الصحفية إثيل باين... عينٌ على النضال

جرأة صحفية وأسلوب صريح ومباشر، تغطية شاملة للأحداث بما في ذلك الحروب والمؤتمرات، ناشطة في مجال الحقوق المدنية والعلاقات الدولية

مركز الأخبار ـ ، الصحفية إثيل باين أجرت تحقيقاتها الخاصة باعتبارها عضوة في العمل الإعلامي في البيت الأبيض.
تُعرف إثيل باين باسم "السيدة الأولى للصحافة السوداء"، شاهدت بعض من أكثر اللحظات الضخمة في الولايات المتحدة وكتبت عنها في مجلة The Chicago Defender. وأصبحت معلقة في الإذاعة والتلفزيون.
 
مواصلة مسيرة حياتها 
في الولايات المتحدة الأمريكية كانت هناك صحف تصدر للدفاع عن حقوق الأقلية السوداء في الحصول على فرص متساوية في العمل والأجر، كانت تسمى بـ "الصحافة السوداء"، وكان من ضمن مراسليها الصحفية "إثيل لويس باين" التي عرفت باسم "السيدة الأولى في الصحافة السوداء". 
ولدت الصحفية الأمريكية ذات الأصل الأفريقي إثيل باين في 14 آب/أغسطس 1911 في مدينة شيكاغو بولاية إلينوي في الولايات المتحدة الأمريكية، والدها ابن أحد مزارعي تينيسي ويليام أي باين، ووالدتها المعلمة اللاتينية بيسي باين، كانت إثيل الابنة الخامسة من بين ستة أطفال.
استقرت العائلة أولاً في ويست إنجلوود، ومن ثم انتقلوا غرب وودلون، وبعدها عادوا إلى ويست إنجلوود حيث اشتروا منزلا في شيكاغو بالقرب من كنيسة سانت جون آمي الكبرى في عام 1917، توفي والدها وهي في سن الثانية عشرة، ولإعالة الأسرة افتتحت والدتها المنزل لتعليم اللغة اللاتينية.
التحقت أثيل باين بمدرسة كوبرنيكوس الابتدائية، ثم بمدرسة ليندبلوم الثانوية الفنية لأكاديمية الرياضيات والعلوم، كان سكان المنطقة من البيض ولهذا تعرضت لمضايقات بسبب بشرتها السوداء، إلا أنها واصلت مسيرة حياتها وتحدّت ظروفها القاهرة، والتحقت بكليات سيتي شيكاغو التي كانت تعرف في أواخر العشرينات باسم كلية "كرين جونيور ومعهد غاريت ومدرسة شيكاغو للتدريب"، تخرجت عام 1933. 
كانت إثيل باين تطمح أن تصبح محامية، لكن كلية الحقوق بجامعة شيكاغو رفضت طلبها بسبب عرقها الأفريقي.
في عام 1940 تخرجت من كلية سيتي شيكاغو، والتحقت بكلية ميدل للصحافة والإعلام في جامعة نورث وسترن في إيفانستون، إلينوي، الولايات المتحدة، فيما بعد عملت بكلية الصحافة في جامعة فيسك في ناشفيل بولاية تينيسي لمدة عام. 
 
إصلاح الفتيات على أمل التغيير
كانت إثيل باين مُولعة بالقراءة والمطالعة منذ صغرها، قرأت العديد من  قصائد الشاعر والكتب المسرحية لبول لورنس دنبار، وبرعت في اللغة الإنجليزية وعلم التاريخ، أُعجب مدرّس اللغة الإنجليزية بكتاباتها وأسلوبها وحثها على كتابة مقالات وقصص، كتبت قصة قدمتها لصحيفة المدرسة وتم نشرها لاحقاً. 
كرست الصحفية إثيل باين ما تبقى من حياتها لخدمة القضايا العدالة العرقية، وعملت كمربية في مدرسة لإصلاح الفتيات، على أمل أن تحدث فرقاً في حياة الفتيات الصغيرات، وعملت كمساعدة في مكتبة شيكاغو العامة من عام 1939 إلى عام 1947، وفي أيار/مايو عام 1948، تركت وظيفتها في مكتبة شياغو للانتقال إلى طوكيو، وشغلت منصب مضيفة في منظمة "نادي خدمات الجيش الخاصة" من عام 1948 إلى عام 1951، وأصبحت فيما بعد مديرة نادي خدمات جيش الولايات المتحدة في طوكيو اليابانية.
 
حياتها المهنية كمراسلة
بدأت حياتها المهنية في مجال الصحافة بشكل غير متوقع أثناء وجودها في اليابان، وسمحت للصحفي أليكس ويلسون زميلها في المجلة الأمريكية The Chicago Defender بقراءة مذكراتها، التي تناولت فيها تجربتها الخاصة وتجارب الجنود الأميركيين من أصول أفريقية وعن الأطفال الذين تم التخلي عنهم كأيتام لأنهم ولدوا لأمهات يابانيات وآباء سود، ولإعجابه بها أعاد الصحفي أليكس مذكراتها إلى مجلة في شيكاغو وسرعان ما استُخدمت ملاحظاتها من قبل المجلة كأساس لقصص الصفحة الأولى. 
في عام 1951، عادت إثيل باين للعمل بدوام كامل في مجلة Defender، فعملت محررة ومراسلة حتى عام 1978. اعترفت جمعية الصحافة إلينوى في عام 1952 بأنها كتبت أفضل قصة إخبارية في تلك السنة عن عملها في أزمات التبني للأطفال الأمريكيين من أصل أفريقي، والصرعات التي واجهت الأمهات غير المتزوجات.
وكواحدة من الصحفيات الأفريقيات السود القلائل في تلك الفترة العنصرية، لخصت أثيل باين هذه التجارب في سلسلة مترابطة من الأحداث بعنوان "الجنوب في مفترق الطرق" التي تتضمن حركة الحقوق المدنية، والتعامل مع التمييز العنصري والجنسي في واشنطن.
 
تغطية حركة الحقوق المدنية
بعد العمل بالمجلة لمدة عامين تحديداً في عام 1953، تولت مكتب الصحيفة المكون من شخص واحد في واشنطن العاصمة، وأصبحت مراسلة واشنطن لصحف سينجستاكي حتى عام 1973، بالإضافة إلى المهام الوطنية، منحت إثيل باين الفرصة لتغطية القصص في الخارج، وبذلك عُدت أول امرأة أمريكية من أصل أفريقي تركز على التغطية الإخبارية الدولية، وكانت واحدة من ثلاثة أمريكيين أفارقة معتمدين في فيلق الصحافة بالبيت الأبيض.
خلال فترة عملها بالصحافة التي دامت خمسة وعشرين سنة مع دفاعها المتواصل عن شيكاغو، غطت إثيل العديد من الأحداث الرئيسية في حركة الحقوق المدنية التشريعية والقضائية، بما في ذلك الحملة الاحتجاجية السياسية والاجتماعية ضد سياسية الفصل العنصري في نظام النقل العام في مقاطعة حافلات مونتغومري، وأدركت أن إلغاء الفصل العنصري في مدرسة ليتل روك المركزية في أركنساس في جامعة ألاباما في عام 1957، لن يحدث ما لم يتم اتخاذ بعض الإجراءات الصارمة لدفع المشرعين إلى العمل، بالإضافة إلى مسيرة الحقوق المدنية في واشنطن الأمريكية عام 1963.
 
مراسلة حرب ومؤتمرات
رافقت الصحفية إثيل باين الكاتب الأمريكي الإفريقي ريتشارد رايت، لحضور المؤتمر الآسيوي الأفريقي في إندونيسيا "مؤتمر باندونغ" عام 1955، التي عرضت له بعضاً من تبادلاتها معه في كتابه الذي حمل عنوان "ستار اللون" وهو تقرير مفصل عن مؤتمر باندونغ.
حضرت الصحفية إثيل باين توقيع الرئيس جونسون لقانون الحقوق المدنية عام 1964، وقدم لها الرئيس واحدة من الأقلام التي استخدمها لتوقيع التشريع، سافرت إلى فيتنام لتغطية أخبار القوات الأمريكية الإفريقية المشاركة في القتال عام 1966، وقامت بتغطية الحرب الأهلية النيجيرية التي حصلت من بين عامي 1967 و1970، وغطت فعاليات وثورات أخرى في دول مثل زائير والسنغال. وحضرت المؤتمر العالمي الدولي للمرأة في مدينة مكسيكو.
امتد اهتمام إثيل باين بالسود المضطهدين إلى الخارج بداية، فقد سافرت مع نائب الرئيس ريتشارد نيكسون إلى احتفالات الاستقلال لدولة غانا الأفريقية، ورافقت وزير الخارجية هنري كيسنجر في جولة شملت ست دول إفريقية. 
في عام 1972، أصبحت أول مذيعة تلفزيونية من أصل أفريقي تعمل على شبكة التلفزيون الوطنية، وعملت على برنامج Spectrum من شبكة التلفزيون الشعبية CBS من عام 1972 إلى عام 1978، وبعدها عملت في برامج مسائل الرأي حتى عام 1982. كما قامت بحملة لإطلاق سراح زعيم جنوب إفريقيا نيلسون مانديلا من السجن.
انضمت إثيل باين إلى المنظمة الأمريكية "المرأة لحرية الصحافة WIFP" التي تركز على زيادة تواصل المرأة وربطها بأشكال الإعلام.
 
تغطيتها وكتاباتها المباشرة 
حطمت إثيل باين الحواجز كصحفية وعُرفت بأسلوبها الصريح والمباشر في طرح أسئلة  قوية ورادعة حول مواضيع لم يرغب الصحفيون الآخرون في تناولها، وذلك عندما سألت الرئيس الأمريكي دوايت إيزنهاور عام 1954، عندما كان يخطط لحظر الفصل في السفر بين الولايات وفرض العزلة والتمييز، وجاء رد الرئيس الغاضب الذي رفض دعوتها لبقية فترة رئاسته.
حاول السكرتير الصحفي جيمس هاجرتي إيقاف عملها كصحفية، لكنها أجرت تحقيق على الصحفي هاجرتي للنظر في عائدات ضريبة دخله.
في مقابلة لإثيل باين قبل سنوات من وفاتها، قالت "أنا أتمسك بإيماني الراسخ الذي لا يتزعزع بأن الصحافة السوداء هي صحافة دفاع، وأنني كجزء من تلك الصحافة لا أستطيع تحمل أي شيء عندما يتعلق الأمر بقضايا تؤثر حقاً على شعبي، وأقر بالذنب، لأنني أعتقد أنني أداة للتغيير". 
كما ذكرت مصادر أخرى بأن إثيل باين قالت لكاثلين كوري التي قابلتها في عام 1990 بمؤسسة واشنطن للصحافة "أعتقد أنني عشت حياة ساحرة، لقد تمكنت من أن أكون شاهداً للعديد من الأشياء العميقة والكثير من المتغيرات، وحصلت على مقعد في صندوق التاريخ، وهذا أمر نادر الحدوث".
توفيت الصحفية إثيل باين إثر نوبة قلبية في منزلها في العاصمة الأمريكية واشنطن عن عمر ناهز الـ 79 عاماً في 28أيار/مايو عام 1991. 
 
التكريم والإرث
نالت الصحفية إثيل باين العديد من الجوائز، ففي عام 1954 وعام 1967،  حصلت على جائزة "Newsman is Newsman"، وفي عام 1956، قدم لها مجلس شيكاغو للعلاقات الخارجية جائزة التفاهم العالمي. 
حصلت على جائزة من نادي كابيتال برس في عام 1967 لتقريرها عن حرب فيتنام، وفي عام 1972، كرمتها رئيسة الصحافة المتميزة إيدا ويلز بلقب "المستلم الأول"، وفي عام 1980، حازت على لقب "سيدة العمل" من الرابطة الوطنية لنوادي سيدات الأعمال والمهنيات لتحقيقها في مجال الصحافة.
نالت الصحفية إثيل باين من شركة جونسون للنشر في عام 1982 جائزة جيرترود جونسون وليامز، ومنحت عام 1987 جائزة ترانس أفريكا للحرية الأفريقية، وحازت على جائزة الإنجاز مدى الحياة من الرابطة الوطنية للصحفيين السود في عام 1988، وحصلت على جائزة "Candace" من الائتلاف الوطني لـ 100 امرأة سوداء، كما جندت في قاعة مشاهير النساء في مقاطعة كولومبيا.
كانت الصحفية إثيل باين واحدة من أربعة صحفيين تم تكريمهم بختم بريد أمريكي في "نساء في الصحافة" عام 2002، مدفوعة بعملها في إفريقيا كمراسلة أجنبية غطت أخبار الحروب والمؤتمرات.
وتم عرض العديد من ممتلكات وجوائز إثيل باين في متحف أناكوستيا المجتمعي في العاصمة الأمريكية واشنطن.
وكُتب عنها في احدى المقالات وفقاً لجريدة واشنطن بوست "لو لم تكن إثيل باين سوداء، فإنها كانت بالتأكيد واحدة من أكثر الصحافيين شهرة في المجتمع الأمريكي".