فيروز ينتظر الأخبار في زنزانته، وأخذت أنديرا ابنها الذي لم يبلغ شهره الأول لزيارة المهاتما غاندي.
وبعد سنتين ونصف من السجن، خرج والدها ليقود حزب المؤتمر في مواجهة جبهتين، الأولى مفاوضات الاستقلال، والثانية التفاوض مع المطالبين باستقلال المناطق المسلمة.
 
سيل من المشكلات في منتصف عام 1947
في بداية عام 1947، أصبح جواهر لال نهرو رئيساً للحزب ورئيساً للوزراء، وكانت أنديرا غاندي تعيش حياة هادئة إلى جانب والدها وزوجها عندما علمت أنها حامل للمرة الثانية، وتزامن ذلك مع بدء مشاكل من نوع جديد بينها وبين فيروز غاندي، الذي أصبح مديراً لصحيفة "الهيرالد"، إلا أن والد أنديرا اكتشف استغلال صهره لمركزه بأن قام باختلاس أموال الصحيفة وأقام علاقات مع العديد من النساء.
اكتشفت أنديرا غاندي خيانة زوجها وعلاقته مع ابنة عمتها التي تعمل في ذات الصحيفة وعلاقة أخرى مع فتاة مسلمة كان والدها وزيراً في إحدى ولايات الهند.
وعندما أخبر فيروز تلك الفتاة بأنه ينوي طلاق أنديرا غاندي والزواج منها، سارعت فرحةً لإخبار والدها، إلا أن والدها أخبر جواهر لال ما ينوي فعله فيروز بأنديرا، استدعى جواهر لال صهره وابنته واطلعها على أن فيروز ينوي الطلاق منها، فرفضت أنديرا الطلاق واستمرت علاقتهما.
بعد أن علمت أنديرا غاندي أنها لم تعد صاحبة مكانة لدى فيروز، انتقلت مع ابنيها "راجيف وسانجاي" الذي ولد في قلب تلك الظروف، إلى نيودلهي للإقامة مع والدها، تاركة زوجها يواصل علاقاته مع النساء، وبدأت العمل بشكل غير مباشر كسكرتيرة شخصية لأبيها.
 
بداية انخراطها في السياسة الخارجية
بحلول نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945، لم تكن الهند قد نالت استقلالها بعد، استطاع حزب المؤتمر الوطني أن يقاوم حزب العمال البريطاني حتى مهدوا الطريق لإقامة دولة هندية حرة، وسافر جواهر لال إلى دلهي للتفاوض مع البريطانيين في تموز/يوليو 1946، ولكن اكتشف أن المسلمين في الهند بدأوا بتقسيم الهند إلى دولتين وهما "مسلم هندوسي ومسلم باكستان".
عجز كل من جواهر لال والمهاتما غاندي عن وقف الاشتباكات بين الهندوس والمسلمين، وهنا بدأت أنديرا غاندي تتدخل بناءً على طلب والدها، وسافرت إلى أجزاء مختلفة من الهند، محاولةً أن تحل السلام بين الهندوس والمسلمين، إلا أنهم لم يصلو لأي حلول ترضي الطرفين.
وبدعوة من الرئيس الأمريكي هاري ترومان زارت أنديرا غاندي ووالدها الولايات المتحدة الأمريكية في نهاية 1949، وتعد هذه الرحلة بداية انخراط أنديرا في السياسية الخارجية الهندية بشكل مباشر واعقبتها بزيارات إلى الصين والاتحاد السوفييتي، تحت اشراف والدها.
وفي عام 1952 استطاع فيروز غاندي أن يدخل إلى المؤتمر وانتقل هو الآخر إلى نيودلهي للعيش مع عائلته، إلا أن السفر المستمر لأنديرا غاندي مع والدها إلى الخارج أدى إلى توتر العلاقة بينها وبين فيروز.
دخلت أنديرا غاندي انتخابات الكونغرس في عام 1955، وانضمت إلى لجنة العمل التابعة لحزب المؤتمر، ونظراً لوجود الكثير من الضغوطات والمسؤوليات الواقعة على أنديرا، اختارت ألا تترشح، إلا إنه تم إعادة انتخابها في عام 1960. وفي ذات العام توفي زوجها إثر نوبة قلبية.
 
الترشح لانتخابات المؤتمر
كُلفت أنديرا غاندي بالإشراف على استراتيجية الدفاع الوطني خلال عام 1962 عندما تصاعدت حدة الخلافات من جديد بين الهند والباكستان على كشمير، وبعد تدهور حالة والدها الصحية في عام 1964، مثلت بلادها في منظمتي اليونيسكو واليونيسيف وعادت إلى الهند لممارسة مهام رئاسة الوزراء بالوكالة.
توفي والد أنديرا غاندي بسكتة دماغية في عام 1964، وخلفه بالمنصب "لال بهادور شاستري"، الذي عينها وزير للإعلام والإذاعة والبث، ومن موقعها في الوزارة سمحت للمعارضة بعرض وجهات نظرهم على وسائل الإعلام الهندية بكل حرية.
دُعمت أنديرا غاندي من قبل الكونغرس الهندي لتخلف "لال بهادور شاستري"، الذي توفي عام 1966 إثر نوبة قلبية، في رئاسة الوزراء، وبفوزها أصبحت أول امرأة تتقلد منصب رئيسة الوزراء للهند بعد الاستقلال.
اعتبرت أنديرا غاندي في البداية قائدة ضعيفة، إلا أنها سرعان ما عززت مكانتها وأنعشت شعبية حزبها الذي تدهور بشكل سيئ خلال انتخابات مبكرة، وخاضت حملة انتخابية لدعم الفقراء تحت شعار "اقضوا على الفقر"، أسفرت حملتها الانتخابية الشخصية عن نصر لحزب المؤتمر.